Trending Events

توازنات طهران:

خمسة تحولات محتملة في مؤسسات النظام السياسي الإيراني محمد عباس ناجي

- محمد عباس ناجي رئيس تحرير مجلة ”مختارات إيرانية“، مركز الدراسات السياسية والاستراتي­جية بالأهرام.

ثمة العديد من الاعتبارات التي تدفع إلى القول إن نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية ربما يبدو مقبلاً على تحولات سياسية عديدة لم يسبق له أن واجهها منذ عام 1979، وهي تحولات لا تبدو هينة في كل الأحوال، حتى وإن كان النظام قد استطاع تجاوز بعض الأزمات الداخلية السابقة.

وتكمن أهم هذه الاعتبارات في أن قضية خلافة المرشد لم تحسم بعد؛ إذ إن السؤال عن من سيخلف المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي في منصبه، على الرغم من أهميته، لايزال من دون إجابة محددة حتى الآن، حيث تتعدد السيناريوه­ات والمبادرات من دون أن يكون هناك اتفاق عام على أي منها.

أما الاعتبار الثاني فيتعلق بالاتفاق النووي النهائي، الذي تزايدت احتمالات توقيعه بين إيران ودول (+1 5) قبل نهاية يونيو 2015، خاصة بعد الإعلان عن الوصول لتفاهمات حول المعايير الرئيسية لهذا الاتفاق في 2 أبريل 2015.

وعلى الرغم من محاولات المرشد خامنئي التقليل من أهمية الاتفاق، فإنه سوف يفرض تداعيات مباشرة على توازنات القوى داخل النظام، خاصة مع اقتراب موعد إجراء انتخابات مجلس خبراء القيادة (الهيئة التي تتولى تعيين وعزل المرشد ومراقبة أعماله) ومجلس الشورى الإسامي (البرلمان)، بالتزامن، في 26 فبراير 2016، بشكل ربما يضاعف من احتمالات تصاعد حدة الصراع بين مؤسسات النظام التي تسيطر عليها تيارات سياسية تتبنى توجهات متباينة حول العديد من القضايا خال المرحلة القادمة. ويتمثل ثالث هذه الاعتبارات في أن ثمة مؤشرات عديدة تكشف عن احتمال إجراء تغييرات في هيكل النظام السياسي، بعد ظهور مبادرات لإعادة العمل بمنصب رئيس الوزراء، الذي تم إلغاؤه في عام 1989. وعلى الرغم من أن هذه المبادرات ما زالت قيد البحث، حيث لم تحظ بتوافق عام ولم تتخذ طابعاً رسمياً بعد، فإن ظهورها، ثم تحولها إلى ما يشبه "كرة الثلج"، ربما يكشف عن طبيعة التحولات التي يمكن أن يشهدها النظام، والتي سوف تؤثر على توازنات القوى بين مؤسساته، خاصة مؤسسة الإرشاد ورئاسة الجمهورية، والتي اتسمت العاقة فيما بينهما بالتعقيد منذ تأسيس النظام في عام 1979، بسبب التداخل الواضح في صاحيات المؤسستين)1،( والذي كرسه الدستور الذي تم وضعه عام 1979 وخضع للتعديل عام 1989. ويرتبط ما سبق بتزايد الحديث داخل إيران عن ما يسمى ظاهرة "الرئيسين"، وهما "رئيس الدولة" و"رئيس الجمهورية"، والتي تطرح دلالات عديدة تتعلق بقضية "تصدير الثورة الإسامية" إلى الخارج، وبموقع رئيس الجمهورية داخل النظام السياسي. في هذا الإطار تتناول هذه الدراسة أبرز التحولات السياسية المحتملة داخل مؤسسات النظام الإيراني خال الفترة المقبلة، والتي تؤكد عليها بعض المؤشرات المهمة، بعضها يتعلق بالصفقة "النووية"، بما تتضمنه من تغيرات محتملة على عاقات إيران، حكومة وشعباً، بالقوى الغربية تحديداً، وبعضها يرتبط بإعادة صياغة "التوازنات الداخلية" حيث يسعى البعض إلى حفظ مواقعه وأدواره داخل النظام، ويسعى البعض الآخر إلى توسيع صاحياته وأدواره.

اأولاً: تداعيات �سيا�سية محتملة بعد الاتفاق النووي

على الرغم من أن اتجاهات كثيرة تتوقع أن يفرض الاتفاق النووي المتوقع تداعيات إيجابية على الداخل الإيراني، باعتبار أنه سوف يساعد حكومة الرئيس حسن روحاني على التعامل مع المشكات الاقتصادية المتفاقمة على غرار ارتفاع معدلات التضخم والبطالة والفقر وانهيار العملة الوطنية، خاصة مع رفع العقوبات الدولية في حال تنفيذ الاتفاق، ومن ثم تقليص حدة الاستياء الشعبي العام؛ فإن ذلك لا يقلص من احتمال اندلاع أزمات سياسية جديدة بسبب هذا الاتفاق. في الجانب الأول، أي ما يتعلق بالتداعيات الإيجابية، يمكن القول إن نجاح الرئيس روحاني في توقيع الاتفاق النووي المحتمل سوف يعزز، في الغالب، من موقعه، سواء داخل النظام السياسي، أو على صعيد الشارع الإيراني، الذي يطمح في رفع العقوبات التي فرضت ضغوطاً ليست هينة، لاسيما على الصعيد الاقتصادي. ولذا يتم الترويج لاتفاق في الداخل باعتباره "إنجازاً" للدبلوماسي­ة التي اتبتعها إيران منذ بداية المفاوضات مع القوى الكبرى، و"انتصارا" يحفظ لإيران برنامجها النووي، ويساهم في الوقت ذاته في رفع العقوبات الدولية المفروضة

عليها؛ وهو ما سوف يؤدي إلى دعم نفوذ التيار "المعتدل"(2) خال المرحلة المقبلة، والتي سوف تشهد استحقاقات سياسية مهمة، في مقدمتها انتخابات مجلس الشورى وانتخابات مجلس الخبراء، التي سوف تجري بالتزامن في 26 فبراير 2016. ويضم هذا التيار "المعتدل" يضم بعض قوى التيار الإصاحي التي ما زالت تؤمن ب"ولاية الفقيه" على الرغم من أنها تنتقد بعض سياسات النظام على غرار "مجمع روحانيون مبارز" )مجمع رجال الدين المناضلين(، إلى جانب بعض أقطاب اليمين المحافظ المقربين من رئيس الجمهورية الأسبق رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني)3(. ومن دون شك، فإن تعزيز موقع روحاني داخل النظام ربما يدفعه إلى محاولة حسم بعض القضايا الخافية الأخرى، وعلى رأسها دور بعض المؤسسات الأمنية والاجتماعي­ة في الاقتصاد، وملف الفساد، والحريات العامة، خاصة فيما يتعلق بفرض الإقامة الجبرية على زعيمي حركة الاحتجاج على الانتخابات الرئاسية التي أُجرِيت في عام (4 2009)، مير حسين موسوي (آخر رئيس لوزراء إيران قبل إلغاء المنصب في عام 1989،) وزوجته زهرا راهنافارد، ومهدي كروبي رئيس مجلس الشوري الأسبق، وهي القضية التي يتعرض روحاني بسببها لضغوط قوية من جانب حلفائه الذين بدأوا في توجيه انتقادات قوية له بسبب تغاضيه عن تسويتها خال الفترة الماضية من رئاسته. وربما يكون ذلك هو أحد أسباب حالة القلق التي تبدو عليها بعض مؤسسات النظام التي تنتابها مخاوف عديدة من إمكانية أن يؤدي الاتفاق النووي إلى تقليص نفوذها وصاحياتها. بمعني آخر، فإن هذه المؤسسات ترى أن الاتفاق النووي لن يعزز من احتمالات عودة الشركات الأجنبية الكبرى لاستثمار في إيران، بشكل يمكن أن يخصم من نفوذها الاقتصادي فحسب، بل يمكن أن يضفي مزيداً من الأهمية والزخم على دعوة الرئيس روحاني لإبعادها عن التدخل في الشؤون السياسية. وثمة من يذهب داخل إيران إلى أن روحاني ربما يتجه نحو محاولة دمج قوات الحرس الثوري داخل القوات النظامية، وهو ما يمكن أن يفرض تداعيات سلبية عديدة على الدور

السياسي والاقتصادي للحرس، والذي استطاع من خاله التحول إلى رقم مهم في عملية صنع القرار، سواء في القضايا الداخلية أو الخارجية. جدير بالذكر أن هناك بعض رؤساء الجمهورية السابقين، أمثال الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني -1997) )1989 من حاولوا إدماج الحرس الثوري داخل قوات الجيش، لكنهم فشلوا في تحقيق ذلك لاعتبارات عديدة، أهمها رفض المرشد الأعلى علي خامنئي، وتصاعد نفوذ الحرس بعد رفع سقف العقوبات المفروضة على إيران)5،( حيث سعت الشركات التابعة للحرس الثوري إلى ملء الفراغ الناتج عن انسحاب الشركات الأجنبية من الاستثمار في إيران، بشكل أدى إلى تزايد دوره في الاقتصاد. وربما يفسر ذلك أسباب العداء الذي يبديه الحرس الثوري تجاه رفسنجاني تحديداً، حيث يصفه بشكل مستمر بأنه "أحد أضاع تيار الفتنة"، الذي يطلق على قادة حركة الاعتراض على نتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت في عام 2009. وعلى الرغم من أن العاقة بين الرئيس السابق أحمدي نجاد والحرس الثوري كانت قوية، لدرجة أن الحرس كان أحد المؤسسات الرئيسية التي دعمت أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية التي أجريت عام 2005 وحقق فيها فوزاً كبيراً على حساب هاشمي رفسنجاني، فإن هذه العاقة قد ساءت خال فترة نجاد الرئاسية الثانية -2013،( )2009وذلك بعد الاتهامات المتعددة التي وجهها نجاد للحرس بالمسؤولية عن إدارة شبكات تهريب عبر الحدود مع الدول الأخرى، إلى جانب دعمه الواضح للتوجهات الفكرية التي تبناها بعض المقربين منه، وأبرزهم مدير مكتبه اسنفديار رحيم مشائي، على غرار فكرة "العودة القريبة للإمام"، التي أثارت ردود فعل متشددة من جانب المرشد ورجال الدين، لأنها تعني في المقام الأول انتفاء الحاجة لمنصب المرشد أو الولي الفقيه، باعتباره يمثل "همزة الوصل" بين الإمام وجمهور الشيعة. وقد وصل التوتر بين الطرفين إلى درجة إبداء الحرس "ندمه" على دعم أحمدي نجاد في مواجهة خصومه، حيث قال علي سعيدي ممثل المرشد في الحرس الثوري: "إن تلك القوات نادمة على مساندتها لأحمدي نجاد.. لكننا لم نكن نعلم بشكل دقيق ما كان يدور في ذهنه أو ما ينوي فعله مستقباً"( 6 ). وعلى ضوء ذلك، وفي ظل توقع التداعيات السلبية لاتفاق النووي المرتقب، ربما يمكن القول إن الحرس الثوري يراقب سياسات الرئيس روحاني بدقة، ويسعى إلى عرقلة أية إجراءات قد تؤدي إلى تقليص نفوذ الحرس، خاصة أن دوائر عديدة داخل الحرس ترى أن روحاني يتبنى هذا التوجه؛ وهو ما يبدو جلياً في الدعوات المتكررة التي أطلقها الرئيس بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2013، بابتعاد الحرس عن التدخل في الشؤون السياسية، حيث قال خال لقائه مع مجموعة من ضباط الحرس، في 16 سبتمبر 2013، إن "الحرس يجب أن لا يتورط في الألعاب السياسية لأنه ينتمي إلى الأمة الإيرانية كلها")7،( وهو ما رد عليه الأخير بتوجيه انتقادات قوية للحكومة، حيث قال قائد الحرس الجنرال محمد على جعفري، إن "التهديد الرئيسي يأتي من الساحة السياسية والحرس لا يمكن أن يلتزم الصمت تجاه ذلك")8،( في إشارة إلى أن الحرس لن يستجيب لمطالبات روحاني بالانسحاب من الشؤون السياسية. وقد دفع ذلك المرشد خامنئي إلى التدخل لتسوية الخاف بين الطرفين، حيث أكد أنه "ليس من الضروري أن ينخرط الحرس في المجال السياسي لكي يحرس عليه، لكنه يجب أن يكون على دراية بالمجال السياسي")9،( وهو تصريح يتضمن رسائل متناقضة، وإن كان المغزى الذي أشار إليه المرشد صراحة هو أن الدور السياسي المسموح به للحرس هو ذلك الذي يحدده المرشد بنفسه، والذي يرتبط برؤيته لتوازنات القوى السياسية داخل النظام ورغبته في تحجيم أو دعم موقع بعض المؤسسات وفي مقدمتها رئاسة الجمهورية. وبالطبع، فإن الدور السياسي لبعض مؤسسات النظام لن يكون القضية الخافية الوحيدة بين الرئيس وهذه المؤسسات، إذ إن روحاني ربما يحاول إثارة ملف المعتقلين السياسيين، من خال المطالبة بإجراء محاكمة عادلة لموسوي وكروبي، من أجل تسوية هذه القضية. ومن المتوقع أيضاً أن يواصل الرئيس حملته على الفساد، الذي يطول، وفقاً لاتجاهات عديدة، مؤسسات داخل النظام، ما جعل إيران تحتل المرتبة 136 من ضمن 175 دولة يتضمنها تقرير منظمة "الشفافية الدولية"، الذي صدر في بداية ديسمبر 2014. والافت في هذا السياق هو أن تأثير الاتفاق النووي على توازنات القوى الداخلية في إيران، كان محط اهتمام من جانب الدول الغربية، وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما بدا جلياً في تأكيد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، عقب الإعان عن الوصول لمذكرة تفاهم في 2 أبريل 2015، على أن "الاتفاق يمكن أن يعزز نفوذ المعتدلين في

الداخل"، مشيراً إلى أنهم "إذا ظهروا في صورة من يحقق أهداف شعبه، يفترض أن يعزز ذلك موقفهم في مواجهة المحافظين"( 10 ). هذا التصريح تحديداً يطرح دلالة مهمة تتمثل في أن ثمة اتجاهاً لدى الغرب يرى أن مكاسب الاتفاق النووي مع إيران، بالنسبة لمجموعة +1"، "5لا تنحصر فقط في فرض قيود شديدة على قدرات إيران النووية، وتوسيع الخيارات المتاحة أمام القوى الدولية للتعامل مع أية محاولة من جانب إيران لالتفاف على الاتفاق، بما فيها الخيار العسكري، الذي يمكن أن يكون في تلك اللحظة الأداة الرئيسية لمنع إيران من الوصول إلى عتبة القنبلة النووية؛ وإنما تمتد أيضاً إلى دعم تأثير ونفوذ المعتدلين داخل معادلة صنع القرار، بشكل يمكن أن يساعد، على المدى الطويل، في إجراء تعديات في السياسة الإيرانية، لاسيما في التعامل مع الملفات الإقليمية الرئيسية، مثل الملف السوري والعراقي واليمني، خاصة أن الاتفاق ربما يؤدي في الوقت ذاته إلى إضعاف دور ونفوذ المؤسسات الراديكالي­ة وعلى رأسها الحرس الثوري، الذي يحظى دوره في دعم النفوذ الإيراني في المنطقة - إلى جانب البرنامج النووي - باهتمام خاص من جانب الولايات المتحدة الأمريكية تحديداً، وهو ما انعكس في فرض عقوبات على قادة وشركات عديدة تابعة للحرس الثوري. بيد أن تلك الطموحات الغربية ربما تفرض تداعيات عكسية داخل إيران، فعلى سبيل المثال، ربما يستغل المحافظون الأصوليون تصريحات أوباما الأخيرة لفرض مزيد من الضغوط على تيار المعتدلين بقيادة روحاني، بهدف منعه من استثمار الاتفاق النووي لتعديل توازنات القوى السياسية لصالحه، وتوجيه اتهامات عديدة إلى الأطراف التي تدعو إلى تحسين العاقات مع الولايات المتحدة، على غرار هاشمي رفسنجاني، بتهديد ثوابت النظام من خال محاولة فتح قنوات تواصل مع "شيطان بزرگ" أو )الشيطان الأكبر(. وربما يكون ذلك هو ما دفع المرشد على خامنئي إلى التشكيك في النوايا الأمريكية تجاه الاتفاق المحتمل توقيعه قبل نهاية يونيو 2015، حيث أشار، في 9 أبريل 2015، إلى أنه، على عكس الأجواء المتفائلة بالإعان عن التوصل لمذكرة التفاهم، "ليس مع اتفاق لوزان أو ضده"، مضيفاً أن "الجهة الأخرى تريد إغراق بادنا في التفاصيل"، وهي إشارة إلى أن خامنئي لا يبدي أي ثقة في التزام الغرب بالاتفاق) خاصة فيما يتعلق برفع العقوبات المفروضة على إيران، وهو ما يزيد من احتمالات ظهور خافات جديدة في المفاوضات التي سوف تجري بين إيران ودول (1+5(خال الأشهر الثاثة القادمة حتى انتهاء المهلة الحالية في 30 يونيو 2015، للتوصل إلى تسوية لأزمة الملف النووي. وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن اتساع نطاق الخافات بين مؤسسات النظام حول العديد من القضايا من شأنه زيادة احتمالات اندلاع أزمات سياسة جديدة في الفترة القادمة، خاصة أنه يتزامن مع تصاعد قلق بعض المؤسسات الراديكالي­ة التي يسيطر عليها المحافظون المتشددون، على غرار مجلس صيانة الدستور، والحرس الثوري، من احتمال سعي الإصاحيين، وتيار المعتدلين بصفة عامة، لاستثمار الاتفاق من أجل تعزيز فرصهم في الفوز بنتائج مؤثرة في الانتخابات القادمة لمجلسي الشوري والخبراء. وقد انعكست تلك المخاوف في تصريحات رئيس مجلس صيانة الدستور آية اله أحمد جنتي، التي حذر فيها من "جماعات تخطط لاحتال مجلس الخبراء"، مؤكداً أن "ذلك يعزز من مسؤوليات الرقابة التي يمارسها مجلس صيانة الدستور")12.( فهذا التصريح تحديداً يشير إلى أن النظام ربما يتجه إلى تبني سياسة متشددة في التعامل مع الإصاحيين، على غرار ما حدث قبيل انتهاء الفترة الرئاسية الثانية للرئيس الأسبق محمد خاتمي، حيث رفض مجلس صيانة الدستور ترشيحات كثير من الإصاحيين في انتخابات مجلس الشورى التي أجريت في عام )13 2004،( مما أدى إلى سيطرة المحافظين على المجلس، وهو الأمر الذي يمكن أن يتكرر خال الفترة القادمة. كما يمكن أن يلجأ النظام إلى إجراء اختبار فقهي للمرشحين لانتخابات مجلس الخبراء، بشكل ربما يحول دون وصول بعض المرشحين المؤيدين للتيار الإصاحي إلى المجلس. وربما يكون اتجاه تيار المحافظين الأصوليين إلى فرض قيود جديدة على تأسيس الأحزاب السياسية محاولة من جانبه لاستباق أية تحولات محتملة في توازنات القوى قبل الانتخابات القادمة، حيث صادق مجلس الشورى الإسامي، الذي يخضع لسيطرة هذا التيار، في يوليو 2014، على مشروع جديد يحدد المعايير التي يجب الالتزام بها عند التقدم بطلب لتأسيس حزب جديد، وعلى رأسها عدم التورط في أنشطة تهدد أمن الدولة داخلياً وخارجياً، وعدم صدور أحكام قضائية تمنع ممارسة الحقوق الاجتماعية والإيمان بالدستور وولاية الفقيه المطلقة، وعدم المشاركة في أحزاب سبق أن تعرضت للحل من جانب السلطات. ويبدو أن هذا الشرط الأخير تم وضعه بالتحديد لمنع بعض القوى السياسية الإصاحية التي أيدت مطالب "الحركة الخضراء" وشاركت في الاحتجاجات التي شهدتها إيران في عام 2009، من المشاركة في الانتخابات القادمة، على

يُثِير الاتفاق النووي النهائي بين إيران ودول (+1 5) حال توقيعه قبل نهاية يونيو المقبل، بما يحمله من تقارب إيراني غربي؛ العديد من التداعيات في الداخل الإيراني؛ فهو يمثل فرصة للرئيس حسن روحاني وتيار المعتدلين من أجل تعزيز مواقعهم داخل النظام، فيما سوف يعمل المحافظون المتشددون والحرس الثوري والمؤسسات الراديكالي­ة على تقليص مكاسب الأطراف الأخرى.

غرار حزب "جبهه مشاركت إسامي" )جبهة المشاركة الإسامية(، و"سازمان مجاهدين انقاب إسامي" )منظمة مجاهدي الثورة الإسامية(، وهما الحزبان اللذان ينتميان إلى الجناح الليبرالي من التيار الإصاحي وتم حلهما في عام (14 2009). ومن دون شك، فإن السيطرة على مجلس الشورى ومجلس الخبراء تحظى بأهمية خاصة من جانب المحافظين المتشددين والمؤسسات الراديكالي­ة، لاعتبارين رئيسيين: أولهما، أنها سوف تُمكِن المحافظين من عرقلة البرامج السياسية والاقتصادي­ة للرئيس روحاني، والتي يتوقع أن يسعى إلى تفعيلها في مرحلة ما بعد إنجاز الاتفاق النووي. وثانيهما، أنها سوف تدعم من موقع المحافظين في عملية اختيار المرشد القادم للجمهورية الإسامية، خاصة في ضوء تزايد الجدل عن الوضع الصحي للمرشد الحالي على خامنئي، وتصاعد مخاوف المحافظين من مساعي رجال الدين المؤيدين للتيار الإصاحي، ومنهم الرئيس حسن روحاني، إلى الفوز بعدد كبير من مقاعد مجلس الخبراء في دروته القادمة التي سوف تستمر ثماني سنوات، من أجل تعزيز قدرتهم على اختيار المرشد القادم.

ثانياً: ت�ساعد ظاهرة "الرئي�سين"

بدأ الحديث يتزايد على الساحة السياسية الإيرانية عن وجود فارق شاسع، خاصة فيما يتعلق بالصاحيات، بين "رئيس الدولة"، وهو المنصب الذي يتولاه المرشد الأعلى للجمهورية الإسامية على خامنئي، و"رئيس الجمهورية" الذي يمثله الرئيس حسن روحاني. ويطرح ذلك الاختاف، الذي أكده الدستور بالصاحيات التي منحها لكل من المنصبين، دلالات عديدة: تتمثل الدلالة الأولى، في أن "الدولة" التي يقودها المرشد أو الولي الفقيه ربما تكون أكثر اتساعاً من "الجمهورية" التي يتولى إدارتها الرئيس، بما يعني أن الأولى، على عكس الثانية، لا تتقيد بحدود إيران الجغرافية فقط، وهو ما يلقي الضوء من جديد على قضية "تصدير الثورة"، التي تحظى باهتمام خاص من جانب بعض مؤسسات الدولة. وعلى الرغم من أن الأخيرة تنفي دائماً سعيها إلى وضع تلك القضية على قمة أولوياتها، فضاً عن أن بعض الآراء في إيران تشير إلى أن ولاية الفقيه، وبسبب الظروف التي تواجهها إيران، أصبحت مقتصرة على حدود إيران فقط، فإن أن تحركات إيران في المنطقة، وسعيها إلى التدخل في الشؤون الداخلية لكثير من دولها، لاسيما تلك التي تواجه أزمات مزمنة على غرار اليمن والعراق وسوريا ولبنان، تشير إلى أنها ما زالت تكتسب زخماً خاصاً داخل دوائر صنع القرار في طهران. وتنصرف الدلالة الثانية إلى أن التركيز على هذا التمايز في الوقت الحالي لا ينفصل عن الجهود التي تبذلها بعض المؤسسات والقوى السياسية من أجل إضعاف موقع رئيس الجمهورية داخل النظام السياسي، باعتباره مسؤولاً "تنفيذياً"، تنحصر مهمته في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتطبيق توجيهات وسياسات المرشد. ومما لا شك فيه أن تصاعد هذا الاتجاه يعود إلى المشكات العديدة التي تسببت فيها الجهود الحثيثة التي بذلها رؤساء الجمهورية المتعاقبون، الذين سعوا إلى توسيع صاحياتهم، على حساب صاحيات المرشد، فضاً عن وجود مخاوف من جانب المحافظين الأصوليين من إمكانية اتجاه الرئيس حسن روحاني إلى محاولة استثمار الصفقة النووية من أجل تعزيز موقعه داخل دوائر صنع القرار، على الرغم من إدراكهم أن تلك الصفقة لم تتم إلا من خال ضوء أخضر من جانب المرشد. ومن هنا بدأت بعض الاتجاهات تركز على أن الإعان عن الوصول لمذكرة التفاهم الخاصة بالملف النووي في 2 أبريل 2015، يمثل "إنجازاً" للمرشد خامنئي في المقام الأول، الذي كان حرصه من البداية على تحقيق أكبر قدر من التقدم في البرنامج النووي، على الرغم من العقوبات الدولية المفروضة على إيران، سبباً في نجاح إيران في تحقيق مكاسب عديدة، طبقاً لرؤية تلك الاتجاهات. وعلى المنوال نفسه، يمكن تفسير تعمد وسائل الإعام التي تنتمي إلى تيار المحافظين الأصوليين، أو القريبة من مؤسسة الإرشاد نفسها، إلقاء الضوء على الرسائل المتعددة التي وجهها الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى المرشد خامنئي، لدعم فرص التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران ودول (1+5؛) إذ تهدف تلك الخطوات إلى الإيحاء بأن المرشد، وليس رئيس الجمهورية، هو صاحب الكلمة الفصل في المفاوضات النووية فضاً عن القضايا الرئيسية الأخرى.

لكن الأهم من ذلك هو تأكيد تلك الاتجاهات على أن الدور الذي قام به الرئيس روحاني للوصول إلى الاتفاق انحصر في تنفيذ توجيهات المرشد، خاصة فيما يتعلق بالتركيز على القضية النووية فقط في المفاوضات وعدم التطرق إلى الملفات الإقليمية، فضاً عن الإصرار على توقيع اتفاق واحد فقط بدلاً من اتفاق على مرحلتين في 30 يونيو 2015. أما الدلالة الثالثة فتتعلق بأن جهات عديدة داخل إيران تعتبر أن المرشد هو "إمام الأمة" و"رئيس الدولة الإسامية"، وليس "الجمهورية الإيرانية" فقط، وترى أن ما يدعم هذه الفكرة هو أن الدستور بدا حريصاً على عدم وضع "الجنسية" كأحد شروط اختيار المرشد، كما هي الحال بالنسبة لرئيس الجمهورية، حيث تتمثل الشروط الازم توفرها في المرشد، طبقاً لما جاء في المادة (109) من الدستور، في الكفاءة العلمية الازمة للإفتاء في مختلف أبواب الفقه، والعدالة والتقوى الازمتين لقيادة الأمة الإسامية، والرؤية السياسية الصحيحة، والكفاءة الاجتماعية والإدارية، والتدبير والشجاعة، والقدرة الكافية للقيادة(15). كما تحدد المادة نفسها آلية اختيار المرشد في حالة توفر أكثر من شخص حائز على الشروط السابقة، حيث تقضى بأنه عند تعدد من تتوفر فيهم الشروط المذكورة، يفضل من كان منهم حائزاً على رؤية فقهية وسياسية أقوى من غيره، على اعتبار أن المنصب يتطلب وجود هذه الرؤية بجانب المؤهات الدينية. أما رئيس الجمهورية، فإن أول شرط في اختياره هو أن يكون إيراني الجنسية، حيث حدد الدستور في المادة (115) خمسة شروط للترشح لرئاسة الجمهورية هي: أن يكون إيراني الأصل ويحمل الجنسية الإيرانية، وأن يكون قادراً في مجال الإدارة والتدبير، وأن يكون حسن السيرة وتتوافر فيه الأمانة والتقوى، وأن يكون مؤمناً معتقداً بمبادئ جمهورية إيران الإسامية والمذهب الرسمي للباد، وهذا الشرط الأخير تحديداً يمثل تحيزاً مذهبياً من جانب النظام الإيراني، على الرغم من أن الدستور لا يعترف بالحدود بين القوميات والمذاهب حسب المواد (19) و(20) والبند التاسع من المادة(3). وتستند تلك الاتجاهات إلى أن عدم تضمين الجنسية كشرط من شروط اختيار المرشد يعود أيضاً إلى أن الجماعات التي تتبع الولي الفقيه وتتلقى منه التكليف الشرعي، وربما السياسي، لا تنحصر في الإيرانيين فقط، بل تمتد إلى الجماعات الشيعية المنتشرة في مختلف أنحاء العالم، بدليل أن بعض الأحزاب والتيارات الشيعية الموجودة في المنطقة أعلنت تبعيتها لخامنئي، على غرار "حزب الله" اللبناني، و"المجلس الأعلى الإسامي" العراقي(16). لكن ذلك لا ينفي أن المتغير القومي (الفارسي) يفرض نفسه في قضية اختيار المرشد القادم، ويبدو ذلك جلياً في التحفظات العديدة التي يبديها بعض كبار رجال الدين على آية اله محمود هاشمي شاهردوي، الذي يتولى حالياً النائب الأول لرئيس مجلس الخبراء، وكان رئيساً سابقاً للسلطة القضائية، حيث تشير بعض الاتجاهات إلى أن شاهرودي أحد المرشحين المحتملين لمنصب المرشد، إلا أن أصله العراقي يظل عقبة تحول دون وصوله إلى هذا المنصب، حيث هرب إلى إيران عام 1979، وكان يتولى رئاسة "المجلس الأعلى للثورة الإسامية" العراقي (المجلس الأعلى الإسامي حالياً) في المنفي، قبل أن يتولى مناصب رفيعة داخل النظام السياسي الإيراني، على غرار رئاسة السلطة القضائية.

ثالثاً: اتجاه تحول النظام ال�سيا�سي من رئا�سي اإلى برلماني

بدأت اتجاهات عديدة داخل إيران تشير إلى إمكانية أن تكون الفترة الرئاسية الحالية، وربما القادمة، للرئيس حسن روحاني بمنزلة مرحلة انتقالية من أجل تغيير النظام السياسي من رئاسي إلى برلماني مرة أخرى، كما كان خال العقد الأول من الثورة. وكان المرشد الأعلى علي خامنئي قد ألمح إلى هذا الاحتمال، في أكتوبر 2011، عندما كشف عن إمكانية تغيير النظام، على المدى البعيد، من رئاسي إلى برلماني، في إشارة إلى أنه قد يمكن إلغاء آلية اختيار رئيس الجمهورية بشكل مباشر واستبدالها بآلية أخرى عبر تكليف برلماني(17). وقد عادت تلك القضية مجدداً إلى واجهة الأحداث في يوليو 2014، عندما أشار النائب البرلماني يونس أسدي، إلى أن "هناك مداولات داخل مجلس الشورى بشأن تغيير النظام إلى برلماني"، مضيفاً أنه "عندما يتم التوصل إلى قرار في هذا الشأن يتوجب على رئيس الجمهورية أن يقوم بتقديم رئيس للوزراء إلى المجلس ليبدأ تولي مهام منصبه"(18). لكن ثمة ماحظات عديدة يجب أخذها في الاعتبار في هذا السياق: الأولى، أنه لا يمكن تصنيف النظام السياسي الإيراني الحالي على أنه نظام رئاسي، وفقاً للأنماط الكاسيكية للأنظمة السياسية، في ظل الموقع الرئيسي الذي يحظى به المرشد الأعلى للجمهورية، والذي لا يوجد في أي نظام سياسي آخر، خاصة لجهة مزجه بين دوره السياسي والديني، فهو المرشد الأعلى للجمهورية والولي الفقيه الذي ينوب عن الإمام المهدي إلى حين عودته وفقاً للرواية الشيعية. بعبارة أخرى، فإن رئيس الجمهورية ليس هو المسؤول الأول في النظام السياسي الإيراني، كما هو متعارف عليه في الأنظمة السياسية الرئاسية المنتشرة في العالم، بسبب التداخل

يحمل تضمين الدستور الإيراني صلاحيات مختلفة لكل من المرشد الأعلى للجمهورية ولرئيس الجمهورية دلالة مهمة تتمثل في أن "الدولة" التي يقودها المرشد أو الولي الفقيه ربما تكون أكر اتساعاً من "الجمهورية" التي يتولى إدارتها الرئيس؛ مما يعني أن الأولى (الدولة)، لا تتقيد بحدود الثانية (الجمهورية) الجغرافية فقط، وأن المرشد هو "إمام الأمة" و"رئيس الدولة الإسلامية"، وليس "الجمهورية الإيرانية" فقط.

الواضح في الصاحيات بين الرئيس والمرشد؛ فالأخير يمتلك، وفقاً للدستور، سلطات تنفيذية تمثل خصماً من تلك التي يمتلكها الرئيس، على غرار وضع السياسات العامة للنظام بالتشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام، وتعيين القيادة العامة للقوات المسلحة، وإصدار الأمر بالاستفتاء العام، وإعان الحرب والسام، فضاً عن تعيين وعزل فقهاء مجلس صيانة الدستور، وهو كذلك أعلى مسؤول في السلطة القضائية، ورئيس هيئة الأركان المشتركة، والقيادات العليا في القوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي(19). أما الملحوظة الثانية، فهي أن العاقة بين رئيس الجمهورية ومجلس الشورى (البرلمان) تبدو أكثر تعقيداً بالمقارنة بالأنظمة السياسية الأخرى؛ إذ إن مجلس الشورى يستطيع استجواب رئيس الجمهورية والوزراء، كما يمكنه حجب الثقة عن أي وزير، والتصويت على عدم أهلية أو صاحية الرئيس، بشكل يمكن أن يؤدي إلى عزله، بعد رفع تقرير عدم الصاحية إلى المرشد الأعلى للجمهورية. وفي المقابل، لا يمتلك رئيس الجمهورية صاحية حل مجلس الشورى، والملحوظ أنه لا توجد أية مؤسسة أخرى تمتلك هذه الصاحية بما فيها مؤسسة الإرشاد، وهو ما يفرد مكانة خاصة للبرلمان داخل النظام السياسي الإيراني، وهو اتجاه تعمد قائد الثورة ومؤسس الجمهورية الإمام الخميني ترسيخه، من أجل الحيلولة دون سيطرة السلطة التنفيذية على معادلة صنع القرار. وفي رؤية اتجاهات عديدة، فإن ذلك ربما ساهم في تجنيب النظام الأزمات السياسية التي اندلعت خال الفترتين الرئاسيتين للرئيس السابق أحمدي نجاد )2013-2005)، عندما اتسعت مساحة الخافات بين الرئيس ومجلس الشورى، لدرجة أدت إلى خضوعه لاستجواب من قبل المجلس لأول مرة في تاريخ الجمهورية الإسامية)20،( وهو الأمر الذي قد يكرس مزيداً من أدوار المجلس، بحيث قد يصبح له دور أساسي في تعيين رئيس الوزراء الجديد، الذي ربما ينتمي، في هذه الحالة، إلى الأغلبية المسيطرة على البرلمان، بشكل يمكن أن يؤدي، وفقاً لتلك الرؤية، إلى دعم قدرة الحكومة على إدارة شؤون الدولة. من جانب آخر، فإن تفرد رئيس الجمهورية، بعد إلغاء منصب رئيس الوزراء في عام 1989، بالسلطة التنفيذية، دفعه إلى المطالبة بتوسيع صاحياته بشكل أدى إلى دخوله في خافات متعددة مع المرشد نفسه، على غرار ما حدث بين الأخير والرؤساء السابقين هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي وأحمدي نجاد، وربما يحدث الأمر ذاته مع حسن روحاني خال المدة المتبقية من فترته الرئاسية الأولى، أو في حالة فوزه بفترة رئاسية ثانية في الانتخابات الرئاسية التي سوف تجري في عام 2017. لكن ثمة اتجاهات أخرى تشير إلى أن إعادة العمل بمنصب رئيس الوزراء ربما تكون من الأدوات التي يمكن أن يلجأ إليها خصوم الرئيس حسن روحاني بهدف تقليص صاحياته، خاصة بعد التوقيع على الاتفاق الإطاري النووي، على اعتبار أن تفعيل هذا المنصب سوف يخصم في المقام من صاحيات الرئيس، ويضعف قدرته على تمرير برامجه السياسية والاقتصادي­ة، لاسيما في حالة ما إذا كان رئيس الوزراء معارضا لتوجهات الرئيس.

ومع ذلك، فإن إعادة العمل بمنصب رئيس الوزراء بقدر ما يمكن أن يصب في صالح المرشد، الذي لن يواجه، في هذه الحالة، تطلعات من جانب رئيس الجمهورية لزيادة صاحياته، على اعتبار أن مركزه سوف يضعف بشكل كبير بسبب انتقال بعض صاحياته إلى رئيس الوزراء، بقدر ما يمكن أن تتسبب في أزمات عديدة ربما تؤثر سلباً على إدارة شؤون الدولة، على خلفية التداخل المحتمل في صاحيات الرئيس ورئيس الوزراء، مثلما حدث خال العقد الأول من الثورة -1989،( )1979حيث كان آخر نموذج لهذا التداخل الخافات المتعددة التي نشبت بين رئيس الجمهورية آنذاك على خامنئي )المرشد الأعلى حالياً( ورئيس الوزراء مير حسين موسوي، والذي أدى في النهاية إلى إلغاء منصب رئيس الوزراء، بمقتضى تعديل دستوري أجري في عام 1989، وفرض ذلك تأثيرات سلبية عديدة على العاقة بين خامنئي وموسوي بدت جلية خال الأزمة السياسية التي واجهتها إيران في عام 2009، بعد اعتراض "الحركة الخضراء" بزعامة موسوي) على نتائج الانتخابات الرئاسية التي أسفرت عن فوز الرئيس السابق أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية.

كما أن ثمة مشكلة أخرى، تتمثل في احتمال عودة التيار المعتدل إلى السلطة من جديد، خاصة في حالة نجاحه في تحقيق نتائج بارزة خال انتخابات مجلسي الشوري والخبراء القادمة، بشكل يمكن أن يعزز من دوره في اختيار رئيس

الوزراء، في حالة ما إذا اتجه النظام السياسي إلى تفعيل هذا المنصب مرة أخرى.

رابعاً: مبادرات جديدة لخلافة المر�سد

بدأ الجدل يتصاعد من جديد داخل إيران حول الخليفة المحتمل الذي سيتولى منصب المرشد الأعلى للجمهورية، خاصة بعد العملية الجراحية التي أجراها علي خامنئي في سبتمبر 2014، والتي بدا الإعان عنها لافتاً، خاصة أن الوضع الصحي للمرشد اتسم دائماً بالغموض الشديد، ما اعتبره مراقبون محاولة من جانب النظام لتهيئة الساحة أمام فتح قضية "الخافة" في المرحلة القادمة. وقد بدأ رئيس الجمهورية الأسبق رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني في إثارة هذا الجدل، عندما ركز على قضية "خافة خامنئي"، خال حواره مع صحيفة "جمهورية إسامي" (الجمهورية الإسامية)، في فبراير 2015، حيث طرح سيناريوهين رئيسيين لقضية الخافة: الأول، القيادة الفردية، وتتمثل في تعيين شخصية دينية لتولي منصب المرشد الأعلى للجمهورية، على غرار ما حدث في عام 1989، حينما تم اختيار رئيس الجمهورية علي خامنئي لخافة الخميني)22.( والثاني، القيادة المشتركة، وتنصرف إلى تكوين مجلس "شورى الفقهاء" من مجموعة من رجال الدين أعضاء مجلس الخبراء، لإدارة شؤون الدولة، خلفاً للمرشد خامنئي. وقد أعلن رفسنجاني تفضيله السيناريو الثاني، حيث أشار إلى أنه من الأفضل عدم تكرار نموذجي الخميني وخامنئي، وقال إن "إدارة ولاية الفقيه من قبل مجلس بدلاً من شخص واحد مائم أكثر"(23). والافت في هذا السياق، هو أن رفسنجاني يحاول تجنب اللجوء إلى الخيار الذي حدده الدستور للتعامل مع مشكلة الفراغ المفاجئ لمنصب المرشد، والذي يقضي بتكوين مجلس شورى ثاثي (يضم رئيس الجمهورية ورئيس السلطة القضائية وأحد فقهاء مجلس صيانة الدستور يختاره مجمع تشخيص مصلحة النظام)، وهو الخيار الذي لن يحل مشكلة الخافة إلا بشكل مؤقت، إذ سرعان ما سوف تتصاعد من جديد حدة الصراعات بين القوى والمؤسسات الرئيسية في النظام حول هوية المرشد الجديد للجمهورية، خاصة أن مصالح ومواقع هذه المؤسسات ربما تتأثر، بدرجة كبيرة، بهوية خليفة خامنئي، على غرار الحرس الثوري، الذي على الرغم من أنه لا يمتلك صاحية المشاركة، نظرياً، في عملية اختيار المرشد، فإن نفوذه وموقعه داخل النظام ربما يحولاه إلى رقم مهم في تلك العملية. وبالطبع، فقد أثار ذلك ردود فعل متباينة داخل إيران، حيث اعتبرها بعض خصوم رفسنجاني داخل تيار المحافظين الأصوليين محاولة من جانبه للوصول إلى المنصب الأهم في النظام، أو على الأقل المشاركة في مجلس القيادة الذي يمكن أن يحل محل المرشد خامنئي في حالة وفاته أو غيابه لأى سبب من الأسباب. وعلى ضوء ذلك، سارع خصوم رفسنجاني إلى الضغط من أجل الإسراع في إعادة تشكيل هيئة رئاسة مجلس الخبراء بعد وفاة رئيسه محمد مهدوي كني في أكتوبر 2014، وذلك لهدفين: أولهما، توجيه رسالة إلى الداخل تؤكد قدرة النظام على التعامل مع أية أزمات مفاجئة قد يواجهها، بسبب الفراغ المحتمل في بعض المناصب الرئيسية في مؤسساته، بما يوحي بقدرته أيضاً على مواجهة قضية خافة خامنئي بشكل يجنبه مواجهة أية أزمة محتملة. وثانيهما، استباق الوصول لمذكرة التفاهم بين إيران ودول +1) (5للحيلولة دون استغال التيار المعتدل، بقيادة رفسنجاني وروحاني، لنتائجها في إيصال أحد مرشحيه إلى رئاسة المجلس، سواء كان رفسنجاني أو أي شخصية أخرى. وعلى ضوء ذلك، تم إجراء الانتخابات على رئاسة المجلس في 10 مارس 2015، حيث ترشح فيها كل من هاشمي رفسنجاني ومحمد يزدي ومحمد مؤمن، فيما انسحب محمود هاشمي شاهرودي قبيل بدء الاقتراع. وقد أجريت الانتخابات على مرحلتين، في الأولى حصل يزدي على 35 صوتاً ورفسنجاني على 25 صوتاً، فيما نال مؤمن أصوات 12 عضواً، وهو ما أدى إلى إجراء جولة إعادة بين يزدي ورفسنجاني، حسمها الأول لصالحه بعد أن حصل على 47 صوتاً مقابل 24 لرفسنجاني(24). ومن دون شك، فإن هذا الصراع على رئاسة مجلس الخبراء، على الرغم من أن مدتها لن تتجاوز عاماً واحداً،

يزيد من أهمية الانتخابات القادمة لأعضاء مجلس الخبراء التي سوف تجري بالتزامن مع انتخابات مجلس الشورى في 26 فبراير 2016 (والتي سوف يُعَاد فيها التصويت على رئاسة المجلس)، خاصة أن موازين القوى التي سوف تتشكل بعد الانتخابات سوف تعكس، بدرجة ما، اتجاهات الخافة التي سوف تفرض نفسها على المشهد السياسي خال المرحلة القادمة.

خام�ساً: �سراع محتمل على دور مجل�س ال�سورى (البرلمان)

يبدو أن إيران سوف تشهد، خال المرحلة القادمة، صراعاً على أدوار بعض مؤسسات النظام، لاسيما مجلس الشورى الإسامي، وربما مجلس صيانة الدستور. فقد بدأ أحد الاتجاهات داخل دوائر صنع القرار في إيران، في الدعوة إلى تقليص صاحيات هاتين المؤسستين، من خال تفعيل بعض المواد "المُعطَّلة" في الدستور، على غرار المادة الخاصة بإجراء استفتاء حول بعض القضايا السياسية والاقتصادي­ة، وذلك بهدف تمرير بعض المشروعات والقوانين التي يتوقع أن يرفضها مجلس الشورى الذي يتبنى مواقف متشددة تجاه السياسات التي تتبناها الحكومة، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. وقد قاد الرئيس حسن روحاني نفسه هذا الاتجاه، عندما طرح مبادرة إجراء استفتاء على بعض المشروعات والقوانين من دون عرضها على مجلس الشورى، لاسيما فيما يتصل بالمجال الاقتصادي، حيث قال، في 4 يناير 2015، إنه "بمقتضى كونه رئيساً منفذاً للدستور، فإنه يرغب، لمرة واحدة على الأقل، في تطبيق المادة الخاصة بتنظيم استفتاء نص عليه الدستور، في قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية بدلاً من عرضها على مجلس الشورى للبت فيها". ووفقاً للدستور، فإن هناك مادتين نصتا على إمكانية إجراء استفتاء على بعض القضايا، هما المادتان (59) الخاصة بالاستفتاء على بعض التشريعات، بعد حصول اقتراح الاستفتاء على موافقة ثلث أعضاء البرلمان، والمادة (177) الخاصة بتعديل الدستور. وبالطبع، فإن هذا الاتجاه يعيد الزخم من جديد إلى حالة "الازدواجية" التي يتسم بها نظام الجمهورية الإسامية الإيرانية منذ تأسيسه في عام 1979، والتي تنعكس في مزجه بين مؤسسات منتخبة من جانب الشعب، تعلي من دور الجانب الجمهوري المؤسسي للنظام السياسي، ومؤسسات غير منتخبة تكرس من أهمية ونفوذ الجانب الثيوقراطي الراديكالي للنظام. والجدير بالذكر في هذا السياق، أن الرئيس السابق أحمدي نجاد كان قد حاول تقليص دور مجلس الشورى في الرقابة على أداء الحكومة؛ وهو ما فرض حالة من التوتر المستمر بين الحكومة والبرلمان، خاصة خال فترته الرئاسية الثانية. لكن هذا الاتجاه ربما يواجه عقبات عديدة: أولها، أن المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي سوف يحول، على الأرجح، دون إجراء استفتاء على أية مشروعات، لأن ذلك يمكن أن يكون مقدمة لإجراء استفتاء على أية قضايا أخرى، على غرار العاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، وربما يمتد الأمر في المستقبل لاستفتاء على صاحيات المرشد نفسه. بكلمات أخرى، فإن تفعيل الجانب الجمهوري المؤسسي من نظام الجمهورية الإسامية، من خال الاستناد إلى رأي الشعب في استفتاء على بعض القضايا، من شأنه تقليص دور الجانب الثيوقراطي الذي يمثله المرشد والمؤسسات غير المنتخبة الأخرى، وهو ما يعد "خطاً أحمر" لن يقبل خامنئي بتجاوزه. وثانيها، أن مجلس صيانة الدستور(25)، وهو أحد المؤسسات المعبرة عن الجانب الثيوقراطي للنظام، سوف يعترض على هذا التوجه، لأنه يقلص من صاحياته الأهم، والتي تتمثل في الفصل في الخافات التي تنشب بين مجلس الشورى والحكومة. وثالثها، أن بعض مؤسسات النظام، مثل الحرس الثوري، تتبنى مواقف حذرة تجاه سياسات الرئيس روحاني، وسوف تعتبر محاولة إجراء استفتاء على بعض القضايا، سعياً من جانب الرئيس لتوسيع صاحياته، على حساب صاحيات المؤسسات الأخرى، خاصة في حالة نجاحه في الوصول إلى تسوية سلمية نهائية للأزمة النووية مع الغرب، بما يعني أنها سوف تحاول عرقلة تلك المحاولات.

لا تبدو التحديات السياسية التي يتوقع أن تمر بها إيران خلال العامين المقبلين هينة أو يسهل احتواؤها كما كان سابقاً؛ فإضافة إلى مساعي تيارات ومؤسسات وقوى الداخل، إما لحفظ مصالحها داخل النظام، وإما لإعادة صياغته وفق متغيرات جديدة؛ فإن ثمة توترات اجتماعية وأوضاع صعبة للأقليات داخل إيران، وبيئة إقليمية مضطربة قد تقلص نفوذ إيران الإقليمي، وبرنامج نووي يبدو أنه سيكون موضع شد وجذب بين إيران والغرب لأعوام مقبلة.

خاتمة

لقد نجح نظام الجمهورية الإسامية الإيرانية، إلى حد ما، في تجنب اندلاع ما يسمى ب "الربيع الفارسي" على الرغم من أن "الحركة الخضراء" في عام 2009 كانت أسبق من "الثورات" العربية، لكن ذلك لا ينفي أن التحديات العديدة التي تواجه النظام الإيراني لا تبدو هينة، ولا يمكن احتواؤها بسهولة.

ومن دون شك، فإن الوصول إلى تسوية للأزمة النووية في الفترة القادمة ربما يقلص من حدة الضغوط الخارجية التي يتعرض لها النظام، وربما يضعف أيضاً من احتمالات حدوث تدخل خارجي لإسقاطه، على الرغم من الشكوك القوية التي تنتاب قيادته في هذا الصدد، لكن ذلك في مجمله

لا يقلل من أهمية، وخطورة، التحديات التي يواجهها النظام في الداخل.

وعاوة على ذلك، فثمة أزمات اجتماعية عديدة يواجهها النظام الإيراني، على غرار التوتر العرقي، حيث تواجه الأقليات الإيرانية أوضاعاً معيشية صعبة، وتتسم عاقاتها بالدولة بالتوتر المستمر بسبب تعرضها للتهميش والإقصاء، على المستويين السياسي والاقتصادي. ولذا فإن تزايد مساحة الخافات والصراعات بين القوى والمؤسسات الرئيسية داخل النظام الإيراني قد دفع ببعض الاتجاهات السياسية إلى التحذير مما أطلقت عليه "تصاعد نفوذ دواعش الداخل"، في إشارة إلى القوى الراديكالي­ة التي تسعى إلى فرض مزيد من القيود على الحريات العامة وتبني سياسة قمعية تجاه دعوات الإصاح السياسي وعرقلة سياسات الرئيس روحاني، وهي أمور تضع مستقبل النظام السياسي برمته أمام اختبارات صعبة. وبالطبع، فإن ما يزيد من خطورة ذلك هو البيئة الإقليمية المضطربة المحيطة بإيران، والتي بدأت تفرض تهديدات مباشرة على أمنها ومصالحها، ليس فقط بسبب الضغوط المستمرة التي يواجهها حلفاؤها الإقليميون، والتي تسببت في استنزاف مواردها بشكل متواصل، وإنما أيضاً بسبب اقتراب بعض المخاطر من حدودها، على غرار تنظيم "داعش" الذي يبدو أنه في اتجاهه إلى فتح بؤرة جديدة في منطقة وسط آسيا والقوقاز بصفة عامة، وهو "خط أحمر" لا تستطيع إيران تحمله، خاصة في ظل فشلها في ضبط حدودها المترامية مع دول الجوار واستيعاب مطالب الأقليات، التي يبدو أنها سوف تتحول إلى أزمة أخرى قد تواجه نظام الجمهورية الإسامية خال المرحلة القادمة.

 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates