أيديولوجية وبرجماتية:

دوافع وأشكال تحالفات ”الإرهابيين“ العابرة للحدود محمد بسيوني عبدالحليم

اتجهت التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود لتعزيز شبكات تحالفاتها في مناطق تمركزها مع التيارات والجماعات المتطرفة ذات الأهداف المشابهة وعصابات الجريمة المنظمة ومهربي المخدرات والسلاح، بهدف زيادة الموارد المالية، وتحقيق مكاسب مشتركة، ودعم القدرة على البقاء في مواجهة سياسات الاحتواء والمواجهة التي تتبعها الدول.

أسس تنظيم القاعدة منذ ظهوره لرؤية راديكالية لمستقبل منطقة الشرق الأوسط بالتزامن مع تداعيات العولمة التي أدت إلى فرض ضغوط على قدرة الدولة على ضبط حدودها والحفاظ على سيادتها، حيث استغلت التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود التحولات الإقليمية لتعزيز وجودها، وإنشاء تحالفات وشبكات جديدة تضمن لها الاستمرار، وتمدها بالمخزون الفكري والبشري والمادي الازم. ولم تشكل الثورات العربية حالة استثناء تحدث تغيرات جذرية لهذه المعطيات، بل أن الثورات أحالت المنطقة إلى سياق جديد أكثر تعقيداً وتأزماً، أوجد تنظيمات إرهابية جديدة من طراز تنظيم "داعش"، الذي يطرح نموذجاً راديكالياً متجاوزاً لحدود الدول، ويطمح إلى التكريس لمنظومة جهادية جديدة بديلة لتنظيم القاعدة، وتستغل في الوقت ذاته مرحلة الضعف البنيوي التي تمر بها الدول.

هذا التجاذب بين الدولة والتنظيمات الإرهابية العابرة للحدود توازي مع عدد من القضايا الجدلية تتمحور بالأساس حول تأثيرات حالة ضعف الدولة على الشبكات الإرهابية، وأنماط التحالفات التي تشكلها التنظيمات الإرهابية، ومدى ارتهان هذه التحالفات بثنائية الأيديولوجي والبرجماتي، لاسيما مع الافتراض السائد في العديد من الأدبيات بأن التنظيم الإرهابي هو بمنزلة فاعل رشيد عقاني، يبني قرارته وفقاً لحسابات المكاسب والخسائر (cost-benefit analysis)، ومن ثم قد يتخذ في بعض الأحيان قرارات، وينتهج سياسات لا تتوافق مع إطاره الأيديولوجي طالما أنها تحقق مصالحه الذاتية( ).

اأولاً: دوافع التحالفات الاإرهابية

ارتبط تشكل وإعادة إحياء المنظومة الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط خال السنوات الأخيرة بملمحين رئيسيين، أولهما الانحرافات التي تعرضت لها مسارات الثورات العربية، والتي كان من ضمن ما أدت إليه المزيد من الفوضى الأمنية وتراجع فكرة الدولة في مخيلة الكثيرين، لتشغل الانتماءات الأولية مكانة مركزية في مرحلة ما بعد الثورات، ناهيك عن عدم حسم سؤال الهوية في الكثير من المجتمعات العربية، وبالتالي وجدت التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود فرصة مواتية لتعزيز أدوارها، وطرح نفسها كبديل عنيف يعبر عن خيار هوياتي متجاوز لحدود الدولة الوطنية، ويستعيض عنها