Trending Events

محاضن الشر:

ستة مداخل لتفسير انتشار واستمرار ظاهرة الإرهاب في الشرق الأوسط ممدوح الشيخ

- ممدوح الشيخ مدير المركز الدولي للدراسات والاستشارا­ت والتوثيق ”مصر“، وباحث متخصص في حركات الإسلام السياسي

مع اتساع نطاق الظاهرة الإرهابية وتعاظم التهديدات التي تنطوي عليها، جغرافياً ونوعياً، لم يعد يكفي الحديث ”الانطباعي“، عن المسببات. فالربط الآلي“بين الظاهرة الإرهابية والفكر المتشدد (دينياً كان أو قومياً أو أيديولوجياً أو )... قد يفسر بعض أنماط الظاهرة فقط. أما ”التفسير التآمري“: (الإرهاب مؤامرة استخباراتي­ة قادمة من خارج الحدود)، فهو حسب تعبيرات الاقتصاديي­ن، قد استنفد ”منفعته الحدية“سريعاً. وينطبق الأمر نفسه على ”التفسير الأمني“بطبيعته الاختزالية: (الإرهاب ظاهرة إجرامية وحسب)، حيث لم يعد صالحاً وحده كإطار للتفسير.

ولهذا فالثابت الوحيد من تجربة ما يقارب ربع قرن مضى هو أن الإرهاب ظاهرة مركبة تضم تحت مظلتها الواسعة جماعات وظواهر غير متماثلة، وجميعها تحتاج نظرة مركبة تأخذ في اعتبارها العديد من العوامل الممتدة من الثقافة إلى المجتمع إلى الاقتصاد السياسي، إلى المكون النفسي/ العقلي.

على الجانب الأول، أي المتعلق بأن الإرهاب يضم تحته مظلة واسعة من الجماعات، يمكن الإشارة إلى اجتهاد الباحث النرويجي، توماس هيغهامر، في أطروحته للدكتوراه المعنونة: "الجهاد في السعودية: قصة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب"، في تقسيم الجماعات المسلحة السلفية في واقعها الراهن، وفقاً لأهدافها، حيث يصنفها على النحو التالي(1): • "الثوريون الاجتماعيو­ن" يقاتلون نظماً إسامية يعتبرونها غير شرعية من أجل الوصول إلى السلطة. • "التحرريون" الذين يتخذون العنف ساحاً يناضلون به لتحرير بقعة معينة من محتل غير مسلم. • "الوحدويون" الذين يتخذون العنف ساحاً لصد عدوان الكافرين عن الأمة الإسامية برمتها وعن أراضيها. • "الجهاديون العالميون" يقاتلون الغرب بالوسائل كافة وفي المناطق كافة. • "الطائفيون" الذين يتخذون العنف ساحاً يقاتلون به لترويع الطائفة المنافسة وتهميشها (سنية أو شيعية).

ويخرج في نهاية أطروحته للدكتوراه بالخاصة المنهجية المهمة التالية:

"توجد صور مثالية مختلفة للتيار الإسامي المسلح، تتجلى على صُعُد متنوعة في دول مختلفة. وهذا يفسح المجال أمام احتمال أن يكون للأنواع المختلفة لهذا النشاط أسباب مختلفة أيضاً، وأن كل صورة له مرتبطة بخصائص معينة لبلد معين. والظاهر أن هذا النهج التحقيقي الذي ربما يمكن وصفه ب "السياسة المقارنة للتنافس الإسامي"، يفرض معاينة أشد تمحيصاً للقوى المحركة المسببة للعنف الإسامي. وعوضاً عن معاينة النظم أو الفقر على صعيد النزوع الإرهابي أو الإسامي عموماً، يمكننا معاينة تأثيراته في النشاط الإسامي بأنواعه المختلفة. وعلى سبيل المثال، ربما يكون الربط بين الفقر والسياسة الحكومية القمعية من جهة، والتيار الاجتماعي الثوري من جهة أخرى، أقوى من ترابط الفقر وتلك السياسة مع التيار الإسامي الوحدوي المسلح. وعلى العكس، ربما يكون تأثير التباينات الزمنية في عدد الصراعات الدائرة بين المسلمين وغير المسلمين وبروزها، أقوى في مستويات النشاط الوحدوي الإسامي، منه في التيار الإسامي الاجتماعي الثوري"(2 ).

أما على الجانب المتعلق بتعقد الظواهر المحيطة بالظاهرة الإرهابية، والتي تحتاج أيضاً إلى نظرة مركبة، فهي ما بات ينتشر في الخطاب العام، التحليلي والسياسي والإعامي، لمقولة "البيئة الحاضنة للإرهاب"، وهي مقولة لا يمكن اختزالها فقط في البيئة الاجتماعية والسياسية المحيطة، والتي تحيد خطر الجماعات الإرهابية أو تسهل عملها، أو حتى تتعاطف معها أحياناً، أو حتى تحصل على منافع غير مشروع من خال انتشارها، أو تسهل من تجنيد هذه الجماعات لعناصر جديدة نتيجة للظلم والإقصاء؛ ولكنها مقولة تتسع لتشتمل الأبعاد التاريخية والفكرية المرتبطة بالدين والهوية والثقافة، كما تتسع من إطار البيئة النفسية العقلية للجماعات التي تمارس العنف، حتى نطاق الفرد الذي ينضم عن رغبة واضحة لمثل هذه الجماعات.

وبناءً على هذه التمايزات المستقاة من واقع الحركات الإسامية المسلحة التي تستخدم الإرهاب وسيلة لتحقيق أهدافها، تتمايز العاقة – نسبياً أو نوعياً – مع البيئة الحاضنة التي تتحرك (أو تستقر) فيها هذه الجماعات.

اأولً: البيئة الحا�ضنة وتجربة القاعدة الأولى

يرى غالبية الباحثين والخبراء اليوم أن "البيئة الحاضنة" تعد أخطر من الإرهاب نفسه؛ إذ يمكن وصف العاقة بين الإرهاب وبيئته الحاضنة على النحو التالي: "الجماعات الإرهابية محدودة العدد، لكنها تتحرك وسط بيئة تساعدها، ولو جزئياً، عبر خطاب سياسي قائم على المظلومية... ونجحت في استمالة أعداد من الناس غضت الطرف عن عملياتها الإرهابية أو تواطأت معها". و"البيئة الحاضنة" أخطر من الإرهاب نفسه، لأنها تخص قطاعاً ولو محدوداً من المجتمع يمتلك رواية سياسية مكتملة (مهما كان الرأي فيها) تؤثر في قطاعات محدودة من الشباب وتجعل قلة منه تتورط في الإرهاب"، و"الرواية السياسية، مهما كان شططها، تدحضها رواية أخرى، وإذا نجحت الدولة في فرض روايتها بالإقناع وتصحيح الأخطاء، وليس بالأمن، فإن معركة البيئة الحاضنة ستحسم في اتجاه العمل السلمي"( ).

والمفهوم (أياً كان الخيار اللغوي للتعبير عنه)، لم يزل مفهوماً مطاطاً، ولم يستقر بعد على نحو بيِّن الوضوح، فبعض الباحثين – مثاً – كانوا يشيرون إلى العمل الاجتماعي الذي قامت به "الجماعة الإسامية" في مصر داخل الجامعة وخارجها قبل الصدام المسلح بينها وبين الدولة المصرية (1990 1997،) بوصفه نوعاً من العمل المخطط لبناء "الحاضنة الاجتماعية". ومبكراً ظهر في الخطابين الأمني والتحليلي في مصر تعبير "تجفيف المنابع"، ليشير إلى ضرورة توسيع نطاق مواجهة الإرهاب ليشمل معالجة مشكات تسهم في انتشاره أو التعاطف معه.

وقد غلب على محتوى أدبيات "تجفيف المنابع" النظرة الأمنية وروح السجال الأيديولوج­ي. وبعض الباحثين يرى العاقة بين "تنظيم القاعدة"، و"حركة طالبان أفغانستان"، و"مجتمع القبائل"، العابر لحدود الدولة بين أفغانستان وباكستان، عاقة مركبة توفر نموذجاً لمفهوم "البيئة الحاضنة للإرهاب". وكذلك العاقة بين قيادي "تنظيم القاعدة" أبي مصعب الزرقاوي حتى مقتله عام 2006، وبين بعض العشائر العربية فيما يسمى "المثلث السني" في العراق حالة مثالية للعاقة بين تنظيم إرهابي وبين محيطه الاجتماعي.

وبالعودة إلى الجذور الأولى لانتشار مصطلح "البيئة الحاضنة"، فقد شكّل انتقال أسامة بن لادن من السودان إلى أفغانستان في مايو 1996 بداية "العصر الذهبي للقاعدة". وعلى مدى السنين الخمس التالية، شهدت البنية التحتية للتنظيم وعملياته وعضويته توسعاً كبيراً. وعندما غزت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة أفغانستان في أكتوبر 2001،

كان التنظيم قد درّب بضعة آلاف من المتطوعين العرب، ودبّر أشدّ الهجمات دوياً في التاريخ.

وثمة أسباب مكنت تنظيم القاعدة من امتاك هذه القدرة الهائلة في هذه الحقبة. أول هذه الأسباب وأهمّها، "الماذ الآمن" الذي وجده التنظيم في أفغانستان. و"أهم الدروس التي نستخلصها من تاريخ القاعدة، هو أن تمتّع جماعة عنفيّة بحرية مطلقة في بقعة أرض يزيد من قدرتها العسكرية بشكل هائل. بادئ ذي بدء أتاح الماذ الآمن لتنظيم القاعدة التخطيط لعملياته بصمتٍ وفقاً لبرنامجه الخاص ومن دون تشويش خارجي من الناحية الفعلية.

كما سمح ذلك لابن لادن ببناء نواة تنظيمية على درجة عالية من البيروقراط­ية والتقسيم الوظيفي للمهام، وهو ما رفع الكفاءة التنظيمية. والأهم من ذلك كلّه أنّ حيازة الأرض مكّنته من بناء نظام تعليمي عسكري واسع لم يسبق لمنظمة عنفيّة عابرة للحدود ذات أجندة راديكالية أن امتلكت مثله. وهذه البنية التحتية أو (جامعة الجهاد العالمي) طورت إلى حد بعيد قدرة تنظيم القاعدة على استخدام مجنّديه"( ).

وشكلت المعسكرات أداة لرفع كفاءات المجنَّدين شبه العسكرية، وشكلت أيضاً ميداناً لعمليات اجتماعية طوّرت القدرة العمانية للتنظيم. وكثير من هذه العمليات حاكى العمليات التي ترعاها منظمات عسكرية محترفة. و"ترجع نجاحات تنظيم القاعدة الدبلوماسي­ة النسبية من بعض النواحي إلى الشيء الذي كان في مقدوره تقديمه، وعلى التحديد التدريب والماذ والمال".

ثانياً: اأبرز مداخل تف�ضير البيئات الحا�ضنة للإرهاب

لفتت تجربة "القاعدة" النظر بشكل غير مسبوق إلى قضية البيئة الحاضنة للإرهاب، وظهرت أدبيات تستهدف تعريف الظاهرة على نحو أوضح، وقراءة تجاربها السابقة باهتمام أكبر، خاصة منذ الاحتال العسكري لأفغانستان، حيث أثبتت التجربة العملية أن المعرفة بالبنية التنظيمية وحدها لم تكن كافية لإنجاز الهدف، وشكلت قدرة "القاعدة" على الاستمرار تأكيداً لدور المحيط الذي تتحرك فيه.

منذ هذا الوقت، بدأت تظهر العديد من الاقترابات التي حاول بعضها التركيز على فكرة أن التهديد الإرهابي "ظاهرة سياسية"، وهو ما حدا بالبعض إلى التركيز على العوامل الكلية التي تقود إلى أسباب وجود حواضن الإهاب.

أما الاقتراب الآخر، فيتمثل في مدخل البنية النفسية أو المكون النفسي/ العقلي للفرد الذي يمكن أن يكون فرداً في بيئة داعمة، وهو ما اكتسب اهتماماً متزايداً بعد أن كان البحث في ما هو تنظيمي أو فقهي يحوز الوزن النسبي الأكبر.

كما برزت محاولات لمداخل تفسيرية أخرى تتعلق بالهوية والثقافة وتأثيرهما في تفشي العنف السياسي، وانتقاله إلى طور الإرهاب. هذا عاوة على مداخل أخرى وسيطة مثل نظرية الدول الفاشلة أو الهشة، ودور القبيلة في توفير البيئة الحاضنة، من دون إغفال للمداخل التقليدية التي ركزت على الفقر والتهميش والإقصاء الاجتماعي والإجراءات الأمنية الاستثنائي­ة التي تقوم بها دولة ما فتؤدي لانتشار الإرهاب، وهو ما يُشار إليه على أنه "الوسط الراديكالي" الذي تنتج عنه تفاعات متعددة الأوجه بين الجماعات الإرهابية وبيئتها الاجتماعية.

فيما يتعلق بأن الإرهاب "ظاهرة سياسية"، وأن فهم جذوره السياسية شرط لهزيمته؛ يرى الباحث، ميشيل موسو، أن العاقة بين الحركات الإسامية المسلحة وبيئتها الحاضنة تضمن لهذه الجماعات "الاستمرار" بقدر ما توفر لها التمويل والمتطوعين، وهي تبدو قادرة على تحقيق ذلك بيسر في بيئات معينة دون الأخرى؛ ما يعني أن تهديد الإرهاب "ظاهرة سياسية" بقدر ما هو ظاهرة مسلحة وإجرامية، وأن فهم جذوره السياسية شرط لهزيمته( ). وفيما يرتبط بالأسباب الكلية التي تقود إلى وجود وتنامي دور حواضن الإرهاب، فقد أشار إليها البعض في أنها تتمثل في مجموعتين، هما( ): أولاً: أسباب موضوعية، وهي: (1.الاستقطاب الإقليمي. 2. مصالح النظام العالمي في التجاذبات السياسية القائمة. 3. قدرة المجتمعات المحيطة على التعاطي مع الظاهرة). ثانياً: أسباب ذاتية بيئية، وهي: (1. الفقر والبطالة. 2.الاحتال. 3. غياب الديمقراطي­ة. 4. اختال ميزان العدالة. 5.غياب قيم المواطنة).

وثمة من سعى في إطار بلورة مفهوم "البيئات الحاضنة"، إلى الانتقال من "الجماعة" إلى "الفرد"، حيث البحث عن سمات مميزة يمكن اعتبارها مشتركات عامة، عن البنية النفسية لأبناء البيئات الحاضنة للإرهاب. وهي: 1 عقلية عدوانية. 2 نفسية كارهة للمجتمع والبشر. وتتحول هاتان الصفتان عند شيوعهما في مجتمع ما (طائفي أو إثني أو ديني أو )... إلى بيئة اجتماعية حاضنة، تغذي وترعى وتدعم وتمجد الإرهاب عبر وسائل التواصل والمواقع وترفع شعاراته وأعامه.

وعليه، فإن "البيئة الاجتماعية الحاضنة" المسؤول الأكبر والأخطر في تقبل الإرهاب ونشره وجذب الشباب إليه، و"الحواضن الاجتماعية" هي الضامن الأكبر لاستمراره؛ فلولا "الحواضن" التي قدمت المأوى والمأكل والعون المادي والمعلومات­ي، لما استطاع "داعش" اكتساح المدن والقرى والمحافظات وتهجير المايين، واقتاع الطوائف والأقليات التاريخية العراقية من أوطانها بهذه السرعة؛ فهذه الحاضنة

سهلت ل "داعش" عبر الإمداد بالمعلومات معرفة أماكن وبيوت الطائفتين!(

ومدخل البنية النفسية – أو بمعنى أوسع نطاقاً – المكون النفسي/العقلي للفرد الذي يمكن احتمالاً أن يكون فرداً في بيئة داعمة للإرهاب يكتسب المزيد من الأنصار في دراسات الظاهرة، بعد أن كان البحث في "البنى التنظيمية" و"الخطاب الفقهي" يحوزان الوزن النسبي الأكبر، بل إن بعض الباحثين يرى – على نحو لا يخلو من مبالغة – أن الثقافة العامة لمجتمعات مسلمة بأكملها داعمة للإرهاب، وأنها قد تجعل من المحتمل أن تتحول هذه المجتمعات إلى "بيئات حاضنة للإرهاب".

وفي هذا الإطار، يقول الباحث بجامعة جورج تاون، فتحالي م. مغدم، بوضوح:

"أصبح كثير من المجتمعات الإسامية حول العالم، ومن ضمنها مايين من المسلمين المهاجرين إلى كثير من الدول الأوروبية، )على سبيل المثال مسلمو جنوب آسيا بالمملكة المتحدة، أو شمال أفريقيا بفرنسا، أو الأتراك المسلمين بألمانيا( تساند مجموعات الإسام المتطرف، وقد تتبنى مواقفه. وعلى سبيل المثال، فإن عدداً كبيراً من هؤلاء المهاجرين يرفضون الاعتراف بأن اعتداءات 11 سبتمبر 2001 قام بها العرب )56% من مسلمي إنجلترا، و6% من المسلمين الفرنسيين، و44% من مسلمي ألمانيا، و65% في إندونيسيا، و59% من مصر، وفي تركيا 59%، وفي الأردن 53%. كما أن نسبة كبيرة منهم، أي عشرات المايين المقيمين في مجتمعات غربية أو غير غربية، تبرر استهداف المدنيين في بعض الأحيان بحجة الدفاع عن الإسام )مسلمو بريطانيا 15%، مسلمو فرنسا 16%، وفي ألمانيا 7%، وفي إندونيسيا 10%، وفي مصر 28%،وفيتركيا17 ).

ويعقب "مغدم" على هذه النتائج بالقول: "تتمثل خطورة راديكالية هذه الجاليات، فيما يمكن أن تقدمه من مساندة معنوية أو عملية لأنشطة عنيفة مثل الإرهاب بشكل خاص".

ومع أنه يمكن الجدل بأن هذه النتائج لا تعبر بأي حال عن ثقافة مسلمة بعينها، وأنها أيضاً نتاج أحداث محددة وفي توقيتات بعينها، فإنها تترك دلالة أساسية تتعلق بأن المكون العقلي الكامن بما يحمله من أبعاد نفسية ومجتمعية مثل التهميش والفقر والظلم أو البحث عن هوية ما، هو من أحد المحددات التي لا يمكن إغفالها لدى تحليل مسببات تنامي البيئات الحاضنة.

وبناءً على هذه المداخل الرئيسية السابقة، يمكن القول إن ثمة بيئات حاضنة للإرهاب، وليس بيئة واحدة. وتشتمل هذه البيئات على ستة أنماط تطرحها هذه الورقة، أولها الجانب المتعلق بالفقر والبطالة ونتشار عشوائيات المدن، وثانيها البعد المرتبط بالتهميش والإقصاء لجماعات داخل الدولة، وثالثها العاقة بين الثقافة المحافظة وبين تمدد السلفية "الجهادية"، ورابعها الأبعاد المتعلقة بالهوية والثقافة ودورهما في خلق بيئة راديكالية، وخامسها يتعلق بمدخل الدولة الفاشلة باعتبارها من أهم الأسباب الجرية لتوفير بيئات حاضنة للإرهاب، وأخيرا دور القبائل في بعض المناطق باعتبارها من المغذيات الأساسية لخلق أوساط تتنامى داخلها وحولها جماعات الإرهاب.

ثالثاً: الفقر ام ع�ضوائيات المدن؟!

شكلت فكرة "التفسير الواحد" القادر على حل "لغز" الظاهرة الإرهابية فخاً سقط فيه قسم لا يستهان به من الخطاب التحليلي الذي تناول الظاهرة تحتوي على تنوعات، جغرافية وتاريخية وبنيوية، كبيرة بداخلها. وكان من أوفر التفسيرات حظاً لفترة ليست بالقصيرة ذلك الربط بين الإرهاب والفقر والبطالة )وربما الجهل أو قلة التحصيل العلمي(.

وقد عجزت هذه المقولة عن تفسير انخراط شرائح من كوادر التنظيمات الإرهابية، فضاً عن بعض أشهر رموزها، خاصة الثري السعودي أسامة بن لادن، والطبيب ابن الطبقة الأرستقراط­ية المصرية الدكتور أيمن الظواهري؛ فحسب غيغهامر، فإن السعوديين في أفغانستان بعد عام 1996، شكلوا كسابقيهم، جمهوراً متنوعاً، ولم يكن هؤلاء بمجموعهم فاشلين أو منعزلين أو معوزين، كما لم يكونوا خريجي جامعات ناقمين أو أبناء موسرين مدفوعين أيديولوجياً.

ومع أنّ هذه الصور كانت ممثَّلة جميعاً، كان المجنَّدون العاديون في القاعدة شباباً من أبناء الطبقة الوسطى والوسطى الفقيرة، في أوائل العشرينيات من أعمارهم، وقدموا من المدن الكبيرة: الرياض ومكّة وجدّة. ومع ذلك غدا السعوديون في أفغانستان بعد عام 1996 أقلّ تنوعاً من الناحية الاجتماعية والاقتصادي­ة، وأقل تحصياً للعلم بعض الشيء من المجاهدين الأوائل( وهذا يعكس كون الجهاد في أواخر التسعينيات أشدّ خطراً وأقلّ شيوعاً منه في الثمانينيا­ت، ولذلك ركزت جهود التجنيد على الشبكات الاجتماعية للمجاهدين السابقين بدرجة أكبر من ذي قبل.

والظاهر أيضاً أن البطالة كانت أكثر شيوعاً في مجنّدي القاعدة منها في المجاهدين الأوائل. وهناك معلومات سردية كثيرة تتحدّث عن البطالة في سير المجاهدين. من ذلك أنّ رجاً سافر إلى أفغانستان في سبتمبر 2001 قال لاحقاً في

مقابلة: "أكملت دراستي الابتدائية ومكثت با عمل لعدة سنوات قبل توجهي إلى أفغانستان". وقال سجين في غوانتنامو كان قد سافر إلى أفغانستان في مارس 2001: "قرأت على الإنترنت عن طالبان وكنت أبحث عن عمل، وجاء في الصفحة أنهم في حاجة إلى مسلمين وإلى عونهم، لذلك ذهبت لمساعدتهم".

وتبدو هذه الروايات منسجمة مع زيادة حجم البطالة في المملكة العربية السعودية زيادة سريعة في النصف الثاني من عقد التسعينيات، لزيادة نسبة الشباب من إجمالي السكان، وتراجع عادات النفط.

وإذ يصعب التأكد من ذلك لقلة البيانات التي يمكن التعويل عليها، يمكن ترجيح صحة الفرضية التي تقول إن البطالة أذكت الانخراط في معسكرات التدريب التابعة للقاعدة. وفي المحصّلة، يصعب تحديد عوامل اجتماعية واقتصادية ذات قيمة تكهّنية قوية تقف وراء انخراط السعوديين الفردي في صفوف القاعدة، كانوا فتية ومن أبناء المدن، وربما بعضهم كان عاطاً عن العمل، لكن آلاف السعوديين من أمثالهم لم يتوجّهوا إلى أفغانستان( ).

الباحث ميشيل موسو قام بمسح في 14 دولة إسامية لمعرفة الشروط التي تجعل الناس العاديين داعمين لجماعة إرهابية. وتمت الدراسة على عينة من 8000 مسلم من 14 دولة، وهي عينة يفترض أنها تمثل 62% من مسلمي العالم، سئلوا عن رأيهم في استخدام الإرهاب للدفاع عن الإسام. واختبرت الدراسة فروضاً عديدة: التدين، ومستوى التعليم، والفقر، ومستوى الدخل، والسخط.

لكن التحليل الأساسي لنتائج هذه الدراسة يشير إلى عامل واحد أكثر بروزاً هو (فقراء المدن)؛ إذ يتلخص دور المناطق الحضرية الفقيرة في أن جذور "الإرهاب الإسامي" هي في الأحياء الأكثر اكتظاظاً حول المدن الكبيرة في العالم الثالث. فالنازحون من الريف هرباً من الفقر كان يحدوهم الأمل في أن يجدوا حياة أفضل في المدن، ولما لم يجد كثير منهم فرص عمل بدأوا طريقهم نحو دعم التنظيمات الإرهابية( ).

والنتيجة النهائية لتحليل نتائج المسح أن "فقر المدن" أو ما يمكن أن نسميه "الأحياء العشوائية" على حواف المدن الكبرى بيئة حاضنة للإرهاب؛ إذ تؤكد المؤشرات المتصلة بفقر المستطلعين إلى أن 40% منهم عجزوا ذات يوم عن شراء الحاجات الغذائية الضرورية، و44% منهم عجزوا عن شراء الدواء، و40% منهم عجزوا عن شراء المابس الضرورية( (.

وحسب الدراسة، فإن 49% من العينة مقتنعون بأن استخدام العنف للدفاع عن الإسام مرفوض تماماً، و15% يرونه مبرراً نادراً، و21% يرونه مبرراً أحياناً، و15%يرونه مبرراً غالباً( ما يعني أن نصف العينة داعمين لفكرة استخدام العنف لتحقيق أهداف دينية أو سياسية.

رابعاً: الإق�ضاء والتهمي�ش بيئة حا�ضنة

وسط صخب التحذيرات المتتالية من خطر الوجود التنظيمي لتنظيم "داعش"، كان هناك من يحذر من أن فشل الدولة الباكستاني­ة أكبر خطراً، ذلك أن "انسحاب الدولة الباكستاني­ة من مهماتها الخدماتية والأمنية يراه خبراء هو الأخطر؛ فإرهاب قطع الغاز وقطع الكهرباء عن مدن بكاملها بسبب نقص الطاقة ربما أشد خطراً من إرهاب "داعش"... وإلّا فإن الانهيار سيخلق بيئات مشجعة لنمو الجماعات المتشددة"( ).

ولا تقاس كفاءة الدولة فقط بقدرتها على توفير الحد الأدنى– أو حتى الكافي – من متطلبات الحياة، بل تقاس أيضاً بنوعية الحياة. وثمة اتجاه قوي في الدراسات الحديثة لتقييم قوة الدولة، وأخذ سامة النظام السياسي في الاعتبار، فغياب المقومات الرئيسة لدولة القانون واستئثار فئة بالسلطة يفتح الباب لاستخدام القوة كوسيلة للتغيير، وهو أمر يرتبط غالباً بوجود قبول مجتمعي للفكرة قبل أن تتحول إلى عمل منظم.

وفي حقيقة الأمر ليس للظاهرة في أصلها خصوصية تجعلها مرتبطة بنيوياً أو تاريخياً بدين بعينه أو بتشكيل حضاري معين، فقد رصد المفكر المعروف الدكتور عبدالوهاب المسيري في "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" أن الجماعات اليهودية في أوروبا تعرضت في ظل الدولة القومية الحديثة إلى عملية إقصاء وتهميش أدت إلى نتيجة مشابهة، ابتداءً من العصور الوسطى وحتى بداية القرن العشرين، حيث انخرط أعضاء الجماعات اليهودية بمعدل كبير نسبياً في حركات مسلحة متعددة( ).

ومن هذه الزاوية، فإن الإحساس بالعجز – سواء كان حقيقياً أو متوهماً – يخلق بيئة خصبة لانخراط أعضاء الجماعة التي تتعرض للإقصاء والتهميش بمعدل كبير نسبياً في الحركات المسلحة.

وعلى سبيل المثال، وعقب بدء العملية العسكرية الأمريكية ضد نظام طالبان في أفغانستان (2002،) كانت هناك شواهد على أن الوضع السياسي في أفغانستان مرشح لأن يشهد عنفاً سياسياً يغذيه رافد جديد هو: "تهميش الغالبية البشتونية" وحرمانها من تقلد مناصب مهمة وحساسة في الحكومة

الأفغانية الانتقالية التي شكلت عقب التدخل الأمريكي.

وحذر مراقبون آنذاك من أن التهميش سيوفر أرضية خصبة للحركة وحليفتها "القاعدة" في التحرك. وساد على نطاق واسع، اعتقاد بين متابعي الشأن الأفغاني أن الخطأ الاستراتيج­ي الذي ارتكبته الإدارة الأمريكية بعد إسقاطها حركة "طالبان"، هو الاعتماد المفرط على الأقليات الأفغانية وتجاهل الغالبية البشتونية المعروفة بتعاضدها الداخلي، وهو ما عكسه رفض قادة البشتون الأفغان تسليم زعيم حركة "طالبان" الما محمد عمر وقيادات الحركة الآخرين، أو حتى مجرد التعاون مع القوات الأمريكية والدولية في ذلك. ودفع هذا التجاهل الأمريكي الغالبية البشتونية إلى الارتماء في أحضان "طالبان" والاقتناع بوجهة نظرها في ضرورة مقاتلة القوات الأمريكية( وساهم قيام البشتون بتسريب معلومات إلى قادة "طالبان" و"القاعدة" عن تحرك القوات الأمريكية، في تسهيل استهداف هذه القوات وايقاع الكثير من الإصابات في صفوفها.

وفي المقابل بدأت الولايات المتحدة الأمريكية في العراق– في خريف العام 2006– تطبيق استراتيجية جديدة بهدف الحد من الاستياء المتزايد لدى قبائل سنية معينة في محافظة الأنبار، وشرعت قبائل ما عرف ب "الصحوة" بقيادة رجل الأعمال الثري والزعيم القبلي عبدالستار أبو ريشة في التعاون مع الجيش الأمريكي ضد دولة العراق الإسامية، وانتشرت حركة الصحوة إلى مناطق أخرى ووصل عدد مسلحيها إلى مائة ألف بحلول العام 2007 ). وقد نجحت "الصحوات" في القضاء على وجود "تنظيم داعش" بشكل شبه تام، قبل أن يخطط التنظيم لاستعادة بيئته الحاضنة.

وحسب وثيقة صدرت عما يُسمى: "قسم الدراسات التاريخية والتوصيات الاستراتيج­ية في دولة العراق الإسامية" في يناير 2010، وتحمل عنوان: "خطة استراتيجية لتعزيز الموقف السياسي لدولة العراق الإسامية" (55 صفحة)، فإن تحول الحكومة العراقية إلى استهداف قوات "الصحوات" يمثل فرصة سانحة. وإلى جانب أولويات عسكرية محددة وكذلك أولويات تنظيمية تتصل بالعاقة مع تنظيمات مسلحة أخرى، كان الفصل الثالث من الوثيقة يتناول تصور التنظيم للعاقة مع شيوخ العشائر بهدف جذبهم واستقطاب تأييدهم، وجذب قواعد اجتماعية مؤيدة لمحاولات استعادة "الدولة"، على أساس إقناع شيوخ العشائر من أجل إقامة "الصحوات الجهادية"، وعبر استقطاب أبناء العشائر لانخراط معهم تنظيمياً( ).

وبالمقارنة بين المشهد في عام 2006 وما بعده، والمشهد في عام 2014 مع دخول "داعش" الموصل، يمكن إدراك التحول في معطيات البيئة العراقية العشائرية التي بدأت "حاضنة" (مع أبي مصعب الزرقاوي)، ثم تحولت إلى "طاردة" (مع تأسيس الصحوات)، ثم عادت "حاضنة" مرة أخرى بسيطرة تنظيم "داعش" على مدينة الموصل ثاني أكبر مدن العراق.

ويرسم الصحفي البريطاني "باتريك كوكبيرن" صورة جانب من التحولات في موقف المنطقة التي تشكل "البيئة الحاضنة" ل "داعش" مبرزاً الفاعل الأكثر – بل ربما الحاسم– فيما أحرزه "داعش" بالعراق إلى التهميش السياسي للعرب السنة؛ فقد استفاد "داعش" من "التغييب السني" في العراق، وكانت الاحتجاجات التي بدأها السنة في ديسمبر 2012 سلمية في البداية، لكن فشل رئيس الوزراء نوري المالكي في احتواء غضب السنة، بالإضافة إلى مجزرة في مخيم لاحتجاج في أبريل 2013 (أسفر عن مقتل ما يزيد عن خمسين شخصاً) حوَّل "الاحتجاج السلمي" إلى "مقاومة مسلحة"( ).

ومن الواضح أن "داعش" تمكن من "الإمساك باللحظة" عبر استغال الحس المتنامي بالتغريب والاضطهاد بين صفوف السنة في العراق، إذ تفيد تقارير "مجموعة الأزمات الدولية" أن الاستخفاف وتشويه السمعة والقمع الذي مارسته حكومة المالكي حول "الحركة الشعبية" شيئاً فشيئاً إلى "صراع مسلح"( ).

ويؤكد كوكبيرن أن انتصار تنظيم "داعش" في الموصل كان مفاجأة تامة حتى بالنسبة له، و"يصعب التفكير في أي أمثلة في التاريخ حيث انهارت قوى أمنية تتألف من مليون عنصر بسرعة هائلة أمام هجمات عدو قدرت قوته بستة آلاف عنصر". ويضيف: "ما جعل هذا ممكناً كان واقع أن المجموعات السكانية السنية بأكملها، عندما شعرت أن إمكانية وضع حد للظلم الاحق كان في متناولها، أصبحت مستعدة لتقديم دعمها الضمني على الأقل"( ).

هذه الحقيقة يشير إليها الباحث العراقي المقيم في الأردن منقذ داغر، وهو متخصص في استطاعات الرأي، ونجح في القيام بدراسات استطاعية في مدينة الموصل العراقية، تكشف عن معطيات واقعية مهمة عن حالة من حالات العاقة بين الإرهاب وبيئته؛ فمن النتائج المهمة التي أشار إليها داغر، ما يلي( ): • يشكل مسلحو "داعش" الذين دخلوا الموصل (ما بين 2500 و3500 فرد) نسبة لا تزيد عن 20% من القوات التي استولت على المدينة، أي أن الباقي كانوا من مكونات عراقية أخرى (مسلحي العشائر، وضباط البعث، وجيش النقشبندية، وتنظيمات أخرى أصغر). • انخرط عدة آلاف من العراقيين، معظمهم من ريف الموصل وليس من المدينة، في صفوف "داعش". وبعض الحالات التي انخرطت كان مبررها الرئيس أن "داعش" يحارب أمريكا! • قبل دخول "داعش" الموصل مباشرة، كان 91% من العرب السنة يرون العراق تسير في الطريق الخاطئ، و91% لا

يثقون في الحكومة العراقية، و82% منهم لا يثقون في الجيش العراقي، و85% منهم لا يثقون في المحاكم.، 33% منهم يريدون الهجرة، و76% منهم في حالة "خوف من الآخر".

خام�ضاً: الثقافة المحافظة مح�ضن ال�ضلفية الجهادية

يرى عالم الاجتماع البحريني الدكتور باقر النجار، أن الجماعات السلفية المختلفة تنهل من المعين الفكري والأيديولو­جي ذاته، لكنها قد تختلف في درجة نزوعها للعنف، وفي حدة موقفها النافي للمختلف الديني والفكري. وعلى الرغم من هذا، فإن الفعل الذي بدت عليه "طالبان" سابقاً، والجماعات السلفية في العراق وباد الشام وأفريقيا، يثير التساؤل حول ما إذا كان هذا الفعل شاذاً أم يمثل التيار السائد فيها.

وحسب اجتهاد النجار، فإن الأشكال الجديدة للجماعة السلفية القادرة على استقطاب أعداد كبيرة من الشباب المسلم لانخراط في صفوفها في باد الشام، وهي الجماعات الأكثر قوة وحضوراً وتنامياً في كثير من المجتمعات الإسامية من باكستان شرقاً حتى نيجيريا غرباً، تمثل نموذجاً وحالة معبرة. وقد مثلت التضامنيات القبلية والجماعات الاجتماعية المحافظة حواضنها الرئيسية.

ويعكس هذه الحقيقة حالات انتشار الجماعة السلفية في أوساط الجماعات القبلية الأفغانية الذي يمثل الشمال الباكستاني امتدادها، ليس حسب الواقع الجغرافي وحده، وإنما القبلي كذلك، فمنه باتت تستمد قوتها الاجتماعية والسياسية. كما أن الاختراقات التي أحدثتها طالبان في صفوف الجيش والأمن الأفغاني هي اختراقات تحدث بفعل المعطى القبلي، وليس السياسي أو الأيديولوج­ي، بل إن سيطرة "داعش" على غرب العراق جاءت بفعل اختراقات واسعة للمكون القبلي في شمال العراق وغربها.

وما يدعم التعاون الدائم بين "طالبان باكستان" و"طالبان أفغانستان" هو "التداخل القبلي"، والذي وحدها أكثر من التماثل الفكري أو الأيديولوج­ي، فالحاضنة الاجتماعية؛ القبلية أو الريفية، باتت تمثل معين طالبان البشري.

وبالمثل فإن قوة الجماعات السلفية في المجتمعين العراقي والسوري كان في البوادي، وربما في الأرياف أكثر من الحواضر. والقائد السلفي اليمني/الأمريكي المعروف، أنور العولقي، الذي طاردته القوات الأمريكية حتى اغتالته، لم تحمه الدولة أو الجماعة السياسية، وإنما حمته القبيلة. بل إننا وجدنا نزوعاً عند عرب وآسيويين من المهاجرين إلى أوروبا نحو الهجرة والاستقرار في أفغانستان إبان حكم طالبان، لرغبتهم في تنشئة أبنائهم في "بيئة إسامية محافظة".

وحسب النجار، هناك قدر من التماهي بين القيم القبلية والبناءات الثقافية للجماعات السلفية. كما أن هذا يفسر الاحتضان القوي للجماعات القبلية في شبه جزيرة سيناء للسلفية الجهادية.

وينسحب مثل هذا القول على ليبيا واليمن والجزائر وجنوب الأردن. وهي بيئات تتداخل عوامل شتى اجتماعية واقتصادية وثقافية، وربما دينية، في أن تكون حواضن اجتماعية للجماعات السلفية الجديدة. ف "الأيديولوج­ية المحافظة" للجماعات السلفية ذات المنشأ الثقافي الصحراوي التقت مع الطبيعة البدوية، والقبلية بصفتها جماعة حاضنة في كل المناطق التي شهدت حضوراً مكثفاً لها. وهي سياقات اجتماعية وثقافية تفسر الحضور الكثيف للمقاتلين من الإثنيات غير العربية: الشيشانية والآسيوية والأفريقية والأوروبية( (.

وهذه الظاهرة انعكاس لحالة من الابتسار والخلط تحول بمقتضاها مفهوم "المجتمع الإسامي" من "معايير حاكمة للحياة" إلى "نمط حياة"( على الرغم من أن هذا المفهوم يتعارض مع "عالمية الإسام"، وأصبحت الروح المحافظة هي التعبير المختصر عن "الهوية"، فكلما زادت قوائم المحظورات، أصبحت التجربة أكثر تعبيراً عن مفهوم الجماعات السلفية المسلحة للهوية.

�ضاد�ضاً: رهاب" الهوية بيئة حا�ضنة

تشكل العاقة بين "الهوية" و"العنف" موضوعاً تتزايد أهميته باضطراد ملحوظ في دراسات الاجتماع السياسي، فالدولة الوطنية الحديثة – خاصة في تجاربها الأوروبية – عززت أهمية مقولة الهوية على نحو لم تعرفه مجتمعات ما قبل العصر الحديث، ولاحقاً أصبحت محركاً لا يستهان بأثره في تحولات الإساميين المسلحين.

ويربط الباحث فتحالي م. مغدم بين "الهوية"، و"الراديكالي­ة"، و"العنف" من خال التصور التمثيلي التالي:

"لتقريب الصورة من العملية الراديكالي­ة، وعاقتها بالإرهاب كونت صورة خيالية لسلم يعتلي الإرهابي درجاته، خطوة خطوة، حتى يصل إلى آخر طابق... ولنتخيل الآن أن معظم ساكني هذا المبنى، يقطنون الدور الأرضي، فا يحتاجون إلى صعود السلم"، و"كل طابق من الطوابق يمثل مستوى مختلفاً من الأفعال والأفكار، التي تتحكم فيها عمليات نفسية عديدة". وفي الطابق الأرضي

حيث يعيش أكثر من بليون مسلم، فإن الأفعال والأفكار تسيطر عليها الهوية"( ).

وحسب المفكر البريطاني المعروف أمارتيا سين (ذي الأصل الهندي)، فإن "عدداً كبيراً من القضايا السياسية والاجتماعي­ة المعينة تدور حول المزاعم المتضاربة للهويات المختلفة التي تتعلق بجماعات مختلفة، ذلك أن مفهوم الهوية يؤثر، بطرق مختلفة كثيرة، في أفكارنا وتصرفاتنا.

وقد أنذرت الأحداث والفظائع العنيفة في السنوات القليلة الماضية بمرحلة من الفوضى المتوحشة، إضافة إلى بعض الصراعات المهلكة. وكثيراً ما يُنظَر إلى سياسات الصراعات العالمية على أنها نتيجة منطقية لانقسامات الدينية والثقافية في العالم.

والحق أنه يُنظَر إلى العالم بشكل متزايد، وإن بطريقة ضمنية، على أنه مكوَّن من اتحادات من الأديان أو اتحاد من الحضارات، وبذلك تُتجاهل الطرق الأخرى كلها التي ينظر بها الناس إلى أنفسهم. ويكمن وراء هذا الخط من التفكير الافتراض الغريب الذي يقضي بأن الناس في العالم يمكن أن يُصنَّفوا بشكل فريد تبعاً لنظام معين من التجزيء يتصف بأنه أحادي ومتعالٍ. ويؤدي التجزيء الحضاري أو الديني لسكان العالم إلى مقاربة "انعزالية" للهوية الإنسانية، وهي التي تنظر إلى بني الإنسان بوصفهم أعضاء في مجموعة واحدة فقط (وهي التي تُعرَّف في هذه الحالة بالحضارة أو الدين، على النقيض من الاعتماد الأقدم على الوطنيات والطبقات)( )"

وفي عدة حالات كان "رهاب الهوية" سبباً في عنف فعلي أو محتمل، أو سبباً في تعاطف وفر بيئة حاضنة للإرهابيين، ففي باكستان مثاً تعتبر شرائح من المجتمع أن "الأجندة الباكستاني­ة" لمحاربة الإرهاب تم اختطافها من قِبل أطراف علمانية وليبرالية لفرض أجندتها، ما قد يوفر بيئة مناسبة لتمدد "داعش"( ).

�ضابعاً: الدولة الفا�ضلة والبيئة الحا�ضنة

ثمة حقيقة مؤكدة تشير إلى تلك العاقة الطردية بين ضعف الدولة أو هشاشتها أو فلشها، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، وبين انتشار التنظيمات الإرهابية وجماعات الجريمة المنظمة والعنف والتجارة غير الشرعية؛ إذ يفسر مدخل الدولة الفاشلة باعتباره ينتمي إلى جملة الأسباب الجذرية لانتشار العنف والتطرف لماذا يتنامى حجم وقوة وتمدد الظاهرة الإرهابية في وقت ما، ليس في دولة واحدة، بل عبر إقليم جغرافي كامل.

وتدرك التنظيمات الإرهابية ذلك، فالدولة الفاشلة توفر بيئات حاضنة وصالحة للإرهاب وتنظيماته، حيث توجد اختالات هيكلية في شتى النواحي في مثل هذه الدول، تتراوح بين تففت أقاليم الدولة، وعدم سيطرتها على حدودها، ودخولها في صراعات سياسية ومجتمعية، هذا عاوة على تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعي­ة والمعيشية؛ وكلها عوامل مسهلة ليس فقط لانتشار العنف والتطرف، ولكن مسهلة بشكل أكبر لحركة التنظيمات الإرهابية وتحولها من الطابع المحلي إلى الطابع العابر للحدود.

وقد ثارت قضية تأثير افتقار الدولة للكفاءة – وصولاً إلى انهيارها – على تشكيل البيئات الحاضنة (المحتملة) للإرهاب، منذ تجربة القاعدة الأولى أيضاً، فقد تحولت الصومال إلى دولة فاشلة منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وتحولت لاحقاً إلى مفرخة للتنظيمات المتشددة التي تحالف بعضها مع "الجريمة المنظمة" (القرصنة) ليشكل تحالفهما تهديداً للماحة العالمية، وهو ما انتبه إليه تنظيم "القاعدة" مبكراً، فأُرسِل ناصر البحري الحارس الشخصي لأسامة بن لادن إلى الصومال في عدة مهمات استطاعية بين عامي 1996 و1998، لأن قيادة القاعدة كانت تفكر في الانتقال إلى اليمن أو الصومال.

وقد عمل ابن لادن على نقل تنظيمه بالكامل إلى مقر كبير كان يخطط لإنشائه في كامبوني في جنوب الصومال، ووضع خططاً طموحة لذلك، وكان يعتزم توحيد قواته وقوات زعماء العشائر المتعاطفين معه بهدف "الاستياء على البلد" ليستخدم لاحقاً كمنطلق لجهاد أوسع( ).

ولا يحتاج هذا الأمر مزيداً من الأدلة في الوقت الراهن، فإفراز البيئات الحاضنة للإرهاب لا تخطئه عين في ليبيا واليمن وسوريا والعراق والصومال ومالي، حيث غابت مقومات الدولة، في ظل حالة من الصراع العدمي بين قوى متناحرة؛ ولذا ليس غريباً على سبيل المثال أن تحتل دول هذه الدول، إلى جانب السودان وجنوب السودان، المراتب العالمية الأولى في مؤشر الدول الهشة، والذي تصدره صندوق السام العالمي بالتعاون مع مجلة فورين بوليسي الأمريكية، وهو ما يجد تأويله بشكل تلقائي أيضاً في احتال الدول ذاتها مراتب أولى أيضاً في مؤشر الإرهاب العالمي الذي يصدر عن معهد الاقتصادات والسام، والذي يشير على سبيل المثال إلى أن أكثر من ثلثي العمليات الإرهابية التي نفذت في العالم في عام 2013 تسببت فيها أربع جماعات إرهابية أساسية، وهي داعش، وبوكو حرام، والقاعدة، وحركة طالبان( ).

وأكثر ما يلفت النظر في مسألة الدولة الفاشلة أن مناطق التماس الحدودية تعد نقاطاً محورية للتجمعات الإرهابية، بما توفره هذه المناطق تحديداً من مقومات بشرية وجغرافية تمثل بيئة مثالية حاضنة للإرهاب؛ إذ "تمثل الجماعات الجهادية باعتبارها فواعل غير رسمية، ما يشبه "القوة البديلة" للدول في تلك المناطق الفارغة سكانياً وتنموياً وأمنياً، والتي تستغلها في تكريس ظاهرة "الانتقالات الجهادية المتبادلة" بين ساحات الصراع، سواءً في شمال وغرب ووسط أفريقيا، أو في منطقة المشرق العربي"، عاوة على أن هذه المناطق إما قد تشكل ماذات آمنة للتنظيمات الإرهابية، أو مناطق للتوطن الإرهابي "الجهادي"، أو تستخدم في كونها أماكن جهادية متحركة( ).

ثامناً: القبيلة بيئة حا�ضنة

تعد العاقة بين الدولة وبعض مكوناتها (القبلية) أحد أهم

القضايا التي برزت خال تجربة ما بعد "هجمات 11 سبتمبر"، كتحدٍ أكدته التجربة الأفغانية/الباكستاني­ة؛ فوجود درجة ما من القصور في قدرة الدولة على فرض سيادتها وقانونها بشكل جزئي أو تام على جزء من أراضيها بسبب طبيعة البنية السكانية لهذا الجزء يجعله محضناً محتماً للإرهاب. وكانت "منطقة القبائل" نموذجاً لهذه الظاهرة.

كان "تنظيم القاعدة" آمناً في أفغانستان والمناطق الجبلية من باكستان، حيث تنظر القبائل المتعاطفة، ومعظمها من البشتون، إلى الجهاديين الدوليين كضيوف ورفاق في الساح، ويحكم الثقافة البشتونية ميثاق شرف يدعى "بشتون والي" يمنع صراحة خيانة الضيوف") وكانت هذه المنطقة محكومة لمئات السنين بنظام طالما حكم "مناطق القبائل السبع"، حيث يتحكم 14 رئيس قبيلة في أكثر من مليون ونصف المليون نسمة في وزيرستان الشمالية والجنوبية، وهو ما ينسحب على مناطق قبلية أخرى( ).

لقد تحولت باكستان بسبب هذه الاعتبارات المتصلة بالبنية القبلية وما يترتب عليها، إلى "مُحتَشَد للمنظمات الجهادية التي تشكل مكوناً أساسياً للمجتمع في بعض المناطق، فتقدم خدمات رعاية أساسية وتؤمن وظائف وتعليماً في المدارس الدينية. وجاء الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001 وانحياز المقاتلين القبليين في صفوف "طالبان" و"القاعدة" إلى مناطقهم مع ضيوفهم من "طالبان أفغانستان" و"القاعدة"، لتتحول المنطقة إلى فناء كامل للمسلحين الجدد. وحينما شجعت الحكومة الباكستاني­ة في عامي 2003 و2007 بعض وجهاء القبائل على إنشاء وحدات "الشكر" لطرد مجموعات "طالبان و"القاعدة" والحركات المتعاونة معهما من مناطقهم، لم تنجح التجربة( ).

وفي اليمن أدركت القاعدة في وقت مبكر أن التنظيم لن يتمكن أبداً من ترسيخ قدميه من دون دعم القبائل ووجود عاقات قوية معها، لأن خسارة دعم القبائل أو معاداتها ستكونان أشد خطراً من استمرار القاعدة في شبه الجزيرة العربية من هجمات الطائرات من دون طيار".

ولهذا تمتع "تنظيم القاعدة" والمجموعات المنضوية تحت جناحه بوجود يمني واسع الامتداد بفضل الولاءات القبلية في الغالب. وقد أرسل أسامة بن لادن موفدين إلى اليمن في وقت مبكر لم يتجاوز عام 2000، وحثهم على تركيز جهودهم على اكتساب دعم القبائل هناك( وادعى أنور العولقي، زعيم تنظيم القاعدة في اليمن "أن هناك تأييداً من قطاعات واسعة من الناس في اليمن".

ويستند هذا الوجود إلى حقيقة اجتماعية/سياسية مؤثرة هي أن "القبائل قوية إلى درجة غير مألوفة، وهي مسلحة جيداً ولها أنظمتها الإدارية والقضائية والعسكرية الخاصة بها. وكما لدى قبائل البشتون في أفغانستان يعتبر ميثاق الشرف وحماية الضيف مبدأ أساسياً لا تحيد عنه القبائل اليمنية"( كما توجد في اليمن مناطق قبلية يحرم دخولها على قوات الحكومة.

وتشمل جهود القاعدة لاكتساب ود أفراد القبائل برامج رعائية أساسية وأشكالاً أخرى من الدعم المادي لأفقر العائات في تلك المناطق؛ فقد طور تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية أسلوباً لاكتساب تعاطف الناس في البلدات والقرى التي سيطر عليها يتفادى بموجبه المجابهة مع القبائل. وكتب الخبير اليمني في شؤون الحركات الإسامية عبدالإله حيدر يقول: "لا تستطيع الدولة التغلب على القبائل، وحتى لو عرفت القبائل من هم أعضاء القاعدة، فإنها لن تفشي هذه المعلومات، وهل من شأن القبائل أن تبلغ عن أبنائها الذين يعيشون مع القاعدة وتدربوا على أيديها؟ هذا أمر مستحيل في القيم القبلية".

خاتمة

لم يعد يكفي الحديث عن المسببات التقليدية لانتشار واستمرار ظاهرة الإرهاب؛ فالربط الآلي بين الظاهرة الإرهابية والفكر المتشدد، وكذلك الاعتماد على التفسير التآمري، أو الاكتفاء بالتفسير الأمني، لا تصلح وحدها كمداخل للتحليل، لأنه قد ثبت من تجربة عقود ماضية حقيقة أن الإرهاب ظاهرة مركبة تضم ظواهر غير متماثلة وتحتاج نظرة مركبة تمتد من الثقافة إلى الاقتصاد السياسي إلى المكون النفسي والعقلي... إلخ.

وهناك الآن ما يشبه القناعة بوجود صور مثالية مختلفة للتيار الإسامي المسلح، تتجلى على صُعُد متنوعة في دول مختلفة. وهذا يفسح المجال أمام احتمال أن يكون للأنواع المختلفة لهذا النشاط أسباب مختلفة أيضاً، وأن كل صورة له مرتبطة بخصائص معينة لبلد معين. وبناء على هذه التمايزات المستقاة من الواقع تتمايز العاقة مع "البيئة الحاضنة".

وعلى الرغم من أن البعض لم يزل يرفض مفهوم "البيئة الحاضنة"، فإن مزيداً من الباحثين أصبح يراه أخطر من الإرهاب نفسه. والمفهوم لم يزل مطاطاً ولم يستقر بعد، وذلك على الرغم من أن تجربة انتقال تنظيم القاعدة إلى أفغانستان منذ عام 1996، بما وفرته من "ماذ آمن"، كانت أهم أسباب امتاك "القاعدة" لهذه القدرة الهائلة آنذاك.

وقد لفتت تجربة القاعدة بشكل غير مسبوق النظر لقضية البيئة الحاضنة للإرهاب، فظهرت أدبيات تستهدف تعريف الظاهرة على نحو أوضح وقراءة تجاربها السابقة باهتمام أكبر، على قاعدة أن تهديد الإرهاب "ظاهرة سياسية"، وأن فهم جذوره السياسية شرط لهزيمته. وبات مدخل البنية النفسية أو المكون النفسي/ العقلي للفرد الذي يمكن أن يكون فرداً في بيئة داعمة، يكتسب اهتماماً متزايداً بعد أن كان البحث في ما هو تنظيمي أو فقهي يحوز الوزن النسبي الأكبر.

ولفترة كان هناك "تفسير واحد" للظاهرة الإرهابية، وكان من أوفر التفسيرات حظاً لفترة، ربط الإرهاب بالفقر والبطالة، لكن عجزت هذه المقولة عن تفسير انخراط شرائح من كوادر هذه التنظيمات، وبناءً على معطيات مسح تم في 14 دولة إسامية، فإن "فقر المدن" بيئة حاضنة للإرهاب.

وفيما يتصل بالجماعات السلفية المختلفة، فإنها تبحث عن "المجتمع الإسامي" مستصحبة الروح المحافظة كتعبير مختصر عن "الهوية". أما العاقة بين "الهوية" و"العنف" فموضوع تتزايد أهميته باضطراد ملحوظ في دراسات الاجتماع السياسي، فثمة من يربط بين: "الهوية"، و"الراديكالي­ة"، و"العنف". وفي عدة حالات كان "رهاب الهوية" سبباً في عنف فعلي أو محتمل، أو سبباً لتوفير بيئة حاضنة.

ومنذ انهيار الدولة في الصومال يمثل افتقار الدولة للكفاءة، وصولاً إلى انهيارها، أحد أهم البيئات الحاضنة. كما تعد العاقة بين الدولة وبعض مكوناتها (القبلية) قضية برزت عقب هجمات 11 سبتمبر 2001، كتحدٍ كبير؛ فوجود قصور في قدرة الدولة على فرض سيادتها وقانونها على جزء من أراضيها بسبب طبيعة البنية السكانية لهذا الجزء يصبح محضناً محتماً للإرهاب.

وبالنظر لكافة هذه العوامل، فقد خلصت هذه الورقة إلى أن ثمة بيئات حاضنة للإرهاب، وليس بيئة واحدة، وقدمت محاولة مبدئية للجمع بين ستة مداخل تحليلية مختلفة يمكن من خالها فهم وتفسير توافر البيئات الحاضنة للإرهاب في منطقة الشرق الأوسط.

 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates