Trending Events

التكيف مع الفوضى:

الرؤى السائدة في مراكز البحث الغربية لمستقبل الشرق الأوسط إسراء إسماعيل

- إسراء إسماعيل باحثة دكتوراه في العلاقات الدولية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة

تصاعد اتجاه المراكز البحثية الغربية لطرح رؤيتها حول مستقبل الشرق الأوسط في ظل السيولة المطلقة والافتقاد لمرتكزات الثبات التي باتت تحكم التفاعلات الإقليمية، مما يدعم تفجر الأزمات العابرة للحدود التي طالت الدول والمجتمعات والنظام الإقليمي على السواء.

تكاد تتوافق أطروحات المراكز البحثية الغربية على أن منطقة الشرق الأوسط من غير المرجح أن تشهد استقراراً في المدى القريب في ظل تصدع أبنية دول عديدة بالإقليم وإخفاقها في أداء وظائفها الأساسية وصعود دور التكوينات المجتمعية الأولية، مثل القبائل والجماعات الطائفية والمذهبية التي باتت تؤدي أدوراً عابرة للحدود، ومن ثم بات المتاح في المرحلة الراهنة هو التحكم في حالة عدم الاستقرار واحتوائها، والحيلولة دون الوصول لدرجة الفوضى المطلقة، وتمدد حالة عدم الاستقرار خارج نطاقات السيطرة، ومن ثم غلب على رؤى المراكز البحثية الغربية منظور واقعي حول كيفية تطويع حالة عدم الاستقرار والتعامل مع واقع الأزمات الإقليمية، وهو ما يتضح في رؤى هذه المراكز البحثية لقضايا الإرهاب والاجئين والصراعات الأهلية وأمن الطاقة ومستقبل التحالفات الإقليمية.

اأولً: �ضعود التهديدات الإرهابية

أشارت الرؤى المطروحة لدى بعض المراكز البحثية الغربية إلى أن دول منطقة الشرق الأوسط قد تتمكن من هزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي، لكن ذلك لن يعيد العراق أو سوريا كما كانتا، وعلى الأرجح ستظل بقايا التنظيم مختبئة في عمق النسيج الاجتماعي للمجتمعات الصغيرة، مع الجماعات الأخرى، التي من المتوقع أن تتكاثر، وفي كثير من الأماكن، ستبقى الحدود الجغرافية في حالة تغير مستمر، حيث فقدت الحكومات السيطرة على الدول من الناحية السياسية والإدارية والعملية، فضاً عن فقدان ولاء قطاعات واسعة من سكانها، كما أصبح من الواضح أن المجتمعات السنية في العراق وسوريا متقاربة مع بعضها البعض أكثر من مواطنيها من الشيعة، وبالمثل، فإن الميليشيات الشيعية في العراق على استعداد للقتال ودعم إيران بدلاً من الحكومة العراقية(1).

ولم تعد التهديدات الإرهابية قاصرة على البؤر التقليدية لانتشار الإرهاب، وإنما بات يحكمها التمدد لدول الجوار، حيث يُقدّر عدد مقاتلي جبهة النصرة المتمركزين على الحدود الشمالية الشرقية للبنان بحوالي 2000 إلى 5000 مقاتل، وهو ما يفسر عمليات اختطاف الجنود اللبنانيين والمدنيين، خاصة في منطقة عرسال، فضاً عن الاشتباكات الطائفية التي

تتفجر بين السنة والعلويين في طرابلس(2).

في المقابل يوجد اتجاه آخر بات شائعاً لدى المراكز البحثية الأمريكية يتصدره الجنرال "ديفيد بتريوس" مدير وكالة الاستخبارا­ت المركزية الأمريكية السابق وقائد القوات الأمريكية في العراق سابقاً، يرى أن تنظيم "داعش" لا يمثل الخطر الأكبر، إذ توشك هزيمته على الأقل في العراق، أما التهديد الأخطر فيتمثل في الميليشيات الشيعية التي تستولي على الأراضي التي كان يسيطر عليها تنظيم "داعش" بدعم إيراني، حيث إن ذلك يؤثر على استقرار العراق على المدى البعيد، كما يؤثر على التوازن الإقليمي، فكلما زاد النفوذ الإيراني في المنطقة، كلما أدى ذلك إلى تأجيج التطرف وصعود الجماعات الإرهابية كأحد أهم تداعيات التمدد الشيعي في منطقة الشرق الأوسط(3).

ثانياً: تعقيدات ال�ضراع في �ضوريا

من المرجح أن يتخذ الصراع في سوريا أحد مسارين، يتمثل الأول في استمرار الدعم الخارجي المقدم من بعض دول الإقليم لوكائهم وهو ما يؤدي لاستمرار الحرب الأهلية، خاصة في ظل حالة توازن الضعف عدم اقتراب أي من الأطراف المتصارعة إلى تحقيق النصر النهائي(4).

أما المسار الثاني فيستند في توقعاته إلى ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز في 24 يناير 2015 حول دراسة مؤسسة راند حول الأوضاع في سوريا، والتي أكدت أن التغيير الكامل في سوريا لم يعد ممكناً(5،) وهو ما أكدته استراتيجية الأمن القومي الأمريكية في مطلع فبراير 2015، والتي تضمنت تأكيداً على أن الولايات المتحدة لن تستطيع ضمان أمن إسرائيل في حال انهيار التوازن الهش في سوريا وسيطرة تنظيم "داعش" عليها، ومن ثم طرحت شبكة الأمن القومي الأمريكية رؤيتها حول ضرورة اتباع استراتيجية "الاحتواء ثم التدمير" (Contain and Destroy ( من خال الاعتماد على العراق وإيران ونظام بشار الأسد لتدمير "داعش")6،) هذه المعطيات هي التي دعمت السعي لتوصل واشنطن وطهران إلى اتفاق شامل، واعتبار وجود نظام الأسد أمر واقع يجب التعامل معه، ولا يمكن تجاهله ضمن محاولات تسوية الصراع السوري(7).

ثالثاً: �ضعود المد الطائفي

إن احتمالات التوصل لاتفاق نووي نهائي بين إيران ودول مجموعة +5) (1دفع المراكز البحثية الأمريكية لطرح سيناريوهين لمستقبل الاتفاق، الأول يرى أن هذا الاتفاق من شأنه أن يساهم في تغيير مواقف إيران في المنطقة ويجعلها أكثر مرونة وتجاوباً، ويدفعها إلى انتهاج سياسات تعاونية وليست توسعية مع دول المنطقة، أما السيناريو الثاني فيقوم على فرضية أن الاتفاق النووي قد يمنح ذلك إيران نفوذاً أكبر في المنطقة في المستقبل، ويجعلها تتمسك بالسياسات العدائية التي تتبعها(8). وتروج بعض المراكز البحثية الأمريكية لأطروحة مفادها أن النجاح في التوصل لاتفاق نهائي مع إيران حول برنامجها النووي من شأنه أن يمهد الطريق، على المدى البعيد، لحقبة جديدة من العاقات التعاونية بين طهران ودول المنطقة، حيث إنه سيدفع دول الشرق الأوسط لكي تكون أقل مياً لاعتبار إيران بمنزلة مصدر خطر وجودي عليها، واعتبارها منافساً ودياً إن لم يكن شريكاً في النظام الإقليمي، كما أنه سيُحدِث حالة من التوازن الإقليمي بين السنة والشيعة في المستقبل، لكن على الرغم من ذلك فإنه من المتوقع استمرار أزمة الطائفية في المنطقة من دون تغيير على المدى القريب(9(، في المقابل يرى اتجاه آخر من المحللين في الولايات المتحدة أن عملية "عاصفة الحزم" ضد الحوثيين في اليمن بمنزلة امتداد للصراع الإقليمي الممتد بين السنة والشيعة في الشرق الأوسط(10،) وأن الاتفاق النووي الأمريكي سيؤدي لتأجيج هذا الصراع الإقليمي، ويجعله يستعصي على التسوية بسبب اختال توازنات القوى.

ويستدل أنصار هذا الاتجاه بوجود حالة استياء لدى أغلب دول منطقة الشرق الأوسط من المحادثات الأمريكية مع إيران حول برنامجها النووي، وهو ما دفع دولاً عديدة بالإقليم لطرح احتمالية امتاك الساح النووي في المستقبل، وهو ما سيزيد من تعقيدات سباق التسلح المحتدم في المنطقة(11(.

رابعاً: احتمالت تاأ�ضي�ش دولة كردية

ظهر الأكراد كطرف إقليمي فاعل ومؤثر في المشهد السياسي، فعلى الرغم من انقسامهم بين أربع دول ممتدة الحدود، وهي: سوريا والعراق وإيران وتركيا، فإن ذلك لا يقلل من أهمية تأثيرهم، فبالإضافة إلى حكومة إقليم كردستان العراق، هناك الأكراد الأتراك ممثلون في "حزب العمال الكردستاني" (PKK)، والذي شارك في مفاوضات سام مع الحكومة التركية، ثم هناك الأكراد السوريون، الذين سيكون لهم دور في تحديد مستقبل سوريا بعد الحرب الأهلية، وبمساعدة الضربات الجوية الأمريكية تمكنت قوات البشمركة الكردية من صد هجمات تنظيم "داعش"، ودفع مقاتلي التنظيم للتراجع، مما أعطى دافعاً للأكراد في تركيا لمواصلة العمل، حيث يرى حزب العمال الكردستاني نفسه كحركة ذات غاية كبرى؛ فعلى المدى القصير، يهدف إلى حماية الأكراد في سوريا والعراق من خطر تنظيم "داعش"، وعلى المدى المتوسط، فإنه يريد أن يدفع لتحقيق حلم الدولة الكردية الكبرى انطاقاً من إقليم كردستان العراق(12).

ومع اقتراب إجراء الانتخابات البرلمانية في تركيا في السابع من يونيو 2015، تشير بعض التوقعات إلى احتمال بروز دور حزب "ديمقراطية الشعوب" التابع للأكراد، والذي إذا تمكن من الحصول على 10% من أصوات الناخبين سوف يحصد على 50 – 70 مقعداً من مقاعد البرلمان البالغ عددها 550، وبالتالي يستطيع حينئذ أن يتمتع بثقل سياسي واضح في تركيا أمام حزب العدالة والتنمية. وعلى الرغم من أن هذه التوقعات غير مؤكدة، فإن المؤكد هو تراجع نفوذ الرئيس "رجب طيب أردوغان" في تركيا في المستقبل، خاصة بعد توالي اتهامات الفساد، وتنامي الانتقادات الموجهة له واتهامه بالسلطوية، لما لذلك من تأثير سلبي على مؤسسات الدولة

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates