Trending Events

الفراغ الحكومي:

أنماط وآليات التعايش مع فراغات السلطة في المنطقة العربية محمد عزالعرب

- د. محمد عز العرب خبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاسراتيج­ية

أضحت الفواعل من غير الدول تقوم بأدوار متعددة لشغل الفراغ الناجم عن تفكك بنية الدولة، وانهيار مؤسساتها، وإخفاقها في أداء وظائفها الأساسية، وحالات الفراغ الحكومي المرتبط بالصراعات السياسية المحتدمة في بعض الدول.

ظهرت في بعض دول الإقليم أنماط متعددة للفراغ الأمني والسياسي والاجتماعي عقب الثورات العربية وإخفاق مؤسسات الدولة في أداء وظائفها، وهو ما دفع قوى أخرى لملء الفراغ مثل التجمعات القبلية، والميليشيا­ت المسلحة، والجيوش المناطقية، والقوى العرقية، والحركات الانفصالية(1).

وتحولت هذه الفواعل من القيام بالأدوار الداخلية لاضطاع بالمهام الخارجية، أو ما أطلق عليه السياسات الخارجية للميليشيات المسلحة، والتي تسعى من خالها إلى التأثير على مسار التفاعات الإقليمية، خاصة في المحيط الجغرافي لها، ولا يقتصر هذا التدخل أو ذلك الاشتباك على مناطق الصراعات الداخلية المسلحة، بل تطور ليشمل نسج شبكة عاقات مع الدول، سواء كانت سياسية أو اقتصادية، وإرسال مساعدات إنسانية عابرة للحدود وفتح مكاتب تمثيل سياسي وإجراء مفاوضات، بما يجعل تلك الفواعل أقرب إلى "أشباه دول"(2).

اأولً: انماط الفراغ الحكومي في المنطقة العربية

هناك عدة أنماط للفراغ الحكومي القائم في بعض دول منطقة الشرق الأوسط، ويمكن تصنيف أنماط الفراغ الحكومي وفق طبيعته على النحو التالي: 1- الفراغ السياسي: يبرز هذا الفراغ جلياً خال المراحل الانتقالية التي تبدأ منذ انهيار الهياكل القديمة وحتى استقرار النظم الجديدة، إذ يتميز النظام السياسي في مرحلة ما بعد الانهيار وصولاً إلى مرحلة الرسوخ بدرجة عالية من السيولة والسرعة في تغير التحالفات داخل وخارج المؤسسات السياسية، وتزيد هذه الحالة في ضوء وجود حالة من الفراغ السياسي والقانوني إلى أن تستطيع النخبة الجديدة في فرض القواعد الدستورية والقانونية الجديدة، وهو ما يعرف بالصراع بين الشرعية الدستورية والشرعية الثورية(2(.

وفي هذا الإطار توجد عدة أنماط للفراغ الحكومي من حيث الموقع الشاغر ضمن بنية السلطة ومؤسسات الحكم على النحو التالي: أ- فراغ رأس السلطة: على نحو ما تشير إليه حالات مثل اليمن بعد استياء الحوثيين على السلطة(3) أو الجزائر أثناء تلقي الرئيس بوتفليقة العاج في فرنسا أو سلطنة عمان

خال فترة عاج السلطان قابوس بن سعيد في ألمانيا لمدة تجاوزت ثمانية أشهر، وإخفاق محاولات التوافق لإجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان. ب- غياب جسد الحكم: وهو ما تعبر عنه حالة لبنان، والتي اعتادت على التعايش مع الفراغ الحكومي بسبب الخافات بين الفرقاء السياسيين، سواء لقضايا داخلية أو ملفات إقليمية، ويأتي على رأسها الأزمة السورية(4). ج-عدم وجود البرلمان: الأمر الذي تقدمه الخبرة المصرية، مع غياب المؤسسة التشريعية لمدة تقارب الثاث سنوات، وهو ما يعطي لرئيس الدولة سلطة إصدار القوانين والتشريعات بصفة مؤقتة. د- غياب السيطرة الإقليمية، أو ما يعرف بمناطق الفراغ؛ بمعنى عدم قدرة الدولة على فرض إرادتها وتطبيق قوانينها على أجزاء من أراضيها في مقابل صعود فاعلين مسلحين يمتلكون قدرات عسكرية تضاهي الجيوش النظامية، بشكل يقوض مقتضيات احتكار الدولة لاستخدام الشرعي للقوة لمواجهة التهديدات الأمنية، لاسيما مع انشغال الدول ببؤر توتر أخرى، ورغبة الفواعل المسلحة في استخدامها كمنصات انطاق لعمليات إرهاب وتعزيز نفوذ(5). 2- الفراغ الأمني: فقد ركزت تحركات بعض القوى الاحتجاجية المعارضة على استهداف الأجهزة الرسمية الأمنية، لاعتبارات ثأرية بحتة، على نحو دفع الميليشيات المختلفة لتولي مهام حفظ الأمن، وهو ما برز جلياً في الحالة الليبية، فقد ساهمت الظروف الأمنية المتدهورة بشكل كبير في مرحلة ما بعد سقوط نظام القذافي في ظهور جماعات العنف المسلحة المتشددة التي ينتمي أغلبها إلى تنظيم القاعدة أو للإخوان المسلمين، وتلقت هذه الجماعات دعماً من دول عديدة مثل قطر وتركيا، ما مكنها من تكوين ميليشيات مسلحة، وفرض إرادتها على الأرض بقوة الساح، مثل ميليشيا فجر ليبيا في طرابلس، وأنصار الشريعة في بنغازي التي بايعت تنظيم "داعش"(6). 3- الفراغ الاقتصادي والاجتماعي: أخفقت بعض الدول القومية في تطوير عاقات وثيقة مع المجتمعات من خال احتواء التعددية المجتمعية وتحقيق التنمية الاقتصادية، وهو ما أدى لتآكل شرعية نظم الحكم وافتقاد الدولة القدرة على تعبئة الموارد وتنفيذ السياسات العامة(7).

وتشير حالات كثيرة في الدول العربية، إلى إخفاق الحكومات في أداء أدوارها التنموية، سواء على صعيد النمو الاقتصادي أو العدل الاجتماعي، وتكون المحصلة غياب شرعية الإنجاز والأداء، وهو ما يؤدي إلى صعود تأثير الجماعات الأولية التي أصبحت أقوى من الدولة ذاتها، وفقاً لتصور قطاعات ليست بالقليلة من المجتمع لأنها تلبي احتياجاتها.

ثانياً: موؤ�ضرات الفراغ الحكومي في المنطقة العربية

هناك عدد من المؤشرات الإجرائية التي يمكن على أساسها "قياس" ظاهرة الفراغ الحكومي في المنطقة العربية، على النحو التالي: 1- الانحسار الإقليمي: بمعنى عدم قدرة الدول على السيطرة على قطاعات واسعة من إقليمها بسبب حالة الحدود الرخوة أو السائلة التي زادت من حدتها التحولات الثورية والحركات الاحتجاجية، إذ لم تعد هناك دولة عربية بمنأى عن الاختراقات الحدودية لأراضيها وسيادتها، لاسيما في ظل "لامركزية" تأمين الحدود، وهو ما يتضح جلياً في حالات سوريا واليمن وليبيا، بل إن الدول المستقرة نسبياً تشهد اختراقاً لحدودها، على نحو يظهر جلياً في مصر وتونس بعد الثورات)8.( غير أن الثورات لم تكن المسؤولة عن حالة الحدود الهشة، بل كانت كاشفة لها، لاسيما أن حالة الصومال تبرهن على انهيار السلطة المركزية منذ ربع قرن) 9 ). 2- صعود الفواعل المسلحة: وتشمل الفواعل المسلحة من غير الدول، التنظيمات الإرهابية والميليشيا­ت المسلحة والجيوش المناطقية والجماعات الدينية)10،( حيث بدأت تفاعات عامي 2014 و2015 توحي بأن النظام العربي يمر بمرحلة انتقالية يشهد فيها محاولات للتغيير في هيكله وعقيدته ليتحول من نظام تسوده التفاعات الرسمية بين الدول والحكومات إلى نظام تفاعلي تشغل فيه المنظمات والجماعات غير الرسمية والفاعلين من غير الدول حيزاً أكبر من تفاعاته)11).

وقد حدث تحول من مساومة هؤلاء الفواعل للدولة على الشراكة في وظائفها إلى ما يُطلق عليه "الاختراق الموازي"، إذ إن هؤلاء الفاعلين لا ينافسون الدولة على وظائفها فقط، بل يلعبون كقوى موازية، ويفرضون قوانينهم الخاصة في بعض الأحيان، فعلى سبيل المثال، فإن التنظيمات الجهادية المسلحة التي تسيطر على مناطق انسحبت منها السلطات الرسمية فرضت قوانينها الخاصة بالمتعلقة بالشريعة(12). 3- تعثر استحقاقات المراحل الانتقالية: والتي تحولت إلى ما يشبه المتاهة"، نظراً لغياب وجود توافق بين القوى المجتمعية المختلفة والتيارات الفكرية المتنوعة، بين النخب القديمة والنخب الجديدة، والثوريين والإصاحيين، على

يتميز النظام السياسي في المراحل الانتقالية بدرجة عالية من السيولة والسرعة في تغير التحالفات داخل وخارج المؤسسات السياسية، وتزيد هذه الحالة في ضوء وجود حالة من الفراغ السياسي والقانوني إلى أن تستطيع النخبة الجديدة فرض القواعد الدستورية والقانونية الجديدة، وهو ما يعرف بالصراع بين الشرعية الدستورية والشرعية الثورية.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates