التوازن المرن:

تصاعد أدوار القوى الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط باسم راشد

ساهمت التحولات المتلاحقة التي مرت بها منطقة الشرق الأوسط في الأعوام الأخيرة في صعود أدوار القوى الإقليمية في إطار نظام إقليمي تعددي يقوم على التحالفات المرنة المرتبطة بمدى توافق المصالح تجاه القضايا الإقليمية.

يكشف تتبع التفاعات في النظام الإقليمي بمنطقة الشرق الأوسط عن تصاعد أدوار القوى الإقليمية وتزايد تأثيرها في بؤر الأزمات الإقليمية التي تفجرت على أثر الثورات العربية، خاصةً في ظل تراجع أدوار القوى الدولية، وتآكل قدرتها على التأثير في قضايا منطقة الشرق الأوسط، بيد أن صعود الأدوار الإقليمية يرتبط بتشكل تحالفات مرنة قائمة على مدى التوافق في المصالح تجاه كل من القضايا الإقليمية وهو ما يزيد من تعقيدات الواقع الإقليمي.

اأولً: ملمح التغير في البيئة الإقليمية

ثمة عدد من المتغيرات تجدر الإشارة إليها لتوضيح مامح الوضع الإقليمي الراهن، والتي من شأنها أن تحدد سياسات وتفاعات كل الدول، ولعل أبرزها: 1- الطبيعة الانتقالية: إذ تمر معظم دول الإقليم بمرحلة انتقالية في الداخل، سواء العربية بما تشهده بعضها من تنازع بين القوى السياسية، كما هو الوضع في مصر، أو الإقليمية بما تشهده من حراك سياسي واضح كما في تركيا وإسرائيل، بالإضافة إلى تأزم الأوضاع الاقتصادية في إيران تحت وطأة العقوبات الاقتصادية التي بدأت تتفكك رويدا بعد الاتفاق النووي الأخير( هذا يعني أن طبيعة تلك التغيرات الانتقالية الداخلية تؤثر بشكل كبير على حدود وفعالية الدور الخارجي في إطار النظام الإقليمي. 2- تعدد الفاعلين من غير الدول: إذ تزايد حجم وأعداد الفاعلين المسلحين من غير الدول، نتيجة للفراغ الأمني بعد الثورات العربية والتوترات الداخلية في بعض الدول، والذي أدى بدوره إلى السماح بتزايد ظاهرة الميليشيات المسلحة، والتي دوماً ما تلجأ للتعبير عن رأيها باستخدام القوة أو بفرض واقع جديد على سياسة الدولة. ويشير "معهد هيديلبيرج الدولي لتحليل الصراعات" في تقريره السنوي إلى أن الفاعلين من غير الدول بأنواعهم المختلفة يلعبون دوراً مهماً في استمرار حالة الصراع في الإقليم، على نحو أدى لتزايد عدد الصراعات الداخلية التي يتم رصدها سنوياً، مقارنة بعدد الصراعات بين الدول، مع مشاركة حالات معينة من الفاعلين