Trending Events

المهمة الصعبة:

هل يمكن لدول التحالف أن تستعيد "العالم العربي"؟ المدير الأكاديمي

- د. محمد عبدالسلام المدير الأكاديمي أبوظبي، مايو 2015

هناك محاولة لإعادة "العالم العربي" إلى ساحة المنطقة، نظاماً وهوية، من جانب 8 دول عربية تستخدم فيها كل الوسائل، بما فيها الأدوات العسكرية، في ظل تقييمات مختلفة حول المدى الذي يمكن أن تنجح فيه تلك العملية، بعد أن تصدعت دول عربية مؤثرة، وانتشرت ميليشيات متطرفة على أراضيها، وانهارت حدودها لتخترقها قوى إقليمية، حاملة رايات قديمة لأحام وأوهام إمبراطورية شديدة الاستفزاز لما بقي متماسكاً من دول الإقليم. فالمشكلة الحالية هي أن التهديدات وصلت إلى عمق المنطقة العربية، والعدو أصبح في الداخل.

الواضح هو أن تلك المحاولة تتسم بجدية شديدة لسبب بسيط هو أن الدول التي تقودها تدافع في الحقيقة عن بقائها، بدون نظريات، بما يذكر بكتاب قديم للجنرال أندريا بوفر يعود إلى عام 1966، اسمه "استراتيجية العمل"، دفعه إلى كتابته ما يقول إنه مناقشات جادة وبيزنطية داخل معهد الدراسات الاستراتيج­ية الفرنسي، مقرراً "أنه إذا أردت تحقيق شيء رغماً عن أنف الآخرين، فليس أمامك سوى العمل"، خاصة إذا كان الردع قد فشل، ومن يدرس جيداً تفاصيل قرار شن الهجمات ضد قوات الحوثيين – صالح في اليمن، بطرح أسئلة مثل متى وكيف، ربما تتضح الصورة.

إن الصورة هي أن محاولة استعادة شيء من "النظام العربي" هذه المرة تتم من خال عمليات لم يكن هناك مفر منها، يشارك فيها "تحالف راغبين" ممن تمسهم التهديدات مباشرة، ثم يتم البحث عن إطار لها بعد ذلك استناداً إلى ما يتحقق بالفعل بمشاكله، وهنا يمكن فهم الفارق بين ما جرى وما كانت تقترحه مدرسة تقليدية، بشأن الاستناد إلى "قمة عربية" مثاً في اتخاذ قرار الحرب، وهو بالضبط ما غرقت فيه كل محاولات الاستعادة السابقة ل "العالم العربي"، وهو الأطر النظرية. إن التأريخ المتداول للنظام العربي، يبدو تاريخاً من البحث عن نظريات أكثر من تدعيم حقائق، على الرغم من أن محاولات قراءته بأثر رجعي تثبت شيئاً، فما كتب عن ظروف إنشاء جامعة الدول العربية، وحقيقة وجود حرب باردة عربية في أقصى فترات المد القومي عنفواناً، في وقت يحدث فيه اتحاد بين دولتين عربيتين متباعدتين جغرافياً، وتعرض الدولة المركزية فيه وقتها لهزيمة من طرف إقليمي، تتلوها قمة دعم استثنائية لها في الخرطوم، على الرغم من وجود الخافات السياسية.

تستمر المسيرة، فالدول العربية تتجمع للقيام بمهمة أكتوبر 1973، وتحدث خافات بين الحلفاء خال الحرب، قبل وقوع الانقسام العربي الكبير أواخر السبعينيات بفعل "السياسة"، ثم تقوم دولة عربية رئيسية أخرى باحتال دولة عربية مجاورة، ويقع انقسام عربي كبير آخر غير مفهوم عام 1990، قبل قيام قوة دولية عظمى باحتالها هي نفسها عام 2003، مع محاولات عربية مكثفة لإنقاذها، على الرغم من تصنيفها لها وقتها بأنها "دولة مؤذية"، وصولاً إلى ثورات عام 2011، التي شهدت المنطقة خالها انهيارات أو تصدعات للدول ذاتها. يثبت كل ذلك شيئاً أيضاً. وبالطبع، فإن اتجاهات ترصد بسرعة في فقرتين لا تعبر يقيناً عما جرى في المنطقة، إلا أنها على الأقل تشير إلى ما يلي: 1- إن "العالم العربي" ولد في أزمة، واستمر في أزمة، لكن كل دول المنطقة تقريباً توافقت عليه وارتضت به هكذا، وأرادته قائماً، حتى لو كان متصدعاً، وكأن ذلك أحد معالمه، فالإطار العربي، مهما كان ضعيفاً أو منتقداً هو الإطار الذي تشعر أنه الطبيعي لها. 2- إن الدول العربية كانت تتجمع وتفترق طوال الوقت، في اتحادات متعددة الأطراف وتحالفات راغبين ومحاور استراتيجية، ويذكر الجميع تعبيرات مثل "مواجهة ومساندة" و"صمود وتصدي" و"مع وضد" و"تحالف وممانعة"، لكن كانت لدى معظمها حساسية تجاه الأطراف الإقليمية المجاورة. 3- إن أقصى درجات التحالف جدية هي تلك التي كانت تتم ضد أي طرف إقليمي أو حتى عربي يحاول إحداث اختال كبير في التوازنات القائمة، وتحديداً الاستياء على أرض أو سلطة أوموارد، مثل كل أقاليم العالم، وهي تلك الحالات التي كانت تشهد استخدام القوة الإكراهية. بعيداً عن ذلك، ظلت المشكلة المزمنة تتمثل في إيجاد إطار منطقي أو واقعي، يتجاوز فكرة أن العرب حقيقة ثقافية فقط، لوضع "المشروع العربي" استراتيجياً على خريطة الإقليم، فعلى الرغم من وجود الجامعة العربية، كان العالم ينظر غالباً إلى الإقليم على أنه "شرق أوسط" قديم، أو شرق أدنى، يضاف إليه في بعض المؤسسات الحكومية ومراكز التفكير الغربية "شمال أفريقيا"، ويتم التعامل مع العرب في الأمم المتحدة على أنهم "مجموعة الدول العربية". وكانت مشروعات خلق روابط أو مفاهيم إقليمية تتوالى، من الشرق

أوسطية والمتوسطية، إلى الشرق الأوسط الكبير والمشرق، وهنا توجد 3 نقاط: 1- إن الأكاديميا العربية حاولت إيجاد إطار عربي عبر التأكيد على وجود "نظام إقليمي قومي" تشير تفاعاته إلى وجود ما يستحق أن يوصف علمياً بمصطلح نظام، أو وجود إطار قابل للفهم لأمن قومي عربي، يتعرض لتهديدات محددة وتحديات مشتركة، أو عبر دراسات ميدانية تؤكد أن الرأي العام العربي قابل لتفهم أن هناك أسساً للوحدة العربية بشروط، واتجاه يظهر في أعقاب التصدعات الكبرى، يحاول تفسير أزمات النظام العربي ومستقبله، وبفعل وجود إشكاليات حقيقية في فهم الواقع ضمن تلك الأطر، وصل الأمر بالبعض إلى الحديث عن فك الاشتباك بين إقليمية النظام وقوميته، وظلت المشكلة قائمة. 2- إن الفكر القومي لم يتمكن من إيجاد إطار مقبول "مريح" للعالم العربي، فلفترة طويلة بدا أن فكرة القومية العربية ترتبط بالسياسات الاشتراكية اقتصادياً والحزب الواحد سياسياً، وبأنها تجد مشكلة في التعامل مع فكرة الدولة الوطنية أو المصلحة الوطنية، وكانت لدى العواصم القومية الكبرى مشكلة دائماً مع "دول الخليج العربية"، وفي النهاية، أو ابتداء من عام 1990، تصرف الجميع كدول بشكل معلن، مع عدم اهتمام بالحفاظ حتى على "الشكل العربي"، لتبدأ المحاور المتضادة متعددة الأطراف والتحالفات الإقليمية العابرة للحدود، في الظهور. 3- إن مجموعات المهام الخاصة التي كانت تشكل في إطار الجامعة العربية، لإعادة ضبط العمل العربي المشترك، لم تتمكن من تجاوز الأطر التقليدية، فقد طُرحت في إطارها أفكار معدلة، تستند إلى أسس واقعية لبناء نظام عربي "عملي" يستند إلى المصلحة الوطنية أحياناً، كما يحدث في كل أقاليم العالم، أو الاعتماد على القطاعات التي تعمل في وظيفة محددة، أو الأطر التشاورية الأقل رسمية لإدارة العمل، أو مشاركة القطاع الخاص في التفاعات العربية، أو العضوية المنتسبة لدول الإقليم، بل والاعتماد على "تحالفات الراغبين"، مع الابتعاد عن أفكار الوحدة أو الاتحاد إلى حين، ولم يتم التمكن من تمرير معظمها. لكن ما يبدو واضحاً الآن، هو أن مسألة البحث عن إطار، كشرط ضروري مسبق، لاستعادة العالم العربي قد توقفت، بفعل ضغوط أدت إلى تصاعد التوجه نحو "استراتيجية العمل"، إذ بدأت المنطقة العربية تتعرض لتهديدات وجود حادة، تمس ما بقي من أمنها المشترك ومصالحها الحيوية، على الأقل بالنسبة للدول المتماسكة فيها، أهمها: 1- إن عروبة بعض الدول قد بدأت تتأثر بشدة، وهو اتجاه بدأ قبل الثورات العربية، قبل أن يتفاقم حالياً، وترتبت عليه تأثيرات عملية، وهنا يتم تذكر جدال الدستور العراقي بعد عام 2003، والصدام الذي أدى إلى تقسيم السودان، والنقاش الذي ارتبط بصعود قوة الأقليات داخل الدول، خاصة في شمال أفريقيا، والذي تجاوز ما هو معتاد إلى طرح مسألة الهوية الوطنية، خاصة إذا كانت لتلك الأقليات ارتباطات أو امتدادات خارجية، وهي مسائل تطرح في نهاية الأمر قضايا تتعلق بالسلطة والدولة، فالهوية العربية تمثل تحدياً. 2- إن سيطرة تيارات الإسام السياسي على الحكم في عدة دول عقب الثورات العربية، طرح مباشرة فكرة هوية الدولة، ولم تكن مشروعاتها تتعلق بدولها فقط وإنما بالإقليم، وفي عدة مؤتمرات عقدتها تيارات قومية، تنتمي لدول تعاني تقلصات داخلية، في تلك الفترة، اعتبر بعض رموزها أن "مشروع الإسام السياسي" هو مصدر التهديد الأول للمشروع العربي، على الرغم من ميل تقليدي لدى التيار القومي لتفهم توجهات تلك التيارات، وقد تقلص ذلك نسبياً حالياً، لكن تظل تيارات الإسام السياسي تمثل مشكلة. 3- إن انتشار التيارات الدينية شديدة التطرف، وتحولها من منظمات إرهابية إلى ميليشيات مسلحة، تسيطر على أرض وموارد وقطاع من الشعب، لا يمثل تهديداً فقط لعروبة المنطقة، بطرح أفكار حول خافة إسامية لن تتحقق، أو إثارة مناخ شديد السوء بشأن حالة المنطقة، لكن بإحداث تصدعات هائلة في هياكل وأمن الدول، فالفكرة العربية ترتبط أيضاً بوجود دول قادرة على الحفاظ على أمن مواطنيها وتطوير اقتصاداتها، وضمان الحياة الطبيعية لشعوبها، فتلك التيارات تمثل خطراً. 4- إن تدخل الأطراف الإقليمية في شؤون الدول العربية، وإيجاد امتدادات أو وكاء له داخلها، للسيطرة عليها، على نحو ما تشير إليه التصريحات التي صدرت عن طهران بشأن السيطرة على عدة دول عربية عبر القوى المناهضة للسلطة أو الدولة حالياً، أو التصورات السائدة لدى أردوغان في أنقرة، حول الإمبراطور­ية العثمانية، التي كانت على وشك أن تتحقق بالتحالف مع تيارات الإسام السياسي. فالتوجهات التوسعية لدى دول الإقليم المجاورة تمثل أخطر مصادر تهديد إمكانية استعادة "العالم العربي" مرة أخرى. في النهاية، فإن ما جرى عملياً هو أن عدة دول، هي السعودية والإمارات ومصر والكويت وقطر والبحرين والأردن والمغرب والسودان، التي تشكل تحالف "عاصفة الحزم"، قد قررت أن تتحرك في اتجاه التعامل مع مصادر التهديد المتعددة لأمن الدول العربية، في ظل تصور بأنها لن تسمح بسقوط المنطقة العربية في أيدي التيارات المتطرفة أو القوى الإقليمية، كما ستعمل قدر الإمكان على دعم قدرة الدول المتصدعة على استعادة قوتها، عبر توازنات واقعية، ولأن المسألة جادة، فإن استخدام القوة المسلحة، عبر أطر عملية كان مطروحاً منذ البداية، وإذا كان السؤال حول قدرة "التحالف" على استعادة العالم العربي، سيظل محاً للتحليل لفترة، فإن ما سيحدث يقيناً، هو أن سيناريو سيطرة "الآخرين" على المنطقة العربية لم يعد مطروحاً ببساطة.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates