Trending Events

هل انتهت مشاكل إثيوبيا مع الدول العربية؟

د. حمدي عبدالرحمن

- د.حمدي عبدالرحمن أستاذ العلوم السياسية بجامعة زايد- دولة الإمارات العربية المتحدة

على الرغم من وجود موروثات تاريخية ودينية تدفع إلى التقارب بين العرب وأثيوبيا، فإن الصور الذهنية السلبية والأنماط الجامدة القائمة على الشك وعدم الثقة قد حالت دون ذلك.

تاريخياً، كانت الحبشة في أوائل القرن السابع الميادي الملجأ والماذ للمسلمين الذين أمرهم الرسول صلى اله عليه وسلم بالهجرة إليها لأن فيها ملكاً عادلاً لا يُظلم عنده أحد. ولكن الأحداث والتفاعات البينية سارت في مسار مغاير، حيث كان التنافس الإقليمي وتضارب المصالح مدعاة للعداء والانقسام في الرؤى بين الأثيوبيين والعرب.

لعل مراجعة التراث الشعبي السائد تؤكد على مفاهيم التنافس والعداء، فأحداث سيرة سيف بن ذي يزن، تشير إلى غلبة سلوك الحرب والمواجهة بين العرب وإثيوبيا. كما أن عقدة الموقع والسكان قد جعلت الإدراك الأثيوبي العام ينظر بتوجس وخيفة تجاه العالم العربي. فإثيوبيا تعاني عقدة "الهضبة الحبيسة" التي لا تطل على البحر، كما أنها تضم خليطاً غير متجانس من السكان، وهو ما كرس من التصور القائل بأنها "جزيرة من المسيحية وسط بحر من الإسام". وربما عزز الموقف العربي المساند لاستقال إريتريا من هذا الخوف الأثيوبي، حيث فقدت إثيوبيا منفذها على البحر.

اأولً: اإرها�ضات اأولى لل�ضدام

لقد دفعت هذه المدركات والصور الذهنية المتبادلة إلى اتخاذ مواقف تعبر في جوهرها عن الصدام والتنافس. ففي عام 2008 اتخذت حكومة رئيس الوزراء الأثيوبي الراحل ميلس زناوي قراراً بقطع العاقات الدبلوماسي­ة مع قطر، لمساندتها إريتريا، وهو ما يعني زعزعة الاستقرار في القرن الأفريقي. وفي مناسبة أخرى عندما احتدم النقاش حول سد النهضة الأثيوبي وجه الأمير خالد بن سلطان نائب وزير الدفاع السعودي وقتها، انتقاداً لاذعاً لإثيوبيا باعتبار أنها تهدد الأمن القومي لكل من السودان ومصر. صحيح أن الحكومة السعودية نأت بنفسها عن هذا التصريح، كما أن العاقات الأثيوبية القطرية عادت إلى سابق عهدها بعد رحيل زناوي، لكن ذلك كله لم يستطع أن يزيل مواريث الشك بين الجانبين.

ثانياً: نظرة اإثيوبيا اإلى العالم العربي

لقد كانت نقطة التحول الحاسمة في الفكر الاستراتيج­ي الأثيوبي مرتبطة بنهاية الحرب الحدودية مع أرتريا عام 2000. عندئذ انخرطت إثيوبيا في رسم معالم رؤية جيواستراتي­جية جديدة للقرن الأفريقي تحت قيادتها. وطبقاً للكتاب الأبيض الأثيوبي الصادر عام 2002 تم تحديد ثاث دوائر مترابطة لتهديد أمنها القومي. الدائرة الأبعد وتضم مصر المنافس الإقليمي التقليدي، بالإضافة إلى إمكانية قيام دولة إسامية راديكالية في شبه الجزيرة العربية. أما الدائرة الوسطى فإنها تشمل دول الجوار الجغرافي، والتي تمثل مصدر تهديد مباشر سواء عن طريق الغزو أو زعزعة استقرار الداخل الأثيوبي، وتشير الدائرة الثالثة إلى تعقيدات مناطق الحدود الداخلية القلقة، والتي قد تنفجر في لحظة معينة.

مصر بذلك مصدر تهديد يحول دون تحقيق السام والأمن في القرن الأفريقي، بالمفهوم الأثيوبي طبعاً. وقد

مثلت – ولاتزال- قضية التوزيع العادل والمنصف لمياه النيل أحد مكونات الصراع بينهما. فبينما تنظر مصر إلى قاعدة التوزيع حسب الحاجة مع الالتزام بالحقوق التاريخية المكتسبة، ترفض إثيوبيا ومعها باقي دول المنبع الاعتراف بالنظام القانوني لنهر النيل. وترى إثيوبيا أن من حقها الاستفادة من النهر، لاسيما أنها تساهم بنحو 80% من إيراداته عن طريق النيل الأزرق. واستناداً إلى ذلك كله اعتمدت إثيوبيا على منطق الخداع الاستراتيج­ي عندما قررت بناء سد النهضة، حيث أعلنت عنه عندما كانت مصر منشغلة بتبعات ثورة يناير 2011.

ثالثاً: اإثيوبيا تعيد ترتيب ملفاتها اومن

الواضح أن التحولات في بنية النظام الإقليمي العربي بانفصال جنوب السودان عام 2011، وتبعات ثورات الربيع العربي، لاسيما في مصر وليبيا واليمن، قد فتحت المجال واسعاً أمام الصعود الأثيوبي في القرن الأفريقي، بمباركة قوى دولية وإقليمية، على رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل. لقد تبنت إثيوبيا خطاباً جديداً ومختلفاً، فهي دولة يبلغ تعداد سكانها نحو 90 مليون نسمة نصفهم تقريباً مسلمون. كما أنها تمكنت من تبني برنامج اقتصادي طموح حقق معدلاً سنوياً للنمو بنحو 10% منذ عام 2000. وقد نجحت في بناء أربعة مشاريع لتوليد الطاقة الكهرومائي­ة من نهر أومو. وبدأت بالفعل تصدير الكهرباء إلى جيبوتي والسودان. ومن المتوقع بعد الانتهاء من سد النهضة عام 2017 أن تصبح إثيوبيا أكبر مخزن للطاقة الكهربائية في أفريقيا على الإطاق.

لقد أفضى ذلك إلى تحول مركز القوة من الدول التقليدية (كينيا وأوغندة وتنزانيا) إلى إثيوبيا. وتبدو مؤشرات هذا التحول في الدور العسكري المتزايد لإثيوبيا في الصومال وقيادتها لمنظومة "الايغاد" من أجل فرض فهم جديد للسلم والأمن الإقليميين. كما تبنت إثيوبيا سياسة "التوجه جنوباً" من خال اتفاقات البنية التحتية والطاقة مع كينيا واتفاقات الأمن والتنمية مع جنوب السودان.

رابعاً: نظرة العالم العربي لإثيوبيا

يمكن تحديد ثاث استجابات عربية متباينة لهذا الصعود الأثيوبي. يتمثل أولها في الموقف المصري، الذي وجد نفسه في موقع الصدام مع الطموحات الأثيوبية المتزايدة، والتي تنظر إلى قضية مياه النيل وكأنها مباراة صفرية. وطبقاً للتفكير الاستراتيج­ي الأثيوبي ينبغي أن تقوم أديس أبابا، وليس القاهرة، بدور حلقة الاتصال بين أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط بما في ذلك إسرائيل. وعليه فإن مصر ترى أن إثيوبيا تمثل خصماً أساسياً من مكانتها الاستراتيج­ية بسبب ملف مياه النيل وقضايا أخرى.

أما الموقف الثاني فتطرحه بعض الدول العربية التي وجدت في الدور الأثيوبي الجديد فرصة للتعاون وتبادل المصالح بدلاً من الصراع. لم يكن مستغرباً أن تعزز حكومة البشير في السودان تحت وطأة الضغوط الدولية من عاقات التعاون مع إثيوبيا، لدرجة تنتقل معها من موقف الشراكة الاستراتيج­ية مع مصر لتصبح مجرد وسيط يسعى لتقريب وجهات النظر المصرية والأثيوبية فيما يتعلق بملف المياه. وإذا كانت إثيوبيا قد حسمت مسألة مواجهة التهديد الصومالي من خال التدخل العسكري عام 2006، والإطاحة بحكم الإساميين ثم الاحتفاظ بوجود عسكري في إطار القوة الأفريقية المشتركة، فإنها أقامت شبكة تفاعات سياسية واقتصادية مع أقاليم صومالية أعلنت التمرد على حكومة مقديشيو أو أعلنت الاستقال من طرف واحد مثل إقليم صومالياند.

ويتمثل الموقف الثالث في إعاء مفاهيم المصالح المتبادلة والتعاون الاقتصادي. وهنا نجد جيبوتي تطرح نموذجاً مغايراً في سياق العاقات العربية الأثيوبية. ففي أعقاب الحرب الأثيوبية الإرتيرية أضحت جيبوتي تمثل النافذة الرئيسية لإثيوبيا على البحر. وترتبط كثير من الأنشطة الاقتصادية في جيبوتي بالخدمات الخاصة بالتجارة الأثيوبية. وللتعبير عن متانة هذه العاقات أعطت الحكومة الأثيوبية مواطني جيبوتي حق الإقامة والتملك على أراضيها.

كانت إثيوبيا تنظر دائماً إلى ما وراء البحر الأحمر، وهو ما يفسر العاقات المتبادلة بينها وبين دول الخليج العربية والتي تقع في معظمها في دائرة التجارة والاقتصاد. فعلى الرغم من الشكوك المتبادلة والخوف الأثيوبي من خطر الراديكالي­ة الإسامية، فإن إثيوبيا تسعى إلى الحصول على الدعم والاستثمار­ات الخليجية لاستكمال مسيرة نهوضها الاقتصادي.

خاتمة

السؤال الذي يفرض نفسه يتمثل في تبعات النهوض الأثيوبي على النظام الإقليمي العربي. يمكن القول إن صعود نجم إثيوبيا إقليميا كان على حساب تراجع قوى عربية وعلى رأسها مصر والسودان والصومال، وهو ما يعني أنه يمثل خصماً استراتيجياً من المكانة الجيوسياسي­ة للعرب. ومن جهة أخرى فإن إثيوبيا قد تجاوزت جوارها العربي وسعت لإعادة صياغة عاقتها مع القوى الإقليمية غير العربية مثل إيران وتركيا وإسرائيل. وعلى سبيل المثال أعادت أديس أبابا في عام 2006 فتح سفارتها في أنقرة كما أنها عززت من عاقاتها الأمنية والاقتصادي­ة والسياسية مع إسرائيل. وقد دفعت هذه الرؤية الاستراتيج­ية الجديدة لإثيوبيا إلى إقامة تحالف شبه مقدس مع الولايات المتحدة والقوى الغربية الكبرى باعتبارها الوكيل المعتمد في الحرب العالمية على الإرهاب في منطقة القرن الأفريقي.

وأياً كان الأمر فإن المخاوف العربية، لاسيما المصرية من الصعود الأثيوبي لاتزال باقية. فعلى الرغم من الاختراق الدبلوماسي المصري غير المسبوق في إجراءات بناء الثقة مع إثيوبيا فإن السلوك الأثيوبي لايزال قائماً على المناورة واكتساب الوقت. واذا كانت إثيوبيا قد استفادت من تحولات الخريطة الجيواسترا­تيجية في شرق أفريقيا لدعم صعودها كقوة مهيمنة إقليمية، فإن القوى الناعمة العربية، لاسيما لدولة مثل السعودية تستطيع أن تدعم جهود بناء الثقة بين مصر وإثيوبيا من ناحية وإحداث توازن مع النفوذ الإسرائيلي المتزايد في منطقة القرن الأفريقي من ناحية أخرى.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates