Trending Events

المواجهة الفكرية:

سياسات ضبط الخطاب الديني في المنطقة العربية علي بكر

- علي بكر باحث متخصص في شؤون الحركات الإسلامية في مجلة السياسة الدولية بالقاهرة

اتجهت دول عديدة في المنطقة العربية لطرح آليات متعددة لضبط الخطاب الديني، ومواجهة المد المتصاعد لخطاب التطرف والإرهاب، سواء عر تشريعات مكافحة التطرف، أو المناصحة الفكرية، أو التوعية الإعلامية، أو تنظيم ومراجعة الخطاب الديني الذي تطرحه المؤسسات الدينية.

شهدت دول الشرق الأوسط صعوداً للخطاب الديني المتطرف في أعقاب الثورات العربية في ظل صعود تنظيم "داعش"، وتركيزه على توظيف الإعام الافتراضي في توسيع قاعدة أنصاره، واستقطاب كوادر جديدة من خال بث الأفكار المتطرفة حول إعادة تأسيس دولة الخافة على الحدود التاريخية للدولة الإسامية، وتبرير توظيف أقصى درجات العنف في مواجهة الدولة والمجتمع، فضاً عن تصاعد قدرات التنظيمات الإرهابية على بث خطابها المتطرف عبر وسائط متعددة في المجال الافتراضي لا تستطيع الدول السيطرة عليها، والتحكم فيها على غرار شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع التي تحجب الهوية، وهو ما دفع أغلب الدول العربية لتطوير استراتيجيا­ت تمزج بين الأبعاد القانونية والفكرية والإعامية لمكافحة انتشار الفكر المتطرف.

اأولً: اتجاهات ن�ضر التطرف في ال�ضرق الأو�ضط

لم يعد الخطاب المتطرف في المنطقة العربية يقتصر على اتجاه واحد قابل لاحتواء، وإنما أصبح هناك أكثر من خطاب، جميعها يحض على التطرف والعنف والكراهية، فهناك "الخطاب الجهادي"، الذي تتبناه التيارات الجهادية المختلفة في المنطقة، وعلى رأسها تنظيم "القاعدة" وفروعه المختلفة، وتنظيم "داعش" والتنظيمات المبايعة له، والذي يحض صراحة على توظيف العنف والوحشية مع المخالفين من مختلف الاتجاهات، كما يوجد "الخطاب المتشدد فقهياً" وعلى الرغم من كونه خطاباً غير عنيف فإنه خطاب غير متسامح مع الآخر بكل انتماءاته، لكن من دون التورط في العنف، أو في التحريض عليه، والذي تتبناه معظم التيارات السلفية. وتكمن خطورة هذا الخطاب في أنه يمثل البوابة الخلفية للتيارات الجهادية مؤخراً، حيث كثيراً ما تنتهي الحال ببعض أصحاب هذا الخطاب المتشدد إلى اعتناق "الفكر الجهادي"، ومن ثم الانضمام الى التنظيمات الجهادية المختلفة.

يرتبط ذلك بانتشار "الخطاب الطائفي"، الذي أصبح يحتل مساحة واسعة، خاصة في ظل الصراعات السياسية التي اتخذت أبعاداً طائفية بامتياز، والتي تشهدها بعض دول

الشرق الأوسط، في ظل تصاعد سطوة التكوينات المجتمعية الأولية، لاسيما الانتماءات المذهبية والطائفية مع انهيار بنية دول عديدة في الإقليم وإخفاقها في تلبية الاحتياجات الأساسية من المواطنين مما يدفعهم للجوء للدوائر الأولية لانتماء.

وتعتمد التيارات الدينية صاحبة الخطابات المتطرفة بشكل عام على عدد من الوسائل والآليات في نشر خطابها، حيث تعتمد على وسائل الاعام الحديث، مثل مواقع الإنترنت والإصدارات المرئية في نشر أفكارها وخطابها في أوساط الشباب، إضافة الى الاعتماد على عدد من القنوات الدينية التي تتبنى خطاباً متطرفاً يقترب من خطابها، وإن كان لا يحرض على العنف بصورة مباشرة(1).

إن صعود أنماط "الجهاد با قيادة" والخايا العنقودية المرتبطة بتنظيمات شبكية أديا لتصاعد أهمية التواصل عبر الإنترنت باعتبارها أضحت بمنزلة "جامعة إرهابية" تقوم بتلقين الشباب القابل لاستقطاب الأساس الفكري والعقيدي للتطرف، في ظل فوضى الخطاب الديني الذي يتم بثه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وضعف تأثير المؤسسات الدينية الرسمية في المجال الافتراضي(2).

وعلى الرغم من أهمية الوسائل السابقة، فإن وسائل الدعوة التقليدية المعروفة لدى التيارات المتطرفة ستظل هي الأكثر أهمية والأكثر خطورة وتاثيراً، نظراً لشدة تأثيرها بصورة قوية ومقنعة، حيث غالباً ما تعد هي الوسيلة الأولى التي توجد "الشخص الانتحاري" أو من يحمل الساح ضد مجتمعه ودولته، وتتمثل هذه الوسائل التقليدية في الدعوة الفردية والجماعية التي كانت غالياً ما تمارس عبر المساجد، من خال استخدام الآليات الدعوية المعروفة، مثل خطب الجمعة والدروس والمواعظ، وهذا ما جعل العديد من الحكومات والدول تتخذ العديد من الإجراءات تجاه المساجد بصفة خاصة والمنشآت الملحقة بها.

ثانياً: اأبعاد عمليات مكافحة التطرف

تبنت دول الشرق الأوسط استراتيجيا­ت متعددة لمواجهة خطاب التطرف والتكفير منذ مطلع الألفية الثانية، وشملت هذه الآليات إصدار تشريعات تجرم خطاب الكراهية والعنصرية ضد الآخرين، وتعديل المناهج التعليمية، والتوقيع على الاتفاقيات الدولية لمكافحة الإرهاب والتطرف الدولي والإقليمي، جنباً إلى جنب مع تقديم كافة صور التعاون المادي والسياسي واللوجستي والمعلومات­ي والاستخبار­اتي في إطار التعاون الإقليمي لمحاربة الإرهاب، فضاً عن صياغة اتفاقيات إقليمية للتصدي للإرهاب، وفي هذا الإطار تضمنت استراتيجيا­ت مكافحة التطرف في الدول العربية عدة أبعاد أهمها يتمثل فيما يلي: 1- الأبعاد التشريعية والقانونية: حيث اتجهت أغلب الدول العربية لصياغة تشريعات وقوانين تهدف إلى مواجهة السيل الجارف من الخطابات المتطرفة، والتي تحض على العنف والكراهية، مثلما حدث في مصر عندما أصدرت محكمة القضاء الإداري حكماً تاريخياً يحظر على غير المتخصصين إفتاء الناس في أمور الدين؛ لما فيه من إساءة للإسام الصحيح، بحيث تقتصر الفتوى على الحاصلين على تصريح من دار الإفتاء المصرية والمؤهلين تعليمياً في الأزهر الشريف، كما أيدت المحكمة قرار وزير الأوقاف المصري، بالامتناع عن تجديد تصريح الخطابة الممنوح لأحد المنتمين إلى التيارات الدينية المتشددة.

أصدرت أيضاً دولة الإمارات العربية المتحدة مؤخراً "قانون مكافحة الجرائم الإرهابية" رقم 7 لسنة 2014 في أغسطس 2014، الذي يتبنى رؤية شاملة لمفهوم الإرهاب، كونه يشتمل على مواد تغطي جميع المحاور التي يشتملها الإرهاب كالإرهاب الفكري وغيرها، فضاً عن تضمنه عقوبات رادعة في لمواجهة كافة أشكال المساس بالأمن والاستقرار في الوطن والمجتمع، وعلى جانب آخر، قام مجلس الأمة الكويتي بمناقشة مشروع لمكافحة التطرف والإرهاب في عام 2010، حيث تناول مشروع القانون السياسات والجهود التي يمكن أن تتخذها الدولة ومؤسساتها المختلفة لمكافحة التطرف والإرهاب(3). 2- الأبعاد الإعامية: ويتمثل في التصدي للأفكار المتطرفة المنتشرة عبر شبكة الانترنت، من خال إنشاء بعض المواقع على الانترنت التي تهدف لتوعية المواطنين بمخاطر الفكر المتطرف، مثل المبادرة التي أطلقتها وزارة الشؤون الإسامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية على شبكة الإنترنت والتي أطلقت عليها "السكينة"؛ بعد أن لوحظ أن هناك تزايداً في خطاب التطرف والإرهاب على الإنترنت، كما أن الجماعات المتطرفة والعنيفة أصبحت تركز اهتمامها على نشر خطابها وأيديولوجي­تها على شبكة المعلومات الدولية، وهو ما جعل المملكة تهتم بمحاربة ذلك التطرف الإلكتروني، الأمر ذاته ينطبق على المبادرة التي تبنتها دولة الإمارات من خال إنشاء مركز "هداية" في 15 ديسمبر 2012، وهو مركز عالمي مستقل متعدد الأطراف، بالتعاون مع عدد كبير من المؤسسات والهيئات والمراكز الدولية والإقليمية المماثلة، ويُعنَى بالتدريب والحوار والتعاون والبحوث لمكافحة التطرف العنيف، ومقره أبوظبي. يضاف إلى ذلك العمل على إغاق بعض القنوات الفضائية الدينية التي تروج للخطابات المتطرفة، مثل قناة الناس، وقناة القدس، وقناة الرحمة، وقناة ماريا – وإن كان بعضها عاود البث مؤخراً في ثوب جديد أقرب إلى الوسطية والاعتدال–،

أدى صعود أنماط "الجهاد بلا قيادة"، والخلايا العنقودية المرتبطة بتنظيمات شبكية، لتزايد أهمية التواصل عر الإنرنت، باعتبارها أضحت بمنزلة "جامعة إرهابية"، تقوم بتلقين الشباب القابل للاستقطاب الأساس الفكري والعقيدي للتطرف، في ظل فوضى الخطاب الديني، الذي يتم بثه عر مواقع التواصل الاجتماعي، وضعف تأثير المؤسسات الدينية الرسمية في المجال الافراضي.

إضافة إلى القنوات التي كانت تساند وتدعم التيارات الدينية بشكل مباشر، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، مثل قناة مصر 25 التابعة للجماعة، والتي كانت تحرض على العنف ضد الدولة والأقباط. 3- الأبعاد التعليمية: سعت العديد من دول المنطقة إلى تحديث النظم التعليمية من أجل ضبط الخطاب الديني ومقاومة خطاب التطرف من خال تعزيز قيم التعددية والتعايش الإنساني، وتوفير المعارف الأساسية الخاصة بتاريخ الحضارات والأديان، والارتقاء بمستوى الوعى بمخاطر التطرف والانغاق الفكري، وإبراز مساهمة كل العرب من مختلف الأديان والمذاهب والأعراق في بناء الحضارة العربية والاحتكام للعقل وتنمية المدارك، إضافة إلى تنقية البرامج التعليمية الدينية من الأفكار التي تشجع التطرف، والعنف، أو تستند إلى فهم خاطئ للنصوص الدينية.

ومن أهم الأمثلة في هذا الصدد، قرار وزارة التعليم المصرية بحذف مواضيع وقصص في المناهج الدراسية، على أساس أنها تحرّض على العنف وتوظيف القوة في مواجهة الدولة والمجتمع، وفي الأردن تمت مراجعة المناهج التعليمية لإضافة موضوعات عن التعددية والتسامح وقبول الآخر، كما اتجهت بعض دول مجلس التعاون الخليجي لإجراء عملية مراجعة مستمرة للمناهج خاصة مناهج التربية الدينية من أجل تنقيتها من أي شوائب فكرية، تدعو إلى العنف والكراهية.

ثالثاً: محاور الت�ضدي للتطرف الفكري

اتجهت دول المنطقة العربية لضبط الخطاب الديني في المنطقة عبر الدخول في مواجهة فكرية مباشرة مع الجهات التي تبث الأفكار الضالة والمنحرفة تحض على العنف وكراهية الآخر، واستباحة الدماء والأموال، لاسيما أن الأسس الفكرية والعقائدية للتنظيمات الإرهابية تم تأسيسها على التفسير والتأويل الخاطئ لمفاهيم إسامية، والتي يتم تحريفها عن عمد من أجل أن خدمة أهداف تلك التيارات، لذلك فإن سياسية المواجهة الفكرية التي اعتمدت عليها بعض دول المنطقة اعتمدت على محورين أساسيين هما: 1- "الوقاية الفكرية": ويقصد بها العمل على منع وصول تلك الأفكار الضالة إلى الشباب، عبر تحصين الشباب ضد هذه الأفكار المنحرفة، وذلك من خال حملة توعية فى أوساط الشباب بحقيقة تلك المفاهيم والتي جاءت بها الشريعة الإسامية، ونشرها على أوسع نطاق، خاصة من خال المؤسسات الدينية الرسمية، والتي وقع عليها العبء الأكبر في هذا الإطار، حتى يكون الشباب على دراية بحقيقة المفاهيم والمعتقدات الإسامية، وبالتالي يستطيع مواجهة الأفكار المتطرفة، ويتمكن من كشف تدليس التيارات الإرهابية الساعية لنشر ثقافة الكراهية والعنف. 2- "الترشيد الفكري": ويتركز حول العمل على إقناع الشباب الذين اعتنقوا تلك الأفكار المتطرفة، بالعدول عنها، وتبني المعنى الصحيح لتلك المفاهيم بصورتها الشرعية الصحيحة والعودة إلى صحيح الإسام، وترك تلك التيارات المتطرفة وأفكارها الضالة، وهذا الأمر له سوابق في المنطقة، مثل "حملة السكينة والمناصحة" التي اعتمدتها المملكة العربية السعودية في مواجهاتها الفكرية مع تلك التيارات، والمراجعات الفكرية التي تم إجراؤها في مصر عبر إدارة حوارات مباشرة بين دعاة الأزهر وقيادات الجماعات الدينية المتطرفة في السجون، التي أصدرت كتباً في مرحلة لاحقة تتبرأ فيها من المعتقدات الضالة وتصحح المنطلقات الفكرية التي استندت إليها، إلا أن المراجعات الفكرية لم تمنع عودة التيارات الدينية للأفكار المتطرفة عقب الثورات العربية(4).

وقد اعتمدت سياسية المواجهة الفكرية المباشرة على أن يسير كل من المحورين جنباً الى جنب بالتوازي، وفي حالة التعارض تُعطى الأولوية للمحور الأول، بمعنى أن منع الشباب من اعتناق الأفكار المتطرفة، مقدم على العمل على إعادة من اعتنق تلك الأفكار من الشباب إلى الوسطية والاعتدال، خاصة أن ثبات من تتم مناصحتهم ومراجعة أفكارهم على مبادئ الوسطية والاعتدال يتطلبان متابعة دقيقة للتأكد من مدى تخليهم عن الأفكار

المتطرفة.

رابعاً: اآليات �ضبط الخطاب الديني

نظراً للأهمية الكبرى للمساجد فى تشكيل الوعي والخطاب الديني، اتخذت العديد من الدول بعض الإجراءات المهمة في هذا الاتجاه، من أجل ضبط الخطاب الديني من ناحية ومقاومة خطاب التطرف من ناحية أخرى، خاصة أن التجارب أثبتت أن المساجد تمثل أحد أهم الأعمدة الدعوية للتيارات الدينية المتطرفة في نشر أفكارها، نظراً لأن الشباب رواد المساجد غالباً ما يمثلون صيداً سهاً لأصحاب تلك الخطابات المتطرفة.

وغالباً ما تستخدم التيارات المتطرفة الوسائل الدعوية المعروفة في المساجد في نشر خطابها، مثل خطب الجمعة والدوس المواعظ الأسبوعية، إضافة إلى الأنشطة الجانبية، مثل "اليوم الإسامي" والذي يتم داخل المساجد، يضاف إلى ذلك استخدام ملحقات المساجد الاجتماعية والخيرية في نشر الخطابات المتشددة من خال تقديم الخدمات عبر هذه الملحقات، لذلك اعتمدت الدول العربية على عدد من الإجراءات من أجل السيطرة على المساجد، حتى لا يتكون

يعتمد ضبط الخطاب الديني على دور المؤسسات الدينية الرسمية في تعميق صورة الإسلام الوسطي والحضاري، من خلال تأهيل الأئمة والخطباء بما يسمح لهم بتقديم خطاب مرن يناسب الواقع، وتحديد المفاهيم المتطرفة التي تستند إليها التنظيمات الإرهابية، مثل "الحاكمية" و"حتمية المواجهة" و"الجهاد"، والرد عليها بطريقة علمية وشرعية صحيحة، من خلال الحوارات المباشرة مع الشباب.

منبر لنشر الخطابات والأفكار المتطرفة، وتتمثل أهم هذه الإجراءات في الآتي: 1- توحيد خطبة الجمعة: يمكن توحيد خطبة الجمعة من خال تحديد موضوع الخطبة وتقديمه لخطيب الجمعة مكتوباً، بحيث يقتصر دور الخطيب فقط على قراءة الخطبة، كما يحدث في بعض الدول العربية، وقد تقوم الجهات الرسمية المسؤولة عن المساجد بتحديد عنوان الخطبة فقط، وتترك الحرية لخطيب المسجد في تناول الموضع مع الالتزام بالضوابط التي تحددها له الجهة المختصة، كما يحدث في مصر، وفي كا الحالتين تحرص الجهات المسؤولة على أن تتناول الخطبة غالباً وسطية الإسام وسماحته واعتداله، ومقاومة التطرف والإرهاب، وتحريم العنف والقتل والفساد في الأرض، ويزداد التوسع في هذا الاتجاه من دولة إلى أخرى، بعد أن وجد هذا التوجه قبولاً لدى العديد من دول المنطقة، نظراً لأنه يصون الخطبة عن الانحراف عن أهدافها ودورها المنتظر، لدرجة أن وزير الأوقاف المصري تقدم باقتراح إلى وزراء الأوقاف العرب حول إمكانية تقديم خطبة جمعة شهرية موحدة في الدول العربية والإسامية، تركز على قضايا كالتسامح الإسامي وفقه العيش المشترك. 2- انتقاء الخطباء والأئمة: من الضروري أن تركز المؤسسات الدينية المشرفة على المساجد على اختيار الخطباء والأئمة بعناية من أجل ضمان عدم انتمائهم إلى أي من التيارات المتطرفة، إضافة إلى عدم اعتناقهم أي أفكار متشددة، لذلك يجب أن يتم اختيارهم من خريجي الجامعات الإسامية الرسمية التي توصف بالوسطية والاعتدال، مثل الأزهر الشريف، أو جامعة الزيتونة، مع تجنب قبول خريجي المدراس السلفية العادية أو الجامعات الإسامية غير المعترف بها، كما يحرص على أن يكون الأئمة والدعاة على قدر كبير من الثقافة العامة والانفتاح على الآخر، إلى جانب ثقافتهم الشرعية والدينية، من أجل مقاومة خطاب التطرف في المنطقة العربية(5). 3- الاهتمام بالدروس والمواعظ: خاصة أن المواعظ والدورس غالباً ما تكون أكثر مرونة من خطب الجمعة، حيث يتم فيها مناقشة عدة قضايا متنوعة وليست قضية واحدة، كما أن الدورس والمواعظ غالباً ما تتم من خالها الإجابة عن التساؤلات العالقة في الأذهان، إلى جانب موضوع الدرس الرئيسي، لذا يتم اختيار الدعاة الذين يقومون بإلقاء الدروس في المساجد بعناية شديدة، من أجل الإجابة عن التساؤلات بصورة واضحة طبقاً لصحيح الإسام ووسطيته واعتداله، خاصة أن كثيراً من الأسئلة التي تطرح تكون متعلقة بالأفكار المتطرفة المنتشرة على الساحة، والتي تدعو إلى التحريض على العنف تحت مسمى "الجهاد"، وبالتالي فإن الدروس والمواعظ بصفة خاصة تلعب دوراً مهماً في ضبط الخطاب الديني.

4- إحكام الرقابة على المساجد: وتتمثل هذه الآلية في منع أصحاب الأفكار المتطرفة من استخدام المساجد في نشر أفكارهم وخطاباتهم المتشددة، بحيث تكون المساجد للصاة والعبادة فقط، لذا تحرص الجهات المسؤولة على أن يكون العمل الدعوي المتمثل في الخطب والمواعظ وإقامة الشعائر مقتصراً فقط على الدعاة المعتمدين لدى المؤسسات الدينية الرسمية، لذلك تعتمد هذه السياسية منع أي شخص من ممارسة أي من الأعمال الدعوية داخل المسجد، أو استخدام ملحقاتها، إضافة إلى غلق المساجد عقب أوقات الصاة الرسمية بعد انتهاء المصلين من تأدية الفريضة، يضاف إلى ذلك أن بعض الدول تحرص على وجود كاميرات مراقبة داخل المساجد من أجل إحكام الرقابة على المساجد وضمان عدم تسلل أشخاص يمكن أن يتخذوا من المساجد أماكن للإيواء أو التجنيد أو ممارسة أي أعمال تخالف أعمال العبادة.

وختاماً، يعتمد ضبط الخطاب الديني على دور المؤسسات الدينية الرسمية بتعميق صورة الإسام الوسطي والحضاري، ذلك من خال تأهيل الأئمة والخطباء في المساجد ليكونوا على مستوى رفيع يسمح لهم بتقديم خطاب مرن يناسب الواقع، وتحديد المفاهيم المتطرفة التي تستند إليها بعض التيارات الدينية التكفيرية، مثل "الحاكمية" و"حتمية المواجهة" و"الجهاد"، والرد عليها بطريقة علمية وشرعية صحيحة، من خال الحوارات المباشرة مع الشباب، مع ضرورة أن يقوم بهذا الأمر الدعاة المتمرسون والذين يوجد لديهم قدر كبير من العلم والثقافة، كما يجب أن تتاح مساحة من الحركة للدعاة المتميزين في تأدية واجبهم الدعوي حتى يتمكنوا من كسر حالة الجمود والنمطية التي تعاني منها المساجد، مما يجعل المصلين يقبلون عليها، ويتلقون خطابها الوسطى المعتدل.

1- تال كورين، جابي سيبوني، "الخافة تمتد للفيس بوك: كيف تجند " داعش" الجهاديين الجدد في الفضاء الإلكتروني؟"، عرض: محمد محمود السيد، موقع المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيج­ية بالقاهرة، 29 سبتمبر 2014، موجود على الرابط التالي: 2654/http://www.rcssmideas­t.org/Article/

-2 David .B ,Muhlhausen Jena Baker ,McNeill Terror" :Trends 40 'Years Data on Internatio­nal and Domestic Terrorism ," The heritage Foundation

,website May 20,2011, accessible at: http://www.heritage.org/research/reports/2011/05/terror-trends-40-years-data-on-internatio­nal-anddomesti­c-terrorism

3- إبراهيم الغيطاني، محمود بيومي، محمد عبدال يونس، "البحث عن الاستقرار: الاتجاهات الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط خال عام 2014"، ملحق تقرير المستقبل، اتجاهات الأحداث، العدد 6، يناير 2015، ص 4.

4- وحدة التحولات الداخلية، "سياسات الاحتواء: الدلالات الإقليمية لتطبيقات "المناصحة الفكرية" بالدول الغربية"، موقع المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيج­ية بالقاهرة، 24 نوفمبر 2014، موجود على الرابط التالي: 2852/ http://www.rcssmideas­t.org/Article

5- عمر سمير، "إشكاليات تجديد الخطاب الديني بين الاستدعاء والضرورة"، موقع فكر أون لاين، 1 أبريل 2015، موجود على الرابط التالي: .http://fekr-online.com/ReadArticl­e php?id = 174

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates