Trending Events

قاطرة بوتين:

الاتحاد الأوراسي مدخل لتعزيز نفوذ روسيا الإقليمي يوري بارمن

-

هيمن الاتحاد الاقتصادي الأوراسي (Eurasian Economic Union ) على الأجندة السياسية لفلاديمير بوتين، منذ إعادة انتخابه رئيساً لروسيا في عام 2012، غير أن الاتحاد في الوقت الراهن يمر بمرحلة حرجة نتيجة تورط روسيا في الأزمة الأوكرانية، وما ترتب على ذلك من فرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية على روسيا، سببت لها أزمة اقتصادية، ووضعت مشروع بوتين للتكامل الأوراسي أمام اختبار حقيقي.

اأولً: تاأ�ضي�ش التحاد الأورا�ضي .. اأهداف متباينة

شهد الاتحاد الاقتصادي الأوراسي تطوراً كبيراً خال الأعوام الأربعة الماضية، فقد أسست بياروسيا وكازاخستان وروسيا في يوليو 2010 الاتحاد الجمركي، والذي تم إنشاؤه بموجب اتفاقية أبرمت في عام 2007، ثم أسست الدول الثاث في يناير 2012 المجال الاقتصادي الموحد، والذي يعمل على ضمان وجود سوق موحد للسلع والخدمات، وتوحيد السياسات المتبعة في القطاعات الاقتصادية المختلفة.

وفي مايو 2014، تم التوقيع على معاهدة إنشاء الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ودخلت حيز التنفيذ في أول يناير 2015، ثم انضمت أرمينيا للأعضاء الثاثة المؤسسين في اليوم التالي، ومن المتوقع أن تنضم قيرغيزستان كعضو جديد في مايو 2015.

وبشكل عام، يقوم الاتحاد الاقتصادي الأوراسي على قواعد منظمة التجارة العالمية، كما تم تأسيس المفوضية الأوراسية – وهي الهيئة التنفيذية لاتحاد – على غرار المفوضية الأوروبية لاتحاد الأوروبي، ويتمثل الهدف من إقامة هذا الاتحاد في رفع معدل النمو الاقتصادي لكل دولة من الدول الأعضاء بنسبة تصل إلى 20% خال السنوات

العشر المقبلة، ومن المتوقع أن يوجد الاتحاد الاقتصادي الأوراسي منطقة اقتصادية مشتركة بقوانين موحدة تنظم قطاعي الطاقة والأسواق المالية بحلول عام 2025.

وقد انضمت كل دولة من الدول الأعضاء لاتحاد الاقتصادي الأوراسي لتحقيق مجموعة من الأهداف الخاصة بها، إذ تهدف كازاخستان لإزالة الحواجز الجمركية التي تعوق التبادل التجاري بينها وبين روسيا لزيادة صادراتها للأخيرة لتصحيح الاختال في الميزان التجاري بينهما، وعلى الجانب الآخر، تسعى بياروسيا إلى ضمان تدفق النفط والغاز الروسي بأسعار مخفضة، كما تهدف كذلك إلى بلوغ أسواق دول آسيا الوسطى، وذلك لتخفيف العقوبات الأوروبية التي أضرت بها وقيدت عاقاتها التجارية بدوله.

أما روسيا، فهي الدولة الوحيدة، التي كان هدفها من وراء تأسيس الاتحاد الأوراسي سياسياً أكثر منه اقتصادي، حيث يرى بعض الخبراء الأوروبيين أنه بتأسيس هذا الاتحاد تحاول موسكو إحياء الاتحاد السوفييتي مرة أخرى، إلا أنه في الواقع لا تسعى روسيا سوى لتعزيز نفوذها في منطقة ما بعد الاتحاد السوفييتي، نتيجة لشعورها بالتهديد من توسع الاتحاد الأوروبي باتجاه شرق أوروبا، وتمدد النفوذ الصيني في منطقة آسيا الوسطى.

ثانياً: التحادان الأوروبي والأورا�ضي.. اوجه الختلف والتناف�ش

على الرغم من قيام الاتحاد الأوراسي، إلى حد ما، على مبادئ الاتحاد الأوروبي، فإن فلسفة التكامل لكليهما تختلف بصورة كبيرة، ففي الوقت الذي يحتم الاتحاد الأوروبي على أعضائه أن يكونوا دولاً ديمقراطية تتبنى نظام اقتصاد السوق الحر، لا يشترط الاتحاد الاقتصادي الأوراسي هذه الشروط، فايزال هناك تدخل حكومي قوي لتنظيم عمل الأسواق في بياروسيا وكازاخستان وروسيا، كما لا يتطلب الانضمام لاتحاد الأوراسي إصاحات سياسية أو اقتصادية موسعة، وعلى الرغم من أوجه القصور تلك، يعد الاتحاد أحدث وأشمل محاولة لضم اقتصادات ما بعد الاتحاد السوفييتي في إطار سوق موحد.

ويضاف إلى ما سبق، حقيقة أن العاقة بين الاتحادين الأوروبي والأوراسي تتسم بأنها عاقة صراعية تنافسية، ولعل الأزمة الأوكرانية، في أحد أبعادها، دلياً واضحاً على ذلك، فقد كانت أحد الأسباب وراء اندلاعها هو ما إذا كان ينبغي ضم أوكرانيا للشراكة الشرقية بالاتحاد الأوروبي، أم لاتحاد الأوراسي الذي تتزعمه روسيا. ولذا فمن المرجح أن تستمر العاقة التنافسية بين الجانبين في السنوات المقبلة.

ولا يمكن التنبؤ في ضوء المعطيات الراهنة بما إذا كان الاتحاد الأوراسي سيصبح مركزاً بدياً للنفوذ الاقتصادي في أوروبا وآسيا، فعلى الرغم من تفوق الاتحاد الأوراسي على نظيره الأوروبي من حيث المساحة التي يغطيها )20 مليون متر مربع لاتحاد الأوراسي مقابل 4 مايين متر مربع لاتحاد الأوروبي(، فإن الأخير يتفوق على الاتحاد الأوراسي اقتصادياً، إذ يبلغ إجمالي الناتج المحلي لاتحاد الأوراسي 4 تريليونات دولار، مقابل 18.4 تريليون دولار لاتحاد الأوروبي، وهو ما يعني أنه سيكون تحالفاً من "الدرجة الثانية"، وبالتالي لن يكون قادراً على منافسة الاتحاد الأوروبي.

ومن ناحية أخرى، تساهم روسيا بحوالي 86% من اقتصاد الاتحاد الأوراسي، وحتى في حالة انضمام جميع دول الاتحاد السوفييتي السابق لاتحاد الأوراسي، سيظل اقتصاده أضعف من اقتصاد الاتحاد الأوروبي، أو الصين، أو الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي يدركه بوتين جيداً، ولذلك اقترح في عام 2010 إنشاء "تكتل اقتصادي متجانس يمتد من لشبونة حتى فاديفوستوك"( وعلى الرغم من أن فرص هذا المقترح تبدو معدومة، فإن إنشاء الاتحاد الاقتصادي الأوراسي يمثل بالتأكيد خطوة في اتجاه تشكيل كيان اقتصادي في أوراسيا لمقاومة تمدد الدول الأخرى، خاصةً إذا ما أخذنا في الاعتبار مشروع الصين الطموح "طريق الحرير"، والذي يهدف إلى تسهيل التجارة في أوراسيا من خال إقامة بنية تحتية للنقل والتجارة.

ثالثاً: التحديات القادمة

يواجه الاتحاد الاقتصادي الأوراسي عدة تحديات عليه التصدي لها ووضع سياسات وخطوات تنفيذية لمواجهتها، حتى يتمكن من الاستمرار، وتحقيق أهداف ومصالح أعضائه، وتتمثل هذه التحديات في: 1- تحدي إصدار عملة موحدة تعد أحد أهم مهام الاتحاد الاقتصادي الأوراسي خال السنوات العشر القادمة، هو الإسراع من وتيرة عملية التكامل بين الدول الأعضاء، سواء فيما يتعلق بمدى نجاح هذه الاقتصادات في تطبيق خطوات التكامل الاقتصادي، أو عدد الشركاء الذي يستطيع الاتحاد ضمهم لصفوفه.

وفي هذا الصدد يعد من الضروري الاستفادة من تجربة "دولة الوحدة" بين روسيا وبياروسيا لعام 1996، فقد كان الهدف من هذا الاتحاد هو تحقيق تكامل سياسي واقتصادي تام بين الدولتين عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، ولكن هذا الاتحاد فشل في إيجاد كيان فوق وطني، نتيجة لعدم قدرتهما على إصدار عملة مشتركة.

ولعل هذا ما جعل بوتين يقترح في قمة الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، التي عقدت مؤخراً في أستانا، عاصمة كازاخستان، في مارس 2015، إصدار عملة موحدة لاتحاد.

وعلى أي حال، فإن إقامة اتحاد اقتصادي بعملة موحدة أرقى أشكال التكامل في منطقة الاتحاد السوفييتي السابق منذ سقوطه، فهذا النوع من التكامل أكثر تطوراً مقارنة بإقامة منطقة تجارة حرة، أو اتحاد جمركي، وسيشكل خطوة منطقية في نمو الاتحاد الاقتصادي الأوراسي.

ومع ذلك، يظل هناك الكثير من العقبات التي تحول دون إصدار عملة موحدة لاتحاد، فحجم التبادل التجاري بين الدول الأعضاء في تراجع مستمر، بحيث لم يتجاوز 9% في عام 2013، وهو ما يعني أن مستوى تنسيق السياسات الاقتصادية على مستوى الاقتصاد الكلي لاتزال منخفضة بدرجة كبيرة وغير كافية.

ومن ناحية أخرى، فإن الوصول إلى تبني عملة موحدة، يتطلب من الدول الأعضاء أولاً تحقيق الاستقرار لعماتها الوطنية، وثانياً تقليل اعتمادها على أسعار النفط العالمية، وهما هدفان لا يمكن تحقيقهما إلا على المدى الطويل بالنظر إلى بنية الاقتصادين الروسي والكازاخي، اللذين لايزالان يعتمدان على تصدير النفط والغاز بدرجة كبيرة.

يضاف إلى ما سبق، حقيقة أن معاهدة الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الحالية لا تتضمن أي بند يسمح بإصدار عملة مشتركة لدول الاتحاد، وأخيراً، فقد أعرب المسؤولون

يظل هناك الكثير من العقبات التي تحول دون إصدار عملة موحدة للاتحاد، فحجم التبادل التجاري بين الدول الأعضاء في تراجع مستمر، بحيث لم يتجاوز 9% في عام 2013، وهو ما يعني أن مستوى تنسيق السياسات الاقتصادية على مستوى الاقتصاد الكلي لاتزال منخفضة بدرجة كبيرة وغير كافية.

الكازاخيون عن اعتراضهم على هذا الطرح، وهي كلها تحديات تعيق تعميق التكامل الاقتصادي بين دول الاتحاد الأوراسي. 2- تداعيات الأزمة الاقتصادية الروسية تواجه روسيا أزمة اقتصادية صعبة جراء العقوبات الغربية، والتي لم تقتصر تداعياتها على روسيا فقط، بل امتدت للدول الأعضاء في الاتحاد الأوراسي، وكذلك الدول السابقة في الاتحاد السوفييتي، وذلك بحكم ارتباط اقتصاداتهم بالاقتصاد الروسي، ويثير هذا قضية سيطرة روسيا على الاتحاد الأوراسي، بحيث تضطر الدول ذات الوزن الجيوسياسي الأقل، والاقتصادا­ت الأصغر أن تلتزم بقرارات القوة المهيمنة فيه، ممثلة في روسيا.

وقد كشفت الأزمة الأوكرانية عن أزمة أخرى، وهي تعارض المصالح بين دول الاتحاد الأوراسي، فلقد كان للعقوبات الغربية ضد روسيا، والعقوبات الروسية المضادة تداعيات سلبية على كل من الاقتصاد البياروسي والكازاخي.

فقد هبط معدل النمو الكازاخي من 6% في عام 2013 إلى 4.3% في عام 2014، ومن المتوقع أن يستمر في الهبوط حتى يصل إلى 1.5% في 2015، كما أن هناك مخاوف من انخفاض قيمة التينغ، العملة الكازاخية، مثلما حدث في عام 2009 عندما خفّض البنك المركزي بكازاخستان قيمة العملة أمام الدولار الأمريكي بنسبة 25%(2.) بينما انكمش الاقتصاد البياروسي بنسبة 0.6% في عام (3) 2014نتيجة اعتمادها على التصدير لروسيا، كما انخفضت قيمة الروبل الباروسي بنسبة 20% تقريباً أمام الدولار الأمريكي في نفس العام بسبب انهيار الروبل الروسي إلى حد كبير(4).

وبالتالي، فقد أظهرت الأزمة الأوكرانية أنه على الرغم من الأولوية التي تعطيها روسيا لمشروع التكامل الأوراسي، إلا أنها تضع باستمرار طموحها السياسي فوق المصالح الاقتصادية لشركائها، الذين يعتمد اقتصادهم بصورة كبيرة على روسيا. 3- الوصول إلى الأسواق الإقليمية يعد السعي نحو عقد اتفاقيات تجارة حرة مع الاقتصادات متسارعة النمو أو الاتحادات الاقتصادية الأخرى، التي تتجاوز الحدود الجغرافية المباشرة لدوله الأعضاء خطوة مهمة نحو ترسيخ قدرة الاتحاد الاقتصادي الأوراسي كتجمع اقتصادي فعّال، ويستعد الاتحاد لعقد مثل تلك الاتفاقيات مع مصر والهند وإيران وإسرائيل وتركيا وفيتنام، وهو تطور لايزال في بدايته، ويصعب تقييمه حالياً.

ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى الموقف الصيني من الاتحاد، فقد كانت هناك مخاوف من الجانب الصيني في البداية من الزيادة المتوقعة للحواجز الجمركية على صادراتها، ولكن فيما بعد اتضح أن الطلب على البضائع الصينية لم يتأثر، حتى أثناء الأزمة الاقتصادية الروسية، بل من المتوقع أن تصبح قيرغيزستان – عندما يتم قبولها بالاتحاد الأوراسي – الباب الخلفي للواردات الصينية الرخيصة إلى آسيا الوسطى بسبب حدودها سهلة الاختراق، فبمجرد إزالة الحواجز الجمركية بين قيرغيزستان وكازاخستان، ستغرق البضائع الصينية غير الشرعية سوق الاتحاد الأوراسي.

الخاتمة

يعتبر الاتحاد الاقتصادي الأوراسي تطوراً منطقياً في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي، ولكنه على عكس الاتحاد السوفييتي، فإن ما يجمع دول الاتحاد الأوراسي هو المصالح الاقتصادية وليس الأيدولوجي­ة، ولم يتجاوز عمر الاتحاد الأوراسي بضعة أشهر، لذا فإنه من السابق لأوانه التحدث عن آفاق تطوره. وقد كشفت سياسات موسكو تجاه الأزمة الأوكرانية، واعتمادها على الحسابات الجيوسياسي­ة، عن تجاهلها للعواقب الاقتصادية لقراراتها، والتي ستنعكس سلباً بالتبعية على اقتصاد شركائها في الاتحاد الأوراسي بالتبعية، كما أنه من جهة أخرى، فقد أثارت العقوبات على روسيا، وكذلك عجز موسكو عن تخفيف التداعيات الاقتصادية السلبية على الاتحاد، الشكوك لدى باروسيا وكازاخستان حول مستقبل الاتحاد الأوراسي. ومن ناحيتها، تخشى بعض الدول السوفييتية السابقة – خاصةً مولدوفا وجورجيا وكازاخستان – من أن يكون رد فعل موسكو الصارم في الأزمة أوكرانيا يمثل سابقة يمكن أن تكررها روسيا في عاقتها بهم، مما سيشكل بالتأكيد تهديداً لمبدأ التكامل الأوراسي برمته. فمن ناحية، قد يدفع موقف روسيا هذا هذه الدول لحل أي قضايا عالقة مع موسكو سريعاً وتعزيز عملية التكامل كإجراء لبناء الثقة، خاصة مع تقييمها أن مزايا الانضمام لاتحاد الأوراسي تفوق عيوبه بكثير، إلا أنها، على الجانب الآخر، فإن هذه الدول قد تفكر في أن تحذو حذو مولدوفا وأوكرانيا وجورجيا، وتوقع اتفاق الشراكة الشرقية لاتحاد الأوروبي (EU’s Eastern Pertnershi­p )، خاصة أن أرمينيا وأذربيجان وبياروسيا لم ترفض حتى الآن الحوار مع الاتحاد الأوروبي والدخول في الشراكة الشرقية، وهو ما يتطلب من روسيا أن تتبع سياسة خارجية أكثر حذراً حتى لا تفقد أعضاء محتملين في الاتحاد الأوراسي.

 ??  ?? باحث سياسي، موقع مباشر روسيا
باحث سياسي، موقع مباشر روسيا

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates