Trending Events

تطويق أمريكي:

ملامح الاستراتيج­ية الأمريكية الجديدة لاحتواء الصين دوان جيوتشو

- طالب دكتوراه بجامعة تسينغ-هوا، بكين، الصين

اأولً: موقع ال�ضين في ا�ضتراتيجية الأمن القومي الأمريكي

أصدر البيت الأبيض في 6 فبراير 2015 تقرير "استراتيجية الأمن القومي" الجديد، والذي يحدد الخطوط الاستراتيج­ية للسياسة الخارجية الأميركية في السنوات الثاث المقبلة، وبخاف ما جاء في التقرير السابق لعام 2010، الذي وصف الصين بكونها مصدر تهديد رئيسياً للولايات المتحدة، في ظل السياسة الأمريكية، التي كانت قائمة آنذاك، والتي كانت تهدف لنقل التركيز الأمريكي إلى آسيا، فقد خفف الأمريكيون، في "استراتيجية الأمن القومي" لعام 2015 من "التهديد الصيني"، نتيجةً تصاعد تهديدات أمنية أخرى خال السنوات السابقة، كتمدد "داعش" في منطقة الشرق الأوسط، والأزمة الأوكرانية، إذ احتلت هاتان القضيتان الأولوية في الاستراتيج­ية الأمريكية.

وتكمن الأسباب الرئيسية خلف تغير سياسات الولايات المتحدة الأمريكية، وإعادة تقييم استراتيجيا­تها السابقة تجاه الصين، في ثاثة عوامل رئيسية:

• موقف روسيا المتشدد في الأزمة الأوكرانية والذي مثّل تحدياً غير مسبوق أمام هيمنة الولايات المتحدة على النظام العالمي، وهو ما جعل الأخيرة أكثر حرصاً على عدم إثارة الصين، لتتجنب الدخول في أكثر من مواجهة في وقت واحد. • التراجع التدريجي للقوة الاقتصادية الأمريكية، وهو ما يجعلها غير قادرة على الدخول في مواجهة عسكرية ضد الصين في شرق آسيا. • حاجة الولايات المتحدة لبعض الأدوار الإيجابية التي تضطلع بها الصين على المستوى الدولي تأكيداً لمكانتها الدولية، إذ تساهم الصين إيجابياً في بعض القضايا المهمة، مثل الحد من انبعاثات الكربون، وإعادة إعمار أفغانستان بعد الحرب.

وعلى الرغم من أن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة لم تنص صراحة على احتواء الولايات المتحدة للصين، فإن الولايات المتحدة لم تتخل عن سياستها الرامية لاحتواء الصين من خال نسج تحالفات مع الدول المجاورة للأخيرة في جنوب شرق آسيا لاحتواء بكين.

ثانياً: ال�ضتراتيجية الأمريكية في منطقة اآ�ضيا والمحيط الهادئ

على الرغم من أن الاتصالات الرسمية وغير الرسمية بين الصين والولايات المتحدة قد زادت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، فإن ذلك لم يمنع بعض صانعي السياسات والمتخصصين الأمريكيين في إساءة فهم استراتيجية الصين البحرية، حيث يسود اعتقاد في الدوائر العسكرية الأمريكية

بأن ميزانية الصين العسكرية المتنامية، ودعمها لقوتها البحرية، يمثان تحدياً للمصالح البحرية الأمريكية، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى تفاقم التوتر بينهما، بما يؤدي في النهاية إلى صراع بحري بين الدولتين.

وقد قامت الولايات المتحدة من أجل موازنة نمو القوات البحرية الصينية، بالتدخل تقريباً في كل النزاعات البحرية الإقليمية بمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، والتي تكون الصين طرفاً فيها، وذلك من خال التعاون عسكرياً مع الدول المناوئة للصين في هذه الصراعات.

فمن ناحية، ضغطت الولايات المتحدة الأمريكية من أجل تعديل المادة التاسعة من الدستور الياباني، والتي تنص على أن شعب اليابان "يتخلى إلى الأبد عن الحرب كحق سيادي للدولة والتهديد باستخدام القوة كوسيلة في تسوية النزاعات الدولية"، وذلك لرفع بعض القيود المفروضة على اليابان منذ الحرب العالمية الثانية، والتي تقيد من حرية استخدامها لقواتها المسلحة.

ونظراً لأن أي تغيير في تلك المادة يتطلب إجراء مراجعة دستورية تفترض الحصول على موافقة الثلثين في مجلسي البرلمان، ويعقبها استفتاء، فإن رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، قام بدلاً من ذلك، بالالتفاف على هذه العملية من خال إعادة تفسير حكومته لتلك المادة، وأعطى للحكومة حق الدفاع الذاتي من جانب "قوات الدفاع الذاتي" اليابانية، دون استشارة البرلمان الياباني، وهي الخطوة التي لاقت دعماً أمريكياً.

يضاف إلى ما سبق، قيام الولايات المتحدة بتكثيف تدريباتها العسكرية المشتركة مع اليابان، وشجعت اليابان على تحريك سفنها الحربية في بحر الصين الجنوبي.

ومن ناحية أخرى، تضغط الولايات المتحدة بشدة على كوريا الجنوبية لنشر نظام الدفاع الجوي لارتفاعات العالية (ثاد) (THAAD missile defense system )، للحد من قدرة الصين العسكرية على ردع الولايات المتحدة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن اتفاقيات الدفاع بين الولايات المتحدة من جانب، وكل من الفلبين وأستراليا من جانب آخر، تضمن وجوداً عسكرياً أمريكياً في بحر الصين الجنوبي، وذلك من خال نشر أجهزة رادار وغيرها من أجهزة المراقبة على شواطئ هاتين الدولتين بما يسمح بمراقبة تحركات البحرية الصينية.

ونظراً للحصار البحري الذي تمارسه الولايات المتحددة الأمريكية وحلفاؤها على بحر الصين الشمالي والجنوبي، تتجه الصين بدورها نحو توسيع قوتها البحرية لتصل للمحيط الهندي، وذلك لالتفاف على القيود المفروضة عليها، ولقد أصبحت باكستان وبنجاديش وسريانكا– بما لديها من موانئ ذات أهمية جغرافية– دولاً "محورية" بالنسبة للصين، للدخول للمحيط الهندي، ومن ناحية أخرى تعمل الصين بنشاط من أجل بناء طريق بري في جنوب آسيا، لكي يربطها بالمحيط الهندي، وهو الأمر الذي سيغير البيئة الاستراتيج­ية للصين بشكل جذري.

ثالثاً: ال�ضراع ال�ضيني – الأمريكي في ميانمار

أطلقت الصين في عام 2013 مشروع "حزام واحد وطريق واحد" والذي يشير إلى "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير" و"طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين"، ويهدفان إلى تعزيز الازدهار التجاري للبلدان الواقعة على طريق الحرير البري والبحري القديم، وأن تساهم الصين بقدراتها الصناعية في إنشاء البنية التحتية للمشروع في تلك الدول. وفي الوقت الذي ترى فيه الصين أن استقرار البلدان المجاورة لها أصبح شرطاً رئيسياً لنجاح المشروع، تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بزعزعة استقرار تلك البلدان لتقويض الاستراتيج­ية الاقتصادية للصين، وفي هذا الإطار، يمكن النظر للتطورات الأخيرة للصراع في ميانمار باعتبارها إحدى الأدوات الأمريكية لتقويض مشروع طريق الحرير واحتواء الصين.

وتقع ميانمار في شمال شرق بحر أندامان على المحيط الهندي، ولديها حدود مع الهند وبنجاديش والصين من الشمال، ومع تاياند ولاوس من الجنوب. وتنبع أهمية ميانمار للصين من كونها البوابة التي تصل جنوب شرق آسيا بجنوب آسيا والشرق الأوسط، كما أنه من خال أراضي ميانمار، يمكن ربط الصين بالمحيط الهندي برياً من جهة أخرى. ونظراً لتلك الأهمية، فإن التعاون بينهما يحمل أهمية استراتيجية كبيرة للصين، بما يتضمنه من التعاون في مجال إنشاء الموانئ وأنابيب النفط. لذلك أصبحت ميانمار هدفاً ل "الثورات الملونة" التي خططت لها الولايات المتحدة، بهدف قلب نظام الحكم في ميانمار الموالي للصين.

فنظراً للعاقات الجيدة بين الصين وحكومة ميانمار، سعت الولايات المتحدة طوياً إلى دعم أونج سان سو تشي– زعيمة المعارضة في ميانمار الموالية للغرب – للوصول للحكم، وقد وضح هذا الدعم جلياً في الاجتماع الخاص الذي عقده الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع أونج سان في زيارته الأخيرة إلى ميانمار، إلا أن حكومة ميانمار الحالية قد رفضت ترشيح أونج سان للرئاسة بسبب القيود الدستورية، التي تحظر على المتزوجين من أجانب الترشح للرئاسة، ومن المعروف أن زوج السيدة أونج سان الراحل مايكل أريس بريطاني الجنسية وكذلك ولديهما، ولهذا، بدأت الولايات المتحدة في إثارة الحرب الأهلية في ميانمار.

وتجدر الإشارة إلى أن عدد سكان ميانمار يقدر بحوالي 60

ونظراً للحصار البحري الذي تمارسه الولايات المتحددة الأمريكية وحلفاؤها على بحر الصين الشمالي والجنوبي، تتجه الصين بدورها نحو توسيع قوتها البحرية لتصل للمحيط الهندي، وذلك للالتفاف على القيود المفروضة عليها، ولقد أصبحت باكستان وبنجلاديش وسريلانكا بما لديها من موانئ ذات أهمية جغرافية دولاً "محورية" بالنسبة للصين للدخول للمحيط الهندي.

مليون نسمة، وتشكل العرقية البورمية الأغلبية، حوالي ثلثي السكان، أما الثلث الباقي فيضم أكثر من 200 أقلية عرقية، منها شان، وكارين، وكاشين، ومون ووا، كما توجد 25 حركة مسلحة قائمة على أسس عرقية، والتي تنشط ضد الحكومة في الأجزاء الشمالية من ميانمار، ومن أجل دعم أونج سان سياسياً، حاولت الولايات المتحدة إقناع جيش استقال كاتشين بدعم أونج سان عسكرياً.

وفي هذا الصدد، قام نائب جيش استقال كاتشين ساملت جان ماو (Sumlut Gun Maw ) بزيارة للولايات المتحدة في أبريل 2014 لمدة أحد عشر يوماً، تناقش خالها مع عدد من المسؤولين الأمريكيين الدعم العسكري الأمريكي لجيشه، ومن جانبها، تخشى الصين من هذا الدعم الأمريكي العسكري المحتمل الذي قد يؤدي إلى حرب أهلية واسعة النطاق في أرجاء ميانمار، وهو الأمر الذي يهدد التنمية الاقتصادية في المناطق المجاورة، ولذلك سعت الصين جاهدةً للتفاوض مع الأطراف المتحاربة في ميانمار، ولكنها لم تنجح في مسعاها هذا بعد.

رابعاً: هونج كونج والثورة الملونة

لا تقتصر محاولات الولايات المتحدة الأمريكية على حصار الصين بصورة غير مباشرة من الخارج فحسب، بل وتحاول أيضاً إثارة البلبلة داخل الصين نفسها، ففي سبتمبر 2014، شهدت هونج كونج حركة احتجاجية استمرت 70 يوماً، عرفت باسم "احتلوا وسط المدينة"، طالبت بالإصاح السياسي لحكومة هونج كونج، وتسببت في اضطرابات شديدة في المدينة، ويشير الكثير من المعلومات إلى أن الولايات المتحدة لها يد خفية في التحريض على تلك الحركة.

ويرتبط الكثير من منظمي حركة "احتلوا وسط المدينة" والمشاركين فيها ارتباطاً وثيقاً بمؤسسات أمريكية، شأنها في ذلك شأن باقي الحركات الداعية لتغيير النظم والتي تروج لها الولايات المتحدة سراً. وهو الأمر الذي أشار إليه توني كارتالوتشي– الباحث الجيوسياسي الأمريكي– وذلك في مقال له بعنوان "حركة احتلوا وسط المدينة: سيناريو كامل كُتب بواسطة واشنطن"، حيث كشف فيه عن تمويل الولايات المتحدة الأمريكية لحركات التظاهر التي شهدتها هونج كونج، وأنه تم الإعداد لحركة "احتلوا وسط المدينة" في أبريل 2014 وفقاً لما صرح به "مارتن لي" و"أنسون تشان"– المشاركان في تنظيم "احتلوا وسط المدينة" –أمام الصندوق الوطني للديمقراطي­ة (National Endowment for)، Democracy وهي منظمة غير هادفة للربح، تحصل على دعم من الكونجرس الأمريكي من أجل نشر الديمقراطي­ة في الخارج.

وكثيراً ما كرر "لي" وأعضاء الصندوق الوطني للديمقراطي­ة بواشنطن أن هدف الاحتجاجات النهائي في هونج كونج يتلخص في نقل "نمط" المؤسسات والقوانين ذات الطابع الغربي إلى الصين، وهو الأمر الذي يوضح أن الأجندة الحقيقية لحركة "احتلوا وسط المدينة" لم تكن تهدف إلى تصويت الناخبين في هونج كونج لاختيار من سيحكمهم، وإنما كانت الأجندة تهدف لإيصال الجماعة التي تقف خلف حركة "احتلوا وسط المدينة"، والمدعومة من الخارج، للسلطة، وذلك من أجل تجريد بكين من أي وسيلة تحول دون إعادة دمج هونج كونج "الناعم" في دولة الصين الأم، كما أنها محاولة أخرى لزعزعة استقرار الصين وإثارة الانقسامات بداخلها.

وتعد هونج كونج بالأساس مدينة قانون وتجارة أعمال، وليست مدينة سياسية. وعلى الرغم من مشاركة أعداد كثيرة من المواطنين في الاحتجاجات والنشاطات السياسية، للتعبير عن سخطهم، فإن انتهاك المتظاهرين الصارخ للقانون وإخالهم بالنظام العام قد أضر بأعمال مواطني هونج كونج وبحياتهم اليومية، ولذلك عندما أدرك المواطنون تداعيات التظاهرات السلبية على الاقتصاد، ثار الرأي العام ضد الحركة، وهو ما جعل الحركة في النهاية تعلن فشلها في نهاية المطاف.

خام�ضاً: ال�ضين وا�ضتراتيجية التوجه غرباً

في مقابل ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية من اعتماد استراتيجية حصار جديدة تجاه الصين في شرق آسيا، فإن ذلك قد يدفع الصين للتوجه غرباً، وتوسيع عاقاتها بآسيا الوسطى، والشرق الأوسط، وأفريقيا، وجنوب آسيا، وغيرها من الأقاليم، وذلك من أجل الحفاظ على موازنة الضغوط الأمريكية عليها في شرق آسيا.

وفي الوقت الراهن، انتهت الصين من وضع المكونات الرئيسية من استراتيجية "التوجه غرباً"، والتي من أهمها الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، والممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني، فضاً عن الممر الاقتصادي بين بنجاديش والصين والهند وميانمار.

ومن ناحية أخرى، قامت الصين في الوقت نفسه بتعزيز عاقاتها مع روسيا، وذلك عبر ترسيخ التعاون القائم بين الدولتين، وذلك من خال التعاون في ثاثة مجالات رئيسية هي: • التنسيق البنّاء بينهما في الأمم المتحدة والبنك الدولي وغيرهما من المؤسسات الدولية. • اهتمام كل طرف بمخاوف ومصالح الطرف الآخر الكبرى، وذلك فيما يتعلق بالشؤون الإقليمية، فضاً عن حمايتهما المشتركة لأمن واستقرار البلدان المجاورة لهما. • تعزيز التبادل التجاري في مجال الطاقة، فضاً عن دعم التبادل العسكري بينهما، بما يحقق الأهداف الاستراتيج­ية لكا البلدين.

وفي الختام، يمكن القول إن الصين سوف تستمر في اتخاذ الإجراءات التي تكفل لها تحقيق النمو الاقتصادي، وتأكيد مكانتها في النظام الدولي، فضاً عن مواجهة السياسات الأمريكية الرامية لمحاصرتها، وذلك من خال تعزيز عاقاتها مع دول آسيا الوسطى وجنوب آسيا والشرق الأوسط، فضاً عن روسيا.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates