Trending Events

منظور مختلف:

سيادة البرجماتية في العلاقات بين الأمريكيتي­ن ديفيد ميير جاليرا

-

وتسعى هذه المقالة لدراسة هذا التحول في العاقة من خال الإشارة إلى السياسة الأمريكية تجاه دول أمريكا الاتينية، ثم بيان الأسباب التي أدت لهذا التحول في العاقة بين الطرفين، والعقبات التي لاتزال تواجهها، وأخيراً الآفاق المستقبلية لها.

اأولً: هيمنة اأمريكية على �ضوؤون اأمريكا اللتينية

تتدخل الولايات المتحدة دوماً للتأثير على التطورات السياسية في دول أمريكا الاتينية، بما يخدم مصالحها، فخال القرن التاسع عشر، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية "مبدأ مونرو"، وذلك في عام 1823، والذي يرى أن أي مسعى من جانب الدول الأوروبية لاحتال أراض في الأمريكيتي­ن أو التدخل في شؤونهما، سوف يعد عماً من أعمال العدوان يستوجب الرد الأمريكي(1،) وقد تحقق هذا المبدأ بصورة كاملة في عام 1898 مع اندلاع الحرب الأمريكية – الإسبانية، وما ترتب عليها من طرد إسبانيا من كوبا.

ومع بداية الحرب الباردة، دعمت الولايات المتحدة العديد من الانقابات العسكرية في دول أمريكا الاتينية لضمان وجود حكومات موالية لها هناك، مثل دعم الانقاب العسكري في كل من: تشيلي )1973( والأرجنتين )1976)، وبنما )1968 و1986،( وبوليفيا )1971،( والسلفادور )1979،( والبرازيل )1964(.

وقد أدى التدخل الأمريكي هذا إلى إثارة غضب التيار اليساري بدول أمريكا الاتينية، والذي ناصب الولايات المتحدة العداء نتيجة لدعمها للديكتاتور­يات العسكرية، وخال العقد الأول من الألفية الثالثة، اعتلى بعض القادة المناهضين لسياسات واشنطن سُدة الحكم(2،) مثل هوجو شافيز في فنزويا )1998( ولولا دا سيلفا في البرازيل )2002( ونستور كيرشنر في الأرجنتين )2003( وإيفو موراليس في بوليفيا )2006( وأولانتا هومالا في بيرو )2011،( إذ وفقوا جميعاً ضد ما أسموه "سياسات واشنطن الإمبريالي­ة".

وقد ترتب على ما سبق انقسام أمريكا الاتينية إلى كتلتين، إحداهما موالية للولايات المتحدة والأخرى مناوئة لها، غير أن مؤتمر قمة الأمريكيتي­ن، الذي عقد في بنما في أوائل عام 2015، كان بمنزلة نقطة تحول في العاقات بين الأمريكيتي­ن، الشمالية والجنوبية، حيث صرح باراك أوباما – الرئيس الأمريكي – بأنه سيكون بداية عهد جديد يقوم على البرجماتية وليس على الأيدولوجي­ة، وهو ما وضح من عودة العاقات الكوبية – الأمريكية، وحضور كوبا قمة الأمريكيتي­ن بعد سنوات طويلة من الغياب(3(.

ثانياً: اأ�ضباب البرجماتية الجديدة

يمكن إرجاع تحسن العاقات الدبلوماسي­ة بين الولايات

المتحدة والدول المناوئة لها في أمريكا الاتينية إلى عدد من العوامل أهمها، الأزمة الاقتصادية التي تمر بها دول أمريكا الاتينية، وتغير بعض القادة والزعماء، بالإضافة إلى وجود قضايا مشتركة تستوجب التعاون لعاجها، وذلك على النحو التالي: 1- الأزمة الاقتصادية شهد عام 2014 ركوداً اقتصادياً في أغلب دول أمريكا الجنوبية، فقد وصل معدل النمو الاقتصادي في هذه الدول إلى حوالي 8.0%، كما يتوقع امتداد الركود الاقتصادي لعام 2015 وفقاً لتقرير البنك الدولي الصادر في العام نفسه(4)، ويرجع هذا الركود إلى هبوط أسعار النفط بحوالي النصف، وكذلك تراجع أسعار المواد الخام، فضاً عن الركود الاقتصادي للشركاء التجاريين لدول أمريكا الاتينية، وزيادة التضخم، وقد كانت الأرجنتين والبرازيل وفنزويا أكثر الدول تأثراً بالركود الاقتصادي.

وفي مقابل ذلك، بلغ معدل النمو الاقتصادي لأمريكا الوسطى ومنطقة الكاريبي حوالي 2.4%، نتيجة لتحسن الاقتصاد الأمريكي، وارتباط تلك الاقتصادات به، ويُظهر هذا التباين بين أمريكا الجنوبية من جانب، وأمريكا الوسطى والكاريبي من جانب آخر، مدى أهمية دور الولايات المتحدة في إنعاش اقتصادات المجموعة الأخيرة من الدول. 2- تغير القادة كانت هناك أيضاً عدة عوامل سياسية قادت لهذا التقارب بين الأمريكيتي­ن، يأتي على رأسها تغير القادة والرؤساء في العديد من دول المنطقة خال الأعوام السابقة، ففي كوبا، تقاعد فيديل كاسترو – أيقونة الثورة – وتولى شقيقه الإصاحي راؤول كاسترو السلطة، وفي فنزويا، توفي هوجو شافيز– الرئيس الفنزويلي السابق – وانشغل نيكولاس مادورو – الرئيس الجديد – بالأزمات السياسية والاقتصادي­ة الداخلية، ما انعكس سلباً على النفوذ الإقليمي الذي تمتعت به الدولة أثناء حكم شافيز.

أما في البرازيل، فلم تستطع ديلما روسيف – رئيسة البرازيل الحالية – الحفاظ على الإنجازات التي حققها لولا دا سيلفا – الرئيس البرازيلي السابق – وأخيراً فإن الأرجنتين قد تشهد نهاية عهد كريستينا فرنانديز كيرشنر – الرئيسة الحالية – إذا ما تم سحب الثقة منها بسبب اتهامها بالتورط في التغطية على إيرانيين اتهموا بتفجير معبد يهودي في بيونس آيريس في عام 1994.

وعلى الجانب الآخر، شهدت الولايات المتحدة الأمريكية تغيراً أيضاً مع تولي إدارة أوباما الحكم، والتي اتبعت سياسة برجماتية، على عكس الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن، الذي غلّب العوامل الأيديولوج­ية في عاقاته الخارجية.

وقد أدى وصول قادة جدد لسدة الحكم في مختلف دول أمريكا الاتينية إلى تغير توجهاتها الخارجية، فا يملك أيّ من راؤول كاسترو أو ديلما روسيف أو نيكولاس مادورو الكاريزما التي كان يتمتع بها سلفه، وبالإضافة إلى ذلك، فإن معظمهم أقل تعصباً من الناحية الأيدولوجي­ة وأكثر برجماتية، لاسيما أوباما وراؤول كاسترو. 3- المصالح المشتركة تكشف مطالعة أجندة المؤتمر عن تركيز الدول المشاركة على المصالح المشتركة)5،( خاصة أن باراك أوباما أكثر مياً للتعاون، ووضع على الأجندة القضايا التي تهم دول المنطقة كافة مثل: أ- تحقيق المساواة وتحفيز النمو الاقتصادي، خاصة أن دول أمريكا الاتينية تعد واحدة من أكثر مناطق العالم التي تعاني من عدم المساواة، بالإضافة إلى عدم تنوع اقتصادها واعتمادها على اقتصادات الدول المتقدمة. ب- الطاقة المتجددة وأمن الطاقة: فقد تعهدت الولايات المتحدة بدعم صندوق المناخ الأخضر (Green Climate Fund)، بحوالي 3 مليارات دولار لمكافحة التغير المناخي(6).

وعلى الرغم من المنافع المتبادلة التي يحتملها التعاون بين الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية، فإنه لا يخلو من تداعيات سلبية على الأخيرة، ففي الوقت الذي تمتلك فيه الولايات المتحدة الأمريكية ما يكفي من السلطة والنفوذ لتحقيق مصالحها، لا تمتلك دول أمريكا اللاتينية، إلا قدرات محدودة للغاية، قد لا تمكنها من فرض رؤيتها أو الدفاع عن مصالحها.

ثالثاً: هل يمكن اأن ت�ضبح علقة مربحة لكل الأطراف؟

أظهر مؤتمر قمة بنما تغير سعي الدول المشاركة فيه إلى إبرام "اتفاق مربح لجميع الأطراف")7( يقوم، في جانب منه، على مواجهة التهديدات، والتعاون في بعض القضايا، مثل الاتجار بالمخدرات)8،( وعدم المساواة الاجتماعية، وتغير المناخ والتنمية الاقتصادية.

ففيما يتعلق بمكافحة المخدرات، فإن الولايات المتحدة تُعد أكبر مستهلك للمخدرات في العالم، بينما تضم أمريكا الاتينية أهم المنتجين كالمكسيك وكولومبيا، ولذا تبرز أهمية التعاون بين الطرفين، خاصة أن مافيا المخدرات أصبحت "منظمات عابرة للحدود الوطنية".

وعلى الرغم من ضرورة التنسيق بين الدول للقضاء على هذه العصابات، فإن التعاون كان غائباً في حالات كثيرة بسبب الخافات السياسية، ومع التحسن المتوقع في العاقات، فإنه من المتوقع أن يتم التعاون بصورة أكثر فاعلية في مجال مكافحة المخدرات.

من ناحية أخرى، يعد السبب المباشر وراء تنامي تجارة المخدرات هو الحرمان الاجتماعي وتراجع التنمية الاقتصادية)9،( وفي هذا الإطار، أدركت دول أمريكا الاتينية ذلك، فبذلت محاولات من أجل إيجاد فرص عمل جديدة

وتشجيع التنمية الاقتصادية والتبادل التجاري بين دول المنطقة، وقد وضح ذلك جلياً من خال المنظمات الاقتصادية الإقليمية المختلفة(10،) فضاً عن إبرام بعض الاتفاقات الثنائية لتعزيز التبادل التجاري، ومع ذلك واجهت هذه الجهود صعوبات في تعزيز عملية التنمية.

وفي مقابل ذلك، فإن أكبر معدل نمو اقتصادي شهدته المكسيك وبلدان منطقة الكاريبي أظهر مدى أهمية الاقتصاد الأمريكي باعتباره المحرك الأساسي لاقتصادات تلك المنطقة، وهو الأمر الذي أوضح أن تعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق العدالة الاجتماعية لدول الإقليم لا يتطلب التعاون بين دول الجنوب فحسب، بل يلزم التعاون بين الشمال والجنوب)11(.

وعلى الرغم من المنافع المتبادلة التي يحتملها التعاون بين الولايات المتحدة وأمريكا الاتينية، فإنه لا يخلو من تداعيات سلبية على الأخيرة، ففي الوقت الذي تمتلك فيه الولايات المتحدة الأمريكية ما يكفي من السلطة والنفوذ لتحقيق مصالحها، لا تمتلك دول أمريكا الاتينية، إلا قدرات محدودة للغاية، قد لا تمكنها من فرض رؤيتها أو الدفاع عن مصالحها.

ولعل خير مثال على هذا، اتفاقية التجارة الحرة لشمال أمريكا (NAFTA( لعام 1994، بين كل من كندا والولايات المتحدة والمكسيك، والتي كانت لها عواقب سلبية على القطاع الزراعي في المكسيك)12،) فمع تحرير التجارة، تقلصت مساحة الأراضي الزراعية بشكل كبير، وزاد الفقر بين المزارعين، وزادت قوة عصابات المخدرات في الريف.

رابعاً: م�ضتقبل العلقة بين الأمريكيتي­ن

على الرغم من أن قمة بنما بدت نقطة فاصلة في تطور العاقات بين دول الأمريكيتي­ن، إلا أنه من السابق لأوانه الحديث عن عهد جديد، ويعود ذلك إلى سببين، أولهما: أن العديد من حكومات أمريكا الاتينية لا تثق بصورة كاملة في واشنطن بعد، خاصة أن ذلك يتزامن مع ظهور بعض التوترات بين واشنطن وبعض دول أمريكا الاتينية، مثل فنزويا، خاصة بعد إصدار أوباما في التاسع من مارس قراراً بإعان فنزويا مصدر تهديد للأمن القومي الأمريكي(13)، كما أنه من ناحية أخرى نجد أن راؤول كاسترو، والذي قد مد يد الصداقة بين الشعب الكوبي والأمريكي في مبادرته، إلا أنه أشار إلى أهمية الأيدولوجي­ة، وإلى نيته الاستمرار في الدفاع عن النموذج الاشتراكي.

وثانيهما أنه داخل كل دولة توجد جماعات ضغط لديها مصالحها السياسية والاقتصادي­ة الخاصة(14،) والتي تتعارض مع أي انفتاح على الولايات المتحدة، لذا سيتعين على حكومات أمريكا الاتينية التعامل مع تلك التوجهات بحرص، ولذا يمكن القول ختاماً إن قمة بنما أشارت إلى بداية توجه جديد في العاقة بين الجانبين، ولكنه لايزال في مراحله الأولى، التي تركز على الحوار حول التعاون وتحقيق التنمية الاقتصادية)15،) وبالتالي فهو تطور يحتاج للبناء عليه، حتى نستطيع القول إن هذه العاقات دخلت مرحلة جديدة تنهي الخافات التي كانت قائمة بين أمريكا والدول المناوئة لها في أمريكا الاتينية.

 ??  ??
 ??  ?? باحث في العلاقات الدولية، والقانون -
إسبانيا
باحث في العلاقات الدولية، والقانون - إسبانيا

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates