Trending Events

حرب باردة:

توزان مختلف للقوى في منطقة الشرق الأوسط محمد مسعد العربي

- محمد مسعد العربي باحث بوحدة الدراسات المستقبلية - مكتبة الاسكندرية

شهدت ساحة الشرق الأوسط في الفترة الأخيرة تطورات جديدة، أصبحت معها ملفاتها أكثر تعقيداً، وباتت تدور بالأساس حول التوازن بين القوى الإقليمية التي تتصارع على قيادة منطقة، وعلى إيران وتركيا.

ويدور الصراع حالياً حول عدد من القضايا منها: الصراع السوري، والعمليات التي يشنها تنظيم "داعش" على الجبهتين السورية والعراقية، ونزاع الحوثيين مع السلطة السياسية الشرعية في اليمن، والذي أدى بدوره إلى شن دول التحالف العربي بقيادة السعودية حرباً على الحركة استمرت لما يقارب الشهر.

وعلى الرغم من أن هذه الصراعات في مجملها تحمل طابع صراع على النفوذ الاستراتيج­ي في المنطقة فإنها تحمل طابعاً تقسيمياً طائفياً قوامه الصراع السني الشيعي على نحو يشي بأن هذه التطورات ستستمر في توليد أسباب جديدة لصراعات لا تنتهي بين المكونات الاجتماعية والثقافية في هذه المنطقة من العالم.

من جانب آخر توحي التطورات الراهنة بتنامي قدرة قوى المنطقة على التعامل مع قضايا المنطقة وفقاً لأجندتها، دون أن تسعى إلى التنسيق كالمعتاد مع الولايات المتحدة باعتبارها راعية النظام الدولي منذ انتهاء الحرب الباردة. في الوقت نفسه الذي تسعى فيه قوى دولية صاعدة مثل روسيا لترسيخ نفوذها المتنامي في المنطقة ومزاحمة النفوذ الغربي القديم.

وفي هذا الإطار يسعى هذا التقرير إلى رصد وجهات النظر الغربية والأمريكية من منطلق أبرز الكتابات التي نشرتها مراكز الفكر والدوريات هناك، في أكبر ثاثة ملفات حالية في المنطقة هي: حرب اليمن، والصراع مع تنظيم "داعش"، والملف النووي الإيراني.

اأولً: حرب اليمن- �ضعود القوة الع�ضكرية الخليجية

يبدو أن عملية عاصفة الحزم التي شنتها المملكة العربية السعودية بالتحالف مع عدد من الدول العربية في 25 من مارس على حركة الحوثيين اليمنية الموالية لطهران وللرئيس اليمني السابق علي عبدال صالح، جاءت لتعبر عن تحول كبير في طبيعة السياسة الإقليمية للرياض. وفي هذا الصدد يقول "راي تقية" في مقال له على موقع مجلس العاقات الخارجية( إنه مع اتجاه إدارة أوباما لنفض أيديها من قضايا المنطقة لانشغالها بمجابهة الصعود الصيني، اتجهت الرياض إلى إقامة تحالف عربي سني في مواجهة تمدد إيران الشيعية لتخيم أجواء حرب باردة على المنطقة.

وعلى الرغم من أن الرياض قد تدخلت بقوة في العديد من الأزمات المحيطة، فإن الجديد هو اتجاهها إلى استخدام القوة العسكرية، وبالتالي زيادة التدخات على نحو سيدفعها إلى تحديث قواتها. ومع غياب مظلة الحماية الأمريكية، وفي حال نجاح إيران في امتاك أسلحة نووية، فإن الأمر قد يؤدي بالسعودية إلى امتاك أسلحة نووية بدورها.

ويذهب "جيمس تروب" في مقاله بالفورين بوليسي( إلى رأي مشابه حيث يقول إن التحالف الذي نجحت الرياض في تشكيله بوجود مصري فعال، قد دفع واشنطن إلى موقع الداعم المساند - لا الفاعل - للقرار السعودي. ويرى تروب أن الرياض قد تقع في الأخطاء نفسها التي ارتكبتها واشنطن في حروبها السابقة في المنطقة، حيث الاعتماد على الضربات الجوية المكثفة التي قد تمنح المتطرفين في اليمن، وعلى رأسهم القاعدة فرصة للتمدد والانتشار. من ناحية أخرى، ربما تستطيع السعودية الحفاظ على موقع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في الحياة السياسية بعد انتهاء عملية عاصفة الحزم، لكن عليها ألا تتعامل مع الحوثيين باعتبارهم

أتباعاً لإيران، فهم قوة محلية ذات قواعد اجتماعية راسخة من الصعب اقتاعها.

وربما أضفى التحاق أنقرة بالتحالف السعودي - العربي ضد الحوثيين طابعاً سنياً عليه، غير أن "آرون شتاين" يوضح في مقاله(3) بمجلة الفورين آفيرز، أن دواعي أنقرة لتأييد الرياض في حربها كانت له أسبابه البرجماتية الواضحة ولم يكن لها أي دافع طائفي على النحو الذي يتصوره أغلب المحللين الغربيين. ويبدو أن الطرفين نحيا جانباً أهم نقاط الخاف بينهما وتتمثل في: موقفهما المتضارب من جماعة الإخوان المسلمين، ومن صعود الإسام السياسي بشكل عام، ثم الإطاحة بحكم الإخوان في مصر )يوليو 2013،( في الوقت الذي تصبح فيه سوريا موضع التوافق بينهما.

وفيما يتفق الطرفان السعودي والتركي على الإطاحة بنظام الأسد، فإن كاً منهما يدعمان فصائل إسامية مختلفة ومتحاربة في أحيان كثيرة. يقول "شتاين" في هذا الصدد إن اجتماع الرئيس التركي أردوغان والملك سلمان في الرياض في مارس الماضي أدى إلى اتفاقهما على محاولة توحيد فصائل جبهة النصرة، المدعومة من تركيَّاً، مع جيش أحرار الشام وحركة حزم، المدعومين سعوديَّاً، في مقابل تأييد تركي لأية خطوات سعودية في اليمن، وهو العرض الأكثر إرضاءً لأنقرة.

غير أن هذا التقارب في الملفين السوري واليمني لا يلغي التباعد الشديد في نظرة كل من أنقرة والرياض لإيران، فتركيا، على الرغم من دخول وكائها في سوريا في حرب مع النظام السوري وحزب ال المدعومين من إيران، لا ترى في إيران ومشروعها النووي خطراً، بل تسعى إلى تقوية مصالحها الاقتصادية – خاصة في مجال الطاقة - مع جارتها التي يرى فيها منظرو السياسة الخارجية التركية دولة أساسية في المنطقة (إلى جانب مصر)، ولا يمكن تهميشها. وربما كانت هذه الأسباب هي التي أدت إلى إعان أنقرة تطابق وجهة نظرها مع طهران فيما يتعلق بالحل السياسي لأزمة اليمن.

ثانياً: البرنامج النووي الإيراني .. اتفاق نوايا ينق�ضها الثقة

فيما سعت السعودية إلى تضييق الخناق على طهران من خال تشجيعها للعقوبات الدولية المفروضة عليها بسبب أزمة البرنامج النووي، يبدو أن وصول القوى الدولية إلى اتفاق إطاري مع طهران في لوزان (2 أبريل) يأتي في غير صالح توازنات القوة من وجهة نظر الرياض. ومن جانبها تأكد إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن الاتفاق لن يضر بمصالح المملكة أو أمنها. وقد جاء في تقرير مطول بعنوان "توازن الأمن المتغير في الخليج العربي" والصادر عن مركز الدراسات الأمنية والاستراتي­جية بواشنطن، وقام بإعداده "أنتوني كوردسمان" أن السعي الإيراني والذي يعبر عنه كوردسمان بأنه "غير المؤكد حتى الآن" لامتاك أسلحة نووية قد يحفز الدول الخليجية نحو السعي إلى تطوير منظومة تسليحها لموازنة القوة الإيرانية، وبالتالي اتجاهها نحو امتاك أسلحة غير تقليدية. وفي حال لم تنجح إيران في الحصول على أسلحة نووية سيعني هذا استمرار التوتر نتيجة اشتعال الحروب غير المتماثلة في المناطق المحيطة بالخليج في سوريا والعراق، ومشاركة الميليشيات الثورية الإيرانية وتلك الشيعية المدعومة من طهران بقوة في هذه الحروب، مع استمرار مخاطر وجود التنظيمات السنية المسلحة ونشاطها البالغ مثل القاعدة في اليمن و"داعش" والنصرة وغيرهما في سوريا.

وأوضح "ريتشارد هاس" رئيس مجلس العاقات الخارجية في مقال(4) له بعنوان "مستقبل الصفقة النووية مع إيران" أن الاتفاق على الرغم من أنه يمثل عامة سياسية ودبلوماسية فارقة، فإنه يعاني قدراً من الإشكاليات، منها اتساع صياغته بحيث يترك العديد من الأسئلة من دون إجابة. ويرى أن الفترة القادمة سوف تجيب عن مثل هذه الأسئلة بعد إقراره من قبل مجلس الأمن الدولي في نهاية يونيو القادم. ويربط هاس قدرة الاتفاقية الإطارية على الفاعلية بعدة عوامل: يتمثل الأول فيها في: ألا تغير الحكومات الموقعة عليها من مواقفها خال فترة ال90 يوماً حتى إقرارها، خاصة أن الاتفاقية ومجمل العملية الدبلوماسي­ة المرتبطة بها محل انتقاد من الداخل في إيران والولايات المتحدة. أما الأمر الثاني فيتعلق بوجود قضايا لم تفصلها الاتفاقية، منها تلك المتعلقة بتوقيتات التنفيذ ورفع العقوبات عن طهران وهو الأمر الذي يمثل ضغطًاً كبيراً على السلوك الإيراني. وترى بعض الحكومات الغربية الموقعة ضرورة الإبقاء على العقوبات لحين تنفيذ طهران التزاماتها.

من ناحية أخرى، يرى هاس أن هناك شكوكاً حول

رغبة الأطراف الموقعة على الاتفاقية في توقيع اتفاق دائم، خاصة في الجانبين الأمريكي والإيراني. فعلى الرغم من اتجاه القيادة الإيرانية متمثلة في مرشد الجمهورية إلى القبول بهذا الاتفاق خاصة مع رغبتها في رفع العقوبات الاقتصادية عليها نهائياً، فإنها ستجد صعوبة في الترويج لاتفاق دائم مع ما تطلق عليه "الشيطان الأكبر".

أما إدارة أوباما، فتجابه بكونجرس تثير مخاوفه أية طموحات نووية لطهران وليس لديه الرغبة في رفع العقوبات عنها، فضاً عن تطبيع العاقات معها. يرتبط بهذا، في رأي "هاس"، مستقبل تنفيذ الاتفاقية وتعاون السلطات الإيرانية مع مراقبي الأمم المتحدة. من ناحية أخرى، يبقى أن هناك هيمنة لعامل السياسات الإقليمية والدفاعية الإيرانية على مستقبل الاتفاقية، حيث إن هذا العامل يلفه الكثير من الغموض والشكوك، وبصفة خاصة حول المساعي الإيرانية الفعلية التي قد تضع الاتفاق والموقعين عليه أمام سياسة الأمر الواقع. وأخذاً في الاعتبار ازدياد النفوذ الإيراني في المنطقة المحيطة بها، وغياب أي ذكر في الاتفاقية لموضوع سياسة طهران في دعم الجماعات الإرهابية، ووكاء الحرب في سوريا والعراق واليمن، فإن الشكوك تتزايد بصورة كبيرة في هذه الحالة.

ويرى "هاس" أن غياب قضايا مهمة عن هذه الاتفاقية سيؤثر فعلياً على المنطقة من خال زيادة الطموح الإيراني الساعي للهيمنة على الشرق الأوسط. وعلى الرغم من هذه الشكوك يقر "هاس" بأن أوباما كان على حق في القول إن الاتفاق مع إيران خير من حصولها على ساح نووي وخير من المواجهة، مع الأخذ في الاعتبار صعوبات تنفيذ الاتفاقية حيث لا تتوفر الثقة بين الأطراف.

وأوضح "ريتشارد نيفيو"( في مقاله على موقع مركز سياسات الشرق الأوسط بمعهد بوركينجز أنه على عكس ما يروج من أن واشنطن قد منحت طهران بهذه الاتفاقيةم­جهولة المصير إلى الآن- ميزة مهمة لمجرد الوصول إلى اتفاق نووي معها، فإن طهران قد تنازلت كثيراً لكي تصل لهذه المرحلة من التعاون، خاصة إذا ما قورنت مواقفها الحالية بما سبق من مواقف عبرت عنها تصريحات قيادات الدولة التي أعلنت أثناء المفاوضات أنها لن تتنازل عن حقها الكامل في عمليات تخصيب اليورانيوم. كما أن الاتفاقية قد قضت على أي احتمالات لحصول إيران على أسلحة نووية خاصة مع موافقتها على تعديل مفاعل "آراك". ومن ناحية أخرى، يجادل "نيفيو" أن أية محاولة من قبل إدارة أوباما لربط رفع العقوبات من على إيران بعوامل أخرى مثل حالة حقوق الإنسان داخل إيران أو طموحاتها الإقليمية كان سيعني تفكك التحالف الدبلوماسي المفاوض لإيران. وبالتالي كان هذا أفضل اتفاق يمكن الوصول إليه على الصعيد النووي. وبالتالي لم تمثل الاتفاقية انتصاراً أو تنازلاً دبلوماسياً لأي من الطرفين بقدر ما عبرت عن حل وسط ستخبر الفترة القادمة عن نجاعته أو فشله في حل الأزمة النووية الإيرانية المزمنة.

ثالثاً: ماذا بعد داع�ش"؟

على الرغم من أن حرب اليمن واتفاقية لوزان قد حظيتا باهتمام بارز في الدوريات الأمريكية، فايزال الخطر الذي تمثله التنظيمات الجهادية في المنطقة وعلى رأسها تنظيم "داعش" حاضراً باعتباره العامل الأكثر خطورة في تحولات المنطقة. وقد جاء في تقرير بعنوان "الإعداد لما بعد الدولة الإسامية"( بمجلة ناشيونال إنترست أن واشنطن مازالت تتحمل مسؤولية تأكيد توازن القوى في الشرق الأوسط وأنها تعلن عن هذا. وتؤكد المقالة أهمية هزيمة تنظيم "داعش" من دون أن يؤدي هذا إلى الفوضى غير المحسوبة أو إلى هيمنة إيران، وما يعنيه ذلك من احتمال تزايد فرص عدم الاستقرار في المنطقة. ومن ثم يرى هذا التقرير أنه من المهم مناقشة ماذا يمكن أن يحدث بعد "داعش"، ورسم خطوط التحالفات في مرحلة ما بعد "داعش".

يرى التقرير أن التحالف

الدولي المنخرط في عمليات عسكرية ضد "داعش" قد نجح في تحقيق مكاسب كبيرة على الأرض، حيث انحسرت منطقة نفوذ التنظيم، كما خسر الآلاف من مقاتليه. والأهم أن الهجمات المستمرة على التنظيم قد أسفرت عن إحداث خافات عميقة بين المقاتلين العرب والأجانب في التنظيم، كما أوضحت أن التنظيم غير قادر فعلياً على إدارة المناطق التي أدعى حكمها. وبالتالي يبدو أن الاستمرار في الحملة الدولية على التنظيم ستؤدي فعاً إلى هزيمته، غير أن هذه الهزيمة ستؤدي إلى تفكيك تحالف المصالح الذي تشكل لمناهضة التنظيم والقضاء عليه، وذلك لسببين يتمثان في أن دول المنطقة ستقلل من شأن خطورة التنظيم، وأنها ستسعى لاستغال الفرص منفردة على النحو الذي تقوم به طهران في تعاملها مع ملفات العراق وسوريا واليمن. لذا يجادل التقرير بأن على واشنطن أن تبني استراتيجية شاملة لاستيعاب تناقضات المنطقة وظروفها الصعبة من أجل الحفاظ على نظام توازن القوى الذي أسسته بعد حرب الخليج الثانية (1991.) هذه الاستراتيج­ية يجب أن تستهدف غايتين: إحباط الهيمنة الإيرانية على المنطقة، ومنع المنطقة من التدهور إلى حالة الفوضى الطائفية.

بيد أن إيران تبقى معضلة مستقبلية ليس من السهل حلها؛ فمن ناحية أثبتت طهران كونها طرفاً أساسياً في الحرب ضد التنظيم، وتستطيع واشنطن بالتحالف معها في هذا الصدد أن تقضي عليه بسهولة، غير أن هذا الانتصار سيكون ثمنه هيمنة إيرانية واضطرابات طائفية في المنطقة بصورة غير مسبوقة. لذا يقترح التقرير على إدارة أوباما أن تزيد من اعتمادها على حلفائها العرب في هذه الحملة على حساب المساحة التي تحتلها طهران، ويرتبط بهذا تهميش الميليشيات الشيعية الموالية لها. من ناحية أخرى ينبغي على إدارة أوباما أن تربط اتفاقها النووي مع إيران بإحجام الأخيرة عن مغامراتها في المنطقة؛ إذ إن أي اتفاق معها لن يؤدي إلى نتيجة ما لم تكف عن سياساتها التوسعية.

في مقابل التقرير السابق ورؤيته المتفائلة من القدرة على إنهاء وجود "داعش"، يرى حسن حسن في مقاله( بالفورين آفيرز أن الضربات الجوية التي شنتها واشنطن منذ الصيف الماضي على مواقع "داعش" لم تؤد إلى هزيمة حقيقية للتنظيم على أرض الواقع، حيث مازال يسيطر على أراضٍ واسعة من الرقة حتى الأنبار، والأخطر أنها منحت فرصة كبيرة للميليشيات الشيعية المدعومة من إيران والكردية لتوسيع مناطق نفوذها والاستياء على مزيد من الأراضي السنية. وعلى الرغم من التقدم النسبي للقوات الحكومية العراقية في موقعة تكريت، فإن انتصارها في المعركة بمساعدة الميليشيات الشيعية وعمليات التحالف الدولي لم يؤد إلى تشكيل الحقائق على الأرض. الأخطر أن هذا الانتصار قد يخل بالتوازنات الطائفية في المنطقة السنية لصالح الميليشيات الشيعية.

 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates