Trending Events

"عسكرة" الفضاء:

أبعاد سباق التسلح في الفضاء الخارجي أحمد عبدالعليم

- أحمد عبدالعليم باحث متخصص في العلاقات الدولية

تصاعد توظيف القوى الدولية الكرى للفضاء كساحة للصراع والتنافس العالمي، في ظل تطور التقنيات العسكرية الفضائية وقدرتها على أداء وظائف الاستطلاع والرصد وتوجيه الهجمات الصاروخية بدقة، واعراض الصواريخ الباليستية، وتدمير القواعد العسكرية، واستهداف الأقمار الصناعية ومنظومات الملاحة.

لا يمكن اعتبار عسكرة الفضاء من الظواهر المستحدثة في التفاعات بين القوى الكبرى بقدر كونها امتداداً للصراعات التي بدأت منذ الحرب الباردة بمحاولة استكشاف الفضاء الخارجي من خال إطاق الأقمار الصناعية ورحات الفضاء، وتضمنت محاولات للإفادة من الفضاء في التطبيقات العسكرية، وهو ما كان برنامج "حرب النجوم" الأمريكي في ثمانينيات القرن الماضي أحد أهم تجلياته في خضم سباق التسلح في النظام الدولي ثنائي القطبية(1،) إلا أن الآونة الأخيرة قد شهدت تصاعداً لاتجاهات التسلح والصراع في الفضاء كأحد تداعيات التحولات في بنية النظام العالمي وتوزيع القوة بين القوى الدولية الكبرى(2(.

اأولً: اأنماط التطبيقات الع�ضكرية في الف�ضاء

يمكن الحديث عن الاستخداما­ت العسكرية للفضاء الخارجي من أجل محاولة تفسير رغبة دول العالم في التوجُّه نحو الفضاء لتحقيق مكاسب عسكرية، حيث يأتي على رأس تلك الاستخداما­ت؛ استخدام الأقمار الصناعية في الاستطاع الإلكتروني لتحديد مواقع الدفاع الجوي ورادارات الصواريخ الدفاعية للدول المُعادية، كذلك يمكن استخدام الأقمار الصناعية في الإنذار المبكر للصواريخ العابرة للقارات، بالإضافة إلى التنصت على اتصالات العدو العسكرية، وتأمين الاتصالات الاسلكية المشيفَّرة بعيدة المدى، عاوةً على تصوير الأهداف العسكرية الأرضية، واستخدام الذخائر الموجهة بالأقمار الصناعية، ومما لا شك فيه أن الاستخدام العسكري للأقمار الصناعية قد مثَّل حافزاً مهماً لتطوير أبحاث القضاء نظراً للوفرة المعلوماتي­ة التي تتيحها الأقمار الصناعية، بما يشكل أدوات مهمة في أي حرب مستقبلية، كذلك فإن هناك استخدامات ماحية للأقمار الصناعية، بالإضافة إلى وجود أنظمة مضادة لتلك الأقمار( 3 ).

وفي هذا الإطار يمكن تصنيف الاستخداما­ت العسكرية للفضاء الخارجي إلى عدة أنماط تشمل أسلحة طاقة موجهة، وأسلحة طاقة حركية، وتوجيه رؤوس حربية تقليدية من أو إلى الفضاء، والأقمار الصناعية الدقيقة، حيث تستخدم أسلحة الطاقة الموجهة

شعاعاً من الطاقة الكهرومغنا­طيسية تقوم بتدمير الهدف عن طريق تحفيز الدوائر الكهربائية في الهدف حتى تتعطل تماماً، أما في حالة الليزر، فتقوم أشعة الليزر برفع حرارة الهدف حتى يذوب أو تشتعل فيه النيران، وفي هذا الإطار فإن أكثر بحوث أسلحة الطاقة في مجال أسلحة طاقة الليزر الموجهة ذات القاعدة الفضائية (SPL)، وهو نظام يستخدم أشعة ليزر قوية للغاية تنتج مستويات من الحرارة المدمرة، وهي كافية لإلحاق الضرر الكبير بالهدف، وقد أنفق البنتاجون خال العقد الماضي ما يقارب 750 مليون دولار على أبحاث الليزر( 4 (.

تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لتطوير مجموعة واسعة من الأسلحة دقيقة التصويب، والاعتماد على نظام فضائي يجمع بين الاستخبارا­ت والماحة والاتصالات والاستهداف العسكري، وهو ما ينذر بسباق تسلح بين الولايات المتحدة الأمريكية وباقي دول العالم، وهو ما حدا بروسيا للمبادرة بالدعوة إلى معاهدة لحظر نشر الأسلحة في الفضاء(5،) ولكن في ظل الأهمية العسكرية المتزايدة للفضاء فإن دول العالم لن تتوانى في تعظيم مصادر قوتها من خال الاستخداما­ت العسكرية للفضاء.

ثانياً: موقف القانون الدولي من ع�ضكرة الف�ضاء

اتخذ القانون الدولي موقفاً حازماً من أية أعمال عسكرية في الفضاء الخارجي، حيث إن معاهدات الأمم المتحدة الخاصة بالفضاء الخارجي كانت تحث على التعاون الدولي في الفضاء للأغراض السلمية، وكذلك جاءت القرارات التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ ديسمبر 1961، حيث أقرَّت الجمعية العامة مبادئ منظمة، سواء فيما يتعلق باستكشاف الفضاء الخارجي أو استخدام مصادر الطاقة فيه(6،) وهو ما لم يتمّ تطبيقه ودخلت كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي في تنافس شرس على الهيمنة في الفضاء حتى في غير الأغراض السلمية.

وفي ذات السياق، فإنه على الرغم من نصّ معاهدات الأمم المتحدة الخاصة بالفضاء الخارجي)7) على أن تراعي الدول قصر استخدامها للقمر والأجرام السماوية الأخرى على الأغراض السلمية، وحظر إنشاء أيَّة قواعد أو منشآت أو تحصينات عسكرية، أو تجريب أي نوع من الأسلحة أو أي مناورات عسكرية في الأجرام السماوية، وكذلك عدم وضع أيّة أجسام تحمل أسلحة نووية أو أي نوع آخر من أسلحة التدمير الشامل في أي مدار حول الأرض أو في الفضاء الخارجي، إلا أن هناك توجُّهاً من بعض الدول نحو عسكرة الفضاء، واستخدامه لأغراض عسكرية تجرمها تلك المعاهدات الدولية، حيث إن القانون الدولي قد اعتبر أن كافة الأنشطة غير السلمية في الفضاء محظورة بموجب القانون الدولي، وقد حدَّد بعض تلك الأنشطة، ومنها ما يلي(8): • حظر إنشاء قواعد عسكرية، أو القيام بأي مناورات عسكرية في الفضاء الخارجي. • حظر تنفيذ أيّ تفجيرات للأسلحة النووية، أو أيّ تفجير نووي آخر في الفضاء الخارجي. • حظر القيام بأيّ عمل عدائي للبيئة باستخدام تقنيات تؤثر سلباً على الفضاء الخارجي. • حظر التدخُّل الإلكتروني المتعمد في الأقمار الصناعية المدنية، وحظر تطوير واختبار ونشر أسلحة مضادة للأقمار الصناعية. • حظر تطوير واختبار ونشر الدفاعات الصاروخية في الفضاء الخارجي.

ثالثًاً: محاولت الهيمنة على الف�ضاء الخارجي

إن بروز الفضاء كمسرح للصراعات الدولية يعود لأكثر من ستة عقود، وبالتالي فهو ليس أمراً طارئاً أو مستحدثًاً، حيث دخلت كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي منذ خمسينيات القرن الماضي، في تنافس محتدم من أجل استكشاف الفضاء، حيث إن الاتحاد السوفييتي كان قد نجح في عام 1957 في إطاق أول قمر صناعي إلى الفضاء، وما لبثت الولايات المتحدة أن قامت هي الأخرى بإطاق قمرها الصناعي الأول عام 1961، ثم تطور الأمر بعد ذلك، وتحوَّل الصراع الدولي على الفضاء من مرحلة الاستكشاف إلى مرحلة التفكير في تطوير أسلحة حرب الفضاء في الجانب الدفاعي، وكذلك تطوير أسلحة نووية وأسلحة تقليدية ذكية، حتى باتت أسلحة حرب الفضاء أهم مجالات تطوير تكنولوجيا التسليح الأمريكي(9،) وبات هناك تنافس ليس فقط على إطاق الأقمار الصناعية، بل على الاستياء على تلك الأقمار وتدميرها، وبالتالي فإنه يمكننا القول إن ما يمكن اعتباره مستحدثًاً هو الصراع الدولي المحتدم نحو تحصيل أكبر قدر ممكن من القوة العسكرية في الفضاء.

وفي السياق ذاته اتجهت العديد من الدول إلى محاولة فرض هيمنتها على الفضاء الخارجي من أجل البحوث والعمليات العسكرية، إذ لم يعد استكشاف الفضاء يقتصر على القوى التقليدية بل اتسع ليشمل الصين التي تخطط لوجود دائم في الفضاء، والهند التي أعلنت عن تطوير البرامج الفضائية المأهولة، وكذلك روسيا التي تحاول استعادة قوة برنامجها الفضائي، وبالتالي فإن الفضاء بات مجالاً للصراعات الدولية)10،) فضاً عن احتمالات توظيف عسكرة الفضاء كقوة ردع بديلة عن الأسلحة النووية. وفيما يتعلق بالعمليات العسكرية في الفضاء، فإنه لا يوجد سوى عدد محدود من الدول لديها برامج عسكرية كاملة بالفضاء، وهي الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا،

تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لتطوير مجموعة واسعة من الأسلحة دقيقة التصويب، والاعتماد على نظام فضائي يجمع بين الاستخبارا­ت والملاحة والاتصالات والاستهداف العسكري، وهو ما ينذر بسباق تسلح بين الولايات المتحدة الأمريكية وباقي دول العالم، وهو ما حدا بروسيا للمبادرة بالدعوة إلى معاهدة لحظر نشر الأسلحة في الفضاء.

حيث إن تلك الدول لديها برامج فضاء عسكرية كاملة توفر لها خدمات اتصالات واستخبارات إلكترونية، كذلك فإن واشنطن وبكين تمتلكان أسلحة مضادة للأقمار الصناعية، في حين أن باقي دول العالم تبذل سعياً حثيثًاً من أجل الحصول على أقمار صناعية لأغراضٍ أمنية وعسكرية.

ويمكن تناول القوة العسكرية في الفضاء لكل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا من أجل تبيان مدى قدراتها، وذلك كالتالي: 1- الولايات المتحدة الأمريكية: تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية عدة أقمار صناعية لاتصالات تستخدمها من أجل دعم عملياتها العسكرية، وهو ما استفادت منه في حربها على أفغانستان، ويعتبر برنامج (SSCS) بمنزلة داعم أساسي للأقمار الصناعية الأمنية في الولايات المتحدة، حيث إنه يتم من خاله تمرير بيانات استخباراتي­ة، وبيانات الإنذار المبكر، والمراسات الدبلوماسي­ة، كذلك تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية الأقمار الصناعية لأغراض ماحية، حيث إنه يمكن من خال ذلك تحسين فعالية الاستطاع، وإيصال الأسلحة والانتشار السريع للقوات الأمريكية، وكذلك هناك مركبات فضائية أمريكية لديها القدرة على استضافة برنامج لكشف الأسلحة النووية.

كما تمتلك الولايات المتحدة برنامج )DMSP) يتيح التصوير بالأشعة تحت الحمراء، وهو ما يمكن أن يحدث ثقباً في جسم الصاروخ أو الهدف المعادي لتفجير المحرك أو إعطاب نظام التوجيه أو أجهزة التفجير في الرأس الحربي للصواريخ العابرات للقارات أو للصواريخ متوسطة المدى، وتعد أشعة الليزر بأنواعها من أهم أنواع أسلحة الفضاء، بجانب منظومات الصواريخ المضادة للطائرات، كذلك فإن الولايات المتحدة تستخدم الأقمار الصناعية في العمليات الاستخبارا­تية، ومنذ بداية عام 2000 قامت الولايات بتزويد الأقمار الصناعية بصواريخ نووية، وادَّعت الولايات المتحدة أن الهدف من وراء هذه الخطوة هو توفير الحماية للأقمار الصناعية الأمريكية أمام ظهور أيَّة تهديدات جديدة( ). 2- الصين: بدأت الصين برنامج استكشاف الفضاء في الخمسينيات من القرن الماضي، وتبنت استراتيجية وطنية هدفت لتجاوز ضعف الخبرة الصينية، وتطوير برنامج الفضاء اعتماداً على قدراتها الذاتية، وعلى الرغم من الصعوبات الشديدة التي واجهتها في البداية، فإنها أحرزت تقدماً كبيراً خال العقود الماضية، وبالتحديد خال العقد الأخير، وذلك بإحداث تطورات غير مسبوقة، حيث حققت نسبة إطاق صحيحة للأقمار الصناعية أكبر من النسب العالمية.

وكذلك تعتزم الصين إقامة قاعدة دائمة لها على سطح القمر، والقيام بتطوير أنظمة التشويش والتعطيل لأنظمة تحديد المواقع، وبناء وتصميم مركبات تعمل كجسم طفيلي لتدمير تكنولوجيا الأقمار الصناعية، فضاً عن تدعيم إمكاناتها في مجال إطاق الأقمار الصناعية المختلفة، وهو ما يعطي لها قوة دافعة لتعزيز طموحاتها في الفضاء، خصوصاً بعد انتهاء عمل محطة الفضاء الدولية 2020، وإمكانية إحال محطة الفضاء الصينية محلها.

وتعد الصين ثالث بلد في العالم يبعث بالإنسان خارج الكوكب بعد الولايات المتحدة وروسيا، وكانت الصين قد أكدت في وثيقة أصدرتها عام 2002 أن الهدف من برنامجها الفضائي هو الحفاظ على مصالحها القومية، وتنفيذ استراتيجيت­ها في التنمية، وتبني سياسة دفاعية قوية، واستكشاف الفضاء لتوظيفه لخدمة الأغراض السلمية، والاستعداد لمواجهة الولايات المتحدة وقدراتها الفائقة في حروب الفضاء مستقباً، حيث تدرك الصين أن وضعها في القرن الحادي والعشرين يتطلب قدرة هائلة من امتاك القوة الفضائية التي تؤهلها لأن تصبح قوة عظمى في المستقبل( ). 3- روسيا: يُنسب لروسيا المبادرة في سباق الفضاء بإرسال أول قمر صناعي إلى الفضاء، وتحقيق طفرة في صناعة الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، ولكن مع انهيار الاتحاد السوفييتي، ورثت روسيا برنامج الفضاء السوفييتي، وتشير التقارير إلى أن روسيا تواصل تدعيم برنامجها الفضائي العسكري خصوصاً في تطوير الإنذار المبكر، ويبدو أنه نظراً للأوضاع الاقتصادية التي تمر بها روسيا فإنها لن تدفع باستثمارات كبيرة في الأدوات الهجومية في الفضاء، ولذلك فإن روسيا تتجه نحو فرض حظر على جميع الاستخداما­ت العسكرية للفضاء، ومع ذلك؛ فقد شملت العقيدة العسكرية الروسية الصادرة في أواخر 2014 السعي إلى نصب الأسلحة في الفضاء، وأيضاً نشر منظومات أسلحة استراتيجية غير نووية فائقة الدقة من أجل مواجهة التحديَّات المحتملة في أي حروب محتملة مستقباً في الفضاء( ).

رابعاً: م�ضتقبل ال�ضراعات الدولية في الف�ضاء الخارجي

تتبنى الإدارة الأمريكية الحالية استراتيجية جديدة تجاه الفضاء الخارجي، وهي استراتيجية تعاونية بالأساس، حيث عبَّرت الولايات المتحدة عن رغبتها البدء في معاهدة للحد من الأسلحة الفضائية، وهو ما لاقى ترحيباً واستحساناً من كل من روسيا والصين، اللتين أعلنتا أنهما تنتهجان سباً واضحة من أجل الحدّ من التسلح الشامل في الفضاء.

فعلى الرغم من أن الصين تمثل التحدي الأبرز للولايات

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates