Trending Events

تحديات متنوعة:

تداعيات فوز محمد بخاري برئاسة نيجيريا د. محمد الأول عمر

-

شهدت نيجيريا في مارس 2015 تطوراً سياسياً مهماً، إذ فاز محمد بخاري، رئيس حزب كل التقدميين المعارض بالانتخابا­ت الرئاسية في نيجيريا، في سابقة هي الأولى في تاريخ البلاد، التي ينجح فيها حزب معارض من تولي الحكم ديمقراطياً من الحزب الحاكم، إذ حصل على 53.96% من أصوات الناخبين، وذلك بعد هيمنة حزب الشعب الديمقراطي على مقاليد الحكم على مدار 16 عاماً، وذلك من خلال السيطرة على منصب الرئاسة، وغرفتي الرلمان، وحكومات الأقاليم.

وتهدف هذه المقالة إلى مناقشة السياق الذي أجريت فيه الانتخابات النيجيرية، وأسباب فوز محمد بخاري بالانتخابا­ت، وحدود دور القوى الدولية في العملية الانتخابية، وأخيراً التحديات التي يواجهها الرئيس الجديد.

اأولً: ال�ضياق الذي تمت فيه النتخابات

لا يمكن الحديث عن الانتخابات النيجيرية من دون الإشارة إلى السياق السياسي والاجتماعي الذي أجريت فيه هذه الانتخابات، إذ تعاني نيجيريا من انقسام بين الشمال والجنوب، حيث يغلب على الجنوب المسيحيون، ويدعمون حزب الشعب الديمقراطي– الحزب الحاكم، بينما ينتشر المسلمون في الشمال، ويدعمون حزب مؤتمر كل التقدميين – الحزب المعارض، ويقدر عدد المسلمين بحوالي 50.4% من إجمالي السكان، في حين أن المسيحيين يقدرون بحوالي 48.5.%

ونظراً لانقسام بين الشمال والجنوب على أساس ديني، فقد تم التوصل لاتفاق عرفي يتم بمقتضاه تدوير السلطة بين الشمال والجنوب كل ثماني سنوات، غير أن هذه الاتفاقية تم انتهاكها في عام 2010 مع وفاة الرئيس النيجيري الأسبق عمر موسى يارادوا، وتولي نائبه جودلاك جوناثان الحكم، وهو ما جعل الشماليين يتولون السلطة لمدة ثاث سنوات فقط في ال 15 سنة الأخيرة.

ومن جهة أخرى، شهدت نيجيريا انتخابات رئاسية في عام 2011، ترتب عليها اندلاع أعمال عنف واسعة، بسبب اتهام الحزب الحاكم بتزوير نتائج الانتخابات للبقاء في السلطة.

ويضاف إلى ما سبق تصاعد حدة الاستقطاب الداخلي، إذ يتهم الشماليون الجنوبيين بالاستئثار بثروات الباد من النفط، في حين يرى الجنوبيون أن النخب الشمالية هي من تستأثر بعائدات النفط، وتترك المواطن العادي في الشمال في حالة فقر)1،( كما لا يمكن إغفال أن قيام بوكو حرام بعمليات إرهابية تستهدف في بعضها المسيحيين، مثلت جميعها عوامل فاقمت من الاحتقان الطائفي.

وبالتالي فقد أجريت الانتخابات في جو خيم عليه عدم الاستقرار الأمني والتوتر الطائفي الشديد، وهو الأمر الذي دفع العديد من المراقبين وقطاعات عديدة من الشعب النيجيري أن تعبر عن مخاوفها في أن تكون هذه الانتخابات سبباً إضافياً لإثارة الانقسامات الدينية والقبلية في الباد.

وقد جرت الانتخابات بين جودلاك جوناثان مرشح حزب الشعب الديمقراطي (People’s Democratic Party ) – الحزب الحاكم – ومعظم مؤيديه من الجنوب المسيحي،

وبين اللواء محمد بخاري – ممثل حزب مؤتمر كل التقدميين (All Progressiv­e Congress ) – الحزب المعارض – وغالبية مؤيديه من مسلمي الشمال والغرب.

وكشفت نتائج الانتخابات التي أعلنتها المفوضية الوطنية المستقلة لانتخابات عن حصول بخاري على 15.4 مليون صوت بنسبة 53.95%، في حين حاز جوناثان على حوالي 12.8 مليون صوت، أي 44.96% من إجمالي أصوات الناخبين، كما فاز بخاري في 21 ولاية من أصل 36 في الباد، خصوصاً في ولاية بورنو، في شمال شرق نيجيريا، والتي تعتبر معقل حركة بوكو حرام.

ثانياً: اأ�ضباب فوز محمد بخاري بالنتخابات

تعددت العوامل التي أدت إلى فوز محمد بخاري في الانتخابات الرئاسية، من تدهور الأداء الحكومي، خاصة في ملفي الأمن والاقتصاد، فضاً عن استئثار قلة داخل الحزب الحاكم بالحكم، وهو ما أثار انشقاقات داخله أدت لإضعافه، فضاً عن اتباع إجراءات جديدة حدت من عمليات التزوير، وذلك على النحو التالي: 1- الإخفاق الحكومي فشل النظام السابق في إدارة الدولة بكفاءة، مما فاقم من تدهور الأوضاع الداخلية، وأدت لتصاعد الأزمات الاقتصادية والأمنية وارتفاع معدلات الفقر، وزيادة الشعور بالحرمان والتهميش الاجتماعي.

فقد تضرر الاقتصاد النيجيري بشدة من تراجع أسعار النفط العالمية بحوالي النصف، إذ تشكل الإيرادات النفطية حوالي 76.2% من إجمالي الدخل القومي للدولة في عام 2013، كما يساهم إنتاج البترول بحوالي 38.7% من مجموع الإنتاج القومي، فقد بلغ معدل النمو النيجيري قبل الأزمة في الربع الأول من 2014 حوالي 6.7% سنوياً، ثم انخفض إلى 3.9% في الربع الأول من 2015، وتراجعت قيمة نيرة – العملة النيجيرية – بحوالي 17% في عام 2014، وكذلك فقدت أوراق الاعتماد المالي 30% من قيمتها في السوق.

وهكذا، وضع انخفاض الدخل القومي حكومة الرئيس جوناثان في وضع صعب، خاصة مع احتياجه لميزانية مرتفعة لتمويل الحرب على الإرهاب، بجانب أزمة ارتفاع نسب البطالة التي تصل إلى 24% من السكان بسبب الأزمة الاقتصادية، وارتفاع نسبة الفقر، حيث يعيش 67% من السكان تحت خط الفقر( وقد أدت كل هذه العوامل مجتمعة لزيادة السخط الشعبي تجاه الحكومة السابقة، خاصة مع تدني الخدمات العامة من تعليم وصحة وزراعة ومواصات. 2- تدهور الأوضاع الأمنية مثّل تدهور الأوضاع الأمنية أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت لانتخاب محمد بخاري، خاصة في ظل عجز جوناثان عن مواجهة حركة بوكو حرام وتمددها في أجزاء واسعة من شمال شرق نيجيريا، وقتلها حوالي 20 شخصاً، فضاً عن التسبب في نزوح حوالي ثاثة مايين شخص من أماكن سكناهم، وعلى الرغم من نجاح الحكومة النيجيرية، قبيل الانتخابات، في استعادة بعض المدن من أيدي بوكو حرام، إلا أن ذلك لم يكن كافياً ليمحو الصورة الذهنية السلبية، التي تولدت نتيجة للهزائم المتتالية للقوات الحكومية على يد الحركة( 3 ). 3- انشقاقات داخل الحزب الحاكم إذ كانت هناك فئة قليلة داخل حزب الشعب الديمقراطي الحاكم هي من تسير الأمور فيه، وقد وضح ذلك جلياً عندما رفض الحزب آلية التصويت واتبع منطق تعيين المرشحين للمناصب المختلفة بقرار من الرئيس، من دون وجود أي معايير واضحة لاختيار، وهو الأمر الذي أدى إلى انشقاقات داخل حزب الشعب الديمقراطي الحاكم، وانضمام عدد من المنشقين إلى حزب مؤتمر كل التقدميين بين عامي 2013 و2014، مما كان له تأثير سلبي على أداء الحزب في الانتخابات، وفي المقابل فإن حزب الشعب الديمقراطي حصل على منشقين من الأحزاب الأخرى أيضاً، لكنهم لم يقدموا أي شيء يذكر للحزب( ). 4- صعوبة التزوير ساهمت التكنولوجي­ا في تيسير إجراء الانتخابات، ووضع قيود على إمكانية تزويرها، ففي السابق لم تكن الانتخابات تتسم بالشفافية، وذلك نتيجة لعوامل مثل التاعب بصناديق الانتخابات، وتخويف أنصار الحزب المعارض، وشراء أصوات الناخبين، إلا أن استخدام قواعد البيانات الإلكتروني­ة حدَّ بصورة كبيرة من هذه التجاوزات من خال قراءة وكشف البيانات الشخصية المسجلة في بطاقة التصويت الإلكتروني­ة، مثل صورة حامل البطاقة، وكذلك بصماته.

فقد ساعد ذلك على ضمان عدم استخدام أي شخص لبطاقة غيره، فضاً عن تقييد إمكانية التاعب بعدد أصوات الناخبين، ولعل أحد الأمثلة البارزة على ذلك ولاية أيمو، إذ انخفضت نسبة المشاركة في الانتخابات من 84% في انتخابات عام 2011 إلى 42% في انتخابات 2015، وذلك من دون مبرر وجيه، وهو مؤشر على وجود تزوير كبير في انتخابات 2011.

كما لعبت المفوضية الوطنية المستقلة لانتخابات دوراً كبيراً في ضمان شفافية الانتخابات، فقد تم السماح إلى الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني بمراقبة هذه العملية، وكلها عوامل ساعدت على الحد من التزوير( ). وقد شكلت كل تلك العوامل بيئة مواتية للبحث عن بديل

كانت الانتخابات النيجيرية محل اهتمام عالمي، خاصة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، نظراً لإدراك المجتمع الدولي لأهمية المرحلة الحالية التي تمر بها نيجيريا، وضرورة دعم إجراء انتخابات نزيهة حتى لا تتحول إلى أزمة إضافية تضاف إلى الأزمات التي تعاني منها.

للرئيس الحالي، ولذلك اتجهت الأنظار إلى محمد بخاري، وعلى الرغم من أنه قد حاول الترشح كرئيس لنيجيريا ثاث مرات ولم ينجح، لعدم قيامه بالتحالف مع أحزاب المعارضة الأخرى، فإنه استطاع هذه المرة تدارك هذا الخطأ هذه المرة، وقام بعمل تحالف واسع ضم العديد من الشخصيات والأحزاب المعارضة.

ثالثاً: دور غير مبا�ضر للقوى الدولية

كانت الانتخابات النيجيرية محل اهتمام عالمي، خاصة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، نظراً لإدراك المجتمع الدولي لأهمية المرحلة الحالية التي تمر بها نيجيريا، وضرورة دعم إجراء انتخابات نزيهة حتى لا تتحول إلى أزمة إضافية تضاف إلى الأزمات التي تعاني منها.

وقد وضح هذا الاهتمام في إعان وزير الخارجية الأمريكية جون كيري ووزير الخارجية البريطانية فيلب هاموند في 28 مارس 2015 بأن جميع أصدقاء نيجيريا سوف يعملون على ضمان شفافية وسلمية الانتخابات، حتى يتسنى تحقيق التقدم والرفاه في المستقبل)6).

وقد قدمت بريطانيا تدريباً للشرطة النيجيرية لغرض حفظ السامة والأمن خال التصويت)7،( ومن ناحية أخرى أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في أواخر 2014 بأنها سوف تقدم 51 مليون دولار أميركي لضمان نزاهة العملية الانتخابية في نيجيريا)8).

كما رأست مساعدة وزير الخارجية الأمريكية ليندا طومس غرينفيلد، في 2 مارس 2015، وفداً أمريكياً في اجتماع مع كبار المسؤولين بنيجيريا على مدار يومين وكان من ضمن المشاركين رئيس الهيئة العليا لانتخابات الوطنية، وكان موضوع "شفافية الانتخابات والإدارة الرشيدة، والديمقراط­ية في نيجيريا" على قائمة أولويات الاجتماع.

وتشير تلك الإجراءات والتصريحات لرغبة الدول الكبرى والمعنية بدعم التغيير في نيجيريا وضمان الفرصة أمام انتخابات شفافة، وتوفير البيئة المناسبة لانتخاب المرشح المرغوب من أغلبية الشعب.

ومن جهة أخرى، فإن تدخل المجتمع الدولي ضد الرؤساء الذين يقومون بتزوير الانتخابات واستخدام القوة للبقاء في السلطة، ربما مثّل أحد العوامل التي دفعت الرئيس النيجيري جودلاك في تسليم السلطة لخصمه، وقبوله بالهزيمة، خاصة مع محاكمة رئيس ساحل العاج السابق لوران غباغبو أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهم تتعلق بتدبيره خطة تشمل عمليات قتل واغتصاب من أجل البقاء في السلطة عقب فوز خصمه الحسن واتارا في الاقتراع وفق نتائج أعلنتها اللجنة الانتخابية وصادقت عليها الأمم المتحدة(9).

رابعاً: التحديات التي يواجهها الرئي�ش المنتخب

بعكس التوقعات المتداولة والتخوفات من وصول رئيس "مسلم" لسدة الحكم بنيجيريا، وتأثير ذلك على إشعال الفتن الطائفية بين المسلمين والمسيحيين، فإنه وفقاً لتاريخ نيجيريا لا يحمل انتخاب رئيس مسلم هذا القدر من التخوف أو الخطورة، فمنذ استقالها، حكم نيجيريا 12 رئيساً، ثمانية منهم مسلمون، وأربعة مسيحيون.

وعلى الرغم من ذلك، يستغل البعض الخلفية الإسامية لمحمد بخاري في إشاعة الفتن ضده والترويج بأنه ينوي تطبيق الشريعة الإسامية، وتصويره كشخص متطرف، وهو الأمر الذي قد يهدد استقرار الدولة.

ولا تعد هذه الصورة الذهنية السلبية التي يتم ترويجها عن محمد بخاري التحدي الوحيد الذي يقف أمامه، بل يرتبط التحدي الأكبر بمواجهة جماعة بوكو حرام وسرعة القضاء على الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار، كما وعد خال حملته الانتخابية.

كما أنه يأتي ضمن التحديات تحسين الأوضاع الاقتصادية وزيادة الاستثمارا­ت في مجال التعدين والزراعة لمواجهة أزمة انخفاض أسعار النفط، فضاً عن إدارة توقعات الرأي العام بعد الانتخابات، والتي ارتفعت بصورة كبيرة بعد الانتخابات، خاصة أنه يجب عليها أن تتخذ إجراءات اقتصادية تقشفية لن تحظى بالشعبية.

ومن جانب آخر، سوف يكون لزاماً على بخاري إرضاء حلفائه الذين دعموه أثناء الانتخابات، فضاً عن ضرورة الأخذ في الاعتبار مؤيدي حزب الشعب الجمهوري عند تنفيذ خططه التنموية، ضماناً لتحقيق الاستقرار في تلك المرحلة الحرجة من عمر الدولة النيجيرية.

 ??  ??
 ??  ?? أستاذ العلوم السياسية - جامعة أحمد بلو
بزاريا - نيجيريا
أستاذ العلوم السياسية - جامعة أحمد بلو بزاريا - نيجيريا

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates