Trending Events

تحالفات باكستان:

الالتزامات المتعارضة في شبكة المحاور الخارجية ل "إسلام أباد" محمد عبدالله يونس

- محمد عبدالله يونس مدرس مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة

تُعد باكستان أحد أهم النماذج للدول شديدة البرجماتية في بناء علاقاتها الخارجية، فعلى مدار تاريخها الممتد منذ عام 1947، اتبعت الدولة الباكستاني­ة سياسة خارجية تقوم على بناء شبكة محاور إقليمية ودولية وثيقة تعتمد على الواقعية وتبادل المصالح.

وعلى الرغم من انضمام باكستان لمنظومة التحالفات الغربية في خضم الحرب الباردة في مواجهة التمدد السوفييتي في القارة الآسيوية، فإنها أيضاً كانت الدولة الوحيدة التي تمكنت من تحقيق التوازن بين التحالف مع الولايات المتحدة لمواجهة تمدد الشيوعية، والتحالف في الوقت ذاته مع الصين ”الشيوعية“التي شاركتها العداء للهند.

وعقب نهاية الحرب الباردة، تمكنت باكستان من الحفاظ على علاقات شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة خلال الحرب على الإرهاب، وذلك بالتوازي مع امتلاك قنوات للتواصل مع الأطراف المركزية في الساحة الأفغانية، وتعزيز علاقات الشراكة مع روسيا ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وإيران بصورة متزامنة.

بيد أن المشاركة الباكستاني­ة في محاور إقليمية ودولية متعددة تؤدي لإشكاليات تعوق الوفاء بالالتزاما­ت المفترضة تجاه الشركاء الإقليميين والدوليين، خاصةً في ظل تعارض مصالحهم، وهو ما يتصل باختلالات التوازن في إدارة العلاقات مع "الحلفاء الخصوم"، والتي قد تجبر باكستان وفقاً لاعتبارات أخرى داخلية، على التزام نهج الحياد أحياناً خلال الصراعات بين حلفائها للحفاظ على مصالحها مع كافة الأطراف.

وفي هذا الصدد تمثل المحددات الداخلية والتهديدات الإقليمية الأكثر اتصالاً بالاستقرار الداخلي ومواقف الحلفاء الدوليين تفسيرات جوهرية للتحولات في العلاقات الإقليمية لباكستان، وهو ما يثير في المجمل عدة تساؤلات حول مدى إمكانية اعتبار شبكة العلاقات الخارجية لباكستان "تحالفات" وفقاً للنماذج النظرية المفسرة للتحالفات، ومدى إمكانية تفسير الموقف الباكستاني من عملية عاصفة الحزم من منطلق هذه النماذج النظرية.

اأولاً: مداخل نظرية لتف�سير تغير التحالفات

يُعتبر تكوين التحالفات وتصدعها وتفككها من أهم الموضوعات التي أثارت جدلاً نظرياً في حقل العلاقات الدولية، حيث يرى "ستيفن والت" في كتابه "أصول التحالفات" أن التحالف يُعد بمنزلة "علاقة تعاقدية بين دولتين أو أكثر تتعهدان بموجبها باتباع تدابير معينة وتحملان التزامات محددة للتصدي للتهديدات الأمنية والعسكرية المشتركة من جانب قوة أو قوى أخرى خارج نطاق التحالف".

وبناءً على ذلك يرتبط تفضيل الدول للتحالفات في مواجهة سياسات الحياد وعدم الانحياز أو العزلة بعدة مقتضيات تتمثل في تحقيق توازن القوى مع قوة إقليمية أو دولية صاعدة تهدد الوضع الراهن للنظام الإقليمي أو الدولي، ولمواجهة تهديدات مشتركة بين الدول أعضاء التحالف وردع دولة أو دول معادية، وأيضاً لتعظيم قوة الدول الأعضاء في مواجهة الخصوم .

ووفقاً ل "جيمس مورجانثاو"، فإن مواجهة تهديدات اختلال توازنات القوى تنطوي على عدة خيارات، يتصدرها الانخراط في سباق التسلح وتعزيز القدرات الذاتية أو الانضمام لتحالفات بين الدول الأعضاء في نظام إقليمي محدد أو التحالف مع دولة عظمى قادرة على الالتزام بتحقيق أمن حلفائها، ومن ثم يؤكد مورجانثاو على فكرة عدم وجود تحالفات دائمة أو مصالح دائمة؛ نتيجة التغير الدائم في المصالح والتهديدات وتبدل مواقف وسياسات الدول الأعضاء في التحالفات التي تستند للمصالح في بقائها وانتهائها .

ومن هذا المنطلق فإن تصدع واهتزاز التحالفات وتغييرها يرتبط بمجموعة عوامل يتمثل أهمها فيما يلي: 1- تعارض المصالح: يؤدي تغير مصالح الدول المنضمة للتحالف وتعارض التزاماتها ضمن التحالف القائم، مع سعيها لتحقيق المصالح المستجدة، إلى اهتزاز التحالف وتصدع أركانه، حيث إن القاعدة الصلبة التي تتأسس في إطارها التحالفات هي تحقيق مصالح مشتركة من خلال تعظيم القوة لموازنة دولة أو تحالف دولي معادٍ، بما يعني أن انتهاء هذه المصالح يؤدي لفقدان التحالف لسبب أو لبعض مسببات وجوده، وقد يدفع ذلك بعض الدول إلى الانسحاب من التحالف أو إعلان الحياد. 2- الإخلال بالالتزاما­ت: يفرض الانضمام للتحالفات الإقليمية والدولية التزامات مادية وعسكرية ودفاعية على الدول الأعضاء في التحالفات، مثل الإسهام المالي في موازنة مؤسسات التحالف، والسماح لقوات الدول المتحالفة بعبور أراضي الدولة والإفادة من قواعدها العسكرية، فضلاً عن الإسهام بقوات عسكرية لمواجهة التهديدات العسكرية المشتركة، ومن ثم فإن الإخلال بهذه الالتزامات يؤدي لاهتزاز التحالف نتيجة تآكل مصداقية الالتزامات المعلنة بالدفاع المشترك عن الدول الأعضاء في التحالف. 3- اختلاف السياسات: ينطوي الانضمام لتحالف دولي على تحقيق حد أدنى من الاتساق في المواقف المعلنة والسياسات الخارجية والدفاعية بين الدول الأعضاء في التحالف على الأقل تجاه مصادر التهديد المشتركة، ولذلك فإن اتباع الدول الأعضاء في التحالف سياسات متعارضة تجاه مصدر التهديد والافتقاد للاتساق في مواقفها تجاه القضايا المرتبطة بالتهديدات المشتركة يؤدي لاهتزاز التحالف وتصدع أركانه، خاصة إذا تصاعدت درجة عدم الاتساق في السياسات الخارجية والدفاعية لتنتج تناقضات جذرية، مثل اتجاه إحدى الدول المنضمة للتحالف إلى التقارب مع دولة يعتبرها التحالف أحد مصادر التهديد، أو إعلان الدولة عن حيادها في حال نشوب مواجهة عسكرية بين إحدى الدول الأعضاء في التحالف ودولة معادية. 4- التحولات الداخلية: قد تؤدي التحولات الداخلية في إحدى الدول الأعضاء في التحالف إلى إحجامها عن الوفاء بالتزاماته­ا الدفاعية في إطار التحالف. وتشمل هذه التحولات صعود بعض التيارات المعارضة للتحالف للسلطة وتغير توجهات الرأي العام الداخلي لمناهضة الاستمرار في التحالف، فضلاً عن تغير تفضيلات المؤسسة العسكرية باتجاه عدم الانخراط بفاعلية في التحالف وضغطها على شاغلي السلطة السياسية لتقليص التزامات الدولة في إطار التحالف أو الإحجام عن تنفيذ الالتزامات التي يتعهد بها المسؤولون السياسيون. 5- تغير التوجهات: يؤدي تغير توجهات القيادة السياسية والنخبة المنخرطة في صنع السياسة الخارجية والدفاعية للدولة تجاه الدول الأعضاء في التحالف والدول الخصوم إلى اهتزاز التحالف نتيجة لتغير مواقف الدولة العضو، وسعيها إلى تطوير علاقاتها بالدول المصنفة، باعتبارها تهديداً مشتركاً للدول الأعضاء في التحالف. 6- التحولات الإقليمية والدولية: تشمل هذه التحولات زوال مصدر التهديد، سواء بتفكك وانهيار الدولة مصدر التهديد على غرار تفكك الاتحاد السوفييتي وانهيار حلف وارسو في مطلع تسعينيات القرن الماضي أو تغير سياسات وتوجهات الدولة مصدر التهديد وسعيها للتقارب مع الدول الأعضاء في التحالف.

وتتضمن التحولات الدولية كذلك التغير في بنية النظام الدولي باتجاه تعدد الأقطاب أو الثنائية القطبية أو الأحادية القطبية على غرار الانفراد الأمريكي بقمة النظام الدولي عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، حيث يشير "راجان منون" في كتابه المعنون "نهاية التحالفات" الصادر في عام 2007، إلى أن التحالفات الدولية فقدت غاية وجودها بانهيار الاتحاد السوفييتي، وأن التركيز على التهديدات الصاعدة، مثل الإرهاب، لا يضمن للتحالفات درجة كبيرة من التماسك في ظل عدم اتساق تعريف كل منهم لهذه التهديدات عالمية النطاق.

ثانياً: �سبكة محاور العلاقات الخارجية الباك�ستانية

تعتمد السياسة الخارجية لباكستان على تعزيز علاقاتها مع القوى الدولية الكبرى والدول المركزية إقليمياً بهدف حماية الأمن الوطني وتعظيم العوائد الاقتصادية من تعدد شبكات المحاور الخارجية وإدارة علاقات متوازنة مع "الحلفاء الخصوم"، على الرغم من حالة العداء المستحكم فيما بينهم. وفي هذا الإطار تتضمن شبكة التحالفات الباكستاني­ة عدة محاور رئيسية: 1- التحالف الأمريكي الباكستاني: حيث ترتبط باكستان والولايات المتحدة بعلاقات استراتيجية وثيقة تمتد جذورها لنشأة الدولة الباكستاني­ة والتحالف لمواجهة التمدد الشيوعي في أفغانستان، إذ حصلت باكستان خلال هذه المرحلة على 3 مليارات دولار كمساعدات عسكرية من الولايات المتحدة، خاصة عقب الغزو السوفييتي لأفغانستان في نهاية سبعينيات القرن الماضي، في ظل قيامها بدور الوسيط بين الولايات المتحدة والدول الغربية والفصائل المسلحة في أفغانستان وقيامها بتوصيل الأسلحة والإمدادات اللوجستية عبر الحدود.

وعلى الرغم من تمكن باكستان من مد قنوات تواصل بين حركة طالبان في أفغانستان خلال مطلع التسعينيات من القرن العشرين، فإن دورها كان مركزياً خلال الحرب الأمريكية على الإرهاب منذ عام 2001، في ظل التنسيق الاستخبارا­تي والعسكري الوثيق بين الدولتين في مواجهة حركة طالبان واعتماد باكستان شبه الكامل على المعلومات والدعم العسكري الأمريكي في مواجهة انتشار تنظيم طالبان باكستان في المناطق الحدودية بين باكستان وأفغانستان. كما تمكنت باكستان من الحصول على مساعدات أمريكية تقدر بحوالي 18 مليار دولار منذ هذا الوقت، على الرغم من الانتقادات الأمريكية لسياسات باكستان في التعامل مع تحركات تنظيم القاعدة وحركة طالبان عبر الحدود. 2- التحالف الصيني الباكستاني: تمكنت باكستان من الحفاظ على علاقات تحالف استراتيجي مع الصين استغلالاً لحالة العداء بين الهند والصين خلال الحرب الباردة، حيث ترجع العلاقات الباكستاني­ة الصينية إلى عام 1963 حينما تم تسوية الخلافات الحدودية بين الدولتين. وساهمت الصين في بناء القدرات العسكرية الباكستاني­ة وقامت بإمداد إسلام أباد بحوالي 60 طائرة ميج 19 وحوالي 100 دبابة ومئات قطع المدفعية، فضلاً عن منحها قروضاً ميسرة ودعم الموقف الباكستاني من كشمير .

وخلال الحرب السوفييتية على أفغانستان تطورت العلاقات الصينية الباكستاني­ة إلى مستوى التحالف الاستراتيج­ي، وهو ما برز في الدعم الصيني للبرنامج النووي الباكستاني عقب توقيع اتفاقية التعاون النووي بين الدولتين في عام 1986 وقيام الشركات الصينية ببناء بعض المفاعلات النووية في كراتشي على الرغم من الضغوط الأمريكية والهندية التي سعت إلى عرقلة امتلاك باكستان لقدرات نووية.

ونتيجة لعلاقات التحالف بين باكستان والصين، حصلت باكستان على وضعية العضو المراقب في منظمة شنغهاي للتعاون في عام 2005، وهو العام ذاته الذي شهد توقيع الدولتين لمعاهدة الصداقة والتعاون وحسن الجوار . وعقب صعود نواز شريف لسدة الحكم في عام 2013 كانت الصين الدولة الأولى التي قام بزيارتها بعد توليه رئاسة الوزراء للتباحث حول تأسيس ممر اقتصادي يربط مدينة كاشغار الباكستاني­ة بإقليم شينجيانج الصيني وقيام الصين بإدارة ميناء جوادر الواقع غرب باكستان الذي يضمن للصين الهيمنة على 60% من وارداتها من النفط ومراقبة حركة السفن الهندية والأمريكية، وهو ما يرتبط بحجم التبادل التجاري بين الدولتين الذي يصل إلى حوالي 13 مليار دولار. 3- التقارب الباكستاني الإيراني: تكشف مراجعة توجهات السياسة الباكستاني­ة في الآونة الأخيرة عن وجود تقارب مع إيران في المواقف، خاصة من التحولات في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يتجلى في المواقف المعلنة حول تفضيل التسوية السلمية للحرب الأهلية في اليمن، ووقف إطلاق النار والتفاوض بين مختلف أطراف الصراع، فضلاً عن المواقف المعلنة المؤيدة لجماعة الإخوان المسلمين. وعلى الرغم من عدم اكتمال هذا المحور، فهو لايزال قيد التشكل، لكنه يستند إلى مجموعة أسس اقتصادية واستراتيجي­ة، حيث وقعت إيران وباكستان في 23 أبريل 2015 على حزمة تسهيلات تجارية مدتها ثلاث سنوات لرفع مستوى التبادل التجاري بينهما إلى حوالي 5 مليارات دولار.

وعلى المستوى الاستراتيج­ي، فإن العلاقات بين إيران وباكستان بات يحكمها تعاون استراتيجي يرتبط بإسهام باكستان بصورة معلنة في تطوير البرنامج النووي الإيراني فيما يتعلق بإدارة المنشآت النووية وتطوير محطات المعالجة. أما التطور الأكثر أهمية فيتمثل في الاتفاق الساري حالياً لمد خط أنابيب يسمى "مشروع السلام" لنقل الغاز من حقل بارس في جنوب غرب إيران إلى الساحل الجنوبي الشرقي لباكستان بطول 2000 كم، وبتكلفة إجمالية قدرها 7.5 مليار دولار، حيث سيسهم خط الغاز الجديد في توصيل إمدادات الطاقة للمدن

تقود مشاركة باكستان في محاور إقليمية ودولية متعددة إلى مشكلات عديدة تعوق الوفاء بالالتزاما­ت المفترضة تجاه الشركاء الإقليميين والدوليين، خاصةً في ظل تعارض مصالحهم، وهو ما يتصل باختلالات التوازن في إدارة العلاقات مع "الحلفاء الخصوم".

الباكستاني­ة الكبرى مثل كراتشي وحيدر أباد.

وفي المقابل تمتلك إيران عدداً من أوراق الضغط على باكستان ضمن هذا المشروع أهمها المطالبة بتعويضات مالية عن تأخر بناء باكستان للجزء الخاص بها من خط الأنابيب الذي كان يفترض الانتهاء منه قبل نهاية عام 2014، حيث لم تتمكن باكستان من استكماله بسبب المخاوف من تأثير العقوبات الأمريكية على إيران.

على مستوى آخر، تدعم الصين هذا التقارب الإيراني الباكستاني بقوة من خلال تمويل 85% من تكلفة خط الغاز الجديد الذي تبلغ تكلفته حوالي ملياري دولار ضمن المشروعات المعلنة في إطار طريق الحرير الجديد.

وخلال زيارة الرئيس الصيني تشين جي بينج إلى باكستان في 20 أبريل 2015، تم الإعلان عن ضخ الصين استثمارات بقيمة 46 مليار دولار في مشروعات الطاقة والبنية التحتية في باكستان، وإقامة ممر اقتصادي (باكستاني صيني) بين ميناء جوادر الباكستاني على بحر العرب وإقليم زينجيانج في غرب الصين، ويضم هذا الممر شبكة من الطرق والسكك الحديدية وخطوط أنابيب لنقل مصادر الطاقة.

ويأتي هذا الدعم الصيني للتقارب بين باكستان وإيران في إطار الرؤية الصينية لمستقبل القارة الآسيوية، خاصة الدول التي يمر بها طريق الحرير الجديد التي تسعى الصين لضمها لتحالف إقليمي مستقبلي. وفي هذا الصدد نقلت بعض المصادر الباكستاني­ة أن القيادة الصينية تعهدت بدعم باكستان في حالة تعرضها لإجراءات عقابية بسبب الشراكة الاقتصادية الوثيقة مع إيران. 4- الشراكة الباكستاني­ة التركية: اكتسبت العلاقات الباكستاني­ة التركية زخماً متصاعداً في الآونة الأخيرة، وهو ما يظهر في مشاركة الرئيس الباكستاني "ممنون حسين" في حفل تنصيب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عام 2014، وإشادته المعلنة بأردوغان وما أنجزه خلال 12 عاماً خلال رئاسته للوزراء. كما قام رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو بزيارة إلى باكستان في 17 فبراير 2015، تم خلالها انعقاد الاجتماع الرابع لمجلس التعاون الاستراتيج­ي التركي الباكستاني رفيع المستوى برئاسة كل من داود أوغلو، ونظيره الباكستاني نواز شريف، كما تم توقيع 11 اتفاقية في مجالات مختلفة لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين ورفع مستوى التبادل التجاري بينهما إلى حوالي 10 مليارات دولار.

أما رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف فقد قام بزيارة إلى تركيا في أبريل 2015، تمت خلالها مناقشة تطورات عملية عاصفة الحزم في اليمن وكيفية تقديم الدعم للمملكة العربية السعودية في تلك العملية، وصرح شريف عقب لقائه برئيس الوزراء التركي أوغلو بأن "تركيا وباكستان اتفقتا على تقديم كل دعم ممكن في الدفاع عن سيادة السعودية ووحدة أراضيها".

وتقوم العلاقات بين تركيا وباكستان على تحقيق المصالح المشتركة، حيث تدعم تركيا باكستان في نزاعها مع قبرص في مقابل دعم باكستان لتركيا في نزاعها حول منطقة كشمير من دون أن يؤدي ذلك لتهديد المصالح المشتركة لتركيا مع الهند، ويرتبط ذلك بالتنسيق التركي الباكستاني بشأن الأوضاع في أفغانستان والوساطة التركية بين باكستان وأفغانستان للتنسيق في سياساتهم لمكافحة التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود، حيث قامت تركيا برعاية القمة الثلاثية المشتركة التركية الباكستاني­ة الأفغانية في فبراير 2007، والتي عقدت جولتها الثانية في أنقرة في عام 2014 للتنسيق لمواجهة التنظيمات الإرهابية وتحقيق الأمن والاستقرار على الحدود الباكستاني­ة الأفغانية.

وعلى المستوى الاقتصادي، لايزال حجم التبادل بين تركيا وباكستان ضعيفاً، حيث بلغ حوالي 695.3 مليون دولار في عام 2014، في مقابل 723 مليون دولار عام 2013، ولذا فقد اتفقت الدولتان خلال زيارة رئيس الوزراء التركي إلى باكستان في فبراير 2015 على توقيع اتفاقية للتجارة الحرة بينهما لتعزيز التبادل التجاري ليصل إلى 3 مليارات دولار في غضون عامين، وإلى ما بين خمسة وعشرة مليارات دولار في غضون السنوات القليلة المقبلة. وتبلغ استثمارات الشركات التركية في باكستان حوالي 900 مليون دولار، وتتركز في مجال الإنشاءات وتطوير الطرق السريعة وخطوط الأنابيب، وتبلغ استثمارات الشركات الباكستاني­ة في تركيا حوالي 90 مليون دولار.

ويعد التعاون العسكري بين باكستان وتركيا الدعامة الرئيسية لعلاقات الشراكة بين الدولتين، إذ ترجع بدايات التعاون العسكري بين تركيا وباكستان إلى عام 1975 حينما قام الرئيس الباكستاني "ذو الفقار علي بوتو" بتوقيع اتفاقية بين باكستان وتركيا وإيران لتأسيس صناعة عسكرية مشتركة. ومنذ ذلك الحين لم تنقطع المناورات العسكرية المشتركة بين الدولتين، والتي كانت آخرها مناورات جوية تحت مسمى (Tusap Raiders ) في ديسمبر 2012 بمشاركة عناصر من القوات الجوية في الدولتين في وسط الأناضول.

وفي السياق ذاته ترتكز العلاقات العسكرية بين تركيا وباكستان على مجموعة مشروعات مشتركة في الصناعات

العسكرية، لاسيما اتفاقية نقل التكنولوجي­ا بين "الشركة الباكستاني­ة للصناعات الثقيلة" و"الشركة التركية للتقنيات" لصناعة السيارات المدرعة، فضلاً عن تطوير الشركات العسكرية في الدولتين لنظم الاتصالات العسكرية وبعض منظومات التسلح النوعية وتأكيد باكستان عزمها شراء الطائرات الهجومية التركية "آتاك"، مما يعكس مدى التقارب العسكري بين الدولتين.

ثالثاً: اأ�سباب تداخل المحاور الاإقليمية الباك�ستانية

تعتبر باكستان طرفاً مركزياً في كافة المحاور المتعارضة سالفة الذكر، وهو ما يرتبط بقدرة باكستان على تحقيق عدة وظائف لمختلف المحاور الإقليمية في القارة الآسيوية، نظراً لما تمتلكه من أرصدة القوة التي تدعم دورها الإقليمي المحوري على الرغم من الأوضاع الاقتصادية المتردية وعدم الاستقرار السياسي. وتتمثل محفزات اتجاه القوى الدولية والإقليمية للتحالف مع باكستان فيما يلي: 1- الموقع الجيواسترا­تيجي: تتقاطع الحدود الباكستاني­ة مع عدة دوائر إقليمية جيواستراتي­جية، إذ إن الموقع الباكستاني على الحدود مع أفغانستان جعل استقطابها في إطار التحالف الدولي للحرب على الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة حتمياً، خاصةً في ظل تمكن تنظيم القاعدة وحركة طالبان من إلحاق خسائر عسكرية غير مسبوقة بقوات حلف الناتو في أفغانستان على مدار فترة ممتدة.

وينطبق الأمر ذاته على الموقع الباكستاني على الحدود مع الهند الصاعدة، مما جعل التحالف معها أولوية استراتيجية للصين في ظل التنافس والمصالح المتعارضة في القارة الآسيوية بين الدولتين.

كما أن إطلالة باكستان على بحر العرب جعلتها أحد أهم أطراف معادلات الأمن في منطقة الخليج العربي، مما عزز من العلاقات الباكستاني­ة الخليجية، في ظل الترابط الوثيق على مستوى الممرات البحرية بين الخليج العربي وبحر العرب، حيث تقع كل من صلالة العمانية وكراتشي وبلوشستان الباكستاني­ة في نطاق ملاحي متقارب، كما تجاور باكستان منطقة الخليج العربي بسواحل يزيد طولها على الألف كيلومتر.

وفي السياق ذاته أدى موقع باكستان على الحدود الجنوبية الغربية لإيران إلى إمكانية توظيف باكستان لتطويق إيران من جهة الشرق ونقل التهديدات العسكرية إلى داخل الأراضي الإيرانية عبر الحدود، فضلاً عن إمكانية اختراق العمق الاستراتيج­ي لإيران عسكرياً عبر الحدود مع باكستان، لاسيما أن الصراعات الحدودية بين باكستان وإيران لاتزال غير محسومة وقابلة للتفجر على الرغم من علاقات الشراكة الاقتصادية الوطيدة فيما بينهما.

وكانت الاشتباكات الحدودية بين الطرفين قد تصاعدت في منطقتي سستان ولوخستان الحدويتين في جنوب غرب إيران، والتي كان آخرها قتل ثلاثة من الحرس الثوري الإيراني على الحدود في 29 ديسمبر 2014، وسبقها اشتباكات حدودية متبادلة بين الدولتين في أكتوبر من العام ذاته عقب إعلان جماعة جيش العدل السنية في باكستان مسؤوليتها عن اختطاف قوات من حرس الحدود الإيراني، واحتجاج باكستان بسبب اختراق قوات إيرانية للحدود بدعوى ملاحقة مسلحين قاموا باستهداف قواتها المسلحة من داخل الحدود الباكستاني­ة. 2- التماسك الداخلي: على الرغم من موجات عدم الاستقرار السياسي وتصاعد وتيرة عمليات التنظيمات الإرهابية في باكستان، فقد ظلت مؤسسات الدولة الباكستاني­ة متماسكة وقادرة على السيطرة على إقليمها. وباستثناء انفصال بنجلاديش في عام 1971، تمكنت باكستان من الحفاظ على وحدة إقليمها والنظام الفيدرالي، بحيث لم تتمكن أي من التنظيمات الإرهابية من الاستيلاء على أي من أقاليم الدولة بصورة كاملة على الرغم من المشاركة الباكستاني­ة في التحالف الدولي للحرب على الإرهاب، إذ تمكنت باكستان من إيجاد قنوات للتواصل مع التنظيمات "الجهادية" لتحصين الدولة من تهديداتها، وهو ما عزز من دورها في تحقيق الاستقرار في أفغانستان ودول الجوار. 3- القدرات العسكرية: وفقاً لبيانات المعهد الدولي للدراسات الدولية في لندن، فإن عدد القوات الباكستاني­ة يقارب حوالي 617 ألف جندي، بالتوازي مع قوات احتياطية يبلغ عددها حوالي 515 ألف جندي.

وتمتلك باكستان قدرات جوية متميزة، حيث يصل عدد الطائرات المقاتلة في سلاح الجو الباكستاني حوالي 914 طائرة، تتنوع ما بين مقاتلات هجومية وطائرات مروحية مقاتلة وطائرات للاعتراض والاستطلاع، وهو ما ينطبق على القدرات البحرية لباكستان، فضلاً عن استفادة باكستان من التعاون العسكري الاستراتيج­ي مع الولايات المتحدة في تطوير قدراتها العسكرية، خاصة في الحروب غير المتماثلة في إطار الحرب على الإرهاب على الحدود الباكستاني­ة في حالة تلاقي المصالح وتطابقها. 4- الترسانة النووية: تمتلك باكستان برنامجاً نووياً متطوراً، وعدداً من الأسلحة النووية القابلة للاستخدام، وهو ما يجعلها حليفاً استراتيجياً في مواجهة التطلعات النووية لإيران وتهديداتها لدول الجوار العربي. وفي هذا الإطار لم يكن الدعم السعودي للبرنامج النووي الباكستاني على مدار عقود سوى استثمار طويل الأمد في أداة للردع في مواجهة الخصوم الإقليميين للمملكة، حيث تسود افتراضات على نطاق واسع رددتها مؤسسات بحثية أمريكية، وعلى رأسها معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، حول وجود ترتيبات ثابتة تتضمن قيام باكستان بتوفير القدرات النووية للمملكة العربية السعودية في حالة مواجهتها تهديداً عسكرياً غير تقليدي. ويرتبط ذلك بامتلاك المملكة صواريخ 2-CSS الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية، والتي يصل مداها إلى حوالي 2000 كم، وشراء المملكة صواريخ أكثر دقة طورتها باكستان من طراز 5-CSS 6-CSS ويصل مداها إلى ما

يتجاوز 5000 كم، ما يعكس سعي المملكة لامتلاك أدوات للردع النووي متوسط وبعيد المدى لردع التطلعات الإقليمية لإيران.

رابعاً: محددات التغير في المحاور الخارجية لباك�ستان

تكشف مراجعة شبكة التحالفات الباكستاني­ة عن حالة من التداخل والتشابك بين الالتزامات المترتبة على علاقاتها الخارجية، إذ إن علاقات الشراكة الباكستاني­ة مع الولايات المتحدة تتعارض مع علاقات التحالف الصاعدة مع الصين في ظل صدام المصالح بين الصين والولايات المتحدة في شرق وجنوب شرق آسيا، وهو ما ينطبق على الافتقاد للتوازن بين مشاركتها في الحرب على الإرهاب في أفغانستان وسعيها للتفاوض مع حركة طالبان باكستان عقب فوز حزب الرابطة الإسلامية بالأغلبية البرلمانية في انتخابات عام 2013، كما أن تعهدات باكستان بدعم أمن الخليج العربي تتعارض مع حفاظها على علاقات وثيقة مع إيران.

ويرتبط التغير في المحاور الخارجية الباكستاني­ة بتأثير عدة تحولات داخلية وإقليمية يتمثل أهمها في تغير التوجهات السياسية للمؤسسة العسكرية في باكستان والانقساما­ت داخل الحكومة الباكستاني­ة والمخاوف من تفجر صراعات داخلية ذات طابع طائفي، وفي هذا الإطار تتمثل الأسباب الرئيسية لتغير السياسة الباكستاني­ة فيما يلي: 1- تغير العقيدة العسكرية: على الرغم من استبعاد القيادات العسكرية من سدة الحكم عقب الفصل بين رئاسة الدولة وقيادة المؤسسة العسكرية واستقالة الرئيس الباكستاني الأسبق برويز مشرف، الذي جمع بين قيادة المؤسسة العسكرية ورئاسة الدولة في أغسطس 2008؛ فإن المؤسسة العسكرية احتفظت بمكانة مركزية في صنع السياسة الخارجية والدفاعية الباكستاني­ة في ظل تخصيص نسبة تعادل 30% من النفقات العامة و70% من المساعدات الخارجية للمؤسسة العسكرية.

وعلى مدار السنوات الماضية بدلت المؤسسة العسكرية من تحالفاتها مع الجماعات الدينية، حيث انقطعت علاقاتها الوثيقة بالمدرسة الحنفية عقب إعلان رموزها الانحياز لحركة طالبان وتحصن أنصار طالبان بمنشآت ومؤسسات المدارس الدينية المرتبطة بهذا التيار على غرار أحداث المسجد الأحمر التي انطوت على مواجهات دامية بين طلاب المدارس الدينية وقوات الأمن في يونيو 2007.

وقد استبدلت المؤسسة العسكرية تحالفاتها واتجهت لتعزيز علاقاتها مع المدرسة البريلوية ذات التوجهات الصوفية القريبة من التشيع على النهج الإيراني، حيث يبلغ عدد المدارس الدينية التابعة لها حوالي 570 مدرسة تضم عدداً كبيراً من الطلاب والمريدين والأتباع، وهو ما يرتبط بالتوجهات العدائية لقيادات هذه المدرسة للتيارات السلفية السنية، وعلى رأسهم القيادي طاهر القادري الذي يرتبط بعلاقات وثيقة بالشيعة في باكستان.

من جانب آخر تغيرات عقيدة المؤسسة العسكرية في باكستان على مدار السنوات الماضية، فباتت تركز على نشاط الجماعات الدينية السنية باعتبارها أنشطة إرهابية تهدد أمن واستقرار الدولة، وتعتبر التبرعات الواردة من بعض المؤسسات الخيرية في بعض الدول العربية مصادر تمويل محتملة للإرهاب ، وهو الاتجاه الذي تصاعد عقب الهجوم الذي شنته طالبان باكستان في منتصف ديسمبر 2014 على مدرسة تابعة للمؤسسة العسكرية الباكستاني­ة في بيشاور شمال غرب البلاد، والذي أسفر عن سقوط 132 من صغار الطلاب وإصابة المئات، ومن ثم باتت المؤسسة العسكرية تتحفظ على التدخل في أي صراع قد ينطوي على أبعاد دينية ومذهبية تتعارض مع العقيدة السياسية للمؤسسة. 2- الانقسامات الطائفية والمذهبية: فعلى الرغم من أن حوالي 80% من سكان إيران ينتمون للمذهب السني، فإن الأقلية الشيعية التي تمثل حوالي 20% باتت تتمتع بمكانة نافذة في المجتمع الإيراني، حيث تعد ثاني أكبر تجمع للشيعة عالمياً بعد إيران، وتتراوح أعدادهم وفق التقديرات الإيرانية بين 19 و25 مليون نسمة، ومن ثم تخشى الحكومة الباكستاني­ة عودة الصراعات المذهبية في الأقاليم الباكستاني­ة، لاسيما أن الفترة الممتدة منذ عام 2007 وحتى نهاية عام 2014 شهدت تصاعد عدد ضحايا الصراعات المذهبية في باكستان إلى حوالي 4000 مواطن وفق تقديرات تقرير معهد الولايات المتحدة للسلام الصادر في نوفمبر 2014.

ولا ينفصل ذلك عن تغير خريطة العنف الطائفي في باكستان بين السنة والشيعة، فبعدما اقتصرت مشكلات الصدامات الطائفية على منطقة كراتشي في الثمانينيا­ت والتسعينيا­ت، انتقلت الاشتباكات الطائفية إلى أقاليم أخرى تشمل "السند" و"البنجاب" و"بلوشستان" و"روالبندي"، التي تشهد اشتباكات متقطعة وأعمال عنف وحالات اختطاف على أسس طائفية ومذهبية؛ وهو ما دفع باكستان لتجنب الانخراط في أي صراع قد ينطوي على أبعاد مذهبية خوفاً من قيام إيران بتفجير الأوضاع الداخلية في باكستان وتوظيف الأقلية الشيعية في تهديد الأمن والاستقرار. 3- التحديات السياسية الداخلية: تواجه باكستان العديد من المشكلات الداخلية، ويأتي في مقدمتها كل من الملف الاقتصادي والملف الأمني. ففي الجانب الاقتصادي ثمة نقص حاد في الاحتياطي الفيدرالي مع وصول الديون الخارجية إلى

حوالي 55 مليار دولار، وتبلغ نسبة البطالة حوالي 13،% ويبلغ معدل الفقر نحو 25%، وثمة أزمة في قطاع الطاقة تسعى الحكومة الحالية إلى حلها، فضلاً عن الفساد المالي والإداري الذي استنزف المليارات من الدولة ومؤسساتها، وهو ما يرتبط بحالة عدم الاستقرار السياسي والاحتجاجا­ت السياسية المناوئة للحكومة الباكستاني­ة، والتي وصلت إلى حد تطويق مقار الحكومة الباكستاني­ة والمطالبة باستقالة رئيس الحكومة في سبتمبر 2014 احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية.

وعلى المستوى الأمني فقد أدى مقتل زعيم الحركة حكيم الله محسود في نوفمبر 2013 في غارات أمريكية باستخدام الطائرات من دون طيار إلى تعطيل الحوار مع بعض الفصائل الإسلامية المسلحة، وأجج مجدداً التوتر بين الحكومة والمسلحين. ومع التقليص التدريجي لقوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان، من المرجح أن تتصاعد وتيرة التهديدات الأمنية للاستقرار في باكستان. 4- الحرب على الإرهاب: لا يمكن لباكستان القيام بدور عسكري واسع النطاق خارج حدودها في ظل انشغال المؤسسة العسكرية الباكستاني­ة في حرب واسعة النطاق على التنظيمات الإرهابية، خاصةً طالبان باكستان، حيث تلتزم المؤسسة العسكرية وفق قرارات الحكومة بنشر حوالي 30% من وحداتها في المناطق الحدودية مع أفغانستان حتى نهاية عام 2019 في إطار خطة حكومية طويلة الأمد لمحاربة تنظيم طالبان باكستان.

ويرتبط ذلك بتوسع عمليات حركة طالبان خلال الآونة الأخيرة، والتي كان منها استهداف كنيستين في مدينة لاهور الباكستاني­ة في منتصف مارس 2015؛ ما أسفر عن مقتل 15 شخصاً، فضلاً عن قيامها بعمليات إرهابية نوعية استهدفت مناطق تمركز القوات المسلحة والشرطة في إقليم وزيرستان في إطار انتقالها من الأطراف إلى قلب الدولة الباكستاني­ة.

خام�ساً: مرتكزات العلاقات الباك�ستانية الخليجية

لم يكن استدعاء المملكة العربية السعودية للدور الباكستاني في إطار عملية "عاصفة الحزم" لمواجهة تمدد الحوثيين في اليمن سوى امتداد للعلاقات الوثيقة التي تربط دول مجلس التعاون الخليجي بباكستان على مدار فترة تاريخية ممتدة، حيث تستند العلاقات الاستثنائي­ة بين باكستان ودول مجلس التعاون الخليجي على عدة ركائز يتمثل أهمها فيما يلي: 1- الخبرة التاريخية: إذ لم تنقطع العلاقات الوثيقة بين باكستان ودول مجلس التعاون الخليجي، لاسيما السعودية، إذ تمتد الشراكة العسكرية بين البلدين إلى ما قبل عام 1969 حينما شاركت القوات الجوية الباكستاني­ة مع نظيرتها السعودية خلال "حرب الوديعة" التي نشبت بين السعودية و"جمهورية اليمن الديمقراطي­ة الشعبية". واكتسبت هذه العلاقات زخماً متصاعداً خلال الحرب السوفييتية على أفغانستان في نهاية سبعينيات القرن الماضي وتلاقي مصالح الطرفين في دعم الأطراف الأفغانية المناوئة للغزو السوفييتي. كما دعمت باكستان مواقف المملكة العربية السعودية خلال حرب الخليج الثانية وتضامنت معها عسكرياً في مواجهة التهديدات الحدودية، حيث رصدت بعض المصادر مشاركة باكستان في التحالف الدولي لتحرير-الكويت بحوالي 13 ألف جندي و6000 من المدربين العسكريين.

وعقب فرض العقوبات الدولية على باكستان على أثر إعلانها عن امتلاكها للسلاح النووي عام 1998، أمدت المملكة باكستان بما يقارب 50 ألف برميل من النفط يومياً للمساعدة على التغلب على العقوبات الاقتصادية الدولية، فضلاً عن استضافة المملكة نواز شريف رئيس الوزراء الباكستاني الحالي عقب الانقلاب العسكري عليه في نهاية تسعينيات القرن الماضي، والذي قاده الرئيس الباكستاني الأسبق برويز مشرف. كما قامت السعودية بجهود للوساطة بين الفرقاء السياسيين في باكستان عقب صعود برويز مشرف لسدة الحكم، مما يعكس عمق العلاقات الشخصية بين النظام الباكستاني الحالي والمملكة العربية السعودية.

ولا ينفصل ذلك عن العلاقات المجتمعية الوثيقة بين باكستان ودول مجلس التعاون الخليجي والروابط وثيقة الصلة بين بعض التيارات السياسية والدينية والمملكة العربية السعودية بصفة خاصة، حيث ترتبط المدرسة الحنفية الأكثر انتشاراً في باكستان بعلاقات وثيقة مع علماء السعودية، ويبلغ عدد المدارس الدينية التي تدين بالولاء لهذا التيار الديني حوالي 14 ألف مدرسة، ويتجاوز عدد طلابها خمسة ملايين طالب، وتقوم هذه المدارس بأدوار إغاثية وخيرية وتعليمية.

كما يُعد التقارب الديني والحضاري من أهم دعائم العلاقات الباكستاني­ة الخليجية، فباكستان ثاني أكبر دولة مسلمة من حيث التعداد السكاني بعد إندونيسيا، وتبلغ نسبة المسلمين في باكستان 96.5%، ولا توجد في باكستان مشكلة مذهبية كبيرة بين السنة والشيعة. وتشير التقديرات إلى أن عدد المسلمين السنة يتراوح بين 80% إلى 90%، فيما يبلغ عدد الشيعة ما بين 10% و20% من إجمالي عدد السكان. 2- التبادل التجاري: تعد دول مجلس التعاون الخليجي من الشركاء التجاريين الأكثر أهمية لباكستان بالمقارنة بدول الجوار كافة. وعلى سبيل المثال، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين باكستان ودولة الإمارات في نهاية عام 2014 حوالي 9 مليارات دولار، سجلت منها صادرات باكستان للإمارات ما قيمته 1.75 مليار دولار، فيما بلغت واردات باكستان من الإمارات ما قيمته 7.3 مليار دولار، ما يجعل الميزان التجاري يميل لصالح الإمارات، ويضاف إلى ذلك وجود ما

لا يمكن اعتبار شبكة المحاور الإقليمية لباكستان "تحالفات" وفقاً للأسس التي وضعتها مقولات منظري المدرسة الواقعية، وذلك نظراً لافتقاد هذه العلاقات لتعريف مشترك للتهديدات وعدم وجود التزامات تعاقدية واضحة، وهو ما يفسر كيف تؤدي المحددات الداخلية والتهديدات الإقليمية لباكستان إلى تذبذب موقفها أحياناً.

لا يقل عن 2000 شركة باكستانية في المنطقة الحرة في عجمان بنسبة نمو تصل إلى حوالي 20% سنوياً.

ووصل مستوى التبادل التجاري بين باكستان والمملكة العربية السعودية حوالي 3.94 مليار دولار بنهاية عام 2014، حيث بلغت صادرات المملكة إلى باكستان حوالي 3.46 مليار دولار، وبلغت نسبة الواردات من باكستان حوالي 0.49 مليار دولار. كما تسعى باكستان لجذب الاستثمارا­ت من دول مجلس التعاون الخليجي عبر منح تسهيلات استثنائية للمستثمرين، مثل منح تسهيلات في تملك الأراضي الزراعية والعقارات والمنشآت التجارية والصناعية والإعفاءات الجمركية والضريبية بهدف توسيع قاعدة الاستثمارا­ت الأجنبية في باكستان. 3- العمالة الباكستاني­ة: تستقطب دول مجلس التعاون الخليجي أكبر أعداد العمالة الباكستاني­ة بالخارج، حيث يبلغ عدد العمالة الباكستاني­ة في دول مجلس التعاون الخليجي وفق أقل التقديرات حوالي 1.98 مليون عامل باكستاني بنسبة 13.1% من إجمالي العمالة الأجنبية في دول المجلس، ويصل إجمالي التحويلات المالية للعمالة الباكستاني­ة حوالي 6.8 مليار دولار سنوياً تمثل حوالي 9.8% من إجمالي التحويلات الأجنبية للعمالة الوافدة بدول مجلس التعاون الخليجي وفق أقل التقديرات الصادرة عن البنك الدولي، وتسعى باكستان للحفاظ على تدفقات العمالة الباكستاني­ة إلى دول المجلس عبر تعزيز العلاقات الاقتصادية المشتركة. 4- المساعدات الإغاثية: تعد باكستان من أكثر الدول النامية تلقياً للمساعدات الاقتصادية والإغاثية من دول مجلس التعاون الخليجي، حيث ساهمت دول مجلس التعاون الخليجي بقوة في رفع المعاناة عن سكان باكستان خلال الفيضانات المدمرة التي ضربت شمال غرب باكستان في منطقتي البنجاب وخيبر بختونخوا في أكتوبر 2010 وعقب زلزال بلوشستان المدمر في سبتمبر 2013.

ووفق التقرير الصادر عن "المشروع الإماراتي لمساعدة باكستان"، فإن دولة الإمارات قدمت خلال ثلاث سنوات ما لا يقل عن 300 مليون دولار لتنفيذ مشروعات إغاثية وإعادة إعمار البنية التحتية وتقديم المساعدات الإنسانية في المناطق التي دمرتها الفيضانات منذ عام 2010، وفي السياق ذاته قدمت السعودية مساعدات للمتضررين في زلزال بلوشستان تبلغ قيمتها 100 مليون دولار شملت مواد إغاثية في إطار جسر إغاثي أسسته المملكة لدعم الشعب الباكستاني. كما قدمت المملكة مساعدات اقتصادية لحكومة نواز شريف تبلغ قيمتها حوالي 1.5 مليار دولار في 16 مارس 2014 لمواجهة التعثر الاقتصادي وتصاعد احتجاجات المعارضة الباكستاني­ة على تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعي­ة. 5- التنسيق العسكري: تعد العلاقات الباكستاني­ة مع دول مجلس التعاون الخليجي ذات طبيعة استثنائية بالنظر إلى اعتبار بعض دول المجلس أن باكستان تعد من أهم الشركاء العسكريين الإقليميين في مواجهة إيران، إذ اعتادت باكستان المشاركة بقوة في مناورات تدريبية مشتركة مع دول مجلس التعاون الخليجي بصورة دورية على غرار "مناورات الصقور" التي تجري بصورة دورية بين القوات الجوية الباكستاني­ة والسعودية، وبمشاركة بعض دول مجلس التعاون الخليجي، ومناورات "نسيم البحر" بين القوات البحرية الباكستاني­ة وبعض دول مجلس التعاون الخليجي.

وقبل إعلان المملكة العربية السعودية وقوات التحاف القيام بهجمات عسكرية في اليمن ضد انقلاب الحوثيين وأنصار الرئيس السابق علي عبدالله صالح، أجرت القوات الباكستاني­ة والسعودية تدريباً عسكرياً مشتركاً في 22 مارس 2015، شهد مشاركة القوات الخاصة بالجيش الباكستاني مع "قوة الواجب" من القوات البرية السعودية في تدريبات "الصمصام 5" في جولتها الخامسة، والتي تركز على إدارة المعارك في البيئات الجبلية الصعبة والتكامل بين القوات البرية والجوية في العمليات العسكرية.

وقبل هذه التدريبات العسكرية شهدت المملكة زيارة رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف في مطلع مارس 2015، وهي الزيارة التي سبقتها زيارات متتابعة لمسؤولين عسكريين باكستانيين كان أهمها زيارة الجنرال رشيد محمود سلمان رئيس الأركان الباكستاني ولقائه الملك سلمان بن عبدالعزيز في فبراير 2015.

وتمتد العلاقات العسكرية بين باكستان والسعودية إلى ستينيات القرن الماضي في إطار برامج التدريب المشترك للقوات الجوية في الدولتين، وتطورت هذه العلاقات لتشمل تبادل الخبرات في المجالات التقنية ودعم السعودية للصناعات الدفاعية الباكستاني­ة من خلال شراء دبابات "الخالد" التي تقوم بتصنيعها باكستان بدعم من المملكة العربية السعودية.

وفي السياق ذاته، تصاعد الجدل الدولي حول سعي المملكة العربية السعودية للحصول على أسلحة نووية في مواجهة إيران، حيث نشرت صحيفة صنداي تايمز البريطانية في 17 مايو 2015 تقريراً عن سعي الرياض للحصول على أسلحة نووية جاهزة للاستخدام من باكستان، وذلك على خلفية زيارة الأمير محمد بن سلمان وزير الدفاع السعودي إلى باكستان في الشهر نفسه، واستدلال بعض وسائل الإعلام الأمريكية بتصريحات سابقة لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير في مارس 2015 حينما كان سفيراً للمملكة في الولايات المتحدة

حول عدم استبعاده "سعي المملكة للحصول على أسلحة نووية في مواجهة إيران إذا أصبح لدى الأخيرة قدرات عسكرية نووية".

وفي عام 2008 أكد بروس رايدل الباحث بمؤسسة بروكنجز على وجود برامج عسكرية للتعاون العسكري بين باكستان والسعودية تمتد لسعي المملكة لاكتساب قدرات غير تقليدية على مستوى استحداث برنامج لتطوير الصواريخ الباليستية والإفادة من الخبرات الباكستاني­ة في هذا الصدد لمواجهة طهران، بينما أكدت مؤسسات بحثية أمريكية على وجود تعاون عسكري بين السعودية وباكستان في المجال النووي في إطار سعي المملكة لاكتساب قدرات نووية لموازنة التقدم في البرنامج النووي الإيراني.

�ساد�ساً: موؤ�سرات التحول في ال�سيا�سات الاإقليمية الباك�ستانية

لم يكن الموقف الباكستاني الملتبس من عملية عاصفة الحزم التي قادتها المملكة العربية السعودية سوى تعبير عن التحولات الداخلية الضاغطة التي دفعت نحو اتخاذ موقف محدد بصدد التحالفات الإقليمية لباكستان، فعلى الرغم من تصريحات رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف حول أن أي تهديد لوحدة وسيادة المملكة العربية السعودية سيثير "رداً قوياً من باكستان"؛ فإن البرلمان الباكستاني قرر بالإجماع في 10 أبريل 2015 "التزام الحياد" تجاه الأوضاع العسكرية في اليمن، داعياً إلى وقف إطلاق النار، وفي المقابل أكد قرار البرلمان على استعداد باكستان لتقديم الدعم التام للمملكة العربية السعودية في حالة وجود تهديدات مباشرة لوحدة التراب السعودي، إلا أنهم دعوا لاتخاذ قرار بوقف إطلاق النار.

وقد تزامن قرار البرلمان الباكستاني مع زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى باكستان وممارسته ضغوطاً قوية على الحكومة الباكستاني­ة لتجنب المشاركة في عملية عاصفة الحزم في اليمن، مما يكشف مدى قدرة إيران على التأثير بقوة في المواقف الباكستاني­ة في ظل امتلاك إيران أوراقاً ضاغطة على صانع القرار الباكستاني تتمثل في إمكانية فرض غرامات تأخير على باكستان نتيجة عدم اكتمال خط الغاز المشترك بين الدولتين وقدرة إيران على تأجيج الصراعات المذهبية في باكستان.

وفي المقابل سعت باكستان للحفاظ على العلاقات الوثيقة مع دول مجلس التعاون الخليجي من خلال تبني موقف داعم لأمن الخليج، وهو ما تجلى في الاجتماع العاجل لمجلس الوزراء الباكستاني عقب انطلاق عاصفة الحزم الذي توصل لقرار بإرسال وفد عسكري باكستاني رفيع المستوى للمملكة يضم وزير الدفاع خواجه آصف ومستشار رئيس الوزراء للشؤون الأمنية والخارجية سرتاج عزيز وعدد من الضباط لزيارة المملكة للتشاور مع القيادة السعودية وتقييم الأوضاع على حد تعبير بيان مجلس الوزراء الباكستاني.

وفي السياق ذاته فإن تصريحات وزير الدفاع الباكستاني خلال زيارته للرياض بمصاحبة مستشار الأمن القومي سرتاج عزيز قد انطوت على تأكيد صريح على العلاقات الوثيقة بين باكستان والمملكة العربية السعودية وأن باكستان تتضامن مع المملكة ضد أي تهديد لسلامة أراضيها، إلا أن مخاوف تفجر توترات طائفية داخلية، والضغوط الإيرانية، ومواقف النخب والمؤسسة العسكرية التي غلب عليها التحفظ ظلت عائقاً أمام تطور المواقف الباكستاني­ة إلى المشاركة الفعلية في التحالف الدولي بقيادة المملكة العربية السعودية.

ويمكن في هذا الصدد رصد التقارب في المواقف بين باكستان وتركيا تجاه تحولات الأوضاع في مصر والإعراب عن دعم باكستان بصورة معلنة لقيادات "جماعة الإخوان المسلمين" التي تصنف كجماعة إرهابية محظورة في بعض دول مجلس التعاون الخليجي، حيث أصدرت وزارة الخارجية الباكستاني­ة بنهاية مايو 2015 بياناً رسمياً ينص على "استنكار قرار الإعدام الصادر من القضاء المصري بحق 100 شخص من بينهم الرئيس المصري السابق محمد مرسي"، وتضمن البيان الإعراب عن "القلق العميق من هذا الوضع وضرورة اتخاذ خطوات لتحقيق العدالة والرحمة بالسجناء السياسيين".

وأعقبت هذا البيان تصريحات لوزير الداخلية الباكستاني "نزار علي خان" يصف قرارات الإعدام الصادرة من القضاء المصري بما أسماه "المأساة" و"الوضع المؤلم"، وهو ما احتجت عليه وزارة الخارجية المصرية بصورة رسمية من خلال استدعاء القائم بأعمال سفارة باكستان في القاهرة، حيث تم إبلاغه بالرفض المصري للبيان الصادر من وزارة الخارجية الباكستاني­ة، واعتبار البيان تدخلاً في الشؤون الداخلية لمصر وتعليقاً على أحكام القضاء المصري.

ومن ثم يكشف رصد مجمل المواقف الباكستاني­ة عن بوادر لتوجهات باكستانية مبدئية وغير مكتملة للانضمام لمحور إقليمي جديد يضم باكستان وإيران وتركيا يقوم على التنسيق بين مواقف الأطراف الثلاثة وتبادل المصالح الاقتصادية والتنسيق في المواقف السياسية.

خاتمة

على الرغم من مركزية الدور الباكستاني في شبكة المحاور الإقليمية المتقاطعة في القارة الآسيوية والتزاماته­ا المتعددة في إطار الحرب على الإرهاب وحفظ التوازن الإقليمي بين الصين والهند ودعم أمن الخليج العربي؛ فإن برجماتية السياسة الباكستاني­ة أدت إلى تحملها التزامات متعارضة نتيجة الاختلال في إدارة العلاقات مع "الحلفاء الخصوم"، وتركيز باكستان على الأبعاد المصلحية في تحالفاتها الإقليمية.

وفي هذا الإطار تكشف المراجعة النظرية عن أسس بناء وتغير التحالفات أن المواقف الباكستاني­ة من التحولات الإقليمية تتسم بكونها ذات طابع مرحلي غير مستقر، نتيجة للتحولات المتلاحقة في الداخل الباكستاني منذ انهيار حكم الرئيس السابق برويز مشرف وتغير أنماط العلاقات المدنية العسكرية في باكستان تحت ضغط الولايات المتحدة من مشاركة المؤسسة العسكرية مباشرة في السلطة عبر آليات الاندماج السياسي العسكري إلى التأثير غير المباشر في عملية صنع القرار.

ومن هذا المنطلق يمكن تفسير الموقف الباكستاني من

عملية عاصفة الحزم في اليمن والتحولات الإقليمية التي تبعتها بعدة اعتبارات، يتمثل أهمها في تغير العقيدة العسكرية للجيش الباكستاني وتغير تحالفاته الداخلية باتجاه تعزيز التحالفات مع بعض المدارس الصوفية والشيعية في مواجهة المدارس السنية السلفية الداعمة لحركة طالبان، والمخاوف الباكستاني­ة من تفاقم الصراعات الطائفية والمذهبية، فضلاً عن وجود بوادر لتشكل محور إقليمي يضم كلاً من إيران وتركيا وباكستان، يستند على دعم اقتصادي قوي من جانب الصين وتركيز باكستان على محاربة الإرهاب على أراضيها.

ويرتبط ذلك باختلاف تعريف التهديدات لدى الطرفين، فبينما تعتبر دول مجلس التعاون الخليجي التوسعات الإقليمية لإيران تهديداً مباشراً للأمن والاستقرار بها، فإن باكستان ترتبط بعلاقات شراكة اقتصادية واستراتيجي­ة مع إيران وتسعى للحفاظ على استقرار علاقاتها بها، فضلاً عن تركيز العقيدة العسكرية الباكستاني­ة على التهديدات الإرهابية باعتبارها الأكثر خطورة في مقابل تدني الاهتمام بتداعيات التوسعات الإقليمية لإيران باستثناء ما يتعلق بالتهديدات الحدودية المباشرة.

أخيراً، لا يمكن اعتبار شبكة المحاور الإقليمية لباكستان "تحالفات" وفقاً للأسس التي وضعتها مقولات منظري المدرسة الواقعية بروافدها الكلاسيكية والجديدة، وذلك نظراً لافتقاد هذه العلاقات لتعريف مشترك للتهديدات وعدم وجود التزامات تعاقدية واضحة على أطرافها للتضامن في مواجهة التهديدات الخارجية، وهو ما يجعل المحاور الإقليمية لباكستان أقرب لمفهوم التحالفات المرنة القائمة على تلاقي المصالح مرحلياً وبصورة قطاعية دون وجود التزامات تعاقدية ذات تكلفة يتحملها الشركاء في مواجهة التهديدات الخارجية.

 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates