Trending Events

إخفاق المتوسطية؟:

تحديات تطوير العلاقات الأوروبية المغاربية عبدالسلام رزاق

- عبدالسلام رزاق باحث في الإعلام السياسي وقضايا حوض المتوسط

أدت التطورات التي شهدتها المنطقة المغاربية في أعقاب الربيع العربي، إلى زيادة التهديدات الأمنية، التي تواجه دول الاتحاد الأوروبي، خاصة فيما يتعلق بتنامي نشاط الجماعات الإرهابية وجماعات الجريمة المنظمة، فضلاً عن موجات الهجرة غير الشرعية، خاصة في ضوء عجز أي من الاتحاد الأوروبي أو الدول المغاربية عن مواجهتها.

وتهدف هذه المقالة إلى الإشارة إلى التحولات التي طالت الأجندة الأوروبية سياسياً وأمنياً في المنطقة المغاربية منذ اندلاع أحداث الربيع العربي، وحتى الآن، بالإضافة إلى الإشارة إلى أهم التهديدات التي تهدد الأمن الأوروبي، والنابعة من منطقة المغرب العربي، والتي تتمثل في تدفق اللاجئين غير الشرعيين وتنامي خطر الجماعات الإرهابية في دول جنوب المتوسط.

اأولاُ: التحولات التي ت�سهدها المنطقة المغاربية

على الرغم من تباين المواقف المعرفية والسياسية حيال ما يُعرف في الأدبيات السياسية العربية اليوم ب "ظاهرة الربيع العربي"، وبصرف النظر عن النتائج المرحلية المتحققة في هذا البلد أو ذاك، فإن المُحصلة هي أن الدول العربية تعيش منذ خمس سنوات في دينامية سياسية واجتماعية لم تعرفها منذ خمسينيات القرن الماضي مع بداية مرحلة الاستقلال، وقد أثرت هذه الدينامية بصورة متفاوتة في المجتمعات العربية من المحيط إلى الخليج. وأوضحت هذه الدينامية أن دول العالم العربي تعيش في قلب "معادلة جيوسياسية" جديدة)1)، وأن هذه الدول تشهد تحولات يصعب تحديد معالمها في الوقت الراهن، مادامت الأحداث تتواصل وتتفاعل تبعاً لتعدد الفاعلين السياسيين، ومصالح الدول العربية المعنية في علاقتها بمحيطها الإقليمي وسيناريوها­ت القوى الدولية في المنطقة. ولم تقتصر محددات هذه المعادلة فقط على إعادة النظر في المعطيات القديمة داخل الحدود الجغرافية المعلومة لدول الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، بل إن تأثيراتها طالت دول الضفة الشمالية، عبر أشكال متعددة، الأمر الذي أفضى إلى رسم معالم "نظام إقليمي متغير" في حوض المتوسط يتحرك وفق مجموعة من التفاعلات السائلة والمسارات المرتبكة) 2 ).

وإذا كانت دول جنوب حوض البحر المتوسط)3( خاصة الدول المغاربية الخمس تحاول تدبير أمورها السياسية والأمنية والاقتصادي­ة في ظل أوضاع تتأرجح بين حالة عدم الاستقرار نتيجة ارتفاع مستويات الانفلات الأمني، وغياب التوافقات السياسية اللازمة حول مشروع سياسي جديد، وبين حالة الاستقرار النسبي والمرحلي، فإن هذه

الدول تشهد تنازعاً سياسياً بين مشروع يسعى لديمومة هيمنة المنظومة الأوروبية الموروثة من الحرب العالمية الثانية في أعقاب اتفاقية "سايكس بيكو" الأنجلو فرنسية، وبين مساع مرتبطة بفاعلين اجتماعيين وسياسيين جدد شكلوا بصورة أو بأخرى "قوى شعبية ومجتمعية زاحفة" تسعى للتمرد على هذا المشروع)4،( وذلك في الوقت الذي ظلت فيه الأنظمة المغاربية غائبة أو عاجزة عن المشاركة في صياغة المستقبل السياسي والأمني للمنطقة.

وإذا ما حاولنا اكتشاف محددات الأجندة الأوروبية في المنطقة المغاربية منذ عقد التسعينيات وحتى العقد الأول من الألفية الجديدة، نجد أن صانعي السياسة الأوروبية اعتمدوا على العناصر التالية: • اعتماد شراكات اقتصادية مع الدول المغاربية بصورة منفصلة، في ملفات محددة، ومشروطة باعتبارات سياسية وحقوقية تشمل تعزيز الديمقراطي­ة والحكم الرشيد وحقوق الإنسان، مع التغاضي عن هذه الاعتبارات، شريطة الاستجابة الطوعية لخدمة المصالح الأوروبية الحيوية بالمنطقة. • التعامل مع الدول المغاربية باعتبارها حديقة خلفية، وجداراً واقياً لصد الهجمات الإرهابية، والأهم من ذلك استباق تلك الهجمات قبل وصولها إلى لأراضي الأوروبية. • محاربة كافة أشكال الهجرة غير الشرعية، ومنع المهاجرين غير الشرعيين بكل الطرق من الوصول إلى الأراضي الأوروبية، غير أن أحداث الربيع العربي ضربت أغلب تلك الاتفاقات الاقتصادية والسياسية، كما أنها أثبتت فشل التنسيق الأمني بين الطرفين، وبالتالي وجدت دول المنطقة نفسها بالكامل أمام نظام إقليمي متغير في منطقة المغرب العربي تشهد دوله تحولات متسارعة، والتي تتمثل فيما يلي: • تغير جذري في بنية النظام ومؤسسة الحكم وانهيار كامل لمؤسسات الدولة في الحالة الليبية، فضلاً عن دخول البلاد في موجات من التناحر المذهبي. • التحول نحو شكل من أشكال الديمقراطي­ة غير المستقرة في الحالة التونسية، جراء الاستقطابا­ت السياسية والأيديولو­جية، فضلاً عن تصاعد وتيرة التهديدات الإرهابية. • إصلاحات تدريجية تقوم على تقديم تنازلات مدروسة عن صلاحيات الملك لاحتواء مطالب المعارضة، كما في المغرب. • استمرار هيمنة التحالفات الإثنية والقبلية مع المؤسسة العسكرية، لتامين الاستقرار الداخلي، كما في الحالة الموريتاني­ة. • جمود نسبي في المشهد السياسي الجزائري بسبب عجز قوى المعارضة عن طرح بديل يتمتع بالتأييد الشعبي، ونجاح السلطة في تحقيق قدر من الأمن الاجتماعي.

وعلى الرغم من هذه التحولات، فإن السمة الأساسية لهذا النظام الإقليمي الفرعي العربي، مثله مثل بقية الأنظمة الإقليمية الفرعية العربية في منطقة الشرق الأوسط والخليج، هو أنه ظل يعاني من "غياب قوة إقليمية مركزية" قادرة على التأثير في تفاعلات الأحداث وقواعد اللعبة الجديدة في كل إقليم على حدة.

ثانياً: اإخفاق تام في مواجهة الهجرة غير ال�سرعية

أكدت المنظمة العالمية للهجرة أن ثلاثة آلاف مهاجراً غير شرعي غرقوا في المتوسط خلال العام 2014، كما أن عدد الذين غرقوا في البحر المتوسط في الفترة من يناير – أبريل 2015 بلغت 18 ضعف أولئك الذين غرقوا في نفس الفترة من العام الماضي، كما أن عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين وصلوا إلى إيطاليا خلال التسعة عشر أيام الأولي من مايو 2015 بلغ حوالي 12.400 فرد(5،( كما يقيم حوالي 13 ألف مهاجراً غير شرعي أغلبهم من تونس وليبيا والمغرب ومصر وسوريا ودول جنوب الصحراء)6( في مراكز الإيواء بجزيرة صقلية الإيطالية.

ونظراً لهذه الزيادة في أعداد المهاجرين غير الشرعيين، وارتفاع عدد من يموت منهم غرقاً في البحر المتوسط، اضطر الاتحاد الأوروبي لعقد مؤتمر استثناني لبحث القضية واتخاذ تدابير توازي حجم الكارثة، لكن المفارقة تمثلت في أن مخرجات القمة الأوروبية لم تتجاوز سقف اعتماد تدابير مالية جديدة لمساندة دول جنوب المتوسط لوقف موجات المهاجرين، بالإضافة إلى اعتماد مزيد من التدابير والإجراءات الأمنية في المياه الإقليمية الأوروبية.

ويأتي ذلك في الوقت الذي تؤكد فيه الإحصائيات، السابق الإشارة إليها، مرة أخرى فشل المقاربة الأمنية الأوروبية المعتمدة في التعاطي مع هذه الملف، فوكالة أمن الحدود الأوروبية الخارجية "فرونتاكس" (Frontexe) التي تأسست في العام 2004، والمعنية بمراقبة الحدود الدولية للدول أعضاء الاتحاد، وتنسيق أنشطة قوات حرس الحدود الوطنية لضمان تأمين حدود الاتحاد مع الدول غير الأعضاء، فشلت في الحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية، والتي تفاقمت بصورة كبيرة منذ أحداث الربيع العربي.

وبالإضافة إلى ما سبق، لم تنجح "العملية تريتون" (Operation Triton )، التي بدأتها وكالة فرونتاكس في نوفمبر 2014، في الحد من الهجرة غير الشرعية، نظراً لأن عملية المراقبة لا تتجاوز 30 ميلاً بحرياً من المياه الإيطالية، وهو ما دفع بالسلطات الإيطالية لطلب تفويض من دول الاتحاد لإغراق سفن المهاجرين غير الشرعيين عند انطلاقتها من السواحل الليبية(7 ).

ومن جهة أخرى، يصر الاتحاد الأوروبي على تعميم صفة "المهاجر غير شرعي" على كل الساعين للالتحاق بأوروبا بصورة غير قانونية، ودونما تمييز بين اللاجئين لأسباب سياسية وإنسانية وبين المهاجرين غير الشرعيين.

ويمكن إرجاع هذه الزيادة الرهيبة في أعداد اللاجئين إلى اختلاف الواقع الإقليم الذي تطور في أعقاب الربيع العربي، عن الفترة السابقة عليه، فساسة الدول المغاربية الذين عبروا في السابق عن صعوبة القيام بدور "شرطة الحدود" التي

يجب أن تصد جحافل المهاجرين سواء من الدول المغاربية، أو من دول جنوب الصحراء، وجدوا اليوم أنفسهم يؤكدون استحالة القيام بهذا الدور لاعتبارات موضوعية ترتبط بغياب مقومات الدولة في ليبيا، والصعوبات الاقتصادية والسياسية التي تواجه باقي الدول.

تؤكد تداعيات ملف الهجرة غير الشرعية في حوض المتوسط أن الأمر لا يتعلق بفشل جزئي لهذا الطرف أو ذاك في قضية تتداخل فيها الأبعاد الاقتصادية بالسياسية بالأمنية، بل إنها تُفصح عن فشل مشروع الشراكة الأورومتوس­طية(8)، واتفاقية برشلونة والتي نصت على "بناء فضاء أورومتوسطي يضمن حرية تنقل المسافرين والسلع ورؤوس الأموال بين ضفتي المتوسط، أي بين 28 بلداً أوروبياً و12 بلداً جنوب المتوسط"( 9 ).

ويظل الدور الأوروبي عموماً والفرنسي والبريطاني منه على وجه التحديد عاجزاً عن التعامل مع التطورات الإقليمية، التي أعقبت الربيع العربي، خاصة إسقاط نظام معمر القذافي، وما تبعه من انتفاء مقومات الدولة والسلطة بليبيا.

وما يزيد من إرباك الاتحاد الأوروبي هو غياب تصور واضح للأدوار الجديدة للاتحاد في الفضاء المتوسطي الجديد، الذي مازال بعض دوله يعاني من اضطرابات وحروب جاهلية كليبيا وسوريا، فضلاً عن الانفلات الأمني، الذي تعاني منه بعض الدول الأخرى، بالإضافة إلى معاناة الاتحاد من مشاكل داخلية ترتبط بالانقسام بين الدول التي تطالب بالانتقال إلى الإطار الفيدرالي الشامل، وبين التيارات التي تدعو بالعودة لسيادة الدولة الواحدة، وذلك ارتباطاً بأزمة اليورو والأزمات الاقتصادية في اليونان والبرتغال وإسبانيا.

ثالثاً: ت�ساعد خطر التنظيمات الاإرهابية

تمثل الجماعات الإسلامية المسلحة جنوب المتوسط والصحراء الكبرى، من وجهة النظر الأوروبية، أكبر خطر يتهدد المصالح الحيوية في حوض المتوسط، وبالتالي فإن دول الاتحاد ترفض التعامل مع هذه الجماعات سوى من خلال القبضة الأمنية ولغة السلاح، خاصة "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" (الجماعة السلفية للدعوة والقتال بالجزائر سابقاً)، والجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، وتنظيم "داعش" في ليبيا والجماعات السلفية الجهادية في المغرب، وذلك نظراً لما قامت به من عمليات إرهابية استهدف بعضها الدول العربية، في حين استهدف البعض الآخر الدول الأوروبية.

وقد شكّل تحوّل الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، مرحلة مفصلية في تحوّل عمل الجماعات المسلحة في حوض البحر المتوسط والصحراء الكبرى، حيث تم الانتقال من مواجهة الحكومة الجزائرية، إلى العمل المسلح ضد الأجانب، سواء كان ذلك داخل التراب الجزائري أو خارجه. وذلك في اتساق كامل مع دعوة تنظيم القاعدة لتعميم مفهوم "الجهاد العالمي"، وهو ما شكل إطاراً جاذباً لاستقطاب وتجنيد مسلحين من جنسيات مغاربية وأفريقية.

وقد تزامن هذا التطور مع شروع هذه التنظيمات في خطف الرهائن الأجانب وطلب الفدية خياراً تكتيكياً لإيجاد موارد جديدة لتمويل عملياته الإرهابية، كالهجوم المسلح، الذي شنّته جماعة "الموقعون بالدماء"، المنشقة عن تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، في يناير 2013 على محطة تكرير الغاز الطبيعي في منطقة "عين أمناس" جنوب غرب الجزائر، إذ قاموا باحتجاز 650 شخصاً بينهم 150 ينتمون لجنسيات غربية مختلفة.

ورفع التنظيم مجموعة من المطالب للحكومة الجزائرية والحكومات الغربية، خاصة أن فرنسا تضمنت المطالبة بإطلاق سراح جميع المعتقلين الإسلاميين في السجون الجزائرية، والمطالبة بفدية مالية من أجل إطلاق سراح الرهائن، والتأكيد على أن العملية تمثل رد "فعل انتقامي" ضد التدخل الفرنسي في مالي، فضلاً عن المطالبة بإجلاء جميع القوات الأوروبية من الأراضي المغاربية ودول جنوب الصحراء.

وتمثل هذه العملية تحولاً ثانياً في استراتيجية عمل الجماعات المسلحة في المنطقة المغاربية، لأنها سجلت لحظة الانتقال من خيار احتجاز الرهائن والإفراج عنهم مقابل فدية، إلى استهداف المنشآت الاقتصادية الحيوية التي تمثل نقاط تقاطع المصالح الحيوية للدول الأوروبية ونظيرتها المغاربية، وقد كشف هذا التحوّل عن حقيقتين أساسيتين هما: تحول منطقة المغرب العربي ودول جنوب الصحراء الكبرى إلى حاضنة جديدة للعمليات المسلحة أو الإعداد لها، فضلاً عن تطابق في وجهات النظر بين الحكومات المغاربية ونظيرتها الأوروبية في تسوية ملفات الجماعات الإسلامية المسلحة عبر مقاربة أمنية خالصة.

أما الهجوم الإرهابي الذي استهدف صحيفة "شارلي إيبدو" الساخرة وسط العاصمة الفرنسية يوم 7 من يناير 2015، فقد مثّل تحولاً ثالثاً في عمل الجماعات المسلحة في حوض المتوسط، إذ لا يرتبط الأمر بتفجيرات على شاكلة تفجيرات مدريد 2004، أو تفجيرات لندن 2005، بل بعملية تم الترتيب لها من الخارج، لتنفذ في عُمق الأراضي الأوروبية.

فقد قام الإخوان سعيد وشريف كواشي في يناير 2015، باقتحام الصحيفة المعروفة برسوماتها الكاريكاتو­رية المسيئة لشخص الرسول وعدائها المعلن للإسلام، وقاما بقتل 12 شخصاً، وعلى الرغم من أن العملية تمت تغذيتها بالمواقف المتطرفة للجريدة)10،( فإن التقارير الأمنية التي تحدثت عن تلقي أحد الأخوين كواشي تدريبه في اليمن على يد عناصر القاعدة، فضلاً عن مبايعة أميدي كوليبالي لتنظيم "داعش" قبل تنفيذه هجوماً إرهابياً على متجر يهودي في باريس، والذي

يمكن إرجاع التنامي الكبير في العمليات الإرهابية، سواء في دول المغرب العربي أو في بعض الدول الأوروبية إلى حالة الفوضى والاضطرابا­ت، وانهيار المؤسسات الدولة في ليبيا منذ الإطاحة بنظام حكم معمر القذافي.

تزامن مع الاعتداء على الصحيفة الفرنسية يطرح الكثير من التساؤلات بشأن التنافس غير المعلن بين التنظيمين على حوض المتوسط(11 ).

ويمكن إرجاع هذا التنامي الكبير في العمليات الإرهابية، سواء في دول المغرب العربي أو في بعض الدول الأوروبية إلى حالة الفوضى والاضطرابا­ت، وانهيار المؤسسات الدولة في ليبيا منذ الإطاحة بنظام حكم معمر القذافي، إذ تحولت مساحة واسعة من الأراضي الليبية إلى ملاذ آمن للجماعات الإرهابية، في ظل غياب الدولة، فضلاً عن توفر كميات كبيرة من السلاح من مخازن السلاح التابعة للجيش الليبي السابق، وهو ما أثر بالسلب على دول الجوار المباشر، وتحديداً مصر وتونس والجزائر، فضلاً عن الدول المجاورة لهم، سواء في منطقة الساحل، أو في عمق الدول الأوروبية.

وكشفت تقارير أمنية عن وجود 40 ألف مسلح من جنسيات مختلفة ينشطون في الشرق الليبي لحساب القاعدة و"داعش"(12،( هذا في الوقت الذي أكدت فيه الأجهزة الأمنية المغربية في إحصاء رسمي لها وجود 1122 مواطناً مغربياً يقاتلون في تنظيم "داعش" على الحدود السورية – العراقية، فيما أكدت السلطات التونسية بدورها وجود 2500 تونسي يقاتلون في صفوف التنظيم. ويضاف إلى ذلك انضمام 2000 مقاتل أوروبي من أصول مغربية للانخراط في القتال مع عناصر تنظيم "داعش".

وتقدم الأرقام المعلنة صورة كاشفة عن الصعود المتسارع لتنظيم "داعش" في المنطقة المغاربية وحوض المتوسط ومنافسته لتنظيم القاعدة. وهو الأمر الذي تؤكده التقارير الأمنية والاستخبار­اتية الأوروبية، التي ترسم صورة قاتمة لمنطقة المغرب العربي باعتبارها المعركة القادمة ل"داعش" خاصة مع سعي التنظيم لإقامة "دولة الخلافة" في المغرب الإسلامي)13،( بل إن ذات التقارير ترجح أن تعلن "داعش" قريباً عن فرع لها في المغرب العربي يحمل تسمية "الدولة الإسلامية في المغرب الإسلامي" واختصاراً ب "دامس".

وهذا التوجه، يمكن تفسيره في ضوء سعي التنظيم لتقديم نفسه بديلاً عن تنظيم القاعدة شرقاً وغرباً، لاسيما بعد أن رفضت جبهة النصرة الموالية للقاعدة الانضواء تحته والعمل بإمرته في سوريا. أما التقارير الأوروبية، فتمضي في اتجاه أن خطر "داعش" لن يظل مقتصراً على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بل سيتسع ليشمل أوروبا عن طريق الإرهابيين الذين سافروا إلى سوريا والعراق، وتلقوا تدريبات على يد التنظيم، ويسعون لتنفيذ عمليات إرهابية في أوروبا(14).

وبصرف النظر عن المنظور المغاربي أو الأوروبي حيال التهديدات الإرهابية، إلا أن هناك اتفاقاً على ضرورة اتباع المقاربات الأمنية والعسكرية لمواجهة التنظيمات الإرهابية، سواء المرتبطة ب"داعش" أو القاعدة، وهو ما قد ينذر بتحول منطقة حوض المتوسط إلى فضاء خصب لنمو الإرهاب والإرهابيي­ن مستقبلاً.

خاتمة

بعد عقدين من الزمن من انطلاق الشراكة الأورومتوس­طية، تبدو الحصيلة اليوم فقيرة وغير مطمئنة لدول الشمال أو الجنوب على حد سواء، لاسيما أن هذه الشراكة ظلت محكومة بهاجس أمني واضح المعالم سواء تعلق الأمر بالمهاجرين غير الشرعيين أو بالجماعات الإسلامية المتطرفة. وتكشف التطورات الأخيرة في هذين الملفين عن تحولهما إلى خطر يهدد، ليس فقط أمن الاتحاد الأوروبي، ولكن كذلك أمن دول المغرب العربي. وأخيراً، فإن حالة التطابق الموجودة لدى الأنظمة الحاكمة في الدول المغاربية ودول الاتحاد الأوروبي على مستوى اعتماد المقاربة الأمنية كحل للمعضلتين زاد من تأزيم الوضع الأمني في المنطقة، إذ جعل المنطقة برمتها أمام تحديات سياسية وأمنية متداخلة لا تعترف بالحدود الجغرافية، وتبحث عن حلول شاملة في إطار نظام إقليمي يقوم على الندية والمصلحة المشتركة والمصير الواحد، وتجاوز مقولة الشمال والجنوب.

-1 Frederic Encel , Goepolitiq­ue du printemps Arab , :Paris) ,Puf ,(2014 .pp 17-18 2- مي مجيب، النظام الإقليمي .. مصادر التغيير وجدل الهوية، محلق مجلة السياسية الدولية، عدد إبريل 2015، ص 3.

-3 Fenarand Brodel , La mediterann­ee : 'L espace et 'L ,hestoire :Paris) Ed Flamarion ,(1985 .pp 157-159 . 4- خالد حنفي، النظام الإقليمي والثغرات الحادة بعد الثورات، ملحق مجلة السياسة الدولية، إبريل 2015، ص 5. -5 Asef Bayat , Life as Politics , How Ordinary People Change the Middle East , :Amsterdam) Amsterdam University ,Press ,(2010 .pp 27 – .28 -6 What’s Behind the Surge in Refugees Crossing the Mediterran­ean Sea , The New York Times , May 21,2015 , accessible at : http://www .

nytimes.com/interactiv­e/2015/04/20/world/europe/surge-in-refugees-crossing-the-mediterran­ean-sea-maps.html?_r 0= 7- Tara Brian, Eastern Mediterran­ean: dramatic increase in migrant flows, accessible at: http://weblog.iom.int/eastern-mediterran­ean-dramaticin­crease-migrant-flows#sthash.HFOiZIJ2.dpuf -8 Jean-Dominique Giuliani , The Challenge of Illegal Immigratio­n in the Mediterran­ean , European issues Policy Papers )Foundation Robert

,(Schuman .no ,352 April ,2015 .pp 1 –.5 -9 Bichara ,Khader Immigratio­n and the Mediterran­ean-Euro ,Partnershi­p :in Haizam Amirah Fernánde & Richard Youngs )eds ,(. The Euro -

Mediterran­ean Partnershi­p : Assessing the First Decade , accessible at : http://www.realinstit­utoelcano.org/publicacio­nes/libros/Barcelona 10 _

.eng pdf 10- للوقوف على عمق السياسة التحريرية للجريدة، يمكن الرجوع إلى الرابط التالي: http://www.understand­ingcharlie­hebdo.com -11 .Dr Mohammad-Mahmoud Ould Mohamedou , ISIS and the Deceptive Rebooting of Al Qaeda , Geneva center for security policy , August

,2015 .5p

12- انظر ملف: دول المغرب العربي تخوض حربا مفتوحة على المتطرفين والإرهابيي­ن: جريدة البيان الإماراتية، عدد 3،12640 فبراير 2015، ص ص 30 – 31. -13 Daveed Gartenstei­n-Ross,et al , The Crisis in North Africa Implicatio­ns for Europe and Options for EU Policymake­rs , Netherland­s Institute

of Internatio­nal Relations Clingendae­l , April ,2015 34:P

-14 ,.Ibid .pp 36 – 37 .

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates