Trending Events

الفاعلية الغائبة:

التأثيرات المحتملة للفساد على النظم اليسارية في أمريكا اللاتينية جيورجينا ألفونسو

- جيورجينا ألفونسو باحثة في الاقتصاد السياسي التنموي-أوروجواي

شهدت الأشهر القليلة الماضية فتح باب التحقيقات في العديد من قضايا الفساد الحالية والقديمة بعدة دول في أمريكا اللاتينية، وهو الأمر الذي شغل الرأي العام، وأثر، ولو بقدر محدود، على مصداقية نظمها، وشكك في نزاهة رؤسائها، بل وذهب البعض للقول بأن من التداعيات المترتبة عليها التأثير على شعبية الأنظمة اليسارية، ومن ثم فرصها في الفوز بالاستحقاق­ات الانتخابية القادمة.

ويقع ثلثا دول أمريكا اللاتينية في النصف الأخير من "مؤشر مدركات الفساد"(1( الخاص بمنظمة الشفافية الدولية)2،( ولم يظهر تقرير المنظمة لعام 2014 تغييراً كبيراً في مؤشرات الفساد الخاصة بدول أمريكا اللاتينية عن الأعوام السابقة، غير أن التقرير يرى أنه على الرغم من تبني العديد من دول المنطقة سياسات لمكافحة الفساد، فإنه لا يتم تنفيذ تلك السياسات على أرض الواقع.

وقد طالت قضايا الفساد المتفشية مؤخراً العديد من دول المنطقة، ومن أهم تلك القضايا فضيحة شركة بتروبراس بالبرازيل، وقضية الكسب غير المشروع لرئيسة الأرجنتين الحالية كريستينا فرنانديز دي كيرشنر وزوجها المتوفى نيستور كيرشنر – الرئيس السابق للأرجنتين – وتهم الفساد الموجهة ضد نجل رئيسة تشيلي ميشيل باشيليت(2).

وستسعى المقالة للإجابة عن هذا التساؤل من خلال الإشارة أولاً إلى أبرز قضايا الفساد في دول المنطقة، ثم التركيز على أهم الدول التي تفجر فيها الفساد بصورة ملحوظة، وتحديداً الأرجنتين والبرازيل وتشيلي، وأخيراً الإشارة إلى تداعيات قضايا الفساد على دول القارة.

اأولاً: الاأرجنتين .. انت�سار الف�ساد واإخفاق جهود مكافحته

تمتلك الأرجنتين تشريعات ومؤسسات لمكافحة الفساد في القطاع العام، وفقاً لمنظمة الشفافية الدولية، ومع ذلك، لم تحرز تقدماً يذكر في مكافحته)3،( خاصة مع انتشار الفساد في السلطتين التنفيذية والقضائية، وتتمثل أبرز قضايا الفساد التي انتشرت في الآونة الأخيرة في: الأموال التي يتم توجيهها لتمويل الأحزاب السياسية وحملاتها. وذلك على الرغم من إصدار قانون 26.571، الصادر في 2 ديسمبر 2009، الذي يهدف لتنظيم تمويل الأحزاب لزيادة الشفافية)3).

وبالإضافة إلى ما سبق، يطال الفساد السلطة القضائية أيضاً، حيث يتسم بانعدام الشفافية، خاصة مع عدم وجود قواعد واضحة لاختيار القضاة)4،( وتبعية السلطة القضائية للسلطة التنفيذية.

ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة للسلطة التنفيذية، فقد أصدر مركز التقييم والاستراتي­جية الدولي (Internatio­nal Strategy Center & )Assessment تقريراً في أكتوبر 2014 عن ثلاث فضائح فساد تورطت فيها حكومة كيرشنر)5،( أولاها اتهام الرئيس السابق لمكافحة المخدرات "خوسيه رامون جرانيرو" بتسهيل استيراد كميات هائلة من الايفيدرين، وهي مادة تستخدم في إنتاج الميثامفيت­امين )نوع من المخدرات(، كما حاولت الحكومة عرقلة التحقيق برفضها

تسليم تسجيلات هاتفية طلبها القاضي المشرف على القضية.

وثانيتها: تورط رئيسة الأرجنتين أيضاً في شبهة فساد خاصة بتعاملات مالية، وذلك حيث نقل القاضي لازارو بايز – وهو الشريك المالي والصديق المقرب للزوجين كيرشنر – حوالي 65 مليون دولار من الأرجنتين إلى حسابات في الخارج في عام 2011، ويعتقد أن هذا المبلغ تم تحويله إلى رئيسة الأرجنتين، خاصة مع تضخم ثروتها المعلنة بصورة غير مبررة من 1.6 مليون دولار إلى 21 مليون دولار أثناء إدارتها وإدارة زوجها الراحل(6،( وقد تزامن ذلك مع إطلاق الرئيسة كيرشنر مبادرة "العدالة الشرعية" التي تسمح للسلطة التنفيذية بمزيد من التدخل في الإجراءات القضائية)7(.

أما القضية الثالثة فقد تورط فيها نائب رئيسة الأرجنتين أمادو بودو، الذي تمت محاكمته في يونيو 2014 بتهمة الفساد واستغلال النفوذ، وذلك على خلفية سيطرته على الشركة التي تطبع عملة البلاد)8،( حيث قبل رشوة بمقدار 70% من أسهم شركة سيكوني كالكوجرافي­سا للطباعة، والتي تم التعاقد معها لطبع عملة البيزو الأرجنتيني­ة أثناء عمله وزيراً للاقتصاد، وذلك مقابل إلغاء إجراءات الإفلاس التي اتخذها مكتب الضرائب الأرجنتيني بحق الشركة، وكذلك مقابل الحصول على عقود حكومية لطباعة الأوراق النقدية للأرجنتين(9.( وتمت تنحية القاضي المسؤول عن قضية بودو للكسب غير المشروع وغسيل الأموال، كما استقال المدعي العام)10 (.

ومن ناحية أخرى أثارت وفاة المدعي العام البرتو نيسمان في 18 يناير 2015 الشكوك حول مدى تورط كيرشنر في اغتياله)11،( خاصة أنه المدعي العام الفيدرالي المكلف بالتحقيق في قضية تفجير مركز الجالية اليهودية في بيونيس آيرس عام 1994، والذي أسفر عن مقتل 85 شخصاً وإصابة 300 آخرين، وكان يعتزم الإدلاء بشهادته أمام الكونغرس الأرجنتيني ضد رئيسة البلاد وتقديم الأدلة التي تثبت تورط الحكومة الأرجنتيني­ة مع النظام الإيراني للتغطية على دور طهران في التفجير الإرهابي، وذلك في سياق "اتفاق الغذاء مقابل النفط" بين الدولتين(12 ).

ثانياً: البرازيل .. �سيوع نمط اإ�ساءة ا�ستغلال ال�سلطة

تعد أنظمة مكافحة الفساد في البرازيل من أقوى الأنظمة في المنطقة، فعلى سبيل المثال، وقّع أكثر من مليون برازيلي على مشروع قانون في عام 2010، صدر باسم "قانون السجلات النظيفة"، لمنع الفساد في السلطة التشريعية. كما أن البوابة الإلكتروني­ة للشفافية تسمح للبرازيليي­ن منذ عام 2010 بتتبع كيفية استخدام المال العام في جميع برامج الحكومة الاتحادية.

ويضاف إلى ذلك صدور قانون حق الحصول على المعلومات في عام 2012، والذي يسمح للمواطن البرازيلي بالحصول على أي وثائق فيدرالية أو حكومية أو إقليمية أو محلية أو عامة. وفي الفترة من 2003 إلى 2011، قام مكتب مراجعة الحسابات الفيدرالي بفصل حوالي 4000 موظف من الخدمة العامة بسبب الفساد)13( وعلى الرغم من ذلك، لم تكن تلك الإجراءات كافية لردع الفساد في القطاع العام.

وعلى الرغم من هذه القوانين والإجراءات، فإنه تنتشر في البرازيل إساءة استغلال السلطة للحصول على منفعة أو معاملة تفضيلية، وتنتشر أمثلة كثيرة على ذلك، ففي عام 2012 طردت الرئيسة ديلما روسيف رئيس مكتبها السابق بسبب استغلاله نفوذه)14.( وشهد أغسطس 2012 أكبر فضيحة فساد سياسي، عُرفت باسم "فضيحة منسالاو" (Mensalão)، حيث تأكدت تهمة استغلال المال العام على 25 من أصل 37 متهماً، إذ تورطوا في دفع رشى لعدد من أعضاء البرلمان من أجل الاستمرار في دعمهم إلى حكومة الرئيس لولا دا سيلفا السابقة)15).

وفي 6 مارس 2015، وافقت المحكمة العليا بالبرازيل على التحقيق مع 34 سياسياً حالياً، بينهم رئيسا مجلسي النواب والشيوخ، حيث اشتبهت النيابة في تورطهم في قضية الفساد الخاصة بشركة بتروبراس )شركة النفط المملوكة للدولة()16،( إذ تمت سرقة ما لا يقل عن 3 مليارات دولار من الشركة، وكان من بين المتورطين شخصيات مقربة من دائرة الرئيسة روسيف، مثل أمين صندوق حزب العمال جواو فاكاري، ورئيس البرازيل الأسبق فرناندو كولور دي ميلو، وكذلك رئيس مجلس الشيوخ رينان كالهيروس) 17 ).

وكانت رئيسة البرازيل الحالية تترأس شركة بتروبراس في الوقت الذي حدثت فيه وقائع الفساد، مما أدى إلى انتشار حركات احتجاجية تطالب بتوجيه الاتهام الرسمي لها)18).

ثالثاً: ت�سيلي .. ف�ساد في قمة ال�سلطة ومحاولات لتداركه

تواجه إدارة الرئيسة ميشيل باشيليت تحديات بسبب العديد من قضايا الفساد(19،( والتي طالت الدائرة المقربة منها، وهو ما أدى لتراجع شعبيتها إلى 31% في أعقاب تفجر قضايا الفساد.

فقد أشارت وسائل الإعلام في فبراير 2015 إلى أن سيباستيان دافالوس، نجل باشيليت، وزوجته حصلا على قرض قيمته 10 ملايين دولار، أثناء حملة الانتخابات الرئاسية، وقامت شركة مملوكة جزئياً لزوجة نجل الرئيسة باستغلال القرض في شراء عقارات وإعادة بيعها، محققة أربحاً بلغت قيمتها ملايين الدولارات)20(.

وفي مارس 2015، تم القبض على رجال أعمال من مجموعة بنتا المالية بتهمة التهرب الضريبي وتهمة استخدام إيصالات وهمية لتمويل حملات مرشحي حزب الاتحاد الديمقراطي المعارض بصورة غير قانونية)21.( وعلى أثر

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates