Trending Events

الفيفا نموذجاً:

متى يتجاوز "الاختصاص القضائي" للدول حدودها الوطنية؟ أحمد حمدون

- أحمد حمدون معيد بقسم العلوم السياسية كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة

أثارت قضية القبض على بعض كبار موظفي الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) نقاشاً قانونياً حول الإطار القانوني الملزم الذي تتخذ وفقاً له مثل هذه الإجراءات فيما بين بعض الدول.

لقد فتحت هذه التطورات الباب واسعاً أمام قضيتين، تتعلق الأولى بالسياق الذي تمت فيه الإجراءات، لاسيما أن موظفي الفيفا لا يتمتعون بأي حصانات، وهو ما يعني عدم إمكانية افتقاد أصحاب هذه الحصانات في المؤسسات الدولية التي تنص عليها.

أما القضية الثانية، والأكثر أهمية، أنها تكشف من جانب آخر عن مدى التقدم الذي أحزته الدول، ثنائياً عبر اتفاقيات مكافحة الفساد وتسليم المجرمين، وجماعياً عبر اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، والتي دخلت حيز النفاذ في ديسمبر 2005؛ وهو ما يكشف عن تجاوز الاختصاص القضائي للدول حدودها الوطنية وفق معاهدات تعقدها مع أطراف أخرى.

في هذا الإطار يتناول هذا المقال طبيعة الاتهامات الموجهة لبعض مسؤولي وموظفي الفيفا، وتوقيفهم في كل من سويسرا والأرجنتين، ثم يلقي الضوء على الأبعاد القانونية الخاصة بتلك القضية، والأساس القانوني التعاقدي التي تتم وفقاً مثل هذه الإجراءات، سواءً على المستوى الدولي أو الثنائي، وأخيراً الإشارة إلى مدى التقدم الذي أحرزته الجهود الدولية في مجال تسليم المجرمين كجزء من مكافحة الفساد.

اأولاً: الاتهامات الموجهة لبع�ص م�سوؤولي الفيفا

ألقت السلطات السويسرية في 27 مايو 2015 القبض على سبعة من كبار موظفي الاتحاد الدولى لكرة القدم (الفيفا) في مدينة زيورخ، مقر الاتحاد الدولي، بناء على طلب السلطات الأمريكية التي وجهت الاتهام لهؤلاء وآخرين في وقائع فساد تعود إلى تسعينيات القرن العشرين.

وتتعلق الاتهامات برشى مالية ضخمة فيما يتعلق بتنظيم كأس العالم في دورات متعاقبة، وكذلك التأثير على انتخابات رئاسة الفيفا لعام 2011، واتخاذ بعض القرارات الخاصة بمجالات التسويق الرياضي والبث التليفزيون­ي للبطولات المختلفة وغيرها.

وعلى أثر توقيف هؤلاء الموظفين أعلنت سلطات الادعاء السويسرية فتح تحقيق مستقل في شبهات فساد تتعلق بقرارات الفيفا بإسناد تنظيم بطولتي كأس العالم لعامي 2018 و2022 لكل من روسيا وقطر على التوالي.

وقد صرح المسؤولون السويسريون أن الاعتقالات التي تمت بناءً على طلب مكتب المدعى العام الأمريكى تشكل جزءاً من تحقيق دولي في رشى وعمولات تصل قيمتها إلى مائة مليون دولار )65 مليون يورو(، وتمتد لثلاثة عقود ماضية)1).

وتشير التحقيقات التي كشف عنها مكتب المدعى العام الأمريكى إلى تورط العديد من أعضاء المكتب التنفيذي للفيفا، الحاليين والسابقين، التابعين لمنطقتي اتحاد أمريكا الشمالية والوسطى والكاريبى (CONCACAF) واتحاد أمريكا الجنوبية (CONMEBOL)، وكذلك بعض الموظفين الماليين والتجاريين والقانونيي­ن بالفيفا، إضافة إلى بعض الشركات الدولية العاملة في مجال التجارة والتسويق الرياضي.

كما أرسلت الولايات المتحدة طلباً للأرجنتين بتسليم ثلاثة رجال أعمال أرجنتينيين متورطين في القضية ذاتها للتحقيق معهم من قبلها. وبالفعل صدر أمر بالقبض عليهم استعداداً لترحيلهم، لكن لم يتم تنفيذه بعد )2).

ووفقاً للطلبين المرسلين من الولايات المتحدة لكل من سويسرا والأرجنتين، فإن الجرائم المذكورة تم الاتفاق عليها والتجهيز لها في الولايات المتحدة، كما أن المدفوعات المتعلقة بها قد تمت عبر بنوك أمريكية، وبالتالي فهي تخضع للاختصاص القضائي للولايات المتحدة، وتستدعي تسليم الجناة للسلطات القضائية الأمريكية لاستكمال محاكمهتم. وقد شهد التحقيق الذي أدى إلى توجيه تلك الاتهامات تعاوناً بين مكتب المدعى العام الأمريكي من جانب، والحكومة السويسرية وعدد من الشركاء الدوليين من جانب آخر)3 ).

ثانياً: الاأبعاد القانونية لاأزمة الفيفا

أثارت قضية فساد الفيفا، بما تشتمله على الاتهامات والتحقيقات الواردة أعلاه، تساؤلات حول الحصانات التي يتمتع بها أعضاؤها، على اعتبار أن "الاتحاد الدولي لكرة القدم" هو منظمة دولية معنية بتنظيم رياضة كرة القدم في العالم أجمع، لاسيما أن الوضع القانوني له لا يخول موظفيه أية امتيازات أو حصانات استثنائية من قبيل تلك التي يتمتع بها الدبلوماسي­ون والعاملون في المنظمات الدولية الحكومية المختلفة(4).

وتعتبر الفيفا جمعية (اتحاد) يحكمها القانون السويسري، وتأسست في عام 1904، ومقرها مدينة زيورخ بسويسرا، وتضم في عضويتها 209 اتحادات أخرى يمثل كل منها الكيان المنظم لرياضة كرة القدم في دولة معينة أو إقليم معين.

ولا تشمل منظمة الفيفا أي تمثيل حكومي لأي دولة من الدول، وإنما فقط تمثيل للكيانات المعنية بتنظيم رياضة كرة القدم في الأقاليم المختلفة، وهدفها الرئيسي توحيد طريقة لعب كرة القدم في العالم أجمع، بالإضافة إلى تطويرها المستمر.

من جانب آخر تثير هذه الأزمة كذلك قضية مكافحة الفساد على المستوى الدولي، والتي نظمتها لأول مرة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي دعت الجمعية العامة بالأمم المتحدة لكتابتها في أكتوبر عام 2000، وشُكلت لجنة خاصة لهذا الغرض، إلى أن قامت الجمعية العامة بإصدار الاتفاقية في أكتوبر 2003 وفق القرار رقم (58/4،) ودخلت الاتفاقية حيز النفاذ بعد ذلك بعامين، وتحديداً في ديسمبر 2005.

وترتب الاتفاقية التزامات على الدول بإنشاء أجهزة لمكافحة الفساد، وتنظيم آليات منع الفساد ابتداءً، كما تفرض على الدول أطراف الاتفاقية تجريم عدد من أفعال الفساد، وكذلك تطالب بالسعي لتجريم عدد آخر حتى لا تصطدم مع القوانين الداخلية لتلك الدول، وتضم الجرائم التي تعددها الاتفاقية ما يتعلق بكل من القطاع العام والقطاع الخاص بالدول الأطراف.

وما يعنينا هنا هو إلزام الدول أطراف الاتفاقية بالتعاون والتنسيق فيما بينهم في كافة مناحي مكافحة الفساد، بدءاً من تبادل خبرات منع الفساد، ومروراً بالتحقيقات في جرائم الفساد، وانتهاءً بمحاكمة مرتكبي تلك الجرائم؛ حيث تلتزم الدول وفقاً لنصوص الاتفاقية بتقديم المساعدة القانونية المتبادلة في جمع ونقل الأدلة لاستخدامها في المحاكمة، وكذلك في تسليم المجرمين، وأخيراً التعاون في تعقب وتجميد ومصادرة عائدات الفساد.

وتلزم المادة 43 من هذه الاتفاقية الدول الأطراف بالتعاون في المسائل الجنائية المتعلقة بالفساد، وكذلك بمساعدة بعضهم في التحقيقات والإجراءات الخاصة بالمسائل المدنية والإدارية ذات الصلة بالفساد. وتتناول المادة 44 تسليم المجرمين، فوفقاً لتلك المادة، تلتزم الدولة بتسليم الشخص المطلوب تسليمه والموجود في إقليمها حين يكون الجرم الذي يلتمس بشأنه التسليم جرماً خاضعاً للعقاب في كلتا الدولتين، أي الطالبة ومتلقية الطلب.

وقد وسعت الاتفاقية من نطاق تطبيق نظام تسليم المجرمين بين الدول الأطراف، بأن قررت أن تكون الجرائم الخاضعة للتسليم المنصوص عليها في الاتفاقية جزءاً من أي معاهدة لتسليم مجرمين قائمة بين الدول الأطراف (م44/4.) كما جعلت نفسها الأساس القانونى لتسليم المجرمين بين الدول الأطراف في حال عدم ارتباطهم بمعاهدة ثنائية لتسليم مجرمين، وهذا فيما يتعلق بالجرائم التي تنطبق عليها الاتفاقية (م44/5).

وكغيرها من المعاهدات التي تسعى لتوحيد التنظيم القانوني لظاهرة دولية، تتجلى حدود معاهدة مكافحة الفساد في تعاملها مع القوانين الداخلية للدول أطراف الاتفاقية فيما يتعلق بشروط التسليم، فتجعلها وفقاً لما ينص عليه القانون الداخلى لكل دولة، بما في ذلك الشروط المتعلقة بالعقوبة الدنيا المشترطة للتسليم، وكذلك الأسباب التي يجوز للدولة الطرف متلقية الطلب أن تستند إليها في رفض التسليم (م44/8).

وهنا تجيز الاتفاقية للدولة متلقية طلب التسليم – وفقاً

على خلاف ما يعتقد البعض من أن موظفي الفيفا المطلوبين للاعتقال والتحقيق في الولايات المتحدة يمس الحصانة التي تمنحها الاتفاقيات الدولية لموظفي الوكالات والمؤسسات ذات الطابع الدولي، فإن اتحاد "الفيفا" لا يتمتع بأية حصانات مماثلة، فهو لا يشمل أي تمثيل حكومي لأي من دول العالم، وإنما يتم فيه تمثيل الكيانات المعنية بتنظيم رياضة كرة القدم في الدول والأقاليم المختلفة.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates