Trending Events

الصراع الناعم:

التنافس بين نيجيريا وجنوب أفريقيا على الزعامة الأفريقية سعيدة محمد عمر

- سعيدة محمد عمر باحثة في الشؤون الأفريقية من جيبوتي

منذ استقلال الدول الأفريقية في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، لم تتمكن أي دوله من الحفاظ على محورية تأثيرها ونفوذها، فانتقلت الزعامة بين الدول الكبرى في القارة، فمنذ بداية التسعينيات من القرن العشرين، تمكنت جنوب أفريقيا من لعب دور إقليمي فعّال، غير أنه مع نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، شهدت القارة صعود قوى أخرى، خاصة نيجيريا، فضلًا عن "إثيوبيا" التي تمتلك نفوذاً في القرن الأفريقي ودول حوض النيل، وبالتالي تشهد القارة تنافساً بين عدة دول صاعدة، لكل منها أدواتها وآلياتها في إدارة سياساتها الخارجية.

اأولاً: تحولات الزعامة الاأفريقية

لعبت نيجيريا منذ نهاية الستينيات من القرن العشرين دوراً محورياً في إقليم غرب أفريقيا أولاً، ثم على مستوى القارة الأفريقية ككل، إذ رأت أن ذلك هو السبيل الأساسي لتحقيق مصالحها. وقد ساعد البعد الاقتصادي في دعم الدور الإقليمي لنيجيريا في القارة في فترة السبعينيات، حيث ساهم النفط بأكثر من 90% من إجمالي الصادرات النيجيرية، الأمر الذي ساعد على تبني سياسة خارجية فعّالة قامت على الأسس التالية: • تقديم المساعدات لكثير من الدول الأفريقية: وتبرعت بأموال لبعض الدول الأخرى، وقدمت مساعدات فنية لدول أفريقية وكاريبية، كما أنشأت ما يعرف بصندوق نيجيريا الائتماني (Nigeria Trust Fund ) في بنك التنمية الأفريقي في أبيدجان، فضلاً عن بيع البترول بأسعار مخفضة لدول منظمة الوحدة الأفريقية ودول الإيكواس(1). • الدور النيجيري الفعّال في المنظمات الدولية: ومن ذلك دورها في الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، والتي تأسست عام 1975 من 15 بلداً لتعزيز التكامل الإقليمي، إذ قامت بدعم الإيكواس من خلال احتضانها المقر الرئيسي

وتمويل أنشطته، فضلاً عن كون الجيش النيجيري تاريخياً يعتبر بمنزلة العمود الفقري لحفظ السلام في المنطقة وجميع أنحاء أفريقيا، كما أنه في عهد الجنرال إبراهيم بابانجيدا (1985 – 1993،( ترأست نيجيريا اللجنة الخاصة لمناهضة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، ويضاف إلى ما سبق قيام نيجيريا بلعب دور في صياغة الاتفاقية التي قامت على أساسها منظمة الجماعة

الاقتصادية الأفريقية )اتفاقية أبوجا()2) • التوسط في النزاعات: فقد لعبت نيجيريا دور الوسيط في العديد من الدول الأفريقية في أوغندا والسودان وأنجولا. • طرح المبادرات على المستوى الأفريقي: فقد كانت نيجيريا أولى الدول التي بدأت إثارة فكرة التعويضات التي تلزم الدول الاستعماري­ة بدفعها لأفريقيا، كما كانت العقل المدبر لخطة عمل لاجوس للتنمية الاقتصادية في أفريقيا )1980 – 2000،( والتي كانت تسعى إلى زيادة الاكتفاء الذاتي في أفريقيا.

غير أن هذه المكانة لم تستمر، ففي عهد الرئيس النيجيري ساني أباتشا، انتهى نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وبدأت جنوب أفريقيا تظهر كمنافس لنيجيريا على الصعيد

الأفريقي، وخلال محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 1995، حاولت جنوب أفريقيا التوسط، ودعوة الحكومة النيجيرية إلى الرأفة بالمتهمين بالقيام بانقلاب عسكري، وهو ما أدى إلى توتر في العلاقات بين البلدين، بسبب سياسة الباب المفتوح التي اتبعتها جنوب أفريقيا تجاه المعارضين لنظام الرئيس اباتشا )1993 – 1995)(3،( إذ اعتبرت نيجيريا موقف جنوب أفريقيا نكراناً للجميل وكذا للدعم الذي كان يتلقاه حزب المؤتمر الوطني من نيجيريا خلال كفاحه من أجل التحرر)4).

ثانياً: �سعود جنوب اأفريقيا

تعتبر جنوب أفريقيا من الدول المحورية في القارة الأفريقية اليوم، وقد اقترن اسمها برئيسها نيلسون مانديلا الذي توفي في ديسمبر 2013، نظراً لنضاله الطويل في سبيل التحرر من نظام التمييز العنصري طيلة أكثر من ثلاثة عقود، حتى تم إسقاطه سنة 1994، ليرأس بلاده لفترة واحدة ثم يسلم السلطة، وبالإضافة إلى النموذج الديمقراطي الذي تقدمه جنوب أفريقيا، فإنها قوة اقتصادية على مستوى القارة، وقد تطور دورها من مجرد فاعل في منطقة الجنوب الأفريقي، إلى فاعل محوري وإقليمي في القارة الأفريقية.

وقد شهدت السياسة الخارجية لجنوب أفريقيا تحولاً جذرياً خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث حاولت أن تحافظ على أهم المبادئ التي أرساها مانديلا في السياسة الخارجية، إذ ركزت كل وثائق السياسة الخارجية لجنوب أفريقيا على عدد من المبادئ منها: ضرورة العمل في أطر متعددة الأطراف، وتعزيز الديمقراطي­ة، واحترام حقوق الإنسان، واحترام مبادئ القانون الدولي، والدفاع عن المصالح الأفريقية، كما حرصت على ألا تبدو دولة مهيمنة على الدول الأفريقية(5).

كما قام مانديلا في عام 2007 بتأسيس مجلس حكماء العالم، الذي ضم أهم الشخصيات الدولية المؤثرة، وذلك من أجل نشر السلام والعدالة والدفاع عن حقوق الإنسان ومكافحة الظلم والفقر والحرب في أنحاء العالم.

ومنذ 1994 لعبت جنوب أفريقيا دوراً متزايداً في القارة الأفريقية وعلى الصعيد العالمي أيضاً، فقد تم انتخابها مرتين كعضو غير دائم في مجلس الأمن، كما أنها عضو في منتدى حوار إبسا (IBSA)، وهو عبارة عن تحالف ثلاثي يضم جنوب أفريقيا والهند والبرازيل، وبالإضافة إلى ما سبق، فقد أصبحت عضواً في مجموعة دول البريكس (BRICS)، ومارست دوراً مهماً في الاتحاد الأفريقي كوسيط ومساهم في قوات حفظ السلام في القارة الأفريقية(6).

ومع بداية فترة حكم الرئيس الجنوب أفريقي تابو مبيكي (1999 – 2008،) ومع تعزيز الاستقرار الداخلي، ظهرت أهداف جديدة لسياستها الخارجية تجاه أفريقيا منها: تحقيق النهضة الأفريقية، والدفع باتجاه إصلاح المؤسسات الاقتصادية القارية، كما اتسمت هذه الفترة أيضاً بمزيد من التنسيق بين المؤسسات المختلفة المعنية بالسياسة الخارجية ونقلها من إطار الخطاب إلى الفعل(7).

وقد لعبت جنوب أفريقيا دوراً بارزاً في تحوّل منظمة الوحدة الأفريقية إلى الاتحاد الأفريقي، وكذلك في تأسيس الشراكة الجديدة من أجل تنمية أفريقيا والمعروفة اختصاراً بالنيباد، كما لعبت دوراً محورياً في تأسيس برلمان عموم أفريقيا، والتنسيق بخصوص الالتزامات المتبادلة بين أفريقيا ومجتمع المانحين، أما فيما يخص مجموعة البريكس(8)، فإن جنوب أفريقيا هي الدولة الأفريقية الوحيدة في التجمع الاقتصادي للدول الأكثر نمواً والتي تضم أيضاً البرازيل وروسيا والهند والصين.

ثالثاً: تناف�ص ناعم بين القوتين الاأفريقيت­ين

اتخذ التنافس الناعم بين نيجيريا وجنوب أفريقيا عدة أشكال، وقد وضح هذا التنافس في المؤسسات الإقليمية المختلفة، فمنذ بداية الألفية الجديدة أصبحت نيجيريا مع جنوب أفريقيا، بمنزلة القوة الرئيسية المحركة للشراكة الجديدة من أجل تنمية أفريقيا (نيباد)(9،( وإن كانت نيجيريا نجحت في أن تكون أحد الأعضاء المؤسسين وأكبر مساهم في بنك التنمية الأفريقي، وهو المؤسسة الأفريقية الإنمائية الأكبر)10(.

وتسعى نيجيريا لاستغلال التناقضات الإقليمية وتوظيفها في تنافسها مع جنوب أفريقيا)11.( وقد وضح ذلك التنافس جلياً في فشل انتخاب رئيس لمفوضية الاتحاد الأفريقي سنة 2012 حيث انقسم القادة الأفارقة تقريباً بالتساوي بين الجابوني جان بينغ، الذي تدعمه دول غرب أفريقيا الناطقة بالفرنسية، وتتقدمهم نيجيريا، والجنوب أفريقية نكوسازانا دلاميني زوما.

كما يبدو التنافس أيضاً في المواقف الإقليمية المتناقضة التي تتبناها كلا الدولتين، وذلك على غرار موقف الدولتين من الحركات الاحتجاجية في العالم العربي، وبشكل خاص نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا، ففي حين كانت نيجيريا تدعم بقوة الدعوة للاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي المعارض داخل الاتحاد الأفريقي، فإن جنوب أفريقيا ظلت تقف إلى جانب القذافي حتى آخر لحظة، واستمرت في تقديم المبادرة تلو الأخرى في محاولة للوصول لحل وسط حتى بعد أن بدأت قوات الناتو عملياتها العسكرية ضد نظامه.

وتجدر الإشارة إلى أن نيجيريا تتفوق على جنوب أفريقيا من حيث القوة الاقتصادية، إذ إن نيجيريا أكبر قوة اقتصادية

في القارة، فهي أكبر بلد أفريقي من حيث عدد السكان وأكبر منتج أفريقي للنفط، كما بلغ الناتج المحلي الإجمالي لها 510 مليارات دولار عام 2013.

وعلى الرغم من التحديات التي تواجه نيجيريا، والتي يتمثل أبرزها في مواجهة خطر حركة بوكو حرام الإرهابية، فإنها استطاعت أن تلعب دوراً فعّالاً على الساحة الأفريقية خلال الفترة الماضية، ومن أبرز الأدوار التي قامت بها هي)12): 1- انعقاد الدورة الرابعة والعشرين للمنتدى الاقتصادي العالمي حول أفريقيا )دافوس الأفريقية( في العاصمة النيجيرية أبوجا خلال الفترة من 7 – 9 مايو 2014 تحت شعار "بناء نمو شامل يمكنه إيجاد فرص عمل جديدة". وقد حضر المنتدى قادة من قطاع الأعمال والسياسة والمجتمع المدني يمثلون نحو 70 دولة)13). 2- بدأت نيجيريا في 2014 إجراءات العضوية في مجموعة العشرين، على أن تكون بجانب أو بدل جنوب أفريقيا العضو الأفريقي الوحيد في المجموعة)14). 3- من المتوقع أن تطالب نيجيريا بمقعد دائم في مجلس الأمن الدولي كممثل للقارة بعد إصلاحه باعتبارها أكبر دولة أفريقية من حيث عدد السكان وقوة الاقتصاد)15،( فضلاً عن تمتعها بدعم الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، لأنها أقوى دولة في الإقليم)16).

غير أنه، بشكل عام، فإن هناك تنافساً كبيراً بين الدول الرئيسية في القارة الأفريقية، وهي نيجيريا وجنوب أفريقيا ومصر وإثيوبيا، على مقعد دائم في مجلس الأمن كممثل للقارة، ويذهب بعض المتخصصين إلى أن هذا المقعد سيذهب لنيجيريا أو جنوب أفريقيا، نظراً لأنهما أكبر دولتين من حيث النفوذ الإقليمي والقدرات العسكرية والإمكانيا­ت الاقتصادية.

وفي قمة جوهانسبرج الأفريقية في الفترة بين 7 – 15 يونيو 2015 كان هناك صراع دبلوماسي بين نيجيريا ومصر وجنوب أفريقيا حول المقاعد الدائمة بمجلس الأمن، حيث شهدت القمة الخامسة والعشرين للاتحاد الأفريقي صراعاً دبلوماسياً بين الدول الثلاث، خاصة في ظل مساعي جنوب أفريقيا لإعادة النقاش مرة أخرى بين الدول الأفريقية حول «توافق أوزولويني» الخاص بموقف القارة من توسيع عضوية مجلس الأمن وإصلاح الأمم المتحدة، الذي صدقت عليه القمم الأفريقية المتعاقبة، والذي يدعو إلى حصول القارة على مقعدين دائمين بمجلس الأمن مع حق النقض.

وفي الختام، يمكن القول إن الصعود الاقتصادي لنيجيريا يعزز من دورها القيادي على المستوى القاري، إلا أن التحديات الكبرى التي تواجه نيجيريا اليوم تجعل كفة المنافسة بينها وبين جنوب أفريقيا ترجح للأخيرة، إلا أن فرص نيجيريا لاتزال قائمة، إذا ما نجح الرئيس الجديد محمد بخاري في اتخاذ إجراءات أكثر صرامة وحزماً في التعامل مع ملفات الفساد والإرهاب، وهو الأمر الذي قد يقوي من مكانة نيجيريا في مواجهة جنوب أفريقيا ويعزز من دورها الإقليمي.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates