Trending Events

بحر الأزمات:

أبعاد وتداعيات التحركات الصينية في بحر الصين الجنوبي توبياس باسوكس وروكي إنتان

- وفقاً للمؤشرات الراهنة، لا يرجح أن تتطور الصراعات في بحر الصين الجنوبي إلى حرب شاملة بين الدول المتنازعة، على الرغم من الممارسات الصينية الأخيرة، وبنائها لجزر صناعية بالقرب من المناطق المتنازع حولها، أو سعيها لبناء منصة للتنقيب عن النفط بالقرب من جزر متنا

تزايد قلق دول اتحاد دول جنوب شرق آسيا (الآسيان) جراء المساعي الصينية لتحويل بحر الصين الجنوبي إلى بحيرة صينية، خاصة بعد قيامها مؤخراً باتباع سياسات هدفت إلى فرض الأمر الواقع من خلال سيطرتها على عدد من الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، فضلًا عن قيامها ببناء جزر صناعية في مياه جزر سبراتليز المتنازع عليها، وهو التطور الذي ينذر بإمكانية تصاعد الصراع في بحر الصين الجنوبي.

اأولاً: �سيا�سات �سينية اأكثر تهديداً

يعد بحر الصين الجنوبي منطقة ذات أهمية استراتيجية، إذ يضم – وفقاً لبعض التقديرات – حوالي 11 مليار برميل من النفط و190 مليار قدم مكعبة من احتياطيات الغاز الطبيعي)1،( فضلاً عن مرور حوالي نصف السفن التجارية في العالم بتلك المنطقة، وتتنازع السيادة الكاملة أو الجزئية على هذه الجزر كل من الصين وفيتنام والفلبين وبروناي وتايوان وماليزيا، خاصة أرخبيل سبراتليز، وجزر باراسيل.

وقد اتبعت الصين، في البداية، سياسة معتدلة، كانت تتسم بتجنب الدخول في صراعات، والتركيز على الدبلوماسي­ة من أجل تسوية النزاع الإقليمي في بحر الصين الجنوبي، وهو ما تجلى بوضوح في توقيع بكين على "إعلان سلوك الأطراف في بحر الصين الجنوبي" في عام 2003، إلا أن السياسات الصينية بدأت مؤخراً تتخلى عن هذه السياسة منذ أواخر العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، لتتخذ منحى أكثر صداماً، وهو ما يمكن إرجاعه إلى عاملين أساسيين هما:

• تزايد اقتناع الصين بأن سياستها المعتدلة لم تكن فعّالة

بسبب شروع الدول الأخرى في استغلال ثروات بحر الصين الجنوبي، فقد أصدر العلماء الصينون في أواخر العقد الأول من القرن الواحد والعشرين أبحاثاً تفيد بأن الموارد الهيدروكرب­ونية في هذه المنطقة "يتم استغلالها بنطاق ومعدلات مقلقة من قبل الدول الأخرى صاحبة المطالب الاقليمية")2.( وأوصى هؤلاء الباحثون بأهمية تغيير السياسة الصينية، لضمان الحقوق الصينية في الجزر المتنازع عليها وموارد بحر الصين الجنوبي.

• توصل خبراء القانون الصينيون إلى فهم مفاده أن الاستناد إلى مبدأ "الحقوق التاريخية المكتسبة" في القانون الدولي للمطالبة بالجزر المتنازع عليها لن يكون ذا فاعلية في ضمان الحقوق الصينية، وأن على الصين أن تلجأ لسياسة فرض الأمر الواقع لتأكيد السيادة الصينية على بعض الجزر المتنازع عليها، كما أنه من شأن ذلك، تعزيز الوضع التفاوضي الصيني عند الجلوس لتسوية الصراع.

وفي سياق سعيها لاستغلال الموارد الهيدروكرب­ونية في هذه المنطقة، قامت الصين بوضع منصة للتنقيب عن النفط بالقرب من جزر باراسيل، وهو ما أدى إلى تصاعد التوتر مع فيتنام في مايو )3 2014،( فضلاً عن قيامها ببناء جزر

جديدة قرب جزر سبراتليز المتنازع عليها، لتعزيز جهودها الرامية إلى تأكيد أحقيتها في هذه الجزر(4).

ثانياً: ت�ساعد حدة التوترات

نظراً للخطوات الصينية الأخيرة، زادت حدة التوتر في بحر الصين الجنوبي، وعلى الرغم من أن كافة اللاعبين لديهم مصلحة مشتركة في الحفاظ على الأمن والاستقرار، ضماناً لتحقيق التنمية، فإنه يخشى كذلك من أن يتطور الصراع بين الدول المتنازعة إلى حد الصراع المسلح، ويبرز في هذا الإطار عاملان يمكن أن يدفعا إلى حدوث مثل هذا السيناريو وهما:

• تحول أي صدامات ما بين قوات حرس الحدود التابع لدولتين من الدول المتنازعة في بحر الصين الجنوبي إلى مواجهات عسكرية ما بين قواتهما البحرية، وعلى سبيل المثال، كادت أن تؤدي الصدامات التي حدثت بين الزوارق الفيتنامية والصينية، أثناء قيام الصين بتركيب المنصة النفطية بالقرب من جزر باراسل، إلى مواجهة عسكرية شاملة( 5 ).

• إمكانية استعانة إحدى الدول المتصارعة مع الصين بشبكة تحالفاتها الخارجية في هذا النزاع الإقليمي، فعلى سبيل المثال، يمكن جر الولايات المتحدة الأميركية بسهولة إلى النزاع مع الصين من خلال تحالفها مع اليابان أو الفلبين، خاصة مع تفكير البنتاجون في إرسال طائرات وسفن عسكرية أميركية لضمان حرية الملاحة حول جزر صناعية صينيّة في بحر الصين الجنوبي، فضلاً عن توتر الأجواء بين بكين وواشنطن بسبب المواجهة بين البحرية الصينية وطائرة مراقبة أميركية في محيط المنطقة(6).

ثالثاً: ترقب حذر للتحركات ال�سينية

يلاحظ غياب رد فعل موحد من قبل فيتنام والفلبين وبروناي وماليزيا تجاه المساعي الصينية للهيمنة على بحر الصين الجنوبي، إذ تنحو هذه الدول لاتخاذ مواقف حذرة بسبب تخوفها من الدخول في مواجهات عسكرية مع الصين، خاصة مع عدم قدرة دول الآسيان موازنة القوة الصينية.

ومن جهة أخرى، لايزال رد فعل الدول غير الأطراف في الصراع كإندونيسيا تجاه السياسات الصينية في بحر الصين الجنوبي غير واضح، وذلك بسبب التناقض ما بين التصريحات الصينية وأفعالها على أرض الواقع. فعلى سبيل المثال، في الوقت الذي يؤكد فيه المسؤولون الصينيون بكل إصرار على الطبيعة السلمية لصعود الصين كقوة كبرى(7)، ويتم الترويج في هذا الإطار على عبارات مثل "الصعود السلمي"، ثم "النمو السلمي")8،( تأتي ممارسات الصين على أرض الواقع لتناقض تلك التصريحات، ولعل أكثر دليل على ذلك بناء الصين جزراً صناعية في بحر الصين الجنوبي.

وفي المحصلة الأخيرة، يمكن القول إن دول جنوب شرق آسيا الأعضاء في منظمة آسيان غير متفقة على اتخاذ موقف موحد حيال السياسات الصينية التوسعية في المنطقة، وهو الأمر الذي يعني أن هناك حاجة للبحث عن خيارات سلمية من خلال الاتفاق على مجموعة من المبادئ الدبلوماسي­ة التي تضمن استيعاب التوترات والنزاعات الإقليمية بين دول الآسيان والصين.

وفي المقابل، يزداد ارتباك وقلق الصين من رد فعل دول جنوب شرق آسيا، وكذلك من التدخل الأمريكي، خاصة مواصلة الولايات المتحدة لمراقبتها الجوية لبحر الصين

الجنوبي، وهو ما دفعها إلى إصدار تصريحات حادة(9) بل وقدمت احتجاجاً رسمياً)10،( كما أصدرت تحذيرات، عبر إحدى الصحف الحكومية، من أن "الحرب قد تكون أمراً لا يمكن تجنبه"(11).

رابعاً: �سعوبات تواجه عملية الت�سوية

يفترض أن تكون منظمة آسيان، باعتبارها المنظمة الإقليمية المعنية، قادرة ومهيئة للتفاوض مع الصين لاستيعاب مثل هذه التوترات. إذ يمكن أن تكون فضاءً تعبر من خلاله الدول الأعضاء عن قلقها ومصالحها، للوصول إلى حلول أو تسوية من شأنها الحفاظ على أمن المنطقة وضمان عدم خروج الوضع عن السيطرة. غير أن هذا يرتبط في جانب كبير منه بمدى تجاوب الصين مع هذه المحاولات، إذ إن غيابها عن طاولة المفاوضات، وعدم انخراطها في محادثات لتسوية الصراع بصورة سلمية، يشكل مصدراً للقلق، خاصة مع اتخاذها مبادرات أحادية من جانبها.

وتجدر الإشارة إلى أن الخيار السلمي هو الحل الأمثل للصراع، خاصة مع إطلاق الصين لمبادرة اقتصادية تضم دول جنوب وجنوب شرق آسيا، وبناء حزام اقتصادي بات معروفاً باسم "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير" و"طريق الحرير البحري للقرن 21"، والتي تعتبرها الصين مبادرة تهدف لتحقيق "السلام والصداقة" من خلال تعاون مفيد ومربح لكل الأطراف(12).

وفي المقابل، يبدي بعض الباحثين شكوكاً حيال نوايا تلك المبادرة التي تبدو في ظاهرها إيجابية، إذ يعتبرونها طريقة غير مباشرة للهروب من الجلوس على طاولة المفاوضات، وصياغة "مدونة سلوك" تضع إطاراً حاكماً لتسوية نزاعاتها في بحر الصين الجنوبي مع جيرانها بجنوب شرق آسيا(13).

وأياً ما كان الأمر، فإن هناك مخاوف جدية من أن تنعكس الصراعات في بحر الصين الجنوبي سلباً على التنمية الاقتصادية، ففي مؤتمر بيرغيدورف السنوي ال 154، والذي تعقده مؤسسة كويربر الألمانية، التقى الباحثون وصناع السياسة من كل أنحاء العالم في جاكرتا في نوفمبر 2013 لمناقشة الأمن والسلام في منطقة آسيا – الباسيفيك، وتمت خلالها الإشارة إلى ضرورة النظر والاهتمام بالتوترات الحالية في بحر الصين الجنوبي، حتى لا تنعكس سلباً على النجاح الاقتصادي الذي حققته المنطقة، فقد أبدى المشاركون تخوفهم من أن هذه التوترات قد تعيق حرية الملاحة في الممرات البحرية الدولية، وبالتالي التجارة في منطقة آسيا – الباسيفيك(14).

وفي ذلك المؤتمر، تناول الكثير من المشاركين تحوّل السياسة الصينية في المنطقة، والتي باتت عدوانية على نحو متزايد، كما أبدوا تخوفهم من أن التهديد والخطر الحالي أمام أمن المنطقة لا يتمثل في المواجهات العسكرية التقليدية، ولكن في استخدام الصين للقوات شبه العسكرية وحرس السواحل من أجل مد سيطرتها الفعلية في المناطق المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي(15).

وفي الختام، يمكن القول، إنه وفقاً للمؤشرات الراهنة، لا يرجح أن تتطور الصراعات في بحر الصين الجنوبي إلى حرب شاملة بين الدول المتنازعة، على الرغم من الممارسات الصينية الأخيرة، وبنائها لجزر صناعية بالقرب من المناطق المتنازع حولها، أو سعيها لبناء منصة للتنقيب عن النفط بالقرب من جزر متنازع عليها.

غير أنه على الجانب الآخر، فإن هذه الممارسات أضرت على نحو بين بالثقة بين الأطراف المتنازعة، وهو الأمر الذي يعيق محاولات التوصل لاتفاقات متعددة الأطراف، سواء لتسوية الصراع أو لتنظيم التعاون بصفة عامة في المنطقة، ولذا تحتاج الصين إلى اتخاذ بعض الإجراءات لطمأنة دول المنطقة، والتراجع عن بعض الإجراءات التي اتخذتها في الآونة الأخيرة، والتي كانت مثار قلق لجيرانها في بحر الصين الجنوبي.

 ??  ??
 ??  ?? توبياس باسوكي
توبياس باسوكي
 ??  ?? روكي إنتان
روكي إنتان

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates