Trending Events

تحالفات جديدة:

المساعي الروسية لتفتيت الجبهة الأوروبية الأطلسية أورخان جفاروف

- أورخان جفاروف باحث متخصص في الشؤون الروسية ومنطقة القوقاز، مركز البحوث للدراسات الأوراسية والروسية وأوروبا الشرقية، جامعة أنقرة

تمثل دول أوروبا الشرقية أهمية جيواستراتي­جية لروسيا، ولطالما سعت موسكو للحفاظ على نفوذ قوي هناك، كما في مرحلة الحرب الباردة، غير أنه مع تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991، فقدت روسيا نفوذها في دول شرق أوروبا، وبدأ حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي للتوسع في هذه المنطقة، على الرغم من تعهد الولايات المتحدة لروسيا في العام 1989 بعدم توسع الناتو شرقاً.

ولم تأخذ روسيا، في البداية، أي رد فعل تجاه جهود حلف الناتو والاتحاد الأوروبي للتوسع في شرق أوروبا خلال حقبة التسعينيات من القرن العشرين، غير أنه بعد مرور عشر سنوات على انتهاء الحرب الباردة، وتعافي روسيا اقتصادياً وسياسياً، بدأت موسكو في اتخاذ عدد من الإجراءات لضمان وقف تمدد حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، في جوارها المباشر في شرق أوروبا. وتسعى هذه المقالة لإلقاء الضوء على أبعاد الصراع في الفضاء السوفييتي السابق بين كل من روسيا من جانب، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جانب آخر، خاصة ما يتعلق بالصراع على خطوط أنابيب النفط والغاز، ثم الإشارة إلى الملامح الأساسية للسياسة الروسية تجاه الاتحاد الأوروبي، في ظل الأزمة الأوكرانية.

اأولاً: المعادلة ال�سفرية في الف�ساء ال�سوفييتي ال�سابق

نجحت روسيا في إيقاف الموجة الثالثة من التوسع لحلف الناتو بوسط وشرق أوروبا، وذلك بعد الحرب الروسية– الجورجية في العام )1 2008،( غير أنها لم تنجح في وقف تمدد الاتحاد الأوروبي، والذي سعى للتمدد من خلال مبادرة "الشراكة الشرقية"، والذي يهدف إلى جذب عدد من دول أوروبا الشرقية وجنوب القوقاز، وتحديداً أذربيجان وجورجيا ومولدوفا

وأوكرانيا وأرمينيا وبيلاروسيا، إلى الفلك الأوروبي وبعيداً عن روسيا، وذلك من خلال تعميق التعاون والتكامل الاقتصادي بين الطرفين من خلال مشروعات مشتركة كإقامة منطقة تجارة حرة بينهما( ). وقد ألزمت هذه الدول للاختيار بين برنامج "شراكة الاتحاد الأوروبي الشرقية" أو مشروع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي تتزعمه روسيا، وقد امتنعت هذه الدول، باستثناء جورجيا ومولدوفيا، عن الانضمام إلى اتفاقية الشراكة والتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي في قمة فيلنيوس 2013، بسبب الضغوط الروسية عليها. أما أوكرانيا، فقد ترددت كثيراً في اتخاذ القرار، حتى حسم الرئيس الأوكراني آنذاك فيكتور يانوكوفيتش موقفه في 17 ديسمبر 2013، وذلك برفضه الانضمام إلى اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي أشعل فتيل الأزمة الأوكرانية الراهنة، والتي بدأت باحتجاجات مؤيدة للشراكة مع الاتحاد الأوروبي في العاصمة كييف، ثم انتقلت إلى المدن الأخرى، وقد نتج عنها عزل الرئيس الأوكراني، الموالي لروسيا، ووصول حكومة موالية للغرب إلى السلطة، وداعمة للشراكة مع الاتحاد الأوروبي، بل وساعية للانضمام إلى حلف الناتو.

وقد نظرت روسيا لهذه التطورات بكثير من القلق، واعتبرتها تهديداً لمصالحها القومية، إذ تعد كييف ذات أهمية استراتيجية لموسكو، حيث إنها بوابة موسكو إلى الغرب، فمن خلالها يعبر الغاز الروسي إلى الاتحاد الأوروبي، كما كانت روسيا ترغب في ضمها إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، لإنشاء تكتل إقليمي جديد يضم بعض دول الاتحاد السوفييتي السابق، كما أن روسيا كانت تنظر إلى أوكرانيا باعتبارها منطقة عازلة بينها وبين أوروبا، خاصة مجموعة دول أوروبا الشرقية السابقة، التي انضمت الآن إلى حلف الناتو. وبالإضافة إلى ما سبق، فإن هذه التطورات مثلت تهديداً لاستمرارية وجود أسطول البحر الأسود الروسي في شبه جزيرة القرم الأوكرانية، حيث استطاعت روسيا في عام 2010 توقيع اتفاق مع كييف، تم بمقتضاه التمديد لبقاء الأسطول الروسي هناك حتى عام 2042. وتمثل القرم أهمية استراتيجية لروسيا، إذ إنها تمنح الأسطول الروسي في البحر الأسود مدخلاً للبحر المتوسط، كما أن السيطرة عليه تضمن السيطرة على البحر الأسود والمناطق المطلة عليه، فضلاً عن إعطائه لروسيا حرية الحركة التكتيكية لقواتها في المنطقة، وهو ما وضح في الحصار الذي فرضته على جورجيا في عام 2008، ونظراً لهذه الاعتبارات، فقد أقدمت روسيا على ضم شبه جزيرة القرم في 16 مارس 2014 .

ثانياً: خريطة ال�سراع على اأنابيب الغاز

تمثلت إحدى تداعيات الأزمة الأوكرانية في قيام الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على روسيا، فضلاً عن الضغط على بلغاريا، لوقف مشروع خط أنابيب "السيل الجنوبي" الذي كان سينقل الغاز الطبيعي الروسي إلى شرق ووسط أوروبا عبر قاع البحر الأسود دون المرور بأوكرانيا، وهو ما أدى لتوتر العلاقات بين روسيا وبلغاريا. وارتبط بهذه المساعي الأوروبية لتنويع مصادر الطاقة، وتقليص الاعتماد على الغاز الروسي، ولذا يدعم الاتحاد الأوروبي خط الأنابيب العابر للأناضول )تاناب( الذي يهدف لنقل الغاز الطبيعي من حقل شاه دنيز الأذربيجان­ي إلى أوروبا عبر جورجيا وتركيا)3،( كما سيتم ربطه بخط أنابيب الغاز العابر للأدرياتي )تاب(، والذي يهدف إلى نقل الغاز الطبيعي الأذري من تركيا إلى اليونان وألبانيا، وعبر البحر الأدرياتيك­ي إلى إيطاليا ومنها إلى دول غرب أوروبا، ويهدف المشروعان إلى تقليل اعتماد أوروبا على الغاز الروسي. وتسعى أوروبا للاستعاضة بالغاز الطبيعي الأذربيجان­ي بديلاً عن الغاز الروسي، إذ من المتوقع أن ينقل خط تاناب نحو 16 مليار متر مكعب من الغاز الأذري في المرحلة الأولى )10 مليارات متر مكعب إلى أوروبا، و6 مليارات متر مكعب إلى تركيا( بحلول عام 2019، وبطبيعة الحال، فإن حجم الغاز الطبيعي المنقول إلى أوروبا عبر تاناب ليس كافياً، ولذلك يسعى الاتحاد الأوروبي لضم دول أخرى إلى المشروع. وتعد أبرز الدول المرشحة لذلك هي تركمانستان، والتي يمكن أن تغطي جانباً مهماً من احتياجات أوروبا من الغاز الطبيعي، غير أن هناك عقبات تواجه انضمام تركمانستان إلى مشروع تاناب، والمتمثلة في: الضغوط الروسية عليها، فضلاً عن وجود خلافات بين تركمانستان وأذربيجان حول تقاسم موارد بحر قزوين من النفط والغاز)4،( وبطبيعة الحال، فإن تركمانستان لن تقف في وجه الضغوط الروسية، ما لم تتم تسوية مشكلة تقاسم ثروات بحر قزوين أولاً. كما أنه على المدى الطويل، من الممكن أن يتم نقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا من كل من إيران والعراق وإقليم كردستان العراق عبر تركيا، أو من حقول الغاز في شرق المتوسط، إلا أنه في الوقت الحاضر تواجه كل من هذه الخيارات عقبات حقيقية)5). فإيران تواجه مشكلة العقوبات الاقتصادية التي يفرضها الغرب عليها، كما أن هناك خلافاً بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان العراق حول أحقية أي من الطرفين في إبرام عقود النفط في المناطق المتنازع عليها في شمال العراق، فضلاً عن وجود مشكلات حول كيفية استغلال غاز شرق المتوسط بين الدول المشاطئة.

ثالثاً: اأبعاد ال�سيا�سة الرو�سية الجديدة تجاه الاتحاد الاأوروبي

يمكن القول إن السياسة الروسية تجاه الاتحاد الأوروبي تهدف إلى تحقيق هدفين أساسيين هما التأكيد على أن لروسيا خطوطاً حمراء لا يجب تجاوزها، تتمثل في عدم اختراق حلف الناتو أو الاتحاد الأوروبي لمجالها الحيوي في شرق أوروبا ومنطقة القوقاز، وأن يكون هناك نظام عالمي متعدد الأقطاب، يتمتع فيه الاتحاد الأوروبي بقدر كبير من الاستقلالي­ة عن الولايات المتحدة الأميركية في إدارة علاقاته الدولية، ويرتبط بذلك عدم وجود جبهة غربية موحدة ضدها من خلال الاحتفاظ بحلفاء لها داخل الاتحاد الأوروبي، ومن أجل تحقيق هذين الهدفين، فقد تبنت روسيا السياسات التالية: 1- دعم الأحزاب القومية: إذ تقوم روسيا بدعم الأحزاب القومية في أوروبا، وتتبنى هذه الأحزاب أجندة تقوم على انتقاد الاتحاد الأوروبي، والمطالبة بتجميده، أو حتى حلّه تماماً، كما أن هذه الأحزاب ترفض الهيمنة الأمريكية، وتطالب بعضها بالانسحاب من حلف الناتو، وترى هذه الأحزاب أن إقامة علاقات متزنة مع روسيا تعد وسيلة جيدة لتحقيق الهدفين، ولذلك نجد أن هذه الأحزاب أكثر تفهماً للموقف الروسي من الأزمة الأوكرانية. فقد انتقدت ماري لوبان، زعيمة حزب الجبهة القومية الفرنسي،

الحكومة التي تولت إدارة البلاد في أعقاب الإطاحة بالرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش، واعتبرتها حكومة غير شرعية، وتضم عناصر متطرفة، غير أن معظم هذه الأحزاب ليست في السلطة، ومن ثم فإن تأثيرها على السياسة الخارجية لبلدانها يظل محدوداً، وتقوم موسكو بدعم هذه الأحزاب، بالإضافة إلى محاولتها التشبيك بين الأحزاب القومية على مستوى الاتحاد الأوروبي. وتجدر الإشارة إلى أن روسيا تدعم الأحزاب القومية، سواء كانت يمينية متطرفة أو أحزاب يسارية، ففي الوقت الذي تدعم فيه روسيا حزب الجبهة القومية المتطرف في فرنسا، تقوم بدعم حزب سيريزا اليساري الراديكالي في اليونان، وهو الحزب الذي استطاع الوصول إلى السلطة، بعد الفوز بالانتخابا­ت التشريعية في يناير 2015. 2- إعادة تشكيل خريطة التحالفات الروسية في أوروبا. تحاول موسكو إعادة رسم خريطة تحالفاتها مع الدول الأوروبية، خاصة في أعقاب الأزمة الأوكرانية، وتراجع علاقاتها بتلك الدول، فتاريخياً تمتعت روسيا بعلاقات قوية مع ألمانيا، سواء في فترة الحرب الباردة أو بعدها. وقد انعكس هذا التقارب على العلاقات الاقتصادية بينهما، فقد كانت ألمانيا أكبر شريك تجاري لروسيا في الاتحاد الأوروبي، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بينهما 76.5 مليار دولار في عام 2013، ومثلت صادراتها ثلث إجمالي الصادرات الأوروبية لروسيا، كما تعتبر ألمانيا أكبر مستورد أوروبي للطاقة من روسيا. ويضاف إلى ذلك التعاون التكنولوجي بين البلدين والاستثمار­ات الألمانية الواسعة في روسيا، حيث توجد ستة آلاف شركة ألمانية تستثمر في روسيا، كما اتفق الجانبان على إطلاق مشروع خط أنابيب الشمال (نورد ستريم) لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى ألمانيا مباشرة، غير أن الأزمة الأوكرانية جاءت لتؤثر سلباً على علاقات التعاون بين البلدين. كما تضررت العلاقات الروسية – الفرنسية هي الأخرى، ومن ذلك تراجع فرنسا عن تسليم حاملة طائرات هليكوبتر من طراز ميسترال إلى روسيا. وعلى الرغم من ذلك استمرت المساعي الروسية لتفتيت الجبهة الأوروبية – الأطلسية المناهضة لروسيا داخل الاتحاد الأوروبي، ولذلك سعت روسيا للحفاظ على علاقاتها القوية بالمجر، والتي تنظر إليها موسكو باعتبارها أحد أهم شركائها السياسيين والاقتصادي­ين في أوروبا، كما أن رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان يدعم الحفاظ على علاقات قوية مع روسيا على الرغم من العقوبات الغربية، وهي السياسة التي يدعمها أغلب الشعب المجري. ومن جانب آخر، تحتل تركيا مركزاً متقدماً في دائرة اهتمامات روسيا، فأثناء زيارته لأنقرة، في ديسمبر 2014، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن إطلاق مشروع غاز "السيل التركي" (Turkish Stream ) بالشراكة مع تركيا(6،( ويعتبر هذا المشروع بديلاً عن المشروع الذي كانت روسيا تنوي القيام به مع بلغاريا، فبدلاً من أن يمر خط أنابيب الغاز عبر بلغاريا والبحر الأسود، فسوف يتم نقل الغاز من روسيا إلى تركيا عبر البحر الأسود، ثم إلى اليونان وعدد من الدول الأوروبية)7.( وقد قامت الولايات المتحدة مؤخراً بالضغط على اليونان للانسحاب من مشروع "السيل التركي" من خلال التلويح بإعطائها قروضاً من صندوق النقد الدولي. 3- توظيف ورقة الطاقة: إذ تحاول روسيا أن تستقطب المجر، والتشيك ويوغوسلافي­ا السابقة في أوروبا الشرقية، وبعد وصول حزب سيريزا إلى الحكم في اليونان، تحاول روسيا، من خلال التعاون مع البلدان التي كانت تشكل يوغوسلافيا السابقة، أن تؤسس تحالفاً موالياً لها في شرق أوروبا، من خلال بيع الغاز الطبيعي بأسعار منخفضة، خاصة في ضوء اعتماد أوروبا الشرقية على موارد الطاقة الروسي، ولذلك تسعى روسيا إلى تطوير مشروعات لنقل الغاز من أراضيها إلى أوروبا قبل بداية العمل بمشروع خط الأنابيب العابر للأناضول (تناب)، وخط الأنابيب العابر للبحر الأدرياتيك­ي (تاب). وفي الختام، يمكن القول إن السياسة الروسية تهدف لتوظيف علاقاتها السياسية مع الأحزاب الأوروبية، فضلاً عن علاقاتها الطيبة ببعض الدول الأوروبية، بالإضافة إلى ملف الطاقة من أجل تحقيق هذه الأهداف، وهي الأهداف التي لاتزال تواجه تحدياً كبيراً في أعقاب الأزمة الأوكرانية والمساعي الأمريكية لعزل روسيا.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates