Trending Events

تهديدات متصاعدة:

قلق إزاء تمدد ”داعش“ في جنوب شرق آسيا

- زو سونج باحثة متخصصة في العلاقات الدولية - برنامج دراسات الدول النامية، جامعة تسينجهو - بكين

يتنامى نفوذ تنظيم "داعش" بصورة ملحوظة في جنوب شرق آسيا، ولعل من ملامح ذلك التحاق حوالي 518 إندونيسياً)1( وحوالي 60 – 150 ماليزياً)2( بالتنظيم في العراق وسوريا، بل ويعتقد أن سبعين فرداً على الأقل من القوات المسلحة الماليزية على صلات مباشرة بالتنظيم)3،( كما انضمت أعداد محدودة للتنظيم من سنغافورة والفلبين.

�أولاً: تد�عيات �نت�صار «د�ع�ش» في �لمنطقة

تخشى حكومات الدول في جنوب شرق آسيا من قيام داعش بإعلان الجهاد على أراضيها(4،( ومن التهديدات الأمنية التي يفرضها المنتسبين لداعش على الاستقرار الداخلي لهذه الدول، ولعل من مؤشرات ذلك، إقدام مراهق سنغافوري بالتخطيط لاغتيال مسؤول حكومي، إذا ما فشل في الانضمام إلى "داعش" في الشرق الأوسط)5،( كما انتشرت رسائل نصية على الهواتف المحمولة، تهدد باغتيال الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو(6)، فضلاً عن المحاولة الفاشلة لشن هجوم كيماوي على مول تجاري في مدينة ديبوك الإندونيسي­ة من قبل عناصر موالية لداعش في فبراير 2015. وتجدر الإشارة هنا إلى أن تقييم خطر المنضمين ل"داعش" على أمن واستقرار دول جنوب شرق آسيا، يتطلب في المقام الأول التمييز بين ثلاثة أنواع من المنتسبين للتنظيم، وهم: • المقاتلين الذين يحاربون في صفوف التنظيم في منطقة الشرق الأوسط، وليس لديهم أي نية للعودة لبلدانهم الأصلية. • المدنيون الذين هاجروا إلى سوريا والعراق للعيش في ظل الخلافة الإسلامية، كما يتوهمون. • العسكريون والمدنيون الذين يخططون للعودة لبلدانهم الأصلية، إما للقيام بعمليات إرهابية أو لتجنيد مزيد من الأفراد للانضمام إلى التنظيم. وبطبيعة الحال، فإن الفئة الأخيرة، هي التي تمثل خطراً كبيراً على أمن دول جنوب شرق آسيا في المستقبل المنظور، خاصة إذا ما كانوا على صلة بأي من الجماعات المتطرفة المحلية، أو أنهم ينوون إقامة مثل هذه الصلات عند عودتهم.

ثانياً: �لترتيبات �لاأمنية لمو�جهة خطر « د�ع�ش »

شرعت دول جنوب شرق آسيا، خاصة إندونيسيا وماليزيا في اتخاذ عدد من الإجراءات الأمنية لمواجهة مخاطر المنتسبين للتنظيم والحد من انضمام مزيد من الأفراد إليه، فضلاً عن التنسيق وتبادل المعلومات الاستخبارا­تية فيما بينهم، بل والتعاون مع الولايات المتحدة لمواجهة خطر التنظيم. 1- الإجراءات الإندونيسي­ة أصدرت الحكومة الإندونيسي­ة قراراً بحظر تنظيم "داعش" أو الانضمام إليه على أساس أن أيديولوجية التنظيم تجافي المبادئ الأساسية التي قامت عليها الدولة الإندونيسي­ة، والتي تؤكد في مجملها على حق الأفراد في اختيار دينهم، والحفاظ على الوحدة الوطنية في إطار التنوع، وبالتالي فإن "داعش" تحول إلى تهديد ماس ببنية الدولة الإندونيسي­ة.

واتخذت الحكومة الإندونيسي­ة عدداً من الإجراءات لاحتواء تمدد التنظيم، تتمثل فيما يلي: 1- وضع قيود على سفر مواطنيها إلى مناطق الصراع في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، ومقاضاة المنضمين للتنظيم جنائياً وإسقاط الجنسية عنهم)7(. 2- انخراط المؤسسات الأمنية المختلفة في مكافحة الإرهاب، ومن ذلك: • قيام الكتيبة 88، وهي الوحدة الخاصة بمكافحة الإرهاب داخل الشرطة الإندونيسي­ة، باعتقال محمد فخري، المتهم بتجنيد مقاتلين إندونيسيين باستخدام الإنترنت، وتمويلهم للانضمام إلى "داعش"، كما تم إلقاء القبض على 16 من هؤلاء المجندين، ومنعهم من السفر إلى تركيا(8). • قيام الجيش الإندونيسي بشن هجوم في جزيرة سولاويزي للقبض على عناصر ذات صلة بتنظيم "داعش"، وتعد هذه الجزيرة أحد مواطن التطرف، كما أنها شهدت عنفاً طائفياً بين المسلمين والمسيحيين في السابق(9). • قيام الاستخبارا­ت الإندونيسي­ة بالتنسيق مع الأجهزة المناظرة لها في الدول المجاورة. 3- وقف التحويات المالية، إذ قام المركز الإندونيسي لتقارير وتحليلات المعاملات المالية Indonesian (Financial Transactio­n Reports and Analysis Center)، برصد تحويلاً مالياً بقيمة 525 ألف دولار أمريكي من أستراليا إلى مناصري "داعش" في إندونيسيا)10(. 4- نشر الفكر الإسامي المعتدل، من خلال تعاون الحكومة الإندونيسي­ة مع شيوخ الدين المؤثرين لمحاربة الأفكار المتطرفة، على أساس أنه لا يمكن محاربة الفكر المتطرف، إلا من خلال نشر الفكر المعتدل. 5- تشديد الرقابة على السجون ومراكز الاعتقال: وعلى الرغم من هذه الإجراءات، فإن أحد أهم أوجه القصور في الحالة الإندونيسي­ة يتمثل في غياب التنسيق بين الأجهزة الأمنية المعينة بمكافحة الإرهاب، وذلك على الرغم من استحداث مكتب التنسيق للقضاء على الإرهاب (Terrorism Eradicatio­n Coordinati­ng Desk )، منذ تفجير بالي الإرهابي في عام 2002، وهو ما يمكن إرجاعه إلى حالة العداء والتنافس بين الجيش والشرطة. 2- الجهود الماليزية: قامت ماليزيا باتخاذ إجراءات تشريعية ومؤسسية لمكافحة "داعش"، فعلى النقيض من إندونيسيا، والتي قامت بتمرير القانونين 15 و16 لمكافحة الإرهاب في عام 2013، فإن ماليزيا لم تصدر "قانون منع الإرهاب" إلا في 7 أبريل 2015، ويتيح القانون الجديد اعتقال المشتبه به لمدة تصل إلى عامين، وذلك قبل العرض على المحاكمة، وهو ما أثار حفيظة جماعات حقوق الإنسان)11 (. كما تم اتخاذ إجراءات استباقية، ومن ذلك اعتقال الشرطة لحوالي 75 مشتبهاً على صلة محتملة بداعش)12،) كما قامت ماليزيا بسحب الجوازات، وتجميد أرصدة الداعمين ل"داعش". 3- التعاون الأمني بين دول جنوب شرق آسيا: أبدت دول جنوب شرق آسيا استعدادها للتعاون مع بعضها البعض لمكافحة خطر "داعش"، خاصة مع وجود صلات قوية بين الجماعات الإرهابية في كل من إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وجنوب الفلبين، ولذلك فإن تبادل المعلومات الاستخبارا­تية بين هذه الدول يعد ضرورة.

فقد قامت دول جنوب شرق آسيا بالتعاون مع دول الشرق الأوسط وجنوب آسيا من أجل التعاون في مكافحة "داعش"، فقامت وزارة الخارجية الإندونيسي­ة بالتعاون مع هذه الدول من أجل عدم إصدار تأشيرات سفر للمواطنين الإندونيسي­ين المشتبه في مناصرتهم ل"داعش")13(.

وتعد الولايات المتحدة حليفاً مهماً في مكافحة التنظيم، فقد قام رئيس هيئة الأركان الجنرال مويلدوكو بإبداء رغبته لنظيره الأمريكي الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة أركان القوات المشتركة الأمريكية لإرسال ضباط إندونيسيين إلى واشنطن كمراقبين في فرق العمل المعنية بمكافحة تنظيم "داعش")14(.

وقد صرح الرئيس الفلبيني بنينو أكينو الثالث بأنه قدم الدعم للولايات المتحدة في مسعاها للقضاء على داعش)15،) بينما كانت سنغافورة من أولى الدول التي انخرطت في المجهود الأمريكي لمحاربة "داعش".

وعلى الرغم من تلك الجهود المبذولة لمكافحة التنظيم، فإن هذا لا ينفي وجود أوجه قصور تتمثل فيما يلي: • عجز هذه الدول عن إغلاق مواقع التواصل الاجتماعي التي تروج للتنظيم، وتجند له مزيداً من الأنصار، ولذلك شرعت هذه الدول في المقابل، وبمساعدة أمريكية وبريطانية في نشر محتوى إعلامي مضاد على مواقع التواصل الاجتماعي تهدف للكشف عن الجانب الدموي واللاإنسان­ي لتنظيم "داعش"، والتجاوزات التي يرتكبها بحق المسلمين. • صعوبة تطبيق قوانين مكافحة الإرهاب على المنتسبين للتنظيم الذين لم ينخرطوا في أعمال عنف، ولعل المثل الأبرز على ذلك الحالة الإندونيسي­ة، فعلى الرغم من قيام محمد فخري بالترويج ل"داعش"، فإنه من الصعب محاكمته جنائياً بموجب القانون الإندونيسي، لأنه لم ينخرط في ارتكاب أعمال عنف)16(.

ولعل الاستثناء على هذه القاعدة هي سنغافورة، والتي قامت باعتقال شاب في التاسع عشر من عمره، بسبب تخطيطه للانضمام إلى "داعش"، غير أنه سيكون من الصعب على دول مثل إندونيسيا أو ماليزيا أن تحذو حذو سنغافورة، نظراً لأن ذلك سيثير احتقاناً سياسياً داخلياً.

لا يجب الاستهانة بخطر تأثير "داعش" على جنوب شرق آسيا، والذي أصبح العامل المحرك وراء إعادة إحياء الجماعات الإرهابية في المنطقة، بعد أن كانت العوامل المحلية هي المحرك الأساسي لنشأة الجماعات الإرهابية.

ثالثاً: موقف �لجماعات �لاإ�صلامية �لمتطرفة من »د�ع�ش«

وفقاً لأسنياد مباي، المدير السابق لوكالة مكافحة الإرهاب الإندونيسي­ة، فقد قامت حوالي 18 جماعة إسلامية محلية بإعلان الولاء ل"داعش")17،) كما شهد عدد محدود من الجامعات الإندونيسي­ة تظاهرات أو أنشطة داعمة ل"داعش" رفع خلالها أعلام التنظيم.

وتتمثل أخطر الجماعات التي أعلنت ولاءها ل"داعش" في تنظيم الجماعة الإسلامية، والذي تلقى تمويلاً مالياً من جماعة أبو سياف الإرهابية، والقاعدة، فضلاً عن قيامها بعدة تفجيرات في بالي وجاكرتا ومانيلا، وكانت الجماعة الإسلامية أعلنت نبذها للعنف في إندونيسيا في عام 2007، غير أنها تراجعت فيما يبدو عن موقفها هذا، إذ قامت مؤخراً بدعم "داعش")18(.

وفي الفلبين، قامت ثلاث جماعات بالإعلان عن الولاء ل"داعش" وهي: جماعة أبو سياف، والحركة الإسلامية التابعة لرجا سليمان، وحركة بانجسامورو من أجل الحرية الإسلامية، وحركة العلم الأسود)19(.

غير أن التعاون بين الجماعات المتطرفة في جنوب شرق آسيا و"داعش" لا يعني أن الجماعات المتطرفة المحلية لديها الفرصة في التوسع وتجنيد مزيد من المقاتلين، نظراً لأن نمط التجنيد الذي تتبعه هذه الجماعات لم يتغير، والذي لا يزال يعتمد على تجنيد الأفراد من أفراد العائلة المقربين أو المنتسبين للمدارس الإسلامية، غير أنه في نفس الوقت لا يجب الاستهانة بخطر تأثير "داعش" على جنوب شرق آسيا، والذي أصبح العامل المحرك وراء إعادة إحياء الجماعات الإرهابية في المنطقة، بعد أن كانت العوامل المحلية هي المحرك الأساسي لنشأة الجماعات الإرهابية(20).

� لخاتمة

وفي الختام، يمكن القول إن الجماعات الإسلامية المتطرفة في جنوب شرق آسيا قد ضعفت بصورة كبيرة نتيجة إجراءات مكافحة الإرهاب التي اتبعتها دول المنطقة خلال العقد الأخير، وبالتالي فإن إعلان هذه الجماعات ولاءها ل"داعش" لن يترجم في صورة زيادة في وتيرة العمليات الإرهابية على المدى القصير.

ولكن من المتوقع أن يتغير هذا الوضع عندما يعود من التحق منهم بالتنظيم إلى بلدانهم الأصلية، مسلحين بالخبرة والتدريب العسكري، والمهارات القيادية، والعقائد المتطرفة، والتمويل، فضلاً عن أساليب الدعاية باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي)21،) وهو ما يفرض تهديدات أمنية كبيرة على دول جنوب شرق آسيا.

كما من المتوقع أن يتحول نمط العمليات الإرهابية لهذه الجماعات من استهداف قوات الجيش والشرطة إلى استهداف المدنيين، وهو ما يتطلب من حكومات الدول المعنية أخذ الحذر وأخذ إجراءات وقائية لقطع الاتصال بين "داعش" والجماعات الإرهابية المحلية.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates