Trending Events

توتر محتدم:

التشاحن الأمريكي - الروسي تحت مظلة حلف الناتو

- أليس لوماس باحثة متخصصة في العلاقات الدولية

تعتبر روسيا تمدد حلف شمال الأطلسي (الناتو) بالقرب من حدودها الغربية تهديداً ماساً بأمنها القومي، وفي مواجهة ذلك، رفعت موسكو ورقة حماية الأقليات الروسية في دول الاتحاد السوفييتي السابق، كإنذار لهذه الدول بأن انضمامها للناتو لا يمكن أن يضمن أمنهم في مواجهتها، كما أن روسيا تصنف حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة باعتبارهما تهديداً لأمنها القومي في عقيدتها العسكرية الصادرة في عام 2015، ويثار هنا التساؤل، وفي ضوء الأزمة الأوكرانية، حول حدود المواجهة ما بين روسيا والناتو.

�أولاً: �صيا�صات رو�صية حازمة وتردد �أطل�صي

فاجأت خطوة ضم روسيا لجزيرة القرم دول أوروبا، على الرغم من أن الإرهاصات الأولى للسياسات العدوانية لموسكو تعود للأزمة الروسية – الجورجية التي اندلعت في أغسطس 2008، وقامت دول البلطيق بحث حلف الناتو وقادة أوروبا لاتخاذ موقف أكثر صرامة ضد روسيا، وهو ما اعتبر حينها موقفاً مبالغاً فيه من دول البلطيق، وقد جاءت أحداث أوكرانيا لتغير من تلك الصورة، ودفعت الحلف للتركيز على حماية حلفائه بشكل أكبر.

وقد اتضح ذلك خلال اجتماع وزراء دفاع الدول الأعضاء في الحلف في بروكسل في يونيو 2015، إذ صرّح ينس شتولتنبرج – الأمين العام لحلف شمال الأطلسي – بأن المنظمة ترغب في رؤية أوكرانيا قوية ومستقلة ومستقرة مالياً. وأضاف قائلاً "سنساعد أوكرانيا في إصلاح قواتها المسلحة، فضلاً عن بناء مؤسسات للدفاع الوطني.. وسندعمها كذلك بالدفاع الإلكتروني"(1 ).

وعلى الرغم من هذا الموقف، فإنه لم يتبلور بعد في سياسات واضحة، إذ ظلت الآراء داخل الناتو منقسمة حول كيفية التعامل مع الأزمة الأوكرانية؛ نظراً لأنها ليست عضواً

في الحلف. وهو ما يعني في التحليل الأخير أن احتمال تقديم الحلف معونة عسكرية لأوكرانيا لايزال غير مرجح، كما اكتفى الناتو والقادة الأوروبيون بتوجيه الاتهامات إلى روسيا بإرسال جنود وأسلحة ثقيلة للانفصاليي­ن الموالين لها في شرق أوكرانيا، وهو ما نفته روسيا مراراً، مكتفية بالتأكيد على أن المقاتلين الروس في أوكرانيا ما هم إلا متطوعون(2).

وقد أغضبت هذه المواقف دول البلطيق، خاصة إستونيا، إذ يرى الرئيس الإستوني "توماس هندريك إلفيس" ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة ضد روسيا، وذلك من خلال تطبيق سياسة الاحتواء ضدها، وهو ما يعني عدم الاكتفاء بعزل روسيا لخرقها القوانين الدولية، من وجهة نظره، ولكنه يعني وقف مساعيها التوسعية باتخاذ مواقف أكثر صرامة، ودعم أوكرانيا اقتصادياً في مواجهة موسكو"(3).

وفي المقابل تتبنى روسيا سياسات عسكرية حازمة، إذ زادت في الآونة الأخيرة من تدريباتها العسكرية، وطورت قدرات نووية جديدة، واتبعت استراتيجية تميل إلى تطوير قدراتها العسكرية الهجومية، وفي الوقت الذي يقوم فيه حلف شمال الأطلسي بالإعلان عن قيامه بإجراء تدريبات عسكرية، لا تقوم روسيا بالمثل. وقد أثارت كل هذه التحركات حفيظة

الناتو، إذ صرح ينس شتولتنبرج بأن "استعراض موسكو لقوتها النووية بهذا الشكل غير مبرر، فمن شأنه زعزعة الاستقرار، وهو أمر خطير".

ويرى ينس أن ما يتخذه حلف الناتو من خطوات مناسبة. فوفقاً له، فإن تحركات الناتو الآن في دول شرق أوروبا الأعضاء في الحلف هو أمر دفاعي ويتسق تماماً مع التزاماته الدولية)4) وأن هذا ما كان يجب أن يفعله الحلف في السابق، حتى لا يدع الأمور تتطور بذلك الشكل من قبل الجانب الروسي. وفي مقابل ذلك، صرح بوتين، عقب تعليق ينس، بأن روسيا ستضطر لتوجيه قواتها المسلحة نحو أي دولة قد تهدد أمنها)5 (.

ثانياً: �لتوتر �لاأمريكي - �لرو�صي في �صرق �أوروبا

يعد الصراع الظاهر بين روسيا وحلف شمال الأطلسي وجهاً للصراع القائم بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، ولعل الوجود الأمريكي في أوروبا الشرقية يبعث برسالة واضحة إلى روسيا، بأن الولايات المتحدة ستدعم أوروبا الشرقية في حالة المواجهة العسكرية.

وتأكيداً لالتزامها هذا، قررت الولايات المتحدة نشر أسلحة ثقيلة – تتضمن دبابات وعربات مدرعة ومدفعية – في بعض دول أوروبا الشرقية، فقد ذكر وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر أنه سيتم وضع المعدات في بلغاريا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا ورومانيا)6،) وهي الخطوة التي تهدف لتهدئة مخاوف هذه الدول، وتطمينهم بأن الموقف الروسي من أوكرانيا غير قابل للتكرار معهم.

ومن جانبها أدانت روسيا بالطبع تلك الخطوة، وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن روسيا ستضع أكثر من 40 صاروخاً باليستياً جديداً عابراً للقارات في الخدمة في عام 2015، وهو جزء من برنامج واسع المدى لتحديث الجيش الروسي) 7 (.

وقد بدا هذا الدعم الأمريكي لدول البلطيق جلياً مع زيارة الرئيس الأمريكي أوباما لإستوينا في 3 سبتمبر 2014، والتي سبقت قمة ويلز لحلف شمال الأطلسي، فقد أعلن أوباما للعالم، خلال زيارته تلك أن حماية دول البلطيق مكفولة دائماً من قبل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي)8(.

وقد جاءت هذه التصريحات على خلفية استمرار التوتر بين روسيا وإستونيا الدائرة منذ 2007 والتي فجرتها حادثة نقل تمثال برونزي لجندي سوفييتي، في إشارة للدور الذي لعبه السوفييت في تحرير المنطقة خلال الحرب العالمية الأولي، حيث تم نقله من وسط تالين "عاصمة إستونيا" إلى مقبرة عسكرية خارج المدينة.

ورداً على ذلك، هدد القادة الروس بخفض حجم صادرات المنتجات النفطية، والفحم والمعادن إلى إستونيا إلى النصف. فقد كانت روسيا تعتبر التمثال رمزاً للتحرر من الفاشية، بينما اعتبرته إستونيا تذكرةً بالقمع السوفييتي)9.) وردت روسيا أثناء تلك الاحتجاجات بهجمات إلكترونية على المواقع الإستونية، مما أدى في نهاية المطاف إلى إنشاء مركز التميز التعاوني في مجال الدفاع السيبيري التابع لحلف شمال الأطلسي في إستونيا. وقد أسفرت هذه الحادثة عن سلسلة لا تنتهي من المواقف العدائية بين الجانبين الروسي والإستوني، وقد زاد من حدة التوتر أن الحدود بين البلدين لم يتم الاتفاق على ترسيمها بصورة نهائية.

ثالثاً: تر�جع حلف �لاأطل�صي �أمام رو�صيا

سعى حلف الناتو لاتخاذ خطوات مضادة للتحركات الروسية لتطمين حلفائه في شرق أوروبا، فقام حلف شمال الأطلسي بأكثر من 150 طلعة جوية عسكرية رداً على تحليق المقاتلات الروسية فوق سماء دول البلطيق(10،) ولكن يظل حلف شمال الأطلسي في الموقف الأضعف مقارنةً بروسيا، نظراً لعجز الناتو عن تطوير استراتيجية متكاملة للرد على التحركات الروسية في شرق أوروبا، وهو ما يمكن إرجاعه للأسباب التالية: • سعي عدد من الدول الغربية لحل التوترات مع روسيا بالطرق الدبلوماسي­ة، خاصة مع إدراكهم أن الدخول في مواجهة فعلية مع روسيا سيظهر عجز حلف الناتو عن ردع موسكو. • إدراك الكرملين أن الهجمات الإلكتروني­ة الروسية، وتوظيف ورقة النفط والغاز كوسائل ضغط، وحتى عمليات اغتيال المعارضين السياسيين في الخارج، ليست مبرراً كافياً لحلف شمال الأطلسي لتطبيق المادة الخامسة من ميثاق الحلف)11(، والتي تنص على أن أي هجوم مسلح ضد أي من أعضاء الحلف يعد هجوماً على دول الحلف كافة بما يتيح لها حق الدفاع عن النفس. • انقسام الحلف حيال الكيفية التي يجب بها التعامل مع روسيا، فقد كشف استطلاع رأي قام به مركز بيو للأبحاث مؤخراً عن وجود تردد واضح في مواقف بعض دول "أوروبا القديمة"، خاصة ألمانيا، حيال التدخل العسكري ضد روسيا، في حالة إذا هاجمت الأخيرة أحد حلفاء حلف شمال الاطلسي)12،) فقد أظهرت نتائج الاستطلاع أن 48% فقط ممن شاركوا من دول الحلف يؤيدون فكرة استخدام بلادهم للقوة لمساعدة أي عضو آخر في الحلف إذا ما تعرض لهجوم من قِبل روسيا. في حين أن الألمان كانوا الأكثر رفضاً، حيث أشار 58% إلى أنهم لا يؤيدون استخدام دولتهم للقوة العسكرية لمساعدة أي عضو آخر في الحلف ضد روسيا، وكذلك عارض 53% من الفرنسيين المشاركين في الاستطلاع هذه الفكرة(13).

على الرغم من العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي مؤخراً على روسيا كجزء من الاستراتيج­ية الغربية الرامية للضغط على بوتين لكي يغير حساباته، فإن هذه الجهود لن تكون ذات تأثير يذكر، ففي الوقت الذي يتراجع فيه الاقتصاد الروسي، فإن مكاسب بوتين السياسية الداخلية تفوق بكثير خسائره الدولية.

• حماية المصالح التجارية لبعض دول الحلف مع روسيا، إذ إن للعلاقات التجارية بين روسيا وبعض الدول الأوروبية تأثيرها على موقفهم تجاه موكسو، فعلى الرغم من تأجل بيع فرنسا لحاملة الطائرات ميسترال لروسيا، فإن هذه الصفقة توضح أن فرنسا على استعداد للتعاون العسكري مع روسيا عندما يكون اقتصادها على المحك. وينطبق الأمر ذاته على هولندا، التي لا تزال حذرة بشأن اتهام روسيا بمسؤوليتها عن إسقاط جنود موالين لها لطائرة تابعة للخطوط الجوية الماليزية (17-MH) فوق أوكرانيا في يوليو 2014. وعلى الرغم من العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي مؤخراً على روسيا لستة أشهر أخرى كجزء من الاستراتيج­ية الغربية الرامية للضغط على بوتين لكي يغير حساباته(14)، فإن هذه الجهود لن تكون ذات تأثير يذكر، ففي الوقت الذي يتراجع فيه الاقتصاد الروسي، فإن مكاسب بوتين السياسية الداخلية تفوق بكثير خسائره الدولية.

خاتمة

لا يمكن النظر للتوترات الحالية بين حلف الناتو وروسيا على أنها بمنزلة إرهاصات لحرب باردة جديدة، ولا يعود ذلك فحسب إلى صعوبة الحديث عن مثل تلك الحرب مرة أخرى، ولكن نظراً لأن المواجهة الحقيقية هي بين الولايات المتحدة وروسيا على المسرح الأوروبي، ففي واقع الأمر، إذا كانت التوترات القائمة بين روسيا ودول الاتحاد الأوروبي، فإن فلاديمير بوتين يعلم جيداً كيف يتعامل معهم.

ومن جهة أخرى، فإن المؤشرات الواقعية لا تشير إلى وجود سباق تسلح أو وجود تعبئة متبادلة للقوات المسلحة بين روسيا ودول الناتو، فروسيا تعمل حالياً على تحديث قواتها المسلحة، وينطبق الأمر ذاته على حلف شمال الأطلسي الذي لا يزال ملتزماً باتفاقات ضبط التسلح، فالتحركات العسكرية الأخيرة، في أغلبها، هي نقل للعداد العسكري من غرب أوروبا إلى شرقها.

ومن جهة ثالثة، كانت السياسة الخارجية لإدارة أوباما أقل حزماً بالمقارنة بإدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش. وربما أدى ذلك إلى اتباع روسيا سياسات أكثر عدائية، وبينما كان بوش على علم تام بكيفية إدارة علاقاته مع بوتين فيما يخص ملفات الإرهاب والاقتصاد والجيش، لم يسر أوباما على النهج نفسه، نظراً لأنه لم يوطد علاقته الشخصية ببوتين كما فعل بوش.

وفضلاً عما سبق، فإن إحجام الغرب عن التعامل بصرامة مع ضم روسيا للقرم، أدى إلى شعور موسكو بأنه بإمكانها أن تفعل ما تريد بالدول، التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق، وعلى الرغم من أن حلف شمال الأطلسي قد حوّل تركيزه مرة أخرى إلى حلفائه، ويقوم حالياً بتغيير سياساته لتأمين أوروبا، فإنه كان بإمكانه اتخاذ سياسات إضافية لكبح جماح روسيا، وإن حالت الانقسامات الداخلية دون ذلك.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates