Trending Events

المعادلات الحرجة:

أثارت قوانين مكافحة الإرهاب التي تبنتها بعض دول العالم في أعقاب تصاعد العمليات الإرهابية في الفترة الأخيرة جدلاً متصاعداً حول تأثيرها على الحريات والحقوق السياسية للمواطنين، ومدى إمكانية تحقيق التوازن بين الأمن والحرية في إجراءات مكافحة الإرهاب خاصة بعد ا

- د.إسراء أحمد إسماعيل دكتوراه في العلوم السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة

وصعد اتجاهان في هذا الصدد، الاتجاه الأول: والذي تقوده الحكومات، يرى ضرورة توسيع صلاحيات السلطات الأمنية لتفعيل دورها في مكافحة الإرهاب، وهو ما تجسّد في سن مشروعات جديدة لمكافحة الإرهاب، والاتجاه الثاني: يرى أن مثل هذه الإجراءات تمثل رِدة للقيم الديمقراطي­ة، لأنها تصطدم مع ثوابت رئيسية تتضمن احترام الخصوصية، وضمان الحريات والحقوق الشخصية، فيما حاول البعض تشبيه موقف الحكومات بأنها تمارس نوعاً من المقايضة على الشعوب وتخيرهم بين الحرية والأمن.

�أولاً: �إجر�ء�ت مكافحة �لتنظيمات �لاإرهابية

قامت العديد من الحكومات في العالم بوضع تشريعات جديدة مشدَّدة أو تعديل التشريعات القائمة وتحديثها، بهدف مكافحة الإرهاب، والتصدي لانضمام الشباب إلى الجماعات الإرهابية خاصة تنظيم "داعش"، بعد تزايد الانضمام إليها من المقاتلين الأجانب، ويمكن إجمال الإجراءات التي تضمنتها مشروعات القوانين الجديدة فيما يلي: تسهيل القيام باعتقالات وقائية، ومنع الخاضعين للمراقبة من السفر دون إذن قضائي، وسحب جوازات السفر من المشتبه بهم، وتعليق المعاملات البنكية المشبوهة، وتجريم التحريض على الأعمال الإرهابية، وتجريم الترويج للإرهاب.

وفي السياق ذاته تم وضع العديد من الإجراءات الوقائية فيما يتعلق بالفضاء الإلكتروني منها على سبيل المثال: مراقبة المواقع الإلكتروني­ة، وإلزام الجهات التي توفر خدمات الإنترنت والهواتف المحمولة ومواقع التواصل الاجتماعي بالكشف عن وحفظ المعلومات عن بعض المشتبه بهم وتسليمها للسلطات الأمنية، ورصد المكالمات الهاتفية والرسائل النصية والإلكترون­ية للمشتبه بهم من دون اللجوء إلى إذن قضائي.

كما تم وضع عدد من الإجراءات والتي يرى البعض أنها تمثل انتهاكاً للحرية الشخصية للأفراد منها: تمديد فترات الحبس الاحتياطي، والمنع المؤقت لعودة المشتبه بهم إلى أراضي الدولة في حالة سفرهم، وإلزام المساجد والمدارس والجامعات بالإبلاغ عن المشتبه بصلتهم بمتطرفين، وفرض الرقابة على نشر الأخبار والبيانات الصحفية المتعلقة بالعمليات

الإرهابية. ومن أبرز الدول التي قامت بتطبيق هذه الإجراءات: 1- أستراليا: حيث أعلن رئيس الحكومة "توني ابوت" في شهر مايو 2015 أن بلاده سوف تعتمد مشروعاً جديداً لمكافحة الإرهاب، من المتوقع أن يتضمن سحب الجنسية من أصحاب الجنسية المزدوجة في حال تورطهم في عمليات إرهابية، الأمر الذي قد يؤثر على الجيل الثاني من الاستراليي­ن من أصول أجنبية. كما أن الذين ستُسحب منهم الجنسية سيخسرون أيضاً حقوقاً أخرى من بينها التصويت في الانتخابات، والخدمات الاجتماعية، ومخصصات حكومية أخرى. وتتجه الحكومة أيضاً إلى تطبيق برنامج في المدارس بعنوان "مراقبة الجهادي" (jihadi watch )scheme)1،( هدفه مراقبة الطلاب وتحديد وجود أي سلوكيات متطرفة ا بينهم(2 ). 2- كندا: دافع رئيس الوزراء الكندي "ستيفن هاربر"، في يناير الماضي عن مشروع قانون جديد لمكافحة الإرهاب "سي– 51" (51 - Bill C )، يمنح المزيد من الصلاحيات لدائرة الاستخبارا­ت الأمنية الكندية وإلى الشرطة الملكية الكندية، بهدف إحباط المخطّطات الإرهابية، وتسهيل القيام باعتقالات وقائية. كما يمنع الخاضعين للمراقبة من السفر دون إذن قضائي، وتعليق المعاملات البنكية المشبوهة، ويجرم مشروع القانون التحريض على الأعمال الإرهابية، فضلاً عن تجريم الترويج للإرهاب، ويسمح بمراقبة المواقع الإلكتروني­ة، وتمديد فترات الحبس الاحتياطي، وسحب جوازات السفر إذا ما خشيت السلطات من إمكانية ارتكاب فرد لعمل إرهابي(3). 3- بريطانيا: تضمَّن قانون الأمن ومكافحة الإرهاب الجديد 2015، توسيع صلاحيات أجهزة الأمن، حيث يمنح سلطة المراقبة الإلكتروني­ة والمصادرة المؤقتة لجواز سفر أي شخص شارك في أعمال إرهابية داخل أو خارج بريطانيا لمدة 14 يوماً، والمنع المؤقت لعودة المشتبه بهم إلى بريطانيا، بالإضافة إلى أنه يُلزم المساجد والمدارس والجامعات بالإبلاغ عن المشتبه بصلتهم بمتطرفين(4،( كما نص القانون على ما أسماه "الإرهاب الإلكتروني"، مشيراً إلى إمكانية فرض قيود على الإنترنت، وألزم الجهات التي توفر خدمات الإنترنت والهواتف المحمولة بحفظ المعلومات عن الأشخاص الذين يستخدمون مواقع معينة وتسليمها للسلطات الأمنية حال طلبها)5(. 4- فرنسا: عقب الاعتداءات التي وقعت في باريس في شهر يناير الماضي، تم إصدار قانون جديد باسم "تعزيز مكافحة الإرهاب"، لتعزيز القدرات الاستخبارا­تية الفرنسية في مواجهة الإرهاب)6،( ووفقاً له يكون بمقدور الأجهزة الفرنسية استعمال أدوات تكنولوجية متطورة، لرصد المكالمات الهاتفية والرسائل النصية والإلكترون­ية للمشتبه بهم ولعائلاتهم ومعارفهم من دون اللجوء إلى إذن من القضاء.

كما سيتيح القانون الجديد إمكانية إجبار شركات مواقع التواصل الاجتماعي ومحركات البحث في شبكة الإنترنت، الكشف عن المعلومات الشخصية للأعضاء في حالة الاشتباه في سلوكهم. ويتيح القانون أيضاً إمكانية زرع "صناديق سوداء" في المنصات التي تستضيف المواقع الإلكتروني­ة، لجمع المعلومات المختلفة حول المشتبه بهم)7). 5- الولايات المتحدة: جاء قانون الإصلاح والمعروف كذلك بقانون “الحريات” المنبثق عن Patriot Act بعد مطالبة الرئيس أوباما بتعديل الأخير، والذي كان تم إصداره عقب اعتداءات 11 سبتمبر 2001، وقد تمت المصادقة على قانون الإصلاح)8)، بعد الاتفاق على صيغة توافقية قانونية لتجديد العمل بقانون ). 9 ( Patriot Act (

ا

وعلى الرغم من أن هذا القانون مؤقت، حيث سيطبق لمدة لا تتجاوز 6 أشهر، فإنه يسعى إلى تقويض صلاحيات وكالة الأمن القومي من خلال سحب صلاحية مراقبة الاتصالات الهاتفية وجمع بيانات المتصلين، كما يحظر على أجهزة الأمن الاطلاع على البيانات دون الحصول على حكم قضائي بذلك)10). 6- مصر: أقرت الحكومة المصرية مؤخراً مشروع قرار بقانون مكافحة الإرهاب تمهيداً لرفعه إلى رئيس الجمهورية لإصداره، وجاء ذلك بعد أن تصاعدت وتيرة الإرهاب في مصر، على خلفية اغتيال النائب العام، والهجوم الإرهابي في سيناء على مدينة الشيخ زويد بغرض السيطرة عليها وإعلان إمارة إسلامية في مصر، وما تبع ذلك من نشر بيانات مضللة دون الرجوع إلى البيانات الرسمية. ويهدف القانون إلى مكافحة الإرهاب وتحقيق الردع ومواجهة الحرب النفسية، وقد نصت المادة )33( منه على أنه "يعاقب بالحبس الذي لا تقل مدته عن سنتين كل من تعمد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أيه عمليات إرهابية بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية.."، كما تضمن القانون إمكانية ترحيل الصحفيين الأجانب أو حظر إقامتهم في أماكن معينة) 11 ). 7- تونس: تم عرض مشروع قانون جديد لمكافحة الإرهاب على المجلس الوطني التأسيسي "البرلمان" من قِبل مجلس الوزراء في يناير 2014، وعقب الهجمات الإرهابية التي استهدفت "متحف باردو" والمنتجع الساحلي في "سوسة" في شهري مارس ويونيو الماضيين، تعالت الأصوات المطالبة بالإسراع في مناقشته والتصديق عليه، ويهدف القانون إلى الوقاية من الإرهاب، والتصدي لمصادر تمويله، ومكافحة غسل الأموال، وإنشاء لجنة تتكون من ممثلين عن وزارات معينة، يترأسها قاض، تُشرف على رسم الاستراتيج­ية شاملة لمكافحة الإرهاب( 12 ).

ثانياً: تد�عيات قو�نين مكافحة �لارهاب على �لحريات

أثارت مشروعات القوانين الجديدة التي حاولت الحكومات وضعها لمكافحة الإرهاب جدلاً مجتمعياً وقانونياً واسعاً، بسبب إمكانية تضييقها على الحريات العامة وانتهاك خصوصية الأفراد، وفي مواجهة هذه الانتقادات والاحتجاجا­ت المتعددة في دول العالم، اختلفت استجابة الحكومات إزاء هذه الانتقادات، ما بين محاولة بعض الدول التوفيق بين ما تريد فرضه من إجراءات وفي

الوقت نفسه احترام حقوق المواطنين وحرياتهم، مثل ما حدث في أستراليا وكندا وفرنسا ومصر وتونس، وما بين الإصرار على تطبيق القانون، مثل بريطانيا وأمريكا. ففي استراليا ثار التساؤل حول تأثير المشروع الجديد لمكافحة الإرهاب على الأستراليي­ن من الجيل الثاني، والذين يحملون جواز سفر واحد، وفي حالة سحب جواز سفرهم سيضطرون إلى أخذ جنسية ذويهم الأصلية، ورداً على هذه المخاوف أكدت التصريحات الحكومية أن سحب الجنسية لن يتم دون دراسة، لكنه إجراء ضروري بسبب زيادة أعداد الأستراليي­ن الذين يتوجهون للقتال في الخارج، ولابد من اتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة للحفاظ على الأمن(13). وكذلك الأمر في كندا، فبعد الإعلان عن المشروع الجديد لمكافحة الإرهاب تعالت الأصوات القلقة إزاء تأثيره السلبي على الحريات الفردية، وإمكانية استخدامه لاستهداف أشخاص يشاركون في احتجاجات سلمية، حيث ذكر أن "الاحتجاجات القانونية" لا تعتبر تهديداً للأمن العام، ورأى منتقدوه أن هذا يعني أن الأشخاص الذين يشاركون في عصيان مدني غير عنيف قد يتم اعتبارهم محتجين غير قانونيين(14). وشهدت ما يقرب من 100 مدينة كندية تظاهرات احتجاجية للتنديد بمشروع القانون، أكد خلالها المتظاهرون رفضهم للإسلاموفو­بيا، وأن هذا القانون هو "روح الإرهاب"(15،) ووجّه أكثر من مائة أستاذ جامعي رسالة إلى أعضاء البرلمان الفيدرالي، واصفين القانون بأنه "نص تشريعي خطير على صحة الديمقراطي­ة في كندا"، مطالبين بإيجاد آلية فحص وتدقيق للتأكد من أن الوكالات الأمنية تمارس صلاحياتها في إطار احترام القانون)16(. وفي محاولة لطمأنة الرأي العام، جاءت التصريحات الرسمية بأنه سيتم العمل على تعديل مشروع القانون وحذف كلمة "قانونية"، للتأكيد على أنه لا يستهدف حرية الاحتجاج)17،) وأن الصلاحيات التي يتضمنها ضرورية للحفاظ على سلامة الكنديين، وتخضع لمراقبة القضاة(18 ). وفيما يتعلق بمشروع القانون الجديد في فرنسا، فقد أثار جدلاً واسعاً، حيث رأى فيه المعارضون انتهاكاً للحريات الفردية، وأنه سيعمل على إنشاء شبكات واسعة لجمع كمية لا متناهية من المعلومات، قد تخرج عن السيطرة، وتؤسس لدولة بوليسية رقمية، ستجعل الشرطة الفرنسية تتمتع بقوّة لا يمكن الوقوف في وجهها، كما يرى منتقدو الآلية المعروفة باسم "الصندوق الأسود"، أنها بداية لعمليات مراقبة على نطاق واسع، الأمر الذي يهدد مبدأ الخصوصية(19). وفي مواجهة ذلك أكد وزير الداخلية "برنار كازنوف" أن "التنصت ورصد المكالمات سيكون محصوراً في المشتبه بهم"، كما طمأن مسؤولي منصات المعلومات، مؤكداً أن استعمال الأجهزة الأمنية للصناديق السوداء سيكون تحت إشراف الحكومة وبأمر من رئيس الوزراء. وقامت الحكومة بتعديل بعض فصول مشروع القانون الجديد، واستحدثت هيئة إدارية مستقلة، أُطلق عليها "اللجنة الوطنية لمراقبة الرصد الأمني"، مهمتها مراقبة طريقة استخدام أجهزة الاستخبارا­ت للوسائل التكنولوجي­ة في التحقيقات، وكذلك أعلنت الحكومة أنه بإمكان المواطنين الذين يشتبهون في خضوعهم للمراقبة والتصنت، أن يقدموا شكاوى لهذه الهيئة أو إلى مجلس الدولة للبت في صلاحيتها) 20 (. وأكد رئيس الحكومة "مانويل فالس" أهمية اتخاذ خطوات احترازية، موضحاً أن "كل واحد من اثنين يلتحقون بالجماعات المتطرفة، دون معرفة أجهزة الاستخبارا­ت"، كما أعلن أنه سيتم توفير نحو 2680 فرصة عمل في الأجهزة الأمنية والدفاع من أجل مراقبة المتطرفين الفرنسيين، مضيفاً أن هذا القانون لا يعمل فقط على حماية فرنسا، ولكنه يعمل أيضاً على إنقاذ العديد من المتطرفين الفرنسيين)21(. وفي مصر، أثار مشروع قانون مكافحة الإرهاب جدلاً واسعاً على الساحة السياسية، بعد أن أعلنت عدة أحزاب ونقابات وجمعيات حقوقية رفضها لبعض مواده خاصة المادة )33)، كما انتقد المجلس القومي لحقوق الإنسان مشروع القانون، موضحاً أن الحكومة لم تأخذ رأي المجلس، وفي هذا مخالفة لأحكام الدستور. وفي محاولة لاستيعاب هذه الانتقادات، اجتمع رئيس الوزراء برؤساء تحرير الصحف المصرية، وأكد على احترام حرية الصحافة والرأي، وأن الحكومة لا تستهدف المساس بحرية الصحفيين على الإطلاق، موضحاً أن مصر تخوض حرباً دفعت إلى الإسراع لإعداد القانون، بهدف محاسبة كل من يتعمد الإضرار بالأمن القومي المصري) 22 (. وفي تونس، انتقدت منظمات حقوقية مشروع القانون الجديد لمكافحة الإرهاب، حيث ترى أنه تضمن تعريفاً فضفاضاً وغامضاً لما يعد نشاطاً إرهابياً، ولا ينص مشروع القانون على توفير مراقبة قضائية كافية على الصلاحيات الاستثنائي­ة التي تتمتع بها الشرطة. وتم انتقاد حالة الطوارئ التي فرضها الرئيس عقب الاعتداء الإرهابي الذي وقع في مدينة "سوسة")23.) كما يقضي مشروع القانون بالإعدام على أي شخص أدين بارتكاب عمل إرهابي أدى إلى وفاة، على الرغم من إيقاف تونس لتنفيذ أحكام الإعدام منذ 1991، ويسمح مشروع القانون للشرطة باحتجاز المشتبه بهم على ذمة التحقيق لمدة تصل إلى 15 يوماً، ولا يُسمح للمشتبه بهم خلال ذلك الوقت بالتواصل مع محامين أو الاتصال بعائلاتهم) 24 (. ووجه الصحفيون انتقادهم إلى الفصول 19 و28 و31 من القانون، على اعتبار أنها تفتح الباب لمحاكمة الصحفيين، بدعوى نشرهم أخباراً ساعدت مرتكبي الأعمال الإرهابية.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates