Trending Events

إشكالية مزمنة:

تصاعدت حدة الجدل حول السياسات الضريبية في دول العالم، وما تفرضه من أعباء، مما دفع بعض الشركات لنقل أنشطتها الاقتصادية خارج حدود الدولة، وقيام مواطني بعض الدول بالتخلي عن جنسيتهم للإفلات من الملاحقات الضريبية. أبعاد غير تقليدية لفرض الضرائب في السياسات ال

- محمد أحمد عبدالمعطي باحث اقتصادي متخصص في التنمية الاقتصادية الدولية

�أولاً: موؤ�صر�ت ت�صاعد �صيا�صات �لجباية

يكشف تتبع السياسات الضريبية عن اتجاه الحكومات في دول عديدة حول العالم لمضاعفة معدلات الضرائب على الشركات والأفراد بهدف تمويل الخدمات العامة، حيث أكدت دراسة إحصائية صادرة عام 2006 عن لجوء حوالي 86 دولة حول العالم لفرض ضرائب على الدخل تتجاوز معدل 30% من إجمال الدخل، كما تمثل الضرائب على الإنفاق والاستهلاك 60% من مجموع الضرائب، مع اعتماد هذه الدول بشكل مكثف على الضرائب من التجارة الخارجية، خاصة من الواردات(1).

وفي هذا الصدد وباستقراء البيانات الإحصائية الدولية يتضح أن التوجه الغالب عالمياً هو فرض هذا النوع من الضرائب وبنسب كبيرة قد تصل في بعض البلدان إلى 40 – 50% كحد أقصى، وفي هذا الإطار يكشف تتبع بيانات مؤسسة (KPMG) للاستشارات الضريبية عن تصاعد معدلات الضرائب في دول العالم.

ففي عام 2015 بلغ متوسط الضرائب على الدخول في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حوالي 41.8% بالمقارنة بحوالي 37.7% في الاتحاد الأوروبي وحوالي 34.3% في دول أمريكا الشمالية و28.6% في دول القارة الآسيوية.

وتتصدر بعض الدول قائمة الدول الأكثر فرضاً للضرائب على مواطنيها، حيث تفرض كل من النمسا وبلجيكا واليابان وإسرائيل ضرائب تصل نسبتها حوالي 50% من دخول الأفراد، بينما تصل هذه النسبة إلى حوالي 52% في فنلندا و57% في السويد و55% في الدنمارك، في مقابل ضرائب تتجاوز حاجز 40% من الدخل في كل من استراليا وألمانيا واليونان وايسلندا وأيرلندا وإيطاليا والنرويج واسبانيا وسويسرا وفرنسا، في حين تصل هذه النسبة إلى 39% في الولايات المتحدة.

وفي المنطقة العربية تتفاوت مستويات الضرائب التي تفرضها الدول بين نسبة 38% في المغرب و35% في الجزائر و25% في مصر و15% في اليمن و14% في الأردن،

أما دول مجلس التعاون الخليجي فلا تفرض ضرائب على دخول الأفراد(2).

وعلى مستوى ضرائب الشركات، يلاحظ أن معدلاتها تصل إلى أقل مستوياتها في القارة الأوروبية لتصل لنسبة 19% من إجمالي إيراداتها، أما الاتحاد الأوروبي فيفرض ضرائب تصل معدلاتها إلى حوالي 21% على دخول الشركات وتعتبر قارة أمريكا الشمالية أكثر الأقاليم فرضاً للضرائب على أنشطة الشركات بمعدل 33.%

ويلاحظ في هذا الصدد استئثار الولايات المتحدة الأمريكية بأعلى معدل ضرائب على الشركات بنسبة 40% تليها فرنسا بنسبة 33.3% ثم إيطاليا بنسبة 31% ثم ألمانيا بنسبة 29% وأخيراً المملكة المتحدة بنسبة 21%، ويلاحظ أيضاً الثبات النسبي والتغير الطفيف في معدلات هذه الضريبة صعوداً وهبوطاً ما يؤكد تمسك واضعي السياسات المالية بها، وحرصهم على تثبيتها لزيادة الحصيلة الضريبية.

وفي المنطقة العربية تتراوح نسبة الضرائب المفروضة على الشركات بين 10% في قطر و12% في عمان و15% في الكويت ولبنان و20% في السعودية والأردن و23% في الجزائر و25% في مصر وتونس و35% في السودان(3).

وفي هذا الإطار تؤكد دراسة مستويات الضرائب على الأفراد والشركات على مستوى العالم التصاعد التدريجي في مستويات الضرائب إلى أن وصلت لمستويات قياسية في بعض الدول، في مقابل ارتباطها بتوافق مجتمعي على تمويل الضرائب لخدمات "دولة الرفاه" في دولٍ أخرى مثل الدول الاسكندناف­ية.

كما شهدت بعض الدول العربية جدلاً متصاعداً حول السياسات الجبائية التي باتت تتبعها بعض الدول في التعامل مع الأفراد والشركات بهدف التصدي لمستويات العجز في الموازنة العامة والحفاظ على الحد الأدنى من الإنفاق الاجتماعي الذي لا يمكن للمجتمعات العربية التخلي عنه.

ثانياً: ��صباب ت�صاعد �تجاهات �لجباية

يرتبط انتشار سياسات فرض مستويات مرتفعة من الضرائب على مستوى العالم بمحاولات تلبية تصاعد المطالب بتحقيق العدالة الاجتماعية والتصدي للفقر والبطالة وتوفير شبكة أمان اجتماعي لكافة المواطنين في ظل الزخم المتصاعد على مستوى العالم مع ظهور الحركات الاجتماعية الجديدة التي تقوم بتوظيف الاحتجاجات لطرح مطالبها الاجتماعية.

ولا ينفصل ذلك عن تراجع مستويات الإيرادات والاحتياطا­ت النقدية في دول عديدة حول العالم نتيجة الاعتماد المتصاعد عليها في الإنفاق الحكومي لمواجهة الضغوط المجتمعية المتزايدة مما أدى لتآكلها، خاصةً في ظل اعتماد الاقتصادات على القطاعات الخدمية الريعية التي لا يمكنها تحفيز التنمية الاقتصادية.

وتقوم بعض الدول بتوظيف حصيلة الضرائب المرتفعة في تمويل خدمات "دولة الرفاه" التي تكفل للمواطنين مستويات عالية من الأمان الاجتماعي وجودة استثنائية لخدمات التعليم والصحة والبنية الأساسية، على غرار توظيف إدارة أوباما لمستويات ضرائب مرتفعة لتطبيق نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة.

وتتمثل أهم مزايا الضرائب على الدخل للأفراد والشركات كمصدر للإيرادات العامة في كونها تعتمد على مورد مالي متجدد لا ينضب، حيث إنه يحقق حصيلة ثابتة، خاصةً مع تصاعد معدلات دخول الأفراد الناشئة عن رأس المال والعمل وتنوع المهن الحرة بما يجعلها وعاءً ضريبياً واسعاً، كما أنها أكثر عدالة من الضرائب الأخرى كضرائب الإنفاق فهي أكثر تعبيراً عن القدرة الحقيقية للمكلف على المشاركة في تحمل الأعباء العامة(4).

وتفرض بعض الدول ضرائب من المنبع على العاملين بالجهاز الإداري، فعلى سبيل المثال، يصل عبء الضرائب على العاملين في مصر إلى28.8% بينما لا يتجاوز 9.6% في الولايات المتحدة و2.5% في الدنمارك والمطالبة بفرض الضريبة التصاعدية على رجال الأعمال وفقاً لأرباحهم ودخولهم السنوية يعكس مفهوم العدالة الضريبية بكافة أبعاده(4).

في المقابل تتبع بعض الدول سياسات ضريبية أكثر حدة بفرض الضرائب التصاعدية، وهي ذلك النوع من الضرائب الذي يزيد فيه معدل الضريبة مع زيادة الدخل، أي أن معدل الضريبة يتناسب طردياً مع دخل الفرد، ومبدأ الضريبة التصاعدية مبني على أن ارتفاع دخل الفرد أو كبر حجم الأعمال التجارية يعني زيادة القدرة على دفع الضرائب، حيث تستند الضريبة التصاعدية إلى فكرة عدم المساواة بين من يربح مئات الملايين ومن يربح مئات الآلاف)5،) وتأخذ الضرائب التصاعدية أربعة أشكال وهي)6(:

• التصاعد الإجمالي بالطبقات: يتم تقسيم الدخل إلى عدة طبقات وفرض الضريبة على الممول حسب الطبقة التي يقع فيها دخله.

• التصاعد بالشرائح: بتقسيم الدخل إلى شرائح يخضع كل منها لسعر ضريبة مختلف.

• الإعفاء الضريبي للفقراء: وينفذ هذا النظام بفرض الضريبة بسعر نسبي ثابت وليكن مثلاً 20% على كل مستويات الدخول لكن بالنسبة للطبقات الفقيرة يكون السعر مثلاً أقل 8 .%

وبصفة عامة تهدف الضرائب التصاعدية إلى تحقيق العدالة الضريبية والاجتماعي­ة من خلال تحميل الأغنياء أعباء ضريبية أكبر وإعادة توزيع الدخل المتحقق على النفقات الاجتماعية للدولة، ويتحقق ذلك من خلال إعادة توزيع الدخول ومراعاة الظروف الاجتماعية لمختلف الطبقات وزيادة تنافسية الشركات، حيث إن فرض ضرائب عليها يؤدي إلى التأثير على رأس المال، واليد العاملة، والمواد الخام، بما يؤدي إلى تقليص أرباحها، وهو ما يدفعها لزيادة تنافسيتها للحفاظ على المستوى المرغوب من الأرباح)7.) ويرى بعض المحللين أن فرض ضرائب تصاعدية يستند الى مبدأ تناقص المنفعة الحدية للثروة، وبالتالي فهو أكثر عدالة للغني والفقير على حد سواء وفق رؤية المنتمين لهذا الاتجاه)8(.

ثالثاً: تد�عيات ت�صاعد معدلات �ل�صر�ئب

تعرضت السياسات الضريبية الكثيفة التي تتبعها دول العالم لانتقادات متعددة من جانب بعض الاقتصاديي­ن نتيجة تداعياتها السلبية على الأوضاع الاقتصادية في ظل تصاعد اتجاهات التهرب من الضرائب، وتتمثل أهم التداعيات السلبية للمعدلات الضريبية المرتفعة فيما يلي(9): 1- الافتقار إلى جاذبية الاستثمار: ففي مواجهة السياسات الضريبية المرتفعة يقوم كبار الممولين بتحويل رؤوس أموالهم للخارج بهدف الإفلات من الأعباء الضريبية المرتفعة، في المقابل تقوم الشركات بنقل كافة عمليات الإنتاج خارج الدولة للإفادة من الإعفاءات الضريبية في دولٍ أخرى وتعزيز الأرباح مما يؤدي لتراجع معدلات النمو الاقتصادي وتصاعد معدلات البطالة وانخفاض معدلات الاستثمار الأجنبي في الدولة. 2- ضعف معدلات الادخار: حيث يلجأ الأفراد لإخفاء مستويات دخولهم الحقيقية من خلال تجنب الادخار أو إيداع الأموال في المؤسسات المصرفية، بهدف التهرب من المعدلات المرتفعة للضرائب، في المقابل يلجأ الأفراد لتحويل رؤوس أموالهم ومدخراتهم لممتلكات خاصة قيِّمة لا تفرض عليها ضرائب مثل المعادن النفيسة التي لا تفقد قيمتها بمرور الزمن وهو ما يؤدي لركود اقتصادي عام نتيجة ضعف عمليات ضخ رؤوس الأموال في النظام المصرفي. 3- تعقيد النظام الضريبي: يؤدي تبني أنماط الضرائب التصاعدية إلى إصابة النظام الضريبي بالتعقيد نتيجة الاعتماد على نموذج ضريبي معقد ينقسم إلى شرائح متعددة مما يؤدي لاستنزاف الموارد البشرية في احتساب الأعباء الضريبية على المواطنين وتعقد عملية جباية الضريبة.

على مستوى آخر يؤدي تعقيد النظام الضريبي لعدم قدرة مؤسسات الدولة على تقدير الإيرادات العامة نتيجة التعقيدات الناتجة عن الاعتماد على نظام ضريبي ينقسم لشرائح متعددة؛ مما يؤدي لتغير حصيلة الضرائب سنوياً. 4- تزايد الممارسات البيروقراط­ية: قد لا تحقق النظم الضريبية المعقدة العدالة الاجتماعية نتيجةً لما يترتب عليها من تقوية الجهاز الإداري في مواجهة المواطنين والشركات ومنحهم اختصاصات واسعة النطاق في تقدير مستويات الضرائب، وهو ما يؤدي لتبديد الموارد وتصاعد الممارسات البيروقراط­ية ويؤدي لتبديد الموارد الضريبية على المدى البعيد نتيجة تآكل تراكمات رأس المال والأرباح وخروج الاستثمارا­ت من الدولة، وبالتالي تقليل العوائد الضريبية مستقبلاً.

وفيما يتعلق بمستقبل الضرائب على الدخل في منطقة الشرق الأوسط فإنه لكي يستمر هذا الاتجاه وينجح في رفع مستويات الضرائب على أصحاب الدخول المرتفعة فلابد من تحقيق شرطين: أولهما يتمثل في عدم المغالاة في الضريبة لتشجيع الإنتاج والاستثمار، أما الشرط الثاني فيتمثل في وضع معايير دقيقة لقياس الفقر ومستويات دخل الأسر لمراعاة الحالة الاجتماعية للمواطنين، وتعديل الأجور، ومنح إعفاءات ضريبية للفقراء بما يتوافق مع مستويات التضخم.

ر�بعاً: بد�ئل تعزيز

�لكفاءة �ل�صريبية

على الرغم من هذه التداعيات السلبية، من المرجح أن يستمر الاتجاه لفرض أعباء ضريبية عالية على الأفراد والشركات في ظل سعي الدول لتوسيع الأوعية الضريبية وتنويع إيراداتها الضريبية ما بين ضرائب على الدخل (أفراداً – شركات) وضرائب على الاستهلاك، ورسوم جمركية وغيرها.

وفيما يتعلق بمستقبل الضرائب على الدخل في منطقة الشرق الأوسط فإنه لكي يستمر هذا الاتجاه وينجح في رفع مستويات الضرائب على أصحاب الدخول المرتفعة فلابد من تحقيق شرطين: أولهما يتمثل في عدم المغالاة في الضريبة لتشجيع الإنتاج والاستثمار، أما الشرط الثاني فيتمثل في وضع معايير دقيقة لقياس الفقر ومستويات دخل الأسر لمراعاة الحالة الاجتماعية للمواطنين، وتعديل الأجور، ومنح إعفاءات ضريبية للفقراء بما يتوافق مع مستويات التضخم.

وعلى مستوى السياسات التي يمكن من خلالها تحقيق كفاءة النظام الضريبي في الدول العربية، فمن الممكن أن يتم الاستمرار في تطبيق الضريبة على الدخل وعلى الشركات مع ثبات النسبة أو رفعها بمعدلات مقبولة تصاعدياً على أن يترافق ذلك مع سياسات اجتماعية قوية مثل إقرار قانون لإعانات البطالة يضمن على الأقل ما لا يقل عن 80% من آخر دخل، وبالتوازي مع ذلك يتم العمل على عدة محاور كالتالي:

1- زيادة الحصيلة الضريبية: ويمكن في هذا الإطار اتخاذ عدة إجراءات أهمها إلغاء نظام المناطق الحرة، وفرض ضرائب غير مباشرة، وفرض ضرائب على الأجانب العاملين لدينا فيما يعرف بعالمية الإيراد(10). 2- تنويع الضرائب المفروضة: من خلال فرض وتفعيل أنواع مختلفة من الضرائب مثل: • الضريبة العقارية: تتجه الدول إلى الاعتماد المتزايد على الضرائب العقارية كمصدر رئيسي لتمويل الخدمات المحلية إذ بلغت نسبة مساهمتها في إجمالي إيرادات المحليات 13% في الدول المتقدمة و18% في الدول النامية(11). • الضرائب الافتراضية: يمكن تطبيق الضريبة الافتراضية بشكل تدريجي مع تقديم خدمات ومزايا مقابل هذه الضريبة مثل بعض الدول التي تضع ضرائب افتراضية على القطاع غير الرسمي(12). • الضرائب الانتقائية: بفرض ضرائب على سلع معينة مثل السجائر والتبغ أو فرض ضريبة بيئية كوسيلة لمواجهة التلوث بأسلوب اقتصادي)13(. • ضرائب التجارة الإلكتروني­ة: النظر في إمكانية فرض ضريبة على التجارة الإلكتروني­ة بالعمل على تطوير التشريعات والأحكام الضريبية لتتضمن هذا النوع من التجارة( 14 ). 3- تعزيز الكفاءة الضريبية: من خلال تجنب الإعفاءات الضريبية والاستثناء­ات والتي تعرض الإيرادات للخطر ويصعب التراجع عنها ولا توّلد مزايا اجتماعية واضحة وتصميم وتطبيق استراتيجيا­ت قوية وفعّالة لمعالجة عدم الامتثال الضريبي والتنسيق بين أي خسارة محتملة في إيرادات الضريبة التجارية وتدابير الاستعاضة عنها بمصادر محلية. 4- اللجوء للنماذج البسيطة: تصميم ضرائب دخل الشركات والأفراد، على نحو يتسم بالبساطة والاستناد إلى وعاء ضريبي كافٍ بحيث تصبح قادرة على المنافسة طبقاً للمعايير الدولية، على أن يقترن ذلك بمعدلات ضريبية فعّالة ومنخفضة بطريقة معقولة وموحدة في مختلف أنواع الاستثمارا­ت.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates