توسع جيوبوليتيكي:
أسس العقيدة العسكرية لسلاح البحرية الروسي
أصدر الرئيس فلاديمير بوتين النسخة المعدلة من العقيدة العسكرية لسلاح البحرية الروسي في 26 يوليو 2015، لتواكب التطورات المستجدة على الساحتين الروسية والدولية، حيث لم تعد الوثيقة السابقة، والتي تم إقرارها في 27 يونيو 2001 باعتبارها أول عقيدة بحرية في تاريخ روسيا الحديث، كافية أو ملائمة للتعامل مع المتغيرات والمعطيات الجديدة التي تحيط بروسيا في الوقت الراهن.
اأولاً: ال�صياق الدولي الم�صاحب للعقيدة
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي أصبحت الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة التي ليس لها أي خصوم أيدولوجيين تقريباً، وصار حلف شمال الأطلسي هو الحلف العسكري الوحيد الذي يمتلك القدرة على التحرك على الساحة الدولية. وقد تسبب توسع الحلف واقترابه من الحدود الروسية إلى توتر العلاقات بين واشنطن وموسكو، ووضع روسيا في موقف دفاعي.
من جهة أخرى، أدت التغيرات التي شهدها العالم خلال السنوات الماضية إلى فرض تحديات وتهديدات جديدة، خاصة في ظل الانتقال التدريجي من نظام أحادي القطبية إلى النظام متعدد الأقطاب، والانتقال التدريجي للقوة العالمية من الغرب إلى الشرق.
وقد بدأت روسيا من جانبها خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين في استعادة قوتها الاقتصادية والسياسية، مما أتاح لها تخصيص موارد أكبر لاستعادة قدراتها العسكرية من أجل تعزيز سيطرتها على حدودها المترامية، ومواجهة توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) نحو حدودها.
ومع تفاقم التوترات بين روسيا والغرب بعد "انقلاب فبراير 2014" في كييف وتحركات الناتو لتعزيز تواجده العسكري في بلدان أوروبا الشرقية، لم يكن لموسكو خياراً سوى التحرك السريع لاستعادة شبه جزيرة القرم الاستراتيجية، والتي تتمركز بها قاعدة أسطول البحر الأسود الروسي. وقد قامت بتلك الخطوة تحت ذريعة الدفاع عن السكان الروس الأصليين المقيمين بالجزيرة. لكن الهدف الاستراتيجي تمثل في عدم فقدان الميناء الوحيد ذي البنية التحتية العسكرية، والذي يتمركز به أحد أهم الأساطيل الروسية، غير أن هذه الخطوة لم تكن دون تكلفة، فقد أدت إلى توتر العلاقات مع الغرب، وفرض العقوبات المتبادلة.
وكما أشار ديمتري روغوزين – نائب رئيس الوزراء الروسي والمسؤول عن الصناعات الحربية – فإن "التغيرات التي طرأت على الشؤون الدولية وتعزيز وضع روسيا كقوة بحرية" هما السببان الرئيسيان وراء تعديل العقيدة البحرية القديمة) وبالتالي يمكن القول إن هذه التطورات مثلت الخلفية التي صاحبت إعلان بوتين للعقيدة البحرية الجديدة للاتحاد الروسي في عيد البحرية في 26 يوليو 2015، والتي تحدد الأولويات والاستراتيجيات وامتلاك المعدات العسكرية البحرية.