عدالة انتقائية:
العلاقة المضطربة بين المحكمة الجنائية الدولية والاتحاد الأفريقي
إن أحد الحقائق الأساسية فيما يتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية أن كل التحقيقات أو المحاكمات التي أجرتها منذ إنشائها في عام 2002، وحتى الآن تتعلق بانتهاكات وقعت في القارة الأفريقية وحدها دون غيرها من القارات، وهو ما دفع الاتحاد الأفريقي لاتهام المحكمة ب "العدالة الانتقائية"، بل واعتبرها العديد من القادة الأفارقة جزءاً من مؤامرة غربية تستهدف الدول الأفريقية.
في هذا الإطار يسعى هذا التحليل إلى تناول أبعاد العلاقة المضطربة بين الاتحاد الأفريقي والمحكمة الجنائية الدولية من خلال الإشارة إلى حالة رئيسين أفريقيين تم توجيه التهم إليهما، وهما عمر البشير، الرئيس السوداني، ويوهورو كينياتا، الرئيس الكيني، والجدل الدائر حول حصانة الزعماء، بالإضافة إلى موقف الاتحاد الأفريقي من المحكمة الجنائية.
اأولاً: محاكمة الب�صير وكينياتا
توترت العلاقة ما بين الاتحاد الأفريقي والمحكمة الجنائية الدولية، وذلك بسبب قيام المحكمة بإصدار مذكرة اعتقال بحق كل من البشير وكينياتا، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي: 1- مذكرة توقيف عمر حسن البشير على الرغم من كون السودان دولة غير طرف في نظام روما الأساسي، المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، فإن المادة 13 نصت في الفقرة "ب" على أحقية المحكمة في ممارسة اختصاصها في مواجهة الدول غير الأعضاء في حالة واحدة فقط، وهي: إذا قام مجلس الأمن (متصرفاً بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة) برفع حالة إلى المدعي العام
المحكمة يدعي فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت: الإبادة الجماعية، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وذلك طبقاً لنصوص المادة السادسة والسابعة والثامنة من نظام روما الأساسي( ).
وعلى أساس ما سبق، وجهت المحكمة، بناء على طلب لويس مورينو أوكامبوا – المدعي العام السابق للمحكمة – اتهامات للرئيس السوداني بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية وجرائم حرب في دارفور، وذلك في الفترة الممتدة من مارس 2003، وحتى يوليو 2008، وقامت الدائرة التمهيدية بالمحكمة في 14 يوليو 2008 بإصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر حسن البشير.
ونظراً لأن هذه هذه الجرائم وقعت أثناء تولي البشير منصب رئاسة جمهورية السودان، فضلاً عن كونه القائد الأعلى للقوات المسلحة السودانية، فقد وجهت له اتهامات بأنه لعب الدور الأساسي في التنسيق مع بعض من كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين السودانيين في تخطيط وتنفيذ هذه الجرائم، فضلاً عن علاقاته بميليشيا الجنجويد، التي ارتكبت هي الأخرى انتهاكات، ولذلك اعتبرته المحكمة