Trending Events

عام 2016:

"النموذج المعتمد" لتقييم حالة الشرق الأوسط في الفترة القادمة

- مدير المركز

"الزمن الجميل" في التحليل الذي يسمى عادة استراتيجياً قد انتهى، ربما إلى غير رجعة، حتى إشعار آخر، لا يعرف أحد متى يمكن أن يعود، فالتقديرات الاكتساحية ذات البعد الواحد، التي تشير إلى أن سنة ما قد تكون أفضل أو أسوأ، لم تعد ممكنة أو مقنعة، والشعارات الأكاديمية، أو التي اكتشفنا أنها كذلك، كالحديث عن عام حاسم أو مفترق طرق، أصبحت مبتذلة علمياً، وحتى الحديث عن "تحولات كبرى" قد تشهدها المنطقة، لم يعد يمثل قيمة مضافة، إذ أصبحت تشكل "الوضع العادي الجديد"، وكل ما يريده الجميع هو ألا تحدث مفاجآت قاسية أخرى، مع أمل فقط في أن يتم احتواء التدهور القائم، فهل جاء وقت تدريس "نظرية التعقيد"؟

لم يجرؤ أحد على أن يقدم تقديرات متفائلة أو متشائمة تتعلق بما يمكن أن يحدث في المنطقة خال الفترة القادمة، وعندما بدا للبعض أنه يجب أن يفعل ذلك، كانت النتيجة هي أحكام نظرية بأن الزمن لا يعترف بفاصل بين يوم 31 ديسمبر 2015 و1 يناير 2016، وبالتالي فإنه سيستمر في حركته، ليكون العام الجديد امتداداً للسنة القديمة، مع ميل نحو السيناريوه­ات السيئة، التي وضحت بداياتها خال الأسابيع الأولى، في البورصات المالية والتقلبات السياسية، والتفجيرات الإرهابية، وأسعار النفط، لكن هناك من قاموا برصد "أخبار جيدة" إلى جانب "الأخبار السيئة"، ليتم استخدام كلمات ال (BUTs) و (Ifs)، بكثافة، ويبدو أن على الجميع اعتياد ذلك.

في مؤتمر عقد في شنغهاي في الصين، منبع الحكمة، خال ديسمبر 2015، كانت الأسئلة السريعة توجه للمشاركين من الشرق الأوسط، من العرب والإيرانيي­ن والأتراك، الذين لا يلتقون عادة إلا خارج الإقليم، من جانب الطرف المستضيف، حول ما يجرى في منطقتهم، وتوصياتهم للتعامل مع ما يدور، بالنسبة لطرف لا يريد التورط في المشاكل، وفجأة قرر "الإقليميون" أن يوجهوا السؤال نفسه، بدلاً من الإجابه عنه، فكيف ترى الصين حالة الشرق الأوسط، وما الذي قرروه في التعامل مع تلك الحالة؟ وكانت الإجابة غير متوقعة، فالصين لا تريد (أو ربما لا تجيد) – حسبما قيلالتعامل مع الأوضاع الرمادية غير المحددة، وكان الرد "في نفس واحد"، إذن لن تفعلوا شيئاً، إذا لم تقرروا التعامل مع حالة غير واضحة المعالم.

بعض أطراف الإقليم ذاتها، أو معظمها في الواقع، خاصة الأطراف غير العربية، تمر بحالة عنيفة من "التسييس"، فهي لا تريد أن ترى إلا ما تراه، فالإيرانيو­ن يحاولون إقناع العالم بأن المشكلة ليست في الإسام، وإنما في "الراديكالي­ة الإسامية"، وعند بدء تفسير ما الذي تعنيه تلك الراديكالي­ة، يتم الاقتراب خطوة خطوة من "المملكة العربية السعودية"، ويجدون أحياناً من يستمع لهم، لأنهم يستندون إلى موجة من التقارير الغربية الموجهة، التي تتحدث عن شؤون المملكة، والتي انطلقت لأن هناك في الرياض من قرر ألا يستمع إلى تقديراتهم وحلولهم، بشأن التفاعل مع إيران تحديداً.

الجانب التركي يعاني أيضاً حالة ارتباك، ويحاول أن يعيد ترتيب أوراقه مرة أخرى، لكن تقييمات التيار السائد داخله، والتي يتم طرحها للعالم، تركز على أن مفتاح فهم مشكلة المنطقة، وحلها في الوقت نفسه هو "الدول الفاشلة"، وتتم هنا إشارات إلى العراق وسوريا وليبيا، ودول أخرى ليست كذلك على الإطاق، والمفترض أن ما تقوم به تركيا، هو محاولة احتواء الأوضاع الناتجة عن الفشل الإقليمي، كموجات الاجئين أو أعمال الإرهابيين، وهي أيضاً محاولة لتوظيف حالة الإقليم في اتجاهات تخدم تركيا، لكنها لا تساهم في حل مشكلة الشرق الأوسط.

الأطراف العربية، فيما يطرح دولياً، بدأت في اتباع ما يشبه "أفكار التعقيد"، فا يمكن فهم ما يجري في المنطقة، من دون إعادة تعريفها من الأصل، وما يسمى الشرق الأوسط، يتكون من أطراف عربية تمثل أكثر من 20 دولة فيها، وأطراف غير غربية، تتدخل في شؤونها الداخلية، رغبة في استعادة أحام إمبراطورية قديمة قومية أو – تجاوزاً- " دينية"، وقد قررت الأطراف العربية أن تقف في مواجهة ذلك، بالطريقة التي تراها، وباستخدام القوة العسكرية أحياناً، بشكل منفرد أو في إطار تحالفات عربية، من دون انتظار تحرك "الفاعلين الدوليين" الذين قرروا الانسحاب الواسع أو التدخل الحاد أو العمل المحسوب أو الانتظار الحذر.

إن إحدى الأفكار التي تتطلب نوعاً من إعادة الفحص، تتعلق بذلك، فالمنطقة مليئة بالمشاكل، لكن تمثل "الصراعات الإقليمية" بين الدول الرئيسية فيها، أهم مشاكلها، أو مفتاح حل تلك المشاكل، فقد استغرقنا طوياً في الحديث عن أن الدولة لم تعد الفاعل الوحيد فى التفاعات العالمية، وأن الفاعلين من دون الدول، خاصة المسلحين، قد أصبحوا "سادة العاقات الدولية"، فهل هذا صحيح؟ وهل يمكن تحليل ما يدور بعيداً عما تقوم به الدول، في عاقاتها بمن هم "من دون الدول" في العراق وسوريا واليمن ومصر وليبيا، وغيرها، بمن فيهم جماعات الإرهاب الصريح.

هل يمكن تجاوز ما تقوم به إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن، أو محاولاتها في البحرين، أو ما قامت به مع السعودية؟ وهل يمكن تجاوز ما تزال تركيا تقوم به

في سوريا والعراق، وتجاه مصر؟ وهل يمكن تجاهل العامل الروسي في سوريا من ناحية، ومع مصر من ناحية أخرى، في اتجاهات مختلفة تفرض طرح "نظرية التعقيد"، أو بالطبع ما تقوم به الولايات المتحدة مع الجميع، بحسابات يستخدم في إطارها الرئيس الأمريكي عبارة "التعقيد" في كل خطاباته تقريباً؟ فقد انتهى عصر التفسيرات البسيطة، ولا يجب الوثوق في أي تعبير لا يتضمن إشكالية، حتى لو كان يتعلق بالتعاون بين الدول الصديقة.

إن "العدد 15" من مجلة اتجاهات الأحداث يحاول أن يعكس ما يدور في المنطقة، وهو عدد خاص، ليس لأنه يصدر فقط في بداية العام، لكن لأنه بداية صدور المجلة كل شهرين، فقد رضخت إدارة تحريرها في المركز، أخيراً، لتلك النصائح المتكررة من شركة التوزيع، بأن من الصعب توزيع دورية أكاديمية بهذا الحجم وهذا الثقل، كل شهر، على ساحة واسعة، تصل إلى 12 دولة، تمتد حالياً من بريطانيا إلى عمان، مروراً بالمغرب والأردن ولبنان ومصر، حيث إنها بهذه الصورة، لا تعرض في الأسواق عملياً، أكثر من أسبوعين، مع الأخذ في الاعتبار، فترات التحرير والطباعة والنقل والتوزيع، والارتجاع. لقد تم اتخاذ قرارات أساسية في المركز، بشأن إدارة عمل المجلة، في الفترة القادمة، تتعلق بما يلي: 1- أن تصدر المجلة كل شهرين، مع الحفاظ على مستوى الخدمة الأكاديمية التي تقدمها، من خال زيادة عدد الصفحات الخاصة بها، خاصة فيما يتعلق بباب التحليات، ومراجعات الكتب، والماحق الخاصة، مع رفع مستوى التحليل، إلى وحدة زمنية مختلفة، بحيث يتم رصد الظواهر والاتجاهات التي تتشكل خال شهرين، في منطقة تتغير يومياً. 2- أن يتم العمل على طباعتها في الدول التي يتم توزيع أكثر من 1500 نسخة فيها، بالتعاون مع مراكز دراسات شقيقة أو دور نشر معروفة، أو مؤسسات صحفية كبرى، بحيث يتم اختصار الفترة الخاصة بالطباعة والتوزيع، بما يتيح مدة أطول لعرضها في الأسواق، بدءاً بمصر والمغرب، وغيرها. 3- أن يتم تقديم خدمات أكاديمية خاصة ابتداء من العدد رقم 16، تتعلق بقواعد بيانات وخرائط أكاديمية، تتيح تقديم معلومات أو أشكال أو مؤشرات موثوق فيها، للظواهر والقضايا الخاصة بحالة الصراعات في الإقليم، أو غيرها، مع توسيع بدون حدود للتسويق الإلكتروني لأعدادها من خال تعاقدات مع مؤسسات معروفة تعمل في هذا المجال.

إن العدد الحالي من مجلة "اتجاهات الأحداث" يحاول أن يقدم تقييمات لما يجري في المنطقة، في بداية عام 2016، بنفس القدر من التركيب الذي تتضمنه الأحداث التي يشهدها، والتي لا ينتظر منها أن تقدم لنا "سماء صافية"، بالنسبة لأي تطور قائم أو محتمل، فا يوجد لدينا سوى سحب رمادية، لا تحمل الكثير من اليقين أو القدرة على التوقع، فلدينا على سبيل المثال ما يلي: • إن الصراعات الإقليمية سوف تستمر، كما أن محاولات تسويتها سوف تستمر أيضاً، وما قد يتم التوصل إليه، هو تسويات ناقصة أو "قطاعية" أو غير مرضية، لأطرافها، وإذا سادت الواقعية، فسيدرك كل طرف أنه لن يتمكن من إبادة الطرف الآخر، وأن كل ما لديه هو التعايش معه، كل بحسب حجمه الحقيقي على الأرض، فقط، ولن يقتنع أي طرف بذلك ببساطة، لذا ستكون هناك معارك نهائية صعبة. • إن ضربات قاصمة سوف توجه لتنظيمات الإرهاب التي كادت أن تتحول إلى "دويات" داخل الدول، بحيث تتصدع إلى حد كبير، لكن قبل أن تتصدع بالفعل، وتتجه نحو النهاية، سوف تحاول أن توسع عملياتها خارج نطاقاتها التقليدية، كما بدأت تفعل، عبر عمليات متفرقة متتالية عنيفة، من خال أسراب هائمة أو ذئاب منفردة، تسبب خسائر كبيرة، لكنها لن تقود إلى آثار استراتيجية، ولدينا دراسة تحاول توضيح كيف تحدث النهايات عادة؟. • إنه الاقتصاد، فآثار الانخفاض الحاد في أسعار النفط سوف تبدأ في الظهور بصورة واسعة النطاق، بالنسبة لكل الدول التي تعتمد على صادرات النفط بنسبة تزيد على 50 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لها، وسوف يؤدي ذلك إلى ترسخ تعبير "حقبة ما بعد النفط"، وستتوقف قدرة كل دولة على التعامل مع تلك المسألة على ظروفها الخاصة، فا يوجد نمط واحد، لكن عام 2016، سيكون عاماً للتحولات الكبرى، إن جاز ذلك التعبير، على هذا المستوى. • إنه الفكر أيضاً، فالمنطقة تشهد اهتماماً غير مسبوق بمسألة الأفكار، فلماذا تبدو قيم بعض المجتمعات وكأنها تبددت؟ ولماذا يتأثر شباب صغار السن بأفكار الإرهابيين؟ وكيف يمكن أن تتم استعادتهم مرة أخرى؟ وهل الفكر أصاً لا يزال عماً مهماً في فهم ما يدور؟، أم أنها السياسة والمجتمع، د. قدري حفني، يحاول الإجابة عن بعض الأسئلة، التي تتعلق بسبب حدوث التحولات الفكرية.

إيران تمثل قضية مهمة يتم طرح بعض أبعادها بجدية في هذا العدد، خاصة مع ما بدا بوضوح من أن أطرافاً إقليمية مختلفة قد بدأت تقف في وجهها، كما حدث من قبل في مواجهة قوى إقليمية حاولت تجاوز خطوط الإقليم الحمراء، ولاتزال القضايا المتعلقة بالأبعاد المختلفة للتطورات التكنولوجي­ة السريعة تنعكس على هذا العدد، كما هو معتاد، خاصة بالنسبة لمنطقة الخليج، يضاف لذلك محاولة استكشاف اتجاهات التفكير السائدة في العالم الثاني، فلسنا وحدنا في الكرة الأرضية، مع تطوير غير معتاد في الباب الخاص بتوجهات الدوريات العالمية بشأن الشرق الأوسط والأفكار الكبرى التي تنتجها دور النشر العالمية. وأخيراً ماحق العدد، التي تحاول تقديم مفهوم مهم واتجاهات 2016، فأهاً بنا في "عالم التعقيد".

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates