Trending Events

ما هو موقف الداخل الإيراني من "التطبيع" مع واشنطن؟

”يتوهم البعض عندما يظن أن سياساتنا الدفاعية وتوجهاتنا الخارجية قد تتغير بعد التوصل إلى الاتفاق النووي فهؤلاء إما أنهم عملاء متوغلون أو بسطاء سذج“. غلام علي رشيد نائب رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية.

- أ. مسعود الزاهد

يثير إبرام الدول الكبرى مع إيران اتفاقاً نووياً في 14 يونيو 2015 العديد من التساؤلات حول مستقبل العاقات بين الغرب عموماً وإيران خصوصاً. كانت إيران قد تعهدت بموجب هذه الاتفاقية بالتخلي عن معظم أنشطتها النووية، في المقابل قطع الغرب وعداً بإعادة النظر في العقوبات الاقتصادية والمصرفية التي فرضها مجلس الأمن وتلك التي وضعتها بعض الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة على إيران، شريطة أن تثبت الأخيرة تدريجياً وبشفافية التزامها بالاتفاق.

يرى الكثير من المراقبين أن الاتفاق من شأنه خلق فرص منقطعة النظير لتذويب الجليد وكسر الجمود في عاقات إيران بالغرب، خاصة الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن العاقات بين الجانبين تأثرت بالملف النووي، فإن هناك تراكمات تاريخية طويلة، ومحطات عدة، قد يكون من بداياتها اتهام الإيرانيين لاستخبارات الأمريكية بإسقاط حكومة الدكتور محمد مصدق لصالح الشاه في خمسينيات القرن الماضي، ومن ثم ومع توقيع هذه الاتفاقية كان التساؤل الرئيسي: هل من الممكن أن تؤدي الاتفاقية إلى حدوث عملية تطبيع للعاقات بين الحكومة الإيرانية والولايات المتحدة، وهل يمكن أن يتحول هذا التطبيع الرسمي إلى تطبيع شعبي؟

اأولاً: اأبرز مواقف الداخل الاإيراني

يبدو أن الداخل الإيراني لن يكون على درجة من التجانس في تعامله مع الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً، فبعد سنوات من التعامل مع الولايات المتحدة بصفتها "الشيطان الأكبر" لن يكون من السهل التحول في هذه الرؤية بسهولة. من جانب آخر يمكن الإشارة إلى مواقف الأطراف الإيرانية المختلفة من هذا الجانب: • المعارضة الإيرانية، تؤكد من جانبها أن النظام الحالي ليس وريثاً لمصدق، وأن المؤسسة الدينية الحاكمة تستغل هذه العينة الانتقائية من التاريخ الإيراني السياسي بغية افتعال الأزمات السياسية، لقمع المعارضة الداخلية عبر اتهامها بالتبعية للغرب، ومن ثم ترى المعارضة الداخلية أن النظام بحاجة دائمة لعدو خارجي افتراضي حتى يستمر في قمعه لمن يناوئه، ويستشهد الكثيرون بافتعال أزمة الرهائن على خلفية احتال السفارة الأمريكية في طهران بعيد ثورة عام 1979، حيث استمر النظام (وإلى يومنا هذا) في وصف الولايات المتحدة ب"الشيطان الأكبر" وأضفى الصفة الدينية والثورية والروحية على هذا الوصف مما أصبح وكأنه مبدأ من مبادئ الثورة.

ومن ثم ترى المعارضة أن تصريحات المرشد الأعلى للثورة قبل بضعة أسابيع واتهامه الولايات المتحدة بالسعي لتحقيق نفوذ لها في إيران، مهد أرضية مناسبة للأجهزة الأمنية كي تشن حملة اعتقالات واسعة شملت

أعداداً كبيرة من الصحفيين والمدونين والحقوقيين، ووجهت إليهم تهمة التمهيد للنفوذ الأمريكي. • حكومة روحاني، بالمقابل تحاول أن تستفيد من الأجواء التي أوجدتها المفاوضات مع الغرب، وبالتحديد مع الولايات المتحدة لتحسين الصات بين باده والمجتمع الدولي بشكل عام، وتحسين العاقات مع الولايات المتحدة بشكل خاص. فالتيار المعتدل الذي يمثله روحاني يعتقد في ضرورة تطبيع العاقات الخارجية كمدخل لتطوير الاقتصاد الإيراني وتحسين الوضع المعيشي للجماهير الإيرانية، خاصة أولئك الذين صوتوا له في الانتخابات الرئاسية، حيث وعد حينها بأن يوفر العمل للجميع، ويحل مشكات قطاع الصناعة، ويضع حداً للبطالة. وهذا لن يتحقق من دون عاقات طبيعية مع العالم، خاصة العالم الصناعي الغربي.

لكن من المهم القول إن تحقيق آمال روحاني والتيار المعتدل لاتزال في بداياتها، على الرغم من بعض الزيارات التي قام بها مستثمرون وصناعيون غربيون إلى طهران بعد توقيع الاتفاق النووي مباشرة، حيث إن المرشد هو من يمسك بزمام الملفات الرئيسية والسيادية في الباد، ولن يستطيع الرئيس الإيراني أن يحرك ساكناً من دون الحصول على إشارة مسبقة منه، بل إن المرشد الإيراني أكد مراراً ضرورة الفصل بين التفاوض حول الملف النووي وملف العاقات الأمريكية الإيرانية. • الحرس الثوري، أحد العوامل الرئيسية التي تحدد السياسات الداخلية والخارجية الإيرانية، والتي تتشابك مصالحه السياسية والاقتصادي­ة معاً بصفته أكبر مؤسسة اقتصادية غير خاضعة لإشراف الحكومة، فهو أقرب إلى المتشددين، ويعمل كأداة قمع في الداخل ضد المعارضين، وكذراع تدخل خارجي في المنطقة في هيئة فيلق القدس. ويرى الحرس الثوري في حكومة حسن روحاني ثغرات قد ينفذ منها الإصاحيون الذين يصفهم المرشد والمتشددون والحرس الثوري برؤوس الفتنة، في إشارة إلى احتجاجات 2009 التي تلت الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها أحمدي نجاد، بدعم من المرشد والحرس الثوري والمتشددين، على المرشح الإصاحي مير حسين موسوي. ويرى الحرس الثوري أن تطوير العاقات مع الولايات المتحدة قد تشكل ورقة ضغط داخلية ليست لصالح المتشددين الموالين لخامنئي، الذي جاءت تصريحاته طوال الأشهر الماضية رافضة لإقامة عاقات مع الولايات المتحدة، محذراً من سعيها للنفوذ في المجتمع الإيراني عبر الصحافة والجامعات والتيارات السياسية.

ثانياً: موقف غربي حذر

على الرغم من حالة التفاؤل التي تسيطر على الأوساط الغربية، والتي لاتزال تعقد الأمل على تحوّل ما، يفتح أبواب الأسوق الإيرانية التي من شأنها أن تكون واعدة على مصراعيها أمام الاستثمارا­ت الغربية، فإن تحليات بحثية مختلفة في مراكز فكر غربية ترى أن الاتفاق النووي تمكن من تحجيم الخطر النووي الإيراني فقط، وأن مصادر التوتر التي سادت العاقات بين إيران والولايات المتحدة ستبقى حاضرة.

ومن جانبها تؤكد الإدارة الأمريكية على الفصل بين الملف النووي والسياسة الأمريكية العامة تجاه إيران، حيث سبق أن شدد "وندي آر شرمن" رئيس الوفد الأمريكي المفاوض حول الملف النووي "أن التعاون حول موضوع واحد لا يعني بالضرورة الصمت تجاه قضايا أخرى". وخافاً لهذا فهناك من يعتقد أن مستقبل العاقات بين البلدين ستكون على محك الأحداث والتطورات التي قد تفاجئ كا الجانبين.

ثالثاً: خطوة للاأمام واأخرى للخلف

يبدو أن حكومة روحاني تعتقد أن المصالح السياسية المشتركة بين واشنطن وطهران في المنطقة، من قبيل الحد من نفوذ طالبان في أفغانستان، والتعاون في مواجهة "داعش"، وأمن الماحة البحرية لضمان تدفق النفط إلى الأسواق العالمية، من شأنها أن تشكل خطوة على طريق تطبيع العاقات مع الولايات المتحدة بغض النظر عن التصريحات المتشددة التي تنطلق من طهران بين الحين والآخر. ولتحقيق هذه الغاية تبذل الحكومة الإيرانية قصارى جهدها لإبقاء الاتصالات بين الجانبين حول الملف النووي مستمرة، ومن ثم ومن خال الملف النووي يمكن تبرير للمتشددين في إيران، قيام الحكومة الإيرانية بالتواصل مع واشنطن حتى يصبح مبدأ الاتصال أمراً واقعاً، وذلك قبل الانطاق نحو فتح قنوات أخرى بمرور الزمن للتفاوض حول ملفي "داعش" وأفغانستان.

كما يظهر أن حسن روحاني يحاول استثمار عاقاته الجيدة نسبياً بالمرشد، بغية الحصول على موافقته مع أي خطوة يخطوها على هذا الصعيد، حتى يستطيع اجتياز موقف المتشددين. ويبدو أن مهمة روحاني صعبة للغاية، فالمرشد شخصياً يشكك في نوايا الولايات المتحدة، ويتخوف من العاقات معها، فهذه العاقات قد تجعل واشنطن تفتح ملفات داخلية عديدة أهمها ملف حقوق الإنسان، وملف التدخل الإيراني في شؤون دول الجوار ودعم الميليشيات المتهمة بالإرهاب على المستوى الخارجي.

ويمكن القول إن المشهد السياسي الإيراني في الآونة الأخيرة يعيش تحت تأثير التصريحات وتحذيرات القادة العسكريين حول عاقة طهران بالولايات المتحدة. من جانب آخر فإن الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجلس خبراء القيادة على الأبواب، ومن المؤكد أن انتخابات مجلس الخبراء هذه المرة هي في غاية الدقة والحساسية، لأن هذه الدورة التي ستستمر لمدة ثمانية أعوام قد تضطر لانتخاب مرشد جديد للباد نظراً لكبر عمر المرشد الحالي وما يدور من شكوك حول وضعه الصحي، وثم فمن الصعوبة بمكان توقع انفراج حقيقي في العاقات الأمريكية الإيرانية، من دون أن يحدث تغيير جذري في إيران.

 ??  ??
 ?? أ.مسعود الزاهد ?? باحث إيراني متخصص في شؤون
الشرق الأوسط
أ.مسعود الزاهد باحث إيراني متخصص في شؤون الشرق الأوسط

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates