Trending Events

ما هي أسباب التقارب الخليجي – اللاتيني؟

تعتبر القمة الرابعة للدول العربية ودول أمريكا اللاتينية، والتي استضافتها الرياض في منتصف نوفمبر 2015 حلقة في سلسلة السعي نحو تطوير تعميق مجالات التعاون كافة بين الجانبين.

- د. أحمد رشاد الصفتي

فمنذ منتصف العقد الماضي، شهدت العاقات العربية اهتماماً بدول أمريكا الاتينية، حيث عقدت أول قمة في مدينة برازيليا بالبرازيل عام 2005، وعقدت القمة الثانية بالدوحة في قطر عام 2009، بينما عقدت القمة الثالثة بمدينة ليما في بيرو عام 2012. وتضم هذه القمة، إلى جانب ال 22 دولة عربية، 12 دولة في أمريكا الاتينية منها: الأرجنتين، وبوليفيا، والبرازيل، وفنزويا.

وركزت القمة الأخيرة في جانبها الاقتصادي على تأسيس مجالس لرجال الأعمال بين الطرفين، والنظر في توقيع اتفاقيات للتجارة الحرة، والعمل على تجنب الازدواج الضريبي، وتبادل الخبرات ونقل التكنولوجي­ا، وتشجيع الاستثمارا­ت، وتعزيز تدفقات التجارة.

في ظل هذا الإطار العام للتعاون، يأتي على وجه الخصوص التعاون بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وأمريكا الاتينية بصورة أوسع ليمثل حالة فريدة من توثيق التعاون الاقتصادي عالمياً خال السنوات القليلة الماضية، في الوقت الذي تشهد فيه العديد من مناطق العالم مشكات اقتصادية مزمنة منذ بدء الأزمة المالية العالمية في أواخر عام 2007، والتي دفعت لممارسات تنافسية تبتعد عن روح التعاون والانفتاح الاقتصادي العالمي، مثل حروب العمات.

تجدر الإشارة في هذا الشأن إلى أن التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون ودول أمريكا الاتينية كان قد ارتفع من 3 مليارات دولار فقط في عام 2003، إلى ما يزيد على 17 مليار دولار في عام 2013، وليحقق بالتالي معدل نمو التجارة بين دول المجلس وأمريكا الاتينية المعدّل الأعلى على مستوى العالم خال السنوات الثاث الأخيرة من الفترة المذكورة، حيث بلغ 32.7.%

اأولاً: التعاون في مجال الطاقة

يمكن القول إنه بالنسبة لدول المجلس، فإن التعاون مع أمريكا الاتينية في مجال الطاقة، أمر شديد الأهمية، فهناك دولتان من أمريكا الاتينية هما الإكوادور وفنزويا ضمن ال 13 عضواً في منظمة "أوبك"، إلى جانب الدول الخليجية الأربع، السعودية والإمارات والكويت وقطر. من جانب آخر تعتبر هذه الدول سوقاً مهمة للخليج، حيث تعمل دول المجلس على فتح إمكانيات تصدير الطاقة لدول أمريكا الاتينية بصورة أكبر، من خال التفاوض على تخفيض الرسوم الجمركية والضرائب الحكومية الأخرى بهذه الدول.

وتعمل دول المجلس أيضاً على الاستثمار في قطاع الطاقة بعدد من دول أمريكا الاتينية، مستفيدة من كون دول رئيسية بهذه المنطقة تفتح الباب لاستثمارات الأجنبية في مجالات، مثل البنية التحتية لتصدير الغاز الطبيعي، وذلك في سياق جهودها لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة. وهذا الاستثمار في قطاع الطاقة الأمريكي الاتيني يبدو مهماً، في ظل ما كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد أعلنت عنه منذ سنوات عن نيتها تقليص الاعتماد على نفط الشرق

الأوسط، والتوجه بصورة شبه كاملة إلى نفط نصف الكرة الغربي (أي قارتي أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية)، بما يجعل الاستثمار الخليجي في قطاع الطاقة بأمريكا الاتينية مهما للحفاظ على تنوع أسواق الطاقة التي تستفيد منها دول المجلس.

كذلك ياحظ أن دول أمريكا الاتينية تعتبر من الدول الرئيسية التي شهدت اكتشافات نفطية جديدة خال الأعوام القليلة الماضية، خاصة بالنسبة للنفط في المياه العميقة أمام سواحل البرازيل، فخال الفترة بين عامي 2010 و2014، مثّلت الاكتشافات البرازيلية نحو 63% من إجمالي الاكتشافات النفطية العالمية في المياه العميقة، وما يزيد على ثلث الاكتشافات النفطية الجديدة العالمية بصورة عامة. وهذا في حد ذاته يجعل التوجه لاستثمار الخليجي في قطاع الطاقة الأمريكي الاتيني مثيراً لاهتمام.

ومن المواقف التي تشير إلى أهمية هذه الاكتشافات، أنه على الرغم من فضيحة الفساد التي عانتها الشركة الوطنية البرازيلية للنفط، بتروبراس، مؤخراً، والتي طالت مسؤولين برازيليين كباراً بمن فيهم رئيسة البرازيل دلما روسوف، وأدت إلى إفاس أربع شركات شريكة لبتروبراس، نجد أن الصين قد قامت بإقراض الشركة نحو 3.5 مليار دولار للخروج من أزمتها المالية، نظراً للأهمية الاستراتيج­ية لقطاع النفط البرازيلي بالنسبة للصين.

ثانياً: ملامح تعاون متبادل

يبدو هدف التنويع الاستثماري الخليجي عبر صناديق الثروة السيادية أحد المجالات الواعدة ذات الاهتمام في التعاون الاقتصادي الخليجي – الاتيني. فأمريكا الاتينية تطرح سنوياً العديد من المشروعات ذات الجدوى الاقتصادية لاستثمار الأجنبي، في مجالات تشمل البنية التحتية والقطاع العقاري والمواصات والزراعة والقطاع المالي والصناعات الدوائية، وكل هذه القطاعات قد حازت اهتماماً خليجياً متزايداً.

من جانب آخر يبدو التعاون الاقتصادي الخليجي مع دول أمريكا الاتينية مهماً في سياق العمل على الحفاظ على المصالح الاقتصادية الخليجية في إطار التكتات الاقتصادية العالمية الرئيسية. فالبرازيل هي إحدى الدول الخمس المكونة لمجموعة "بريكس"، الخاصة بأهم الأسواق الناشئة كما تضم مجموعة العشرين للدول الصناعية الرئيسية كاً من البرازيل والأرجنتين والمكسيك والسعودية.

كما يبدو كذلك أن التعاون الاقتصادي الخليجي – الأمريكي الاتيني موضع اهتمام أيضاً بالنسبة لأمريكا الاتينية، حيث بدأ عدد من الشركات الأمريكية الاتينية، خاصة البرازيلية، في الاستثمار في دول بمجلس التعاون، فقامت، على سبيل المثال، شركة فال البرازيلية المتخصصة في المناجم باستثمارات في سلطنة عمان بما يبلغ 1.25 مليار دولار. كذلك، تتطلع عدد من دول أمريكا الاتينية لدعم محتمل من دول مجلس التعاون في إطار معالجة مشاكل الديون السيادية، كما يعمل الاتحاد الجمركي الأمريكي الجنوبي، ميركوسور، والذي يضم كاً من الأرجنتين وبوليفيا والبرازيل وأوروجواي وباراجوي وفنزويا، على التفاوض حول اتفاقية تجارة حرة مع المجلس.

ثالثاً: مجالات اأخرى للتعاون

بالنسبة لدول مجلس التعاون، والتي تستورد ما يزيد على 80% من احتياجاتها الغذائية، تبدو أمريكا الاتينية مصدراً مهما لتحقيق الأمن الغذائي. فهناك ثاث دول أمريكية لاتينية، هي البرازيل والأرجنتين وبيرو، تعتبر من المصدرين الرئيسيين على مستوى العالم للمواد الغذائية، خاصة اللحوم والحبوب الغذائية. ويبدو انعكاس ذلك جلياً في حالة البرازيل، على سبيل المثال، والتي تمثل نحو 85% من تجارة أمريكا الجنوبية مع مجلس التعاون، حيث يذهب ثلث صادرات الدواجن البرازيلية لمنطقة الشرق الأوسط.

وفي ضوء ذلك، كانت دول المجلس قد أبدت اهتماماً ملحوظاً بقطاع الزراعة في أمريكا الاتينية خال العقدين الماضيين، حيث بدأت باستئجار وشراء الأراضي الزراعية في عدد من دول أمريكا الاتينية حتى عام 2008 في إطار السياسة الهادفة لتحقيق الأمن الغذائي بالاستثمار في إنتاجه خارجياً، ثم تحول اهتمام دول الخليج لاستثمار في شركات الصناعات الغذائية بعد ذلك، مع العمل على الاستفادة من تقدّم دول مثل البرازيل في تكنولوجيا الإنتاج الزراعي لنقل هذه التكنولوجي­ا والاستفادة منها في دول المجلس.

كذلك، يبدو التعاون في مجال النقل والسياحة، من أوجه التعاون الواعدة بين دول مجلس التعاون و الدول الاتينية، حيث بدأت كل من خطوط طيران الإمارات والقطرية القيام برحات مباشرة لكل من البرازيل والأرجنتين، وتستعد طيران الاتحاد أيضاً للقيام بذلك قريباً. وتتم في الوقت الراهن دراسة الروابط البحرية بين الإقليمين العربي والأمريكي الجنوبي، لتشجيع الاستثمار في هذا المجال.

خاتمة

في ضوء ما سبق، يبدو أن زيادة التعاون الاقتصادي بين دول مجلس التعاون والدول الاتينية أمراً حتمياً، نظراً لما يوفره كل طرف من مزايا اقتصادية استراتيجية للطرف الآخر. فدول أمريكا الاتينية بمزاياها في الموقع الجغرافي، والأمن الغذائي، والطاقة، وفرص الاستثمار تعتبر ذات أهمية خاصة لدول المجلس في الوقت الراهن. وتعتبر دول المجلس، بدورها، وبما يمكن أن توفره من دعم استثماري وفرص للتصدير ونقل التكنولوجي­ا ذات أهمية استراتيجية لهذه الدول، بما يمكن أن يجعل التعاون الاقتصادي بين المجموعتين ذا أثر إيجابي متبادل ملموس على التنمية والتنويع الاقتصادي.

هذا النمو في التجارة الخارجية بين دول المجلس وأمريكا اللاتينية، والذي صوحب أيضاً بنمو ملموس في تدفقات الاستثمارا­ت الأجنبية، ونقل التكنولوجي­ا، وقنوات النقل الجوي والبحري، لا يبدو مستغرباً في ضوء أن كل طرف لديه الكثير الذي يمكن أن يقدّمه اقتصادياً للطرف الآخر.

 ??  ?? خبير اقتصادي، ورئيس قسم القروض والمعونة الفنية بصندوق
النقد العربي سابقاً
خبير اقتصادي، ورئيس قسم القروض والمعونة الفنية بصندوق النقد العربي سابقاً
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates