Trending Events

هل يمكن أن يشهد العالم أزمة اقتصادية من جديد؟!

- أ. عامر ذياب التميمي

تتفاعل العديد من المؤشرات في الاقتصاد العالمي ذات طبيعة أقرب إلى السلبية، لتفتح الباب أمام تساؤل منطقي: هل يمكن أن تحدث أزمة اقتصادية عالمية جديدة؟ ثمة مؤشرات تظهر من متابعة الاقتصاد العالمي تشير إلى أنه لم يتعاف بشكل واضح من الأزمة الاقتصادية العالمية التي سيطرت على معالمه منذ أواخر عام 2008، وأظهرت فداحة مشكات القطاع العقاري في الولايات المتحدة، والذي اعتبر أحد المسببات الرئيسية للأزمة، بعد أن سهلت المصارف، من خال سياسات متساهلة وبشروط أقل من موضوعية، الاقتراض الواسع.

لا شك أن النظام المصرفي في العالم دفع ثمناً باهظاً، حيث اضطرت دول عديدة في منطقة اليورو، إلى الاقتراض من أجل تمويل عجز الموازنات لديها. وتمثل أزمة اليونان أهم مظاهر القروض السيادية الصعبة، والتي دفعت إلى مراجعات واسعة النطاق لمفاهيم التمويل، والسياسات المالية التي اعتمدت من قبل الحكومات. ومن ثم أكد البنك المركزي الأوروبي أهمية الالتزام باتفاقية ماسترخت بضرورة ألا يتجاوز العجز في ميزانية أي من حكومات بلدان اليورو 3% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي.

اأولاً: ملامح اأ�صا�صية للاقت�صاد العالمي

مر العالم بتطورات اقتصادية عديدة تعود إلى فترة ما قبل الأزمة العالمية بسنوات، كانت فيها جوانب مضيئة تمثلت في تحسن معدلات الابتكار والإبداع وتطور التقنيات الحديثة في مجالات مختلفة، والارتقاء بكفاءة عمليات الإنتاج الصناعي والزراعي، لكن من جانب آخر ظهرت مامح سلبية من المتوقع أن تترك بصماتها لوقت طويل، ومنها:

• تراجع معدلات الاستهاك في البلدان الصناعية المتقدمة، بفعل الشعور بعدم الثقة في المستقبل، أو نتيجة ارتفاع نسبة شريحة السكان الأكبر سناً ومن ثم انخفاض متطلباتهم الاستهاكية. وقد برزت تلك الظواهر في بلدان أوروبا الغربية واليابان وأخذت تتضح بشكل جلي في الصين خال السنوات الماضية، وانعكس ذلك على الطلب على سلع أساسية وخدمات حيوية، في حين ارتفع الطلب على الخدمات الطبية. • تراجع الطلب على النفط، حيث قاد الركود في أوروبا واليابان، وتراجع أداء الاقتصاد الصيني، إلى ذلك خال عام 2014، ومن ثم انخفاض سعر البرميل من مستويات أعلى من 100 دولار إلى أقل من 30 دولاراً، لكن من المهم الإشارة إلى أن انخفاض أسعار النفط يعود أيضاً إلى تحسن في إنتاج الولايات المتحدة والذي ارتفع بفعل الاستثمار الكبير والتطوير التقني لعمليات إنتاج النفط والغاز الصخريين. • تراجع الأوضاع الاقتصادية في البلدان النامية، والتي تعتمد على تصدير المواد الأولية، زراعية أو تعدينية، نظراً لانخفاض طلب الصناعات والأسواق الاستهاكية. وتراجع قدرة البلدان الصناعية على دعم مشاريع التنمية في هذه الدول. يضاف إلى ذلك أن في العديد من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تزايدت أعمال العنف والإرهاب بعد موجات "الثورات العربية"، ما أدى إلى تراجع أعداد السياح التي تتوجه

إلى هذه الدول، ومن ثم انخفضت قدرتها على مواجهة الالتزامات الاجتماعية وتمويل الإنفاق الحكومي، وارتفعت معدلات البطالة والفقر. وأدى تنامي العمليات الإرهابية في دول أخرى ضمن العالم النامي إلى تزايد هذا التراجع. وتكمن الصعوبة في أن تحسين هذه الأرقام يعتمد على تحسن الأوضاع الأمنية والسيطرة على بؤر الإرهاب في دول مختلفة حول العالم.

ثانياً: هل يمكن حدوث اأزمة جديدة؟

من المهم التأكيد على أن أوضاع الاقتصاد العالمي لاتزال هشة، صحيح أن هناك تحسناً في معدلات النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة، إلا أن العديد من البلدان الرأسمالية الأساسية تواجه مشكات تتطلب معالجات جادة، منها: • تشير الإحصاءات إلى ارتفاع معدل البطالة في عام 2015 في دول الاتحاد الأوروبي إلى 9.3%، لكنه يصل إلى 25% في اليونان، و21.6% في إسبانيا، و4.5% في ألمانيا. ويتطلب عاج هذه المشكلة تعديات في السياسات النقدية من أجل تحفيز الاستثمار والتوسع في الأعمال. من جانبه يحاول البنك المركزي الأوروبي خفض سعر الخصم إلى مستويات متدنية من أجل توفير التمويات منخفضة التكاليف، كما اتبع سياسات محفزة منها شراء السندات والأصول المالية المسعرة من أجل توفير السيولة في الأسواق المالية. • انخفاض معدلات النمو الاقتصادي عالمياً، حيث بلغ في منطقة اليورو 0.3% في الربع الثالث من عام 2015 بعدما كان 0.5% في الربع الأول من العام ذاته. ويبدو أن هذه البلدان لم تستفد كثيراً من انخفاض أسعار النفط. كذلك فإن انخفاض سعر اليورو لم يساهم في رفع قيمة الصادرات السلعية من بلدان المنطقة.

أما في اليابان فكان معدل النمو في الربع الثالث من عام 2015 سالباً وبنسبة 0.2%، ومن ثم تستمر اليابان في مواجهة معضات اقتصادية هيكلية منذ ربع قرن، على الرغم أنها ثالث اقتصاد من حيث حجم الناتج المحلي الإجمالي بعد الصين والولايات المتحدة بناتج محلي 4.6 تريليون دولار، لكن الاقتصاد الياباني عانى تراجع الإنفاق الرأسمالي، ولم يتمكن التصدير من سد الفجوة وتصحيح تراجع معدل النمو.

من جانب آخر أدى تراجع معدل النمو السكاني إلى -0.7% إلى انخفاض المواليد، في مقابل ارتفاع شريحة السكان ممن تزيد أعمارهم على 65 عاماً إلى 23%. وقد دفعت هذه الحقائق الديمغرافي­ة السلطات اليابانية إلى السعي نحو تحفيز مختلف الفئات العمرية على الإنفاق الاستهاكي من خال السياسات المالية والنقدية، لكن الواقع لا يشير إلى نجاحها، ومن ثم يرى اقتصاديون أن اليابان قد لا تتعافى اقتصادياً بالشكل المائم، خاصة في ضوء أن المنافسة القوية التي تواجهها الصادرات اليابانية من بلدان آسيوية تفوقت في الكفاءة وتخفيض التكاليف الإنتاجية.

ثالثاً: ماذا عن الاقت�صاد الاأمريكي؟

يتمتع الاقتصاد الأمريكي في الوقت الراهن بتحسن معدل النمو الاقتصادي، ويقدر معدل النمو لعام 2015 ب 2.1% ويتوقع أن يصل إلى 2.3%عام 2016، و2.2% عام 2017. كما تمكنت الشركات في القطاع الخاص من إضافة ما بين 200 الف إلى 300 ألف وظيفة شهرياً خال السنوات الماضية، ويمكن أن يستمر ذلك في السنوات القادمة. من جانب آخر فإن القطاع العقاري بدأ بالتعافي بعد أزمة عام 2008، ومن ثم فالسؤال إذن، هل يمكن أن يقود الاقتصاد الأمريكي باقي اقتصادات العالم نحو التعافي؟

تشهد معدلات البطالة في الولايات المتحدة انخفاضاً إلى 5% خال عام 2015، وربما يصل إلى 4.8% في عام 2016، وهذه مستويات يراها العديد من الاقتصاديي­ن في الولايات المتحدة قريبة من معدل التوظيف الكامل لقوة العمل، لكن من جانب آخر ياحظ أن هذه الأرقام قد تكون مضللة حيث كثير من الوظائف متدنية الأجر وتتركز في قطاع الخدمات، مثل قطاع الطعام والشراب، كما أن الكثير من العاملين ممن ينتمي لفئة العاملين جزء من الوقت. ولذلك فإن القطاعات الحيوية مثل الصناعات التحويلية أو القطاع المالي أو قطاع التقنيات الحديثة تتطلب المزيد من التحفيز.

إن الرهان على قوة الاقتصاد الأمريكي لابد أن يتم التعامل معه بحذر، لأنه لابد أن تستمر سياسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي المعتمدة على التسهيات، وتخفيض أسعار الفوائد المصرفية، ومن ثم فإن أي رفع لسعر الخصم من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي قد لا تكون مائمة في هذه المرحلة من تعافي الاقتصاد الأمريكي، من جانب آخر يظل الاقتصاد الأمريكي مرتبطاً بالاقتصادا­ت الرئيسية مثل الاقتصادات الأوروبية أو الاقتصاد الياباني والاقتصاد الصيني الذي أخذ بالانكماش خال عام 2015.

خاتمة

مما تقدم فإن تعافي الاقتصاد العالمي أمر محل نظر، بل أن هناك مؤشرات تدعو إلى التخوف من حدوث أزمة اقتصادية جديدة. لقد أدت الأزمة الماضية وتبعاتها إلى تراجع الاستثمار في قطاعات عديدة، بما عطل من فرص الأعمال المباشرة والمساندة. ويواجه الاقتصاد العالمي تحديات حقيقية من أهمها أزمة الديون السيادية وأوضاع المصارف وقدرتها على تحمل التمويات الجديدة للقطاعات الحيوية، بالإضافة إلى المتغيرات الديمغرافي­ة في البلدان الصناعية الرئيسية وآثارها على مستويات الطلب على السلع والخدمات. ويحتاج الاقتصاد العالمي لكي يتفادى أزمة اقتصادية جديدة، إنجاز إصاحات مهمة في السياسات المالية التي تعتمدها الحكومات وكذلك إنعاش اقتصادات البلدان النامية بما يعزز استقرارها وتنميتها.

إن القول بتعافي الاقتصاد العالمي أمر محل نظر، بل قد تحمل تطورات الاقتصاد العالمي مؤشرات تدعو إلى التخوف من حدوث أزمة اقتصادية جديدة.

 ??  ??
 ??  ?? مستشار وباحث اقتصادي كويتي
مستشار وباحث اقتصادي كويتي

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates