Trending Events

اعرف نفسك:

الجانب الآخر للتعامل مع أزمات المنطقة العربية

-

هناك توصية تقدم أحياناً للأكاديميي­ن عندما يتم الاستغراق في ال Buts() وIfs(،) وتتعقد المشكلات البحثية، مبتعدة عن الافتراضات الأولى، وتقدم أيضاً للممارسين عندما تتعقد الإشكاليات العملية، وتحيط بها المتغيرات من كل جانب، وهي أن على الجميع أن يعودوا من وقت لآخر إلى الأساسيات، سواء كانت "كتباً دراسية" أو سوابق سياسية، ليس لاتباع ما جاء فيها أو جرى خلالها، لكن لرؤية الأشكال البسيطة المستقرة للأمور قبل أن تتحرف أو تختلط، فربما يساعد ذلك على البدء من جديد بصورة أكثر فعالية. فهل تستدعى الطريقة التي تدار بها بعض الأزمات والمشكلات التي تواجه بعض دول الإقليم، حالياً، إلقاء نظرة على الأساسيات؟

551 قبل الميلاد

يمكن العودة إلى القرن السادس قبل الميلاد، حينما أصدر المفكر والقائد الصيني "صن تزو" كتابه الشهير "فن الحرب"، الذي يباع على أرصفة شوارع عدة عواصم عربية بأسعار بخسة، إلى جانب كتب شعبية، مثل الأمير وكفاحي و"رحلتي من الشك إلى الإيمان"، ويمكن تنزيله مجاناً من الإنترنت، باعتباره تراثاً إنسانياً، تعود حقوق ملكيته للبشرية، ويتعلق الأمر هنا بفقرات من الكتاب، تركز على " تقييم القدرات الذاتية"، وليس مجرد "تقدير قدرات الخصوم"، في إدارة الحروب.

لقد سيطر على التفكير الاستراتيج­ي العربي في عقود سابقة تعبير "اعرف عدوك"، الذي يعني عملياً تحليل نوايا وتشريح قدرات مصادر التهديد، كمفتاح رئيسي للتعامل مع التهديدات الأمنية، مع تجاهل نسبي للعنصر الآخر في المعادلة، بافتراض أننا نعرفه، أو أنه أمر مسلم به، وهو "اعرف نفسك"، أي وجود تقييم واقعي أو حقيقي لقدرتنا وإرادتنا ومهارتنا في التعامل مع تلك التهديدات، وهو ما يسمى جزئياً معادلة الحماية/ الانكشاف، أو ما هو أعقد "قوتنا الذاتية".

إن "صن تزو" يقرر أنه إذا كنت تعرف نفسك وتعرف عدوك، فلا يجب أن تخشى من نتيجة 100 معركة، وغالباً ستنتصر، وإذا كنت تعرف قدرات نفسك وتجهل قدرات عدوك، فإن كل نصر ستحرزه ستقابله هزيمة تتلقاها، أما إذا كنت لا تعرف )قدرات( نفسك ولا تعرف عدوك فغالباً ستفشل في كل معركة.

والمثير أن "تزو" لم يشر بعبارات محددة إلى الاحتمال النظري الرابع، ربما لأنه لم يتصوره، وهو أن يكون التفكير دائماً منصباً على العدو، من دون انتباه كاف لإدراك "حالتنا"، أو ما نستخدمه من كوادر وأدوات وأساليب في التعامل مع المواقف التي تفرضها الأطراف الأخرى، لكن إذا حدث ذلك، فإن على الطرف المعني أن يتأكد أنه في خطر. ولا تحتاج علاقة ذلك بإدارة الأزمات في بعض الدول العربية إلى طرح أي سؤال، فالأداء الداخلي قد يكون هو المشكلة الحقيقية.

ما هي الأزمات؟

هنا توجد مشكلة عامة، فالتعريفات التقليدية للأزمات لم تعد صالحة للاستخدام، ويمكن ببساطة رصد أكثر من 30 تعريفاً لما يسمى أزمة، يركز كل منها على بعد أو جانب يعتبره الأكثر أهمية أو خطورة، لكنها كلها لا تخرج عن كونها موقفاً أو حدثاً مفاجئاً، غير متوقع، يتطور بشكل سريع، ويتعلق بمسائل حرجة، يضغط على أعصاب الجميع، وتختلط أسبابه بنتائجه، ويتطلب بالطبع اتخاذ قرارات عاجلة، في ظل ضغوط الوقت، وتترتب عليها في كل الأحوال تداعيات خطرة، وهي كلها عناصر جيدة لفهم المسألة، باستثناء ما يلي: 1- إن الأزمات تحولت إلى وقائع متكررة الوقوع، متتالية الحدوث، عبر فترات قصيرة، خاصة في "الدول غير الطبيعية"، لدرجة تتطلب معها حالة تأهب دائمة، لمراكز وعناصر وعقليات" تعمل 24 ساعة 7 أيام أسبوعياً، وبالتالي لم تعد ترتبط بأحداث مؤقتة، وإنما أوضاع مستمرة. 2- إن الأزمات أصبحت متزامنة، فلم تعد تأتي فرادى، كما أن معدلات "حلها" أقل بكثير من معدلات تفجرها، وبالتالي تتعدد وتتراكم، على نحو أصبح التعبير الدقيق لفهمها ليس "إدارة الأزمة"، وإنما "إدارة الأزمات" المتوازية، مع حاجة إلى فرق متعددة، وفق طبيعة كل منها. 3- إن الأزمات تستمر لفترات طويلة للغاية، أو تستمر ذيولها وتوابعها، لتتحول إلى عملية مزمنة لا يسهل "التخلص منها" بمنطق الحل، ولا تقبل أطرافها أية تسوية لها ببساطة، بحيث أصبحت أقرب إلى إدارة "صراعات صغيرة" منها إلى أزمات تقليدية. 4- إن الكوارث قد اختلطت بالأزمات، سواء كانت طبيعية أو بشرية، أو ناتجة عن توترات دولية، لدرجة أن "الكوارث تستولي على مفهوم الأزمات أحياناً، وأصبح لكل كارثة، حتى لو كانت بيئية، وحتى لو كانت مشكلة تراكم قمامة في الشوارع، بعداً سياسياً واضحاً للغاية، فهناك من يوظفون كل شيء.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates