اللعبة الكبرى الجديدة:
تزايد حدة الصراع الصيني الهندي في جنوب آسيا
تشهد جنوب آسيا تغيرات جيواسراتيجية ارتبطت بصورة أساسية بالمساعي الصينية للتمدد في جنوب آسيا، في منطقة طالما اعتبرتها الهند بمنزلة الفناء الخلفي لها، وهو ما أدى إلى تصاعد التنافس بين هاتين القوتين، وتجيء هذه التطورات في ظل بيئة متوترة إقليمي ،ً إذ تتخوف الهند من الوجود الصيني في جوارها المباشر، وتخشى باكستان من تطويق الهند لها، في حين تتخوف أفغانستان من الهيمنة الباكستانية.
تتمثل أهم المؤشرات على مثل هذا الصراع في زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أفغانستان لافتتاح سد الصداقة في هيرات في أفغانستان في 4 يونيو 2016، وزيارة الرئيس الصيني باكستان العام الماضي لتطوير العلاقات الاقتصادية بينهما. بالإضافة إلى ذلك، تم توقيع اتفاقية الممر التجاري الثلاثي بين الهند وإيران وأفغانستان، فضلاً عن بناء الهند ميناء تشابهار في إيران، وبناء الصين ميناء جوادر في محافظة بلوشستان الباكستانية، واللذين يفصلهما 72 كيلومتراً.
ولا يمكن ربط تواتر تلك الزيارات برغبة الصين والهند في فتح أسواق جديدة فحسب، بل تسعى الدولتان وراء تحقيق العمق الاستراتيجي والقيام بحصار جغرافي استراتيجي للطرف الآخر، ودخل في هذا الصراع الشركاء الإقليميون، خاصة أفغانستان وباكستان وإيران، سعياً وراء تحقيق مصالحهم القومية.
اأولً: اللعبة الكبرى ال�سينية الهندية
بدأ تداول مصطلح "اللعبة الكبرى" في أوائل القرن العشرين للإشارة إلى التنافس الجيواستراتيجي المتصاعد على الهيمنة في آسيا الوسطى بين الإمبراطوريتين البريطانية والروسية
الطامحتين للتوسع في الإقليم، ويعود ذلك التنافس إلى عام .) 1837
وفي بداية القرن الحادي والعشرين، تم استبدال التنافس البريطاني – الروسي بالتنافس الصيني – الهندي، والذي انعكست تداعياته بشكل مباشر على جنوب آسيا، وقد ساهمت عدة عوامل في تصاعد هذا التنافس على الهيمنة، وهي انحسار الهيمنة الأمريكية جزئياً) فضلاً عن امتلاكهما سمات القوى الكبرى الإقليمية، من حيث ضخامة عدد السكان وامتلاكهما القوة الاقتصادية والعسكرية والقدرات النووية.
ولقد مرت العلاقات الصينية – الهندية بتغيرات كبيرة خلال العقود السبعة الماضية تراوحت بين الصداقة والعداء. وقد شهدت معظم الخمسينيات من القرن الماضي علاقة صداقة وتقارب بين البلدين، كما كان واضحاً في توقيع اتفاق بانشيل Panchsheel Agreement( ) في عام 1954، والذي يهدف لتعزيز التبادل التجاري والتواصل بين إقليم التبت في كل من البلدين، فضلاً عن دعمهما حركة عدم الانحياز.
وفي الستينيات تدهورت العلاقات بين البلدين، وذلك