لماذا تهتم الصين بتطوير علاقاتها مع إسرائيل؟
د. محمد بن هويدن
يُثير البعض عدة تساؤلات حول العلاقة الصينية بإسرائيل، ويرون أن ارتفاع التبادل التجاري بينهما، وبدء تسيير رحلات جوية مباشرة، يشيران إلى اهتمام صيني وإسرائيلي متبادل بأهمية كل طرف للآخر.
وعلى الرغم من صحة هذا التصور، فإن ثمة اتجاهين أساسيين فيما يخص حدود تطور هذه العلاقة، بين من يراها علاقات طبيعية يمكن أن ترتقي لدرجة "الشراكة الاستراتيجية" أو "التحالف" مستقبلاً، وبين من يراها علاقة مصلحية ذات بعد تكتيكي يسعى من خلالها كل طرف إلى استثمار علاقته بالطرف الآخر لتحقيق أكبر قدر من المكاسب الممكنة في ظل وجود قناعة بأن تلك العلاقة تظل ذات حدود يصعب تجاوزها، لأنها سارت بتباطؤ منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، ولأن ثمة اعتبارات تقيد تطورها لأبعد من ذلك.
اولً: علاقات برجماتية
قبل عام 1992 الذي شهد انفتاح الصين الرسمي على إسرائيل وبداية العلاقات الدبلوماسية بينهما عقب اجتماعات مؤتمر مدريد للسلام في عام 1991، كانت العلاقات الرسمية معدومة في فترة الزعيم ماو تسي تونغ، الذي كان يميل إلى العرب والفلسطينيين في كفاحهم ضد الغرب وإسرائيل. ولم يحدث تطور مختلف إلا في عهد الزعيم دينغ تشاو بينغ، لاسيما منذ بداية الثمانينيات، والذي تبنى فكراً برجماتياً بعيداً عن الأيديولوجيا المتشددة وفلسفة الانغلاق والمواجهة التي تبناها "ماو"، من أجل خدمة برنامجه التنموي الذي ركز على إحداث تطوير في قطاعات الزراعة، والصناعة، والدفاع، والعلم والتكنولوجيا.
وقد مثلت هذه القطاعات الأربعة نافذة لإسرائيل يمكن من خلالها دخول الصين، فهي متقدمة في مجالات التكنولوجيا الزراعية والتسلح والبحوث والتطوير، واقتصادها من أنجح اقتصادات المعرفة في العالم، بينما الصين بلد شاسع يعتمد غالبية سكانه على الزراعة )نسبة الأراضي الصالحة للزراعة لا تمثل سوى نحو 7% من أراضي الصين(، وغدت حينذاك ظاهرة التصحر منتشرة في الصين، وإسرائيل نجحت في مواجهة هذه الظاهرة بشكل علمي.
وفي إطار سعي الصين لرفع قدراتها العسكرية المتهالكة بسبب اعتمادها على التكنولوجيا السوفييتية، اتجهت إلى إسرائيل التي تتمتع بتعاون عسكري قوي مع الولايات المتحدة، ولديها التكنولوجيا العسكرية الأمريكية المتقدمة التي تسعى الصين إلى الحصول عليها، لاسيما بعد أن فرضت واشنطن على بكين حظراً على بيع منتجاتها العسكرية بسبب أحداث ميدان تياننمن 1989، والتي استخدمت فيها الصين القوة العسكرية لإخماد التظاهرات الطلابية.
وأشارت تقارير مختلفة إلى أن إسرائيل قدمت للصين تكنولوجيا متطورة في مجالات صواريخ باتريوت المضادة للصواريخ الباليستية، وتكنولوجيا تطوير دبابات الجيش الصيني، ورادارات للغواصات الصينية، وكادت أن تقدم لها أنظمة الإنذار المبكر من طراز فالكون لولا الضغط الأمريكي الذي أدى إلى وقف عملية نقل تلك التكنولوجيا إلى الصين.
أيضاً أولت الصين اهتماماً لإقامة علاقات متبادلة مع الجامعات والمعاهد الإسرائيلية، واستقطبت بعض المعاهد