هل تستقر تركيا؟
د. نورسن اتيسوجلو جوني
في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة التي جرت في 15 يوليو 2016 في تركيا، فإن السؤال المنطقي بات: هل تستقر تركيا؟ أم أن قلاقل أخرى يمكن أن تصيبها؟ على ما يبدو فإن محاولة الانقلاب الفاشلة ستظل نقطة سوداء في تاريخ الحياة السياسية التركية، أما وحدة الشعب التركي ضد الانقلاب فستبقى على الأرجح لحظة انتصار. لقد أوقفت شجاعة الشعب التركي دبابات وبنادق الانقلابيين الذين استهدفوا تقويض الإرادة السياسية والديمقراطية القائمة في تركيا. ولم تمر ساعات معدودة على محاولة الانقلاب حتى اتضح فشل استراتيجية المتآمرين، وبزغ انتصار الإرادة السياسية للشعب التركي. ولعل الأمر المثير للاهتمام هو أنه على الرغم من تعرض تركيا للانتقاد من جانب الاتحاد الأوروبي ومؤسساته مرات عديدة في الماضي– معظمها بسبب الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان– فقد أصر الشعب التركي على اتخاذ موقف حاسم ليلة 15 يوليو انتصاراً للديمقراطية، ليصبح رمزاً لحماية القيم الأخلاقية الغربية على الساحة العالمية. ويبدو أن ما حدث سيكون بلا شك مادة خصبة للدراسات السياسية والاجتماعية المقبلة في تاريخ السياسة العالمية.
اأولاً: ال�ضعب التركي �ضمام الاأمان
في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشل، برز توافق جديد وقوي في الآراء المجتمعية والسياسية داخل تركيا، تمثل في الحاجة للدفاع عن الديمقراطية التركية والحرية وسيادة القانون ضد جميع التهديدات الداخلية والخارجية التي يمكن أن تنشأ في المستقبل. لقد تعرضت تركيا، في السنوات الأخيرة، لهجمات متزامنة من قبل مجموعات إرهابية متعددة، من داخل وخارج حدودها الجنوبية، بما في ذلك تنظيم "داعش"، وحزب العمال الكردستاني PKK(،) ومجموعة جولن الإرهابية )منظمة فتح اله جولن الإرهابية FETO(،) وحزب الاتحاد الديمقراطي PYD(،) المنبثق عن حزب العمال الكردستاني في سوريا. جاء ذلك بعد أن لفتت الإمكانات الاقتصادية البارزة التي تطورت وتراكمت في تركيا على مدى العقود الأخيرة، فضلاً عن قدرة الدولة على توطيد مكانتها داخل البيئة الجيوسياسية المتغيرة، انتباه معظم الأوساط الدولية.
ومن المؤسف أن هذه القوى التي استهدفت إعاقة هذه الإمكانات المتنامية قررت عرقلة قدرة أنقرة على التحول والتكيف داخل البيئة الجيوسياسية والجيواقتصادية المتغيرة باستمرار، عبر استخدام وكلاء من داخل البلاد وخارجها. ونتيجة لذلك، ومنذ ذلك الحين أصبحت تركيا هدفاً لعدد متزايد من الهجمات الإرهابية. وكان هدف أولئك الذين يقفون وراء هذه الهجمات هو استخدام الإرهاب لاستنزاف قوة تركيا وتحويلها إلى دولة فاشلة، مثل عدد من الدول في الشرق الأوسط.
ومع ذلك، يبدو أن هذه القوى نسيت شيئاً مهماً حاضراً بقوة كبيرة في تركيا، ألا وهو أن دعم القاعدة الشعبية للديمقراطية التركية التي قاومت هذا الانقلاب الفاشل في ليلة 15 يوليو لم يأت من أنصار "حزب العدالة والتنمية" فقط، ولكن من المتعاطفين معها أيضاً من أحزاب المعارضة في البرلمان.