Trending Events

توازن الضعف:

سياسات استيعاب "الفواعل المسلحة" داخل "الدول المنهارة"

- د. محمد مجاهد الزيات

تصاعدت سياسات استيعاب الفاعلين المسلحين من غير الدول في دول الصراعات ومناطق الأزمات، من خلال آليات متعددة مثل التفاوض والإدماج والتسليح والتدريب وممارسة الضغوط.

تنامى دور "الفاعلين المسلحين من غير الدول" بصورة واضحة في الآونة الأخيرة، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما ارتبط في جانب منه بضعف عدد من الدول العربية وتفككها وانهيار بعض نظمها السياسية، التي هيمنت على الحياة السياسية في تلك الدول لسنوات طويلة، وشروع الفاعلين المسلحين في تشكيل كيانات منظمة تمارس وظائف واختصاصات الدولة في المناطق التي تسيطر عليها.

ويسعى هذا التحليل لاستكشاف أدوار الفاعلين المسلحين من غير الدول في عدد من دول المنطقة، سواء تمثلوا في التنظيمات الإرهابية، أو المعارضة المسلحة، والتي أصبح حضورها قوياً وغير مسبوق، خاصة في كل من سوريا والعراق وليبيا واليمن، وذلك وصولاً للإجابة عن تساؤل رئيسي هو لماذا تبلور مؤخراً توجه دولي وإقليمي يرسي مناخاً مناسباً يكفل لهؤلاء الفاعلين العسكريين إدارة المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وإضفاء بعض الشرعية على حضورهم، والسير في اتجاه تقنين هذه الأوضاع؟

�أولاً: �لملامح �لاأ�سا�سية للفو�عل �لم�سلحة

يتفق معظم المتخصصين على أن المقصود بالفاعلين المسلحين من غير الدول Armed( ‪non-State Actors‬ ،) هو "أي جماعة مسلحة قادرة على استخدام العنف في تحقيق أهدافها، ولا تشكل جزءاً من مؤسسات الدولة الرسمية، كالجيش النظامي أو الحرس الجمهوري، أو قوات الشرطة، أو القوات الخاصة، كما أنها تتمتع بقدر من الاستقلالي­ة في إدارة شؤونها السياسية أو العسكرية، وتدبير مواردها")1(. فهم أي كيان أو قوة أو جماعة تنافس الدولة المركزية سيادتها، واحتكارها القوة المسلحة، وبالتالي فإن هؤلاء الفاعلين يتمركز نشاطهم واستراتيجي­ة عملهم في منازعة الدولة في أداء أدوارها، خاصة ممارستهم القوة العسكرية وضبط الأمن، وذلك في المناطق التي يسيطرون عليها.

وقد أولت الأدبيات الغربية اهتماماً واضحاً لدراسة هذا النمط من الفاعلين المسلحين من غير الدول في السنوات الأخيرة، وكذلك للجماعات الإرهابية أو الجماعات الإثنية التي تمارس العنف)2(. وقد خلصت تلك الدراسات

إلى رصد سمات أساسية لهذا النمط من الفاعلين، يمكن إيجازها فيما يلي: 1- الصراع كبيئة حاضنة: إذ إن نشأة هؤلاء الفاعلين المسلحين ارتبطت بصورة أساسية بمناطق الصراع، بل ويمكن القول إنها البيئة التأسيسية لهم، خاصة في ظل هشاشة الدولة وتفكك هياكلها السياسية والأمنية والاجتماعي­ة وعجز الدولة عن حسم الصراع الداخلي لصالحها، وهو ما يؤدي إلى حالة من الارتباك داخل تلك الدول وزيادة في ضعفها وهشاشتها الأمنية، بل وعجزها عن القيام بوظائفها الأساسية.

وهكذا نرى أن الصراعات السياسية والمذهبية والعرقية تؤدي إلى أن تصبح بعض الدول رخوة أو مفككة وتهتز كيانات الدولة القومية ويزداد ضعفها، وهو ما يستثمره هؤلاء الفاعلون الذين يصبحون دولة أو دويلات داخل الدولة ويسيطرون على جزء من إقليم الدولة، من خلال الميليشيات المسلحة، ويشرعون في فرض قوانينهم الخاصة، وإدارة اقتصاد غير مشروع. 2- التحالفات والارتباطا­ت الخارجية: حيث يرتبط هؤلاء الفاعلون المسلحون بشبكة من المصالح مع أطراف خارجية، سواء كانت دولاً أو فاعلين من غير الدول، وهو ما يزيد بطبيعة الحال من قوتهم العسكرية، بل وأصبح من الأمور المعتادة أن يوجد تحالف قائم بين فاعل مسلح من غير الدولة ودولة أجنبية في محاربة الدولة التي ينشط على أرضها الفاعل المسلح. وتستفيد هذه الجماعات من وجود تباين في وجهات النظر الإقليمية والدولية. ومن جهة ثانية، فإن الفاعلين المسلحين من غير الدول يدخلون في علاقات تعاونية فيما بينهم، مثل تشارك الخبرة والدروس من الحروب التي يخوضونها، بل وفي بعض الأحيان، فإن الفواعل المسلحة تندمج وتنصهر في إطار جماعة واحدة)3.)

وتتمثل المشكلة الرئيسية في أنه مع مرور الوقت، فإن حجم الفئات والقطاعات المستفيدة من الصراع يكاد يتجاوز حجم القطاعات الحريصة على السلام أو الحفاظ على الدولة القومية، وهو ما رتب مصادر قوة وتأثيراً للفاعلين من غير الدول. 3- السعي لهدم الدولة القومية: فالفاعلون المسلحون يتبنون مشروعاً لهدم الدولة القومية، والسعي لإقامة دولة بديلة، حيث يرون أن الدولة فقدت شرعيتها، ولم تحقق الوظائف المنوطة بها، ولذلك يتصارعون معها على الشرعية والسلطة، وهم بذلك تنظيمات غير قانونية تمارس العنف والعمل العسكري وتستخدم القوة المسلحة كأداة للتغيير وتحقيق أهدافها، وتكسر بذلك احتكار الدولة لفرض الأمن وممارسة القوة، وربما يرتبط هؤلاء الفاعلون بأجندات مذهبية أو عرقية أو سياسية تتناقض مع الإطار العام الذي يحكم الدولة على هذه المستويات. 4- إقامة مؤسسات بديلة للدولة: فلا تقتصر مساعي هؤلاء الفاعلين على إضعاف الدولة، بل يسعون إلى إقامة مؤسسات تضطلع بأدوار الدولة، فقد تحولت التنظيمات الإرهابية من مجرد تنظيم مقاتل إلى كيان مجتمعي يستهدف حل المشاكل للمواطنين للحصول على رضاهم، وتوفير الخدمات )إمداد الكهرباء – التعليم – الصحة – الأمن – النظافة( بهدف كسب البيئة الحاضنة، ومن أمثلة ذلك ما يمارسه تنظيم "داعش" في العراق وسوريا وكذلك التنظيمات المرتبطة بالقاعدة في أدلب، وجيش الإسلام في الغوطة الشرقية لدمشق، حيث تدار هذه المناطق كدولة مستقلة.

وقد حرصت التنظيمات الإرهابية على إنشاء مؤسسات مرتبطة بها، ليس فقط في مواجهة الدولة، ولكن في مواجهة التنظيمات المنافسة لها كذلك، وتسعى هذه التنظيمات إلى تطوير مواردها وطرح أفكار أيديولوجية جاذبة، سواء لمواجهة التنظيمات الأخرى أو لاجتذاب الدعم من قطاعات جديدة من السكان. وعلى الجانب الآخر فقد أثر ذلك سلباً على قدراتهم وتفرغهم للعمل العسكري، خاصة مع الصعوبات التي يلقونها في إقامة أجهزة بيروقراطية وإدارة مدنية، ومن ذلك الصراع الذي نشب بين "داعش" والقاعدة في سوريا، وكذلك بين جبهة فتح الشام، وتنظيم أحرار الشام للسيطرة على مناطق في محافظة إدلب.

ثانياً: تنامي �آليات ��ستيعاب �لفاعلين �لم�سلحين

شهد دور الفواعل المسلحة من غير الدول تصاعداً واضحاً، في العلاقات الدولية، إلى الحد الذي دفع البعض لاعتبارهم فاعلين أساسيين في النظام الدولي، تنطبق عليهم قواعد العلاقات الدولية التي تحكم الدول، خاصة مفاهيم المدرسة الواقعية كالقوة وتوازن القوى.

وقد ارتبط ذلك بمشاركة بعضها في حروب إقليمية أو دولية مثل قيام جيش الرب بنقل أنشطتها المسلحة من أوغندا إلى السودان، ثم إلى دولتي الكونجو وأفريقيا الوسطى، من دون أن تتوقف عن القيام بعمليات مسلحة داخل أوغندا والسودان، فضلاً عن قيام القاعدة بشن عمليات إرهابية حول العالم)4(، بينما تنخرط فواعل مسلحة من غير الدول في مفاوضات رسمية مع دول، كما توضحها حالات عدة في منطقة الشرق الأوسط. وفي حالة انهيار الدولة، تجد المنظمات الدولية أو الدول مضطرة للتعاون مع الفواعل المسلحة من غير الدول بصورة مباشرة، ومن ذلك قيام الأمم المتحدة بالتواصل مع الميليشيات المختلفة في الصومال دبلوماسياً واقتصادياً، بل وأحياناً عسكرياً)5(. ومؤخراً اتخذت أنماط التفاعل مع الفواعل المسلحة من غير الدول الأشكال التالية:

1- الدخول كطرف في مفاوضات التسوية: ويتبنى هذا الرأي المدرسة المؤسسية، التي تسعى لعلاج الصراع من خلال عملية تفاوضية تهدف إلى إنشاء قواعد وإجراءات وأطر مؤسسية تعكس تفضيلات ومصالح الأطراف المتصارعة، وتسمح بقدر من التعايش السلمي. وترى المدرسة المؤسسية أن العديد من الفواعل المسلحة من غير الدول، مدفوعة بمظالم ومطالبات سياسية، والتي يمكن الاستجابة إليها من خلال عملية تفاوضية تسعى للتوصل لحلول وسط في القضايا

الخلافية، تنهي الصراع وتمهد لسلام وقد شهدت منطقة الشرق الأوسط العديد من المؤشرات على التفاوض مع الفاعلين المسلحين من غير الدول، وهو ما يعكس حجم النفوذ والقوة التي باتت تتمتع بها هذه الفصائل، فقد انتقلت الدول المركزية من مستوى الصراع مع هؤلاء الفاعلين، ومحاولة القضاء عليهم إلى مستوى آخر يتضمن البحث عن مجالات للتفاهم معهم، سواء من خلال التوصل لاتفاقات جزئية تقضي مثلاً بخروج المقاتلين وأسرهم إلى مناطق أخرى، أو إبرام هدنة عسكرية مع بقاء الأوضاع على ما هي عليه.

وقد رعت الكثير من القوى الإقليمية والدولية هذه الاتفاقات تحت دعوى وقف نزيف الدم، وإن كانت النتيجة إقراراً بمناطق نفوذ لهؤلاء الفاعلين على حساب الدولة المركزية، وهو ما يتضمن في النهاية اعترافاً بوجود هؤلاء الفاعلين والتسليم بدور لهم في عملية صنع القرار في مستقبل الصراع السياسي ومستقبل الدولة.

فقد عقد مؤخراً مؤتمر آستانا في 23 يناير 2017، باعتباره من المحطات الأساسية على طريق تسوية الصراع السوري، وأقر القائمون على المؤتمر مشاركة 14 فصيلاً عسكرياً كطرف معترف به في المؤتمر. وقد تمثلت أهم مطالبهم في الاعتراف بمناطق نفوذهم وسيطرتهم ووقف أية عمليات عسكرية تؤثر على هذه السيطرة أو النفوذ. 2- التفاوض المباشر مع الأطراف الدولية: فقد سعت الأمم المتحدة إلى فرض تسوية على الفرقاء الليبيين من خلال فرض "حكومة الوفاق الوطني" برئاسة فايز السراج كبديل عن "حكومة الإنقاذ" برئاسة خليفة الغويل في طرابلس، و"حكومةطبرق"برئاسةعبدا­له وأضحتالقوى الإقليمية والدولية المعنية تدرك أنه لا مفر من الاعتراف والتعاون مع حكومة طبرق، خاصة بعد نجاحها في مواجهة التنظيمات المتطرفة في شرق ليبيا، وسيطرتها على موانئ النفط الليبية.

وقد دفعت هذه التطورات موسكو إلى دعوة خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي المدعوم من حكومة طبرق، إلى زيارة موسكو في 27 نوفمبر 2016، فضلاً عن استقباله على حاملة الطائرات الروسية "الأدميرال كوزنيتسوف"، وذلك خلال عبورها المياه الإقليمية الليبية، وإجرائه مباحثات مع وزير الدفاع الروسي "سيرجي شويجو" عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، فضلاً عن إصدار موسكو تصريحات تؤكد فيها ضرورة أن يلعب دوراً في إدارة البلاد، وذلك في ظل حديثعنإمدا­دموسكوله علىالرغممن الحظر الدولي المفروض على تصدير السلاح إلى ليبيا.

ويأتي في هذا الإطار اتفاق كل من روسيا والصين وباكستان، خلال اجتماع عُقد في موسكو أواخر ديسمبر 2016، على إبداء المرونة تجاه حركة طالبان، وإزالة بعض الأشخاص المنتمين لها من قائمة العقوبات، كجزء من الجهود لإحلال محادثات السلام بين "كابول" وحركة طالبان. وتسعى الحركة من هذا الانفتاح إلى تقليل القلق حيالها، وتغيير الرأي العالمي حولها، فضلاً عن التفاوض بشأن الإفراج عن بعض السجناء المنتمين لها، والنقاش بشأن عملية السلام الأفغانية)9(. وتجدر الإشارة هنا إلى أن اعتراف عدد من الدول بطالبان جاء بعد فشل خيار التعامل العسكري معها.

3- الدمج والاستيعاب في أجهزة الدولة: والمقصود به دمج الميليشيات المسلحة في أجهزة الدولة، إما لإضفاء الشرعية عليها، أو لتجنب الضغط العسكري عليها، ويندرج تحت الفئة الأولى دمج ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية في الجيش العراقي، فقد نص القانون على تحويل هيئة الحشد الشعبي والقوات التابعة لها لتشكيل تابع للقوات المسلحة العراقية. ويتمتع بالحقوق والامتيازا­ت نفسها)10.) أما الفئة الثانية فتتمثل في إعلان المجلس العسكري في مصراتة برئاسة العميد إبراهيم بن رجب، انضمامه بكل الكتائب المنضوية تحته إلى الجيش الوطني الليبي، بقيادة اللواء خليفة حفتر)11(، وهو ما يعكس تحولاً في ميزان القوة العسكرية بين الشرق والغرب الليبي لصالح الأول.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنه على الرغم من أن بعض أدبيات إدارة الصراع تفتح المجال أمام دمج بعض أفراد الميليشيات المسلحة في القوات الحكومية، كأحد مداخل التوصل لتسوية دائمة للصراع، فإن ذلك يختلف عن الممارسات التي تتم في الإقليم، وبصورة أساسية في الحالة العراقية، إذ إن الدمج يكون للقوات المناوئة للحكومة، وليس للميليشيات التي تدعم الحكومة العراقية في حربها ضد التنظيمات المتطرفة، والتي ارتكبت انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان بحق العرب السنة، مع إفلات القائمين على ارتكاب تلك الجرائم من العقاب، كما أن دمجها مع الحفاظ على هياكلها من دون تغيير يعني استمرار سيطرة السياسيين الذين تتبعهم تلك الميليشيات عليها، وبالتالي فإن ولاءها سيكون لهم بالدرجة الأولى وليس للدولة العراقية)12(، في حين أن الدمج، وفقاً لأدبيات إدارة الصراع، يكون لعناصر محدودة، ومن خلال آليات تضمن ولاء تلك القوات للدولة، وعزلها عن تأثير قادة الميليشيات التي كانت تتبعها.

شهد دور الفواعل المسلحة من غير الدول تصاعداً واضح ،ً في العلاقات الدولية، إلى الحد الذي دفع البعض لاعتبارهم فاعلين أساسيين في النظام الدولي، تنطبق عليهم قواعد العلاقات الدولية التي تحكم الدول، خاصة مفاهيم المدرسة الواقعية كالقوة وتوازن القوى.

4- الدعم العسكري بالتسليح والتدريب: ومن ذلك دعم الولايات المتحدة لوحدات حماية الشعب الكردي، والتي تسيطر على مناطق في شمال وشرق سوريا، وهي ميليشيا مسلحة تقاتل تنظيم "داعش" في سوريا. وقد شمل هذا الدعم الإمداد بالسلاح، والتدريب، فضلاً عن إرسال قوات خاصة تقاتل معها في مواجهة تنظيم "داعش"، بالإضافة إلى توفير

الغطاء الجوي لها)13(. وقد أغرى هذا الدعم، ضمن عوامل أخرى، إلى وضعها بصورة أحادية لدستور يكفل لها حكماً ذاتياً للمناطق التي سيطرت عليها، وهو ما يؤثر على تماسك الدولة المركزية.

ومن المفارقات قيام الميليشيات المسلحة بدعم نظام الحكم، كما في حالة دعم حزب اله والفصائل الشيعية العراقية للنظام السوري، وذلك بعد أن كان وجود حزب اله يعتمد على الدعم السوري والإيراني، غير أنه ومع ضعف النظام السوري، واعتماده عليه في مواجهة المعارضة المسلحة بات فاعلاً مستقلاً له أجندته الخاصة، ويهدف لتحقيق توجه استراتيجي لإيران يتجاوز في أحيان كثيرة أجندة النظام السوري.

وتتضح هذه الاستقلالي­ة التي يتمتع بها حزب اله في سيطرته على منطقة القصير وسهل بردي والزبداني وبعض مناطق ريف دمشق، والتي يعتبرها الحزب مجالاً حيوياً له، وأجرى مؤخراً استعراضاً عسكرياً في بعض مناطقها، بل وأصبح حزب اله طرفاً في أي تسويات أو تفاهمات مناطقية بين النظام والفصائل العسكرية المعارضة. 5- الضغط العسكري على تلك الميليشيات: يركز منظرو المدرسة الواقعية على دور القوة في الضغط على الفاعلين المسلحين من غير الدول عسكرياً، وذلك بهدف تدميرها أو ردعها أو احتوائها أو تهميشها كفاعل مسلح. ويتم استخدام القوة العسكرية أو القوة الشرطية، بالإضافة إلى الاستعانة بالقوات الأجنبية في القضاء على الفواعل المسلحة، وكذلك إصدار عقوبات دولية ضدهم، مثل حظر تصدير السلاح، أو فرض عقوبات اقتصادية، أو التلويح بمعاقبتهم كمجرمي حرب) 14 .)

ويندرج ضمن الأدوات العسكرية المساعي الرامية إلى تفتيت وإضعاف الجماعات المسلحة، بين قوى معتدلة وأخرى متطرفة، وذلك من خلال إبرام صفقات سرية مع بعض القيادات الرئيسية للفاعلين المسلحين من غير الدول، أو دعوة فصائل داخلها للمشاركة في العمل السياسي. ومن أبرز الأمثلة في هذا الإطار المساعي العراقية والسورية، للقضاء على تنظيم "داعش" عسكرياً، في إطار تدخل دولي وإقليمي، لتحقيق الهدف نفسه، ممثلاً في التحالف الدولي للقضاء على الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة.

وفي الختام، يمكن القول إن الفاعلين المسلحين من غير الدولة قد ساهموا في هشاشة الدولة المركزية في العراق وسوريا وفرضوا حضوراً أصبح له إطار إداري مدني موازٍ لنفوذ الدولة المركزية. وقد ساعد على ذلك عاملان أساسيان، هما ضعف الدولة المركزية، وعجزها عن حسم الصراعات الداخلية التي تعانيها لمصلحتها، فضلاً عن دور الأطراف الإقليمية والدولية، التي تتعامل مع هؤلاء الفاعلين باعتبارهم طرفاً مؤثراً في الصراع، خاصة في ضوء ارتباط بعضهم بالقوى الإقليمية والدولية، وتوظيفهم في إطار سياساتها الإقليمية، وبما يؤثر سلباً على نفوذ القوى الإقليمية أو الدولية المنافسة، وهو ما أضفى عليهم نوعاً من الشرعية ووفر لهم غطاءً سياسياً يسمح لهم مستقبلاً بأن يكون لهم دور في إدارة العملية السياسية في تلك الدول.

وفي ضوء ما سبق، فإن دور الفاعلين المسلحين من غير الدول لايزال مرتهناً في وجوده بالبيئة الصراعية التي توفر له مناطق نفوذ وحركة، فضلاً عن الدعم الإقليمي والدولي، الذي يوفر له سبل الدعم تنفيذاً لاستراتيجي­ته الإقليمية، وهو ما يعني في التحليل الأخير أن نجاح الدولة المركزية في استعادة سيطرتها، وتراجع أدوار القوى الإقليمية والدولية، أو على الأقل توصلها لتوافق لحل بعض أزمات المنطقة من شأنه أن يضعف دور الفاعلين المسلحين من غير الدول.

 ??  ??
 ??  ?? د. محمد مجاهد الزيات المدير السابق للمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط - القاهرة
د. محمد مجاهد الزيات المدير السابق للمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط - القاهرة

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates