الثقافة والأمن القومي في الأمريكيتين
براين فونسيكا، إدواردو جامارا Culture and National Security in The Americas by: Brian Fonseca& Eduardo A.Gamarra (eds.) Lexington Books, 2017, 346pp., 110$, 149851958 عرض: محمدعبدالله يونس، مدرس العلوم السياسية المساعد، بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة "تشكلت الثقافة الاستراتيجية في دول أمريكا اللاتينية عبر تفاعل المعطيات الجغرافية والتاريخية والاجتماعية والثقافية"، هذا هو الاستنتاج الرئيسي الذي استخلصه كتاب "الثقافة والأمن القومي في الأمريكيتين"، حيث ركز على المقارنة بين السياقات الداخلية والإقليمية المختلفة، التي أدت لتبلور قيم ثقافة الأمن القومي في دول أمريكا اللاتينية والوسطى، والتي تراوحت بين الانعزالية والانغلاق، والبرجماتية والتفاوض والهجومية والتوسع في دول أخرى.
ت �سكيل�لثقافة�لا�ستر�تيجية
تتشكل الثقافة الاستراتيجية في أي دولة نتيجة تفاعل مجموعة من العوامل الجغرافية والتاريخية والاجتماعية والسياسية والفكرية، تتمثل في الآتي: 1- الأصول: ويقصد بها الثوابت الجغرافية والتاريخية والثقافية التي لا تتغير بصورة آنية، مما يعزز من تأثيرها على تشكيل ثقافة الأمن القومي في الدولة، وتشمل هذه العوامل الموقع الجغرافي والمناخ والخبرات التاريخية، والأيديولوجيات وتوجهات الرأي العام، والأساطير . 2- الحراس Keepers(:) ويقصد بهم القوى المجتمعية والسياسية التي تقوم بحماية وحفظ ثقافة الأمن القومي، وتتمثل في النخب المجتمعية والقيادات السياسية، والمؤسسات العسكرية والأمنية. 3- قوى الاستمرارية والتغيير: ويقصد بها التحولات الداخلية والإقليمية والدولية التي تدفع لاستمرار أو تغيير قيم ثقافة الأمن القوى للدولة، وحدد الكتاب ثلاث قوى دافعة للتغيير في الثقافة الأمنية، وهي الصدمات الخارجية المفاجئة، وتغير النخب والقيادات السياسية، وحدوث تناقض بين القيم والمبادئ الرئيسية في الثقافة.
يوتوبيا �لثورةو�لتغيير
يرصد الكتاب أركان ثقافة الأمن القومي في بعض دول أمريكا اللاتينية، حيث يصنف حالة فنزويلا ضمن الدول التي لم يغب تأثير الأيديولوجيا عن ثقافة الأمن القومي بها، حيث كان لقيم ومبادئ سيمون بوليفار وتوجهات الثورة والتغيير تأثير على توجهاتها الخارجية، لاسيما خلال عهد هوجو شافيز، كما أن العوائد النفطية أسهمت في تعزيز التطلع الفنزويلي لممارسة دور رائد إقليمياً.
وينطبق الأمر ذاته على كوبا، حيث أسهم التقارب الجغرافي بين الولايات المتحدة وكوبا والعلاقة التاريخية المعقدة بين الدولتين في هيمنة القيم الثورية على ثقافة الأمن القومي بها، حيث بات الجيش حامياً للثورة ومقاومة الاستعمار.
ثقافة �لمجتمعات�لمنق�سمة
أدت الطبيعة الجغرافية الجبلية الوعرة في كولومبيا والانعزال بين الأقاليم الجغرافية المختلفة لنشأة نزعات انفصالية في بعض الأقاليم غير المتصلة بإقليم الدولة، وتصاعد ميليشيات تهريب البشر والمخدرات، بالإضافة لتفجر الحرب الأهلية مع حركة "فارك"، وفي المقابل لم تحظ المؤسسة العسكرية بدور مركزي في نظام الحكم نتيجة الصراع بين النخب السياسية وحرصهم على إضعاف المؤسسة العسكرية.
أما تشيلي، فقد عانت الانقسام التاريخي بين قاطني الأقاليم الساحلية والسكان الأصليين في المناطق الداخلية، مما أدى لتفكيك الهوية الوطنية، وفي هايتي قامت النخب الجبائية بدور أساسي في تغذية الانقسامات العرقية في المجتمع، بالإضافة للعداء التاريخي مع جمهورية الدومنيكان، والاختراق الخارجي للدولة والنخب السياسية.