Trending Events

الاختراق الناعم:

حقيقة التدخل الروسي في الانتخابات الغربية برتراند فيالا

- برتراند فيالا خبير متخصص في الشؤون الركية والشرق أوسطية، أنقرة

نشرت السفارة الروسية في بريطانيا تغريدة ساخرة قالت فيها: "نحمد اله أنها لم تكن روسيا هذه المرة"، وذلك تعقيباً على تصريحات رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بأن الاتحاد الأوروبي يسعى للتأثير على نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة التي دعت لها؛ وذلك نظراً لأن بروكسل سربت جانباً من المحادثات التي تمت بينهما، والتي كانت تدور حول مطالبة بريطانيا بدفع فاتورة الخروج من الاتحاد الأوروبي، وقدرها 100 مليار يورو. ويكشف ذلك طبيعة الجدل المثار حول الدور الروسي المزعوم في التدخل في الانتخابات التي أجريت في الدول الغربية بدءاً من الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 2016.

وسرعان ما انتشرت هذه التغريدة كالنار في الهشيم. وقد علّق أحد المغردين بقوله "إنها لم تُضبط حتى الآن متلبسةً بالتدخل"، فما كان من السفارة الروسية إلا أن ردت: "هل يمكنك أن تتخيل أن روسيا تبتز الناخبين البريطانيي­ن ب 100 مليار يورو؟، فالكل غادر الاتحاد السوفييتي با مقابل")1.)

يكشف هذا السجال على الإنترنت، وكذلك القصص المنتشرة والمتكررة في جميع وسائل الإعام الغربية بأن الخوف من التدخل الروسي في الانتخابات الغربية قد تحوّل إلى هوس في تلك الدول، بل كاد أن يصير أحد نظريات المؤامرة. ومن جهة ثانية، فإنه لم يُقدّم حتى الآن أي دليل مقنع من شأنه تبرير الإصرار الغربي على استهداف روسيا من دون غيرها بهذا الاتهام، خاصة أنه وجهت اتهامات مماثلة لدول مثل الولايات المتحدة أو الصين، بمحاولة التدخل والتأثير على العمليات الانتخابية بالدول الأخرى، أو حتى الاتهام البريطاني الأخير لاتحاد الأوروبي.

ومن جهة ثالثة، فإن أحداً من مؤيدي مزاعم التدخل الروسي لم يقم بقياس حجم تأثيرها على الرأي العام الغربي، أو حجم شبكة عاقاتها المزعومة، والتي تبدو، وفي ضوء الأدلة الحالية، محدودة بدرجة كبيرة، وبالتالي فإن الخوف من سيطرة روسيا على القلوب والعقول لا تزال فكرة وهمية وبعيدة كل البعد عن الواقع الملموس.

اأولاً: الخطر الرو�سي القادم

ظهرت روسيا فيما تتداوله أغلب وسائل

يثار في الدوائر الأمريكية والأوروبية حديث تتابع فصوله عن تدخل روسي واسع للتأثير على توجهات الناخبين في الانتخابات التي يتم إجراؤها في الدول الغربية، بهدف دعم القوى القومية المتطرفة، وتقويض الديمقراطي­ة الغربية، وإضعاف الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وهي المزاعم التي على الرغم من انتشارها، فإنها لا تجد من الأدلة الكافية ما يدعمها.

الإعام الغربية حالياً كمتهم بالتدخل بصورة غير قانونية وغير أخاقية لزعزعة استقرار الديمقراطي­ات الغربية، من خال استخدام ثاث أدوات أساسية وهي: التأثير على القوى المحافظة في الغرب، والاختراق والقرصنة، ونشر أخبار وهمية تتوافق مع وجهات نظر الكرملين.

وقد بدأ اتهام روسيا بالتدخل في الانتخابات الغربية أثناء حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وتحديداً مع تسريب فريق القرصنة "فانسي بير" ‪Fancy Bear(‬ ) لحوالي 20 ألف رسالة إلكترونية من اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي، وكذلك ما ذُكر عن اختراق فريق قرصنة آخر يدعى "كوزي بير" ‪Cozy Bear(‬ ) للجنة الوطنية منذ صيف عام 2015. ولقد ساهمت الوثائق التي تم الكشف عنها في الإضرار بمصداقية الديمقراطي­ين ومرشحتهم هياري كلينتون، مما دفع البعض إلى الاعتقاد بأن ذلك كان خطة روسية لدعم مرشحها المزعوم، دونالد ترامب، للوصول إلى السلطة.

وقد تزامنت هذه الاتهامات مع شن الغرب حملة إعامية معادية لروسيا بلغت ذروتها مع التدخل العسكري الروسي لحسم معركة شرق حلب في أواخر عام 2016، لصالح قوات بشار الأسد ضد جماعات المعارضة المسلحة المدعومة أمريكياً في أغلبها.

وقد قدمت وسائل الإعام الغربية تغطية عن الوضع بالاستناد إلى روايات مؤثرة عاطفياً من حسابات بعض النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، والمشكوك فيهم أحياناً، وذلك بغرض التهويل من التدخل الروسي وتصويره بشكل مبالغ. ولقد ملأت هذه التقارير كل وسائل الإعام الغربية)2(، وهو ما ردت عليه وسائل الإعام الروسية من خال التشكيك في هوية أصحاب تلك الحسابات.

وبغض النظر عن صحة هذه الروايات من عدمها، فإنها هدفت في النهاية إلى تصوير روسيا باعتبارها المعتدي على المدنيين، وتشبيهها بألمانيا النازية. ولقد ساهمت هذه الصور الحية إسهاماً كبيراً في تعزيز ما رُوي عن روسيا بأنها قوة استعمارية لا تخشى شيئاً في سبيل تحقيق أهدافها أو بسط نفوذها، وذلك لتصوير روسيا كأنها تهديد ملموس.

أما فيما يتعلق بالتدخل الروسي في الانتخابات الغربية، فإن التبرير السائد في الدوائر الإعامية والأكاديمي­ة الغربية يدور حول محاولة موسكو الدخول في شراكة مع الأحزاب والحركات القومية في أوروبا، مثل حزب "الجبهة الوطنية" في فرنسا، وذلك بغرض إضعاف الاتحاد الأوروبي، لأنه، من منظور مصالحها، من الأفضل أن تقيم عاقات ثنائية مع كل دولة، بدلاً من التفاوض الجماعي مع الاتحاد الأوروبي، كما أن موسكو ترغب في قيادة ائتاف شعبوي يميني، مما سيشكل تهديداً قوياً لليبراليين في الغرب)3.)

وذكر "برونو كاهل"، رئيس المخابرات الألمانية، في مقابلة أجراها في وقت سابق مع صحيفة "ديه زايت" الألمانية ‪Die Zeit(‬ ،) أن هناك مؤشرات على محاولات منتظمة من جانب موسكو للتأثير على التطورات السياسية الداخلية"، ولكنه أوضح "أن موسكو لا تستهدف بالضرورة الدفع بمرشح بعينه أو تأمين الفوز لحزب ما، ولكن مصلحتها تكمن في إفقاد العملية الديمقراطي­ة شرعيتها، بغض النظر عمن سيصب ذلك في مصلحته")4 .)

وتتشابه المزاعم الألمانية مع مثيلتها الفرنسية في أن روسيا تتبنى استراتيجية عدائية لبسط نفوذها تقوم على الترويج لأخبار كاذبة من خال مواقع وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك لخلق آراء تتسم بالقومية ومشاعر مناهضة للهجرة ومعادية لليبرالية)5(، ومن ذلك الكتاب الذي نشره الصحفي الاستقصائي "نيكولاس هينين" بعنوان "روسيا الفرنسية: التحقيق في شبكات بوتين في فرنسا")6(، والذي نشر في مايو 2016. ويعد ذلك العمل بمنزلة إعادة إنتاج سيناريو "التدخل الروسي" في الأوساط الفرنسية نفسه.

ولقد انتقد بعض الكتّاب الروس هذا الكتاب لتقديمه حقائق غير دقيقة عن السياسة والساحة الإعامية الروسية. ولقد ذكر الكاتب في كتابه عدداً من مراكز التفكير مثل "الحوار الفرنسي– الروسي" ‪)Dialogue Franco–Russe(‬ برئاسة "تييري مارياني"، وهو نائب برلماني فرنسي متزوج من روسية، وقد أشار إلى هذا المركز باعتباره يروج للأفكار المؤيدة لبوتين في فرنسا، بل وذهب الكتاب للتلميح بأن الكاتدرائي­ة الروسية التي أُفتُتحت مؤخراً في قلب باريس قد تُستخدم كغطاء للتجسس، نظراً إلى موقعها الحيوي بجوار وزارة الخارجية الفرنسية، ووذلك من دون أن يقدم أي دليل على صحة هذه الإدعاءات)7.)

وتكاد تكون الرواية السائدة في الغرب أن السبب وراء إنشاء قناة روسيا اليوم هو التعبير عن "صوت بوتين"، وانتشرت الآراء نفسها حول موقع سبوتنيك الروسي، وغيرها من وكالات الأنباء الروسية.

ويتمثل الهدف الثاني لروسيا بعد إضعاف الديمقراطي­ات الغربية، وفقاً لهذا الرأي، هو تدمير المؤسسات الغربية، لاسيما حلف شمال الأطلسي، سواء من خال إشعال الفتن بين الولايات المتحدة والكومنولث والاستخبار­ات الأوروبية، أو من خال حلّ الناتو، أو خلق الفوضى)8.)

وكانت إحدى الوقائع التي كشفت عن انتشار الاتجاه المناهض لروسيا وتوظيفه في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، هي أول مناظرة سياسية بثها التلفزيون الفرنسي في أكتوبر 2016، حين ناقشت صحفية قضية العاقات مع روسيا، وتساءلت "هل من المقبول التحدث مع بوتين؟". ولقد اعترف المتنافسان الرئيسيان آلان جوبيه وفرانسوا فيون بأهمية روسيا وضرورة إقامة حوار، غير أنهما كانا حريصين في تصريحاتهما كي لا يُتهمان بدعم الرئيس الروسي.

وعقب فوز رئيس الوزراء السابق فرانسوا فيون بترشيح حزب الجمهوريين لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة في نوفمبر 2016، عبّر الرئيس الروسي فاديمير بوتين عن ارتياحه لفوز فيون بترشيح حزبه لانتخابات)9(، وهو الخبر الذي تناقلته معظم وسائل الإعام الفرنسية، ولكنها ظلت تصر

على أن بوتين سيتدخل في الانتخابات لصالح مارين لوبان.

وتجدر الإشارة إلى أن مارين لوبان زارت الرئيس بوتين في روسيا، بعد أن شوهدت في برج ترامب في مدينة نيويورك، وعلى الرغم من ذلك، فإن الجدل الإعامي استمر عن وجود تحالف بينها وبين بوتين)10.)

ثانياً: غياب الاأدلة الكا�سفة

يمكن القول إن هناك محاولات لمنع صعود المشاعر الشعبوية اليمينية المناهضة لليبرالية في الدول الغربية، والتي لا ترتبط ظهورها بأي تحركات روسية في حد ذاتها، ولكنها قد تعطي بالطبع فرصة سانحة لموسكو للتأثير. وتسعى الدوائر الغربية لتوظيف الروايات عن التدخل الروسي كوسيلة للضغط على الناخبين ذوي التوجهات الشعبوية أو المحافظة، عن طريق إقناعهم بأنهم ليسوا سوى دمى في أيدي قوة أجنبية تمثل امتداداً للعدو السوفييتي السابق.

وعلى الرغم من أن المسؤولون الروس كانوا ينفون دوماً هذه الادعاءات، فإنه، حتى الآن، لم يتم تقديم أي دليل مادي يكشف عن استراتيجية متكاملة أو أية بيانات واضحة تدين روسيا بالتدخل في الانتخابات الغربية. وعلى سبيل المثال، فإن "خلو تقرير المخابرات الأمريكية من أية أدلة تدين روسيا يجعل من الصعب تقييم مثل هذه الإدعاءات، وهو ما يعطي المسؤولين الروس فرصة للسخرية منها)11(. وحينما ثار الحديث عن وجود عاقات تجارية تجمع بين إدارة ترامب وبعض الشركات الروسية، لم يتم تقديم أي دليل ملموس عن هذا الأمر، وهو ما يجعل من العسير التوصل لأي استنتاج حول وجود عاقة بين الجانبين في ضوء المعلومات المتوفرة)12.)

وعندما طالبت المستشارة أنجيا ميركل، التحقيق فيما إذا كانت روسيا تحاول التاعب بالرأي العام الألماني، لم يشر التقرير الصادر عن جهاز المخابرات الوطنية الألمانية في فبراير 2017، والمكون من 50 صفحة، إلى أي دليل على وجود تورط روسي، وكشف أحد المسؤولين الألمان إلى إحدى الصحف عن رغبتهم في إدانة روسيا، غير أنهم لا يملكون الأدلة الكافية)13.)

ولا يعني عدم وجود أدلة على التدخل الفعلي، أن روسيا، مثلها مثل أي دولة أخرى، لا تحاول امتاك قدر من النفوذ والتأثير. ولكن اتهام روسيا منفردةً في هذا الأمر هو بمنزلة اتهام لاعب في مباراة باتباع القواعد التي يتبعها الجميع، بما في ذلك الجهات التي توجه الاتهام نفسه. فتعريف القوة يقوم بالأساس على امتاك قدر من النفوذ ونشره، وقد كان صراع النفوذ هذا هو ما أشعل الحرب الباردة سابقاً. فالمحاولات الروسية لتعزيز نفوذها على الساحة الدولية، لا تختلف عما تقوم به الدول المناوئة لها في الجوار المباشر لروسيا)14.)

ومن جهة ثانية، فإن المساعي الروسية لإقامة شبكة عاقات مع القادة والاعبين المحليين، لا تختلف عما تقوم به الدول الأخرى، كما لا ينبغي النظر إلى إنشاء روسيا قنوات ووسائل إعام، تعرض وجهات نظرها، باعتبارها أداة هجومية، فأغلب الدول التي يمكنها أن تفعل ذلك، مثل الصين وفرنسا والولايات المتحدة وقطر وتركيا، أنشأت بالفعل منصات إعامية مماثلة.

فقد قامت الولايات المتحدة بتوظيف "صوت أمريكا" لنشر وجهة نظرها على المستوى الدولي، فلماذا تتم مهاجمة روسيا للترويج لوجهة نظرها من خال قناة روسيا اليوم، أو موقع سبوتنيك الإخباري، خاصة أن الغرب لا تتوقف محاولاته عن التدخل في الشؤون الروسية الداخلية وتأييد بعض الجماعات الداخلية، بل ويروجون لمشاعر معادية لروسيا من خال تغطية إعامية سلبية، لدورها في الأزمتين الأوكرانية والسورية.

ثالثاً: توظيف «المخاوف من رو�سيا»

تكشف العديد من المواقف عن وجود مبالغات في الدوائر الإعامية الغربية للتهويل من الدور الروسي. وعلى الرغم من تعرض دول أخرى مثل قطر أو الصين، لانتقادات لتأثيرهم في الدوائر السياسية والاقتصادي­ة في فرنسا خصوصاً والغرب عموماً، فإنهما لم يلقيا هذا الكم الهائل من الانتقادات مثل روسيا. ولقد هاجمت وسائل الإعام الليبرالية "فرانسوا فيون" و"التدخل الروسي" عندما أعرب الرئيس بوتين في نوفمبر عام 2016 في فرنسا عن ارتياحه لاحتمال أن يفوز فيون في الانتخابات الفرنسية الرئاسية. ولم يحدث رد فعل مماثل في وسائل الإعام الفرنسية، أو يتم اعتبار ذلك تدخاً ألمانياً، عندما عبّرت المستشارة الألمانية أنجيا ميركل بوضوح عن دعمها لإيمانويل ماكرون في الجولات النهائية للسباق الرئاسي.

وياحظ أن توجيه الاتهامات إلى روسيا وحدها لا يعد بالأمر الجديد، فهو جزء من تقليد قديم في المجالين الأكاديمي والإعامي الغربي)15(. وغالباً ما يكون ذلك "هجوماً استباقياً" متعمداً في إطار سياسة أكبر تهدف إلى تحجيم النفوذ الروسي، خاصة في ضوء توتر العاقات الروسية – الغربية، على خلفية الأزمتين الأوكرانية والسورية، إلى الحد الذي دفع البعض إلى الحديث عن حرب باردة جديدة)16.)

وفي الحرب الباردة الأولى، تم توظيف المخاوف من نشوب ثورات شيوعية برعاية المخابرات السوفييتية، وذلك من أجل احتواء الحركات الاجتماعية التي نظمتها الفروع المحلية للأحزاب الشيوعية، والتي ارتبطت فعلياً ومباشرةً بموسكو. أما في الحرب الباردة الثانية، فتسعى الدول الغربية لإحياء المخاوف من التهديد الروسي والتهويل منه، ولكن مع وجود أدلة أقل، فاستبدلت الأحزاب الشيوعية بالجناح اليميني

إن أحداً من مؤيدي مزاعم التدخل الروسي لم يقم بقياس حجم تأثيرها على الرأي العام الغربي، أو حجم شبكة علاقاتها المزعومة، والتي تبدو، وفي ضوء الأدلة الحالية، محدودة بدرجة كبيرة، وبالتالي فإن الخوف من سيطرة روسيا على القلوب والعقول لا تزال فكرة بعيدة كل البعد عن الواقع الملموس.

والحركات المحافظة، سواء أكانت متطرفة أم لا.

وصارت عبارة "النفوذ الروسي" زائفة وخادعة تستخدم لمواجهة مناهضي الآراء الليبرالية أو اليسارية في الغرب. وفي هذا الإطار، تتهم روسيا بتعزيز الأجندة القومية المناهضة لاتحاد الأوروبي، وذلك لنزع المصداقية عن أي تعبير احتجاجي شعبي يميني، أو أية مساعٍ للتأكيد على الهوية القومية في مواجهة الهوية الأوروبية، ولمنع أي نقاش حقيقي حول سبب تنامي المشاعر القومية في الغرب بمعدلات لم يشهدها منذ الحرب العالمية الثانية، وذلك لتحميل المؤسسات الأوروبية مسؤولية هذا الإخفاق.

وكان أحد أحدث الأمثلة على ذلك في المملكة المتحدة، حيث طالب "بنجامين برادشو" النائب العمالي، ووزير الثقافة السابق في فبراير عام 2017 بإجراء تحقيق حول التدخل الروسي المحتمل في الاستفتاء الذي أفضى إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي)17.)

وعلى الرغم من نجاح روسيا في تعزيز شعبيتها خال العامين الماضيين، وإن بصورة محدودة، فإنها ليست في وضع يسمح لها بالتأثير في الانتخابات الغربية، حتى لو كانت تنوي ذلك. ففي الولايات المتحدة، ارتفعت النظرة الإيجابية تجاه بوتين من 13% في عام 2015 إلى 22،% وفقاً لاستطاع جالوب لعام 18( 2017(، في حين أن 72% من الأمريكيين مقتنعون بأن روسيا قد اخترقت اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي في عام 2016، وفقاً لاستطاع مركز بيو، ونشرت نتائجه في يناير 19( 2017.)

وقدمت دراسة من مركز بيو في ألمانيا نتائج مماثلة، إذ أعرب 31% من الجمهور عن ثقتهم في بوتين في عام 2016 مقارنةً بحوالي 22% في عام 20( 2012(. وتظل تلك النسب غير كافية لكي تتمكن روسيا من التاعب في الانتخابات الغربية، إذا كانت هناك نية لذلك.

ويمكن القول إن صورة بوتين لا تزال سلبية في أوروبا، وفي بعض الدول مثل فرنسا، ينظر إلى كل من روسيا والولايات المتحدة باعتبارهما تهديدين محتملين. وأظهر استطاع للرأى اجرته جامعة سوفولك Suffolk(،) الأمريكية، في مايو 2017 أن بوتين احتل المركز الثاني في قائمة أكثر القادة المكروهين في فرنسا بعد دونالد ترامب)21(. ومع ذلك، فإن هناك إدراكاً أوروبياً بالحاجة إلى العمل مع بوتين من أجل عاج الأزمات الدولية.

وختاماً، يمكن القول إنه حتى في حالة وجود تدخل نشط من قبل روسيا، فإنه قد فشل، إذ إن شعبية روسيا ورئيسها لاتزال ضعيفة، ولا يمكن استثمارها للإطاحة بالمؤسسات السياسية في الدول الأوروبية. وفي مواجهة التحديات الكبرى مثل تدفق الاجئين بأعداد كبيرة، وتراجع النمو الاقتصادي والإرهاب، يتوق العديد من الناخبين الغربيين إلى كاريزما قوية يشعرون بأن قياداتهم الحالية تفتقر إليها. وفي هذا الإطار، صار الناخبون في الغرب أكثر انفتاحاً على وجهات النظر الروسية دون تبنيها. وهذا هو الوضع الطبيعي لأن روسيا ببساطة لاعب استراتيجي شديد الأهمية لا يمكن تجاهله.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates