Trending Events

الخيار العسكري:

سياسات مواجهة الحركات الانفصالية في غرب أفريقيا

- نيينغ روجر مبيهبيه

تضم القارة ا فريقية حوا^ ألف جماعة إثنية ولغوية [تلفة، وعلى الرغم من هذا التنوع اXثني الكبV، فإن المطالب الانفصالية التي شهدتها القارة كانت منخفضة مقارنة بالقارات ا خرى، فقد تمثلت الدول التي شهدت حركات انفصالية امتدت على مدار عقود مثل السودان وأنجولا وإثيوبيا والسنغال)‪(، 1‬باXضافة إe الصومال. ولكن يفيد عدد من المؤشرات بأن هذا الوضع قد يتغV مع تنامي المطالب الانفصالية 6 غرب أفريقيا، وتحديد‪6 i‬ كل من الكامVون ونيجVيا.

وقد تمثل أحد الأسباب في تصاعد المشاكل الانفصالية في القارة الأفريقية في الحكم الاستبدادي والأنظمة العسكرية التي تعاقبت على حكم بعض بلدان القارة، وأخفقت في عاج التنوع الإثني الذي ورثته في أعقاب التحرر من الاستعمار، وعمدت إلى توظيف القوة المسلحة وحدها، من دون انتهاج سياسات أخرى تقوم على التفاوض وعاج الصراع الإثني من خال آليات متعددة تهدف إلى الحفاظ على وحدة الدولة مع ضمان حقوق كافة الجماعات الإثنية.

وقد أدى تجدد النزاعات الانفصالية في كل من الكاميرون ونيجيريا إلى تجدد المخاوف من التداعيات المرتبطة بذلك على الأمن والاستقرار، كما أنها كشفت عن إخفاق الآلية العسكرية وحدها في التعامل مع الحركات الانفصالية، وعن الحاجة إلى تبني استراتيجيا­ت بديلة لتسوية وإدارة الصراعات، نظراً لأن الاعتماد على القمع وحده قد يؤدي إلى نتائج عكسية على نحو ما تكشف عنه الحالات التاريخية السابقة في القارة، كما في حالتي إريتريا وجنوب السودان.

وسوف تسعى هذه الورقة إلى إلقاء الضوء على تجدد المحاولات الانفصالية في كل من الكاميرون ونيجيريا، وأبرز القائمين عليها، وأسباب تنامي المطالب الانفصالية، والسياسات الحكومية في هذا الإطار.

اأولً: اأ�سباب ت�ساعد المطالب النف�سالية

تُعد الكاميرون واحدة من الدول القليلة في منطقة غرب أفريقيا التي لم تتعرض لأي صراع داخلي كبير منذ استقال الدولة في 1960 – 2( 1961(. وقد نجحت الكاميرون في تحدي التحليات والرؤى التي تنبأت بإمكانية انهيار الدولة بها، وذلك نتيجة للمشاكل الداخلية التي تعانيها، والتي يتمثل أبرزها في: الفقر، والقبلية، وتأصل الكسب غير المشروع، وعدم المساواة، وسوء إدارة الموارد، وغيرها)3.)

ويرجع نجاح الكاميرون في الحد من نشوب الصراعات العنيفة إلى موقفها الصارم إزاء بروز أي محاولات تهدد سلطة المسؤولين وامتيازاته­م، والارتكان في هذا الصدد إلى الآلية العسكرية، ساعد على ذلك توالي رئيسين على حكم الباد منذ استقالها في عام 1960، وحتى الآن، وهما: أحمدو أهيدجو، الذي حكم من عام 1960 إلى 1982، وبول بيا الذي حكم من عام 1982 حتى الآن.

وبدأت الباد تشهد محاولات انفصالية منذ عام 1999، وهو ما تمثل في قيام "المجلس الوطني لجنوب الكاميرون" بالاستياء في 30 ديسمبر 1999 ولفترة وجيزة، على مباني التلفزيون الوطني في مدينة بوا، وأعلنوا على الهواء استقال

منطقتهم، كما أنه في 8 يناير عام 2000، رفع العلم الاستقالي رمزياً في مدينة "ليمبي" الساحلية.

وبخاف نيجيريا، والتي حاربت النزاعات الانفصالية ممثلة في إقليم بيافرا، في الفترة التالية على الاستقال، وتحديداً بدءاً من عام 1967 وحتى عام 1970، فإن المطالب الانفصالية في الكاميرون تعد حديثة نسبياً، ويرتبط ظهورها مع حركات التحول الديمقراطي في أوائل التسعينيات من القرن العشرين، وتبلورت في أواخر التسعينيات، وكذلك خال الفترة من 2016 إلى 2017. ولم تلق أغلب تلك المطالب الانفصالية في الكاميرون اهتماماً يذكر، سوى في الفترة الأخيرة.

وفي حين تنقسم كل من الكاميرون ونيجيريا إلى حوالي 200 جماعة عرقية، فإن خط الانقسام الرئيسي في الحالة الأولى لغوي، إذ ينقسم السكان بين المتحدثين بالفرنسية )80% من إجمالي السكان( والمتحدثين بالإنجليزي­ة )20% من السكان()4(، بينما خط الانقسام الرئيسي في الحالة الثانية هو عرقي، إذ تنقسم نيجيريا إلى عدة جماعات إثنية أبرزهم الهوسا واليوروبا والايجبو وغيرهم.

وتتمثل المظالم الدافعة إلى تصاعد المطالبات الانفصالية في الكاميرون ونيجيريا في العوامل التالية: 1- الشعور بالتمييز: إذ يرى الناطقون باللغة الإنجليزية أنهم تتم معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية، وعلى الجانب الآخر، فإن سكان إقليم بيافرا يرون أنهم تم ضمهم إلى الدولة النيجيرية من دون أخذ موافقتهم، ولذلك فإنهم يشككون دوماً في مدى شرعية حكمهم من جانب أبوجا. ومن جهة ثانية، فإنهم يشعرون بالحرمان الاقتصادي، نظراً لأن الميزانية التي يحصلون عليها من الحكومة الاتحادية تعد ضعيفة، وذلك على الرغم من تمتع إقليمهم بموارد نفطية غنية. 2- الاضطهاد السياسي: إذ يعاني الانفصاليو­ن في الكاميرون النزعة المركزية المفرطة، وغياب الحريات، ولذلك فإن أحد مطالبهم تمثل في الفيدرالية. أما في نيجيريا، فإن إثنية "إيجبو" Igbo(،) وهي من أكبر ثاث إثنيات موجودة في نيجيريا، فتشعر بالتهميش السياسي، ولم يتول أحد منهم رئاسة الباد، سوى اللواء "جونسون أجويي – إيرونسي"، والذي تم اغتياله بعد سبعة أشهر فقط من توليه الحكم، وذلك في يوليو 1966. كما أنه في عهد الرئيس الحالي بحيري، فإنه لا يوجد أي من رؤساء الأجهزة الأمنية ينتمي إلى هذه الإثنية)5.)

ثانياً: ردود الفعل الحكومية

ياحظ أن المطالب الإثنية التي أثارتها قطاعات من المجتمع الكاميروني والنيجيري، مثل الأقلية الناطقة بالإنجليزي­ة وسكان بيافرا، قد تمت مواجهتها باستخدام القوة والعنف، مع عدم عاج المسببات الرئيسية للصراع، وهو ما ينذر بتحول الصراع إلى صراع ممتد، بما يرتبه ذلك من تداعيات على الأمن والاستقرار في المنطقة. ويمكن تلخيص الإجراءات التي اتبعتها كل من ياوندي وأبوجا في التالي: 1- الإجراءات الأمنية: فبعد إعان رمزي عن الاستقال في 1 أكتوبر 2017، قامت القوات الكاميروني­ة بنشر عشرات الآلاف من القوات العسكرية في الشمال الغربي والجنوب الغربي من الباد، وذلك في المناطق الناطقة باللغة الإنجليزية)6.)

ولقد وقعت عدة وفيات نتيجة استخدام الشرطة الرصاص الحي في عدة مناسبات لتفريق المتظاهرين الداعمين لانفصال. ففي احتجاجات الأول من أكتوبر 2017 على سبيل المثال، وردت أنباء عن مقتل 17 شخصاً جراء إطاق عسكريين الرصاص الحي عليهم. وعاوة على ذلك، تم اعتقال زعماء الحركة الانفصالية، وتقديمهم لمحاكمات عسكرية بتهم عدة، منها الإرهاب)7.)

ولم يختلف الأمر كثيراً بالنسبة لنيجيريا، فقد اعتقلت القوات الأمنية "نامدي نوانكيني كانو"، زعيم الحركة الانفصالية "السكان الأصليين في بيافرا"، وهو ومدير راديو بيافرا، وهي محطة غير مرخصة تحث على استخدام العنف لتحقيق استقال إقليم بيافرا في جنوب شرق نيجيريا. وتشمل الاتهامات الموجهة ضده إثارة الفتنة والتحريض على العنف الإثني والخيانة العظمى)8.) 2- تقديم تنازلات جزئية: فعقب التظاهرات التي قام بها المحامون والمدرسون في المناطق الناطقة بالإنجليزي­ة بالكاميرون في نوفمبر 2016، استجابت حكومة الكاميرون لبعض القضايا التي أثارتها النقابات، غير أنهم رفضوا العودة إلى النظام الفيدرالي. واكتفت بإنشاء لجنة وطنية معنية بالازدواجي­ة اللغوية والتعددية الثقافية، تتولى مسؤولية إدارة التنوع في الباد. بيد أن هذه الإجراءات لم تتناول سوى قشور المشكلة، من دون معالجة أسبابها الأساسية، كما رُفضت الدعوة إلى إجراء حوار وطني رفضاً قاطعاً.

الدولة النيجVية تمر بأزمة حقيقية، فالمطالب الانفصالية لا تقتصر على منطقة بيافرا، ففي مناطق هيمنة إثنية يوروبا، بدأت مطالب بإقامة "جمهورية أودودووا" المستقلة، و6 شمال البلاد، فإن هناك مطالب تJز من فuة خرى تدعو Xقامة جمهورية "أريوا". و6 نيجر الدلتا، تuاوح المطالب بين إقامة دولة منفصلة هي "جمهورية دلتا النيجر"، أو السيطرة على موارد اXقليم.

ثالثاً: الم�سارات الم�ستقبلية

يمكن تناول الآثار المترتبة على رد الفعل العسكري إزاء الانفصاليي­ن في نيجيريا والكاميرون على المديين القصير والطويل. فعلى المدى القصير، تتمثل أبرز التداعيات في الانتهاكات التي تطال المدنيين جراء استخدام الأساليب القمعية في مواجهة الانفصاليي­ن، وهو الأمر الذي سوف يعمق الانقسامات القائمة في المجتمع، خاصة أنه يتم النظر إليها على أنها موجهة من الأغلبية المهيمنة على السلطة ضدهم.

أما على المدى الطويل، فقد يتسبب القمع العسكري في تطرف قادة الجماعات الإثنية واللغوية المعتدلين. وينطبق هذا السيناريو بصورة أساسية على الكاميرون عندما ألقي القبض على بعض الزعماء الممثلين للمناطق الناطقة باللغة

الإنجليزية، ممن ينادون بتطبيق نظام الفيدرالية، ونُفي آخرون خارج الباد، فقد أدت هذه الإجراءات إلى ظهور قادة أكثر تطرفاً يتبنون أجندة انفصالية.

وفي نيجيريا، أسفرت الحمات العسكرية على المناطق المتعاطفة مع حركة "سكان بيافرا الأصليين" إلى زيادة التعاطف الشعبي مع الحركة، ومطالبها الانفصالية، خاصة مع عدم إقدام الحكومة النيجيرية على تبني سياسات اقتصادية واجتماعية تهدف إلى مخاطبة شعورهم بالتهميش.

ومن جهة ثانية، فإن الدولة النيجيرية تمر بأزمة حقيقية، فالمطالب الانفصالية لا تقتصر على منطقة بيافرا، ففي مناطق هيمنة إثنية يوروبا، بدأت مطالب بإقامة "جمهورية أودودووا" المستقلة، وفي شمال الباد، فإن هناك مطالب تبرز من فترة لأخرى تدعو لإقامة جمهورية "أريوا". وفي نيجر الدلتا، تتراوح المطالب بين إقامة دولة منفصلة هي "جمهورية دلتا النيجر"، أو السيطرة على موارد الإقليم. وتكشف كل هذه المطالب عن معاناة نيجيريا أزمة اندماج حقيقية)9(، تضاف إلى المشاكل التي تعانيها في مواجهة التنظيمات الإرهابية المرتبطة ب"داعش" ممثاً في بوكو حرام.

وعلى الجانب الآخر، فإن هناك عدداً من العوامل التي قد تلعب دوراً في تثبيط المطالب الانفصالية، ولعل أهمها التجارب الأليمة لمحاولات الانفصال السابقة، فقد ترتب على محاولة بيافرا الانفصال عن نيجيريا حرب أهلية امتدت في الفترة من 1967 وحتى 1970، ونتجت عنها وفاة حوالي مليوني شخص، كما أن محاولة إقليم كتانجا في جنوب شرق الكونجو لانفصال، لم تسفر سوى عن حرب أهلية دامية استمرت على مدار خمس سنوات، وفشلت محاولات الانفصال في كا الحالتين) 10 .)

ومن جهة ثانية، فإن بروز بعض الحركات الانفصالية خارج القارة الأفريقية، لاسيما في إقليم كتالونيا في إسبانيا، وإقليم كردستان العراق، واستخدام الحكومة المركزية للقوة المسلحة في الحالتين، لإحباط المحاولات الانفصالية، واستعادة سيطرة الدولة على الإقليم الانفصالي، بالإضافة إلى وجود تقبل، أو على الأقل، تفهم من جانب المجتمع الدولي لهذه الإجراءات قد يلعب دوراً في تثبيط المحاولات الانفصالية، أو في إضعاف التعاطف الخارجي معها.

الخاتمة

يمكن القول إن لجوء الدولتين للأساليب الأمنية والعسكرية وحدها في مواجهة الحركات الانفصالية قد يؤدي إلى نتائج عكسية، خاصة مع إغفال الأساليب البديلة لتسوية المنازعات، كالتفاوض، والاستجابة لبعض المطالب المشروعة، مثل التنمية الاقتصادية وإعطائهم قدراً أكبر من المشاركة في السلطة، وهي الآليات التي كانت كفيلة بدفع قطاع من الانفصاليي­ن للتخلي عن مطلبهم الانفصالي، والقبول بالبقاء في إطار الدولة الوطنية.

ومن جهة ثانية، فإن الارتكان إلى الأداة العسكرية وحدها، قد يؤدي إلى تقوية عزم المتظاهرين، ودفع قطاع منهم إلى حمل الساح لمحاولة الانفصال باستخدام القوة المسلحة، على غرار تجربة إريتريا، والتي انفصلت عن إثيوبيا في عام 1993، بعد صراع مسلح طويل، وجنوب السودان التي انفصلت عن السودان في عام 2011، بعد حروب أهلية استمرت لعقود.

ولقد أعربت مجموعة الأزمات الدولية عن مخاوفها من هذا السيناريو، خاصة في حالة الكاميرون مع وجود مؤشرات على إمكانية اندلاع صراع مسلح في الكاميرون في المدى المنظور)11(، وبالنسبة لنيجيريا، فإنه على الرغم من وجود تجربة انفصالية فاشلة نتج عنها خسائر بشرية فادحة تمثل رادعاً أمام محاولات تكرارها، فإن ضعف الدولة في نيجيريا، وعجزها عن القضاء على تنظيم بوكوحرام الإرهابي، قد تغريان الحركات الانفصالية لتبني الخيار المسلح في ظل ضعف الدولة المركزية، وذلك على غرار المحاولة الانفصالية الفاشة التي شهدتها شمال مالي في عام 2012.

ونظراً لكلفة الحسم العسكري المادية والبشرية، فإنه من الأفضل لحكومة البلدين ان تبحثا في تبني سياسات بديلة لتجنب حروب أهلية داخلية تفرض مزيداً من التحديات على الأمن والاستقرار الداخلي، وتفتح الباب أمام تراجع قدرة الدولة على القيام بأدوارها التنموية والأمنية.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates