Trending Events

‪:Disruptive Technology‬

التداعيات الأمنية للتحولات التكنولوجي­ة السريعة في العالم

- حسام إبراهيم

تنطبق مقولات نظرية البجعة السوداء ‪The black Swan(‬ ) على التكنولوجي­ا ”الإحلالية“‪Disruptive Technology(‬ ) بشكلٍ واضحٍ؛ فوفقاً للنظرية، يقوم البشر بالمُبالغة في تقدير ما يعرفونه، ولكنهم يقللون من الأمور المجهولة بالنسبة لهم، وهو ما يحدث بالنسبة للتطورات التكنولوجي­ة المتسارعة؛ فهي تسبب إرباكاً شديداً، لاسيما في حالة إحلال تكنولوجيا جديدة محل تكنولوجيا سابقة، ما يُغير من المفاهيم والقواعد والقيم والمنظورات السائدة، ويحولها في اتجاهات أخرى تبدأ بالتشكك ثم الارتباك ثم التكيف، حتى تتحول إلى أمرٍ واقعٍ يجري التعايش معه بطرقٍ مختلفة.

ولاتزال القضايا المُرتبطة بالتطبيقات العديدة للتكنولوجي­ا ”الإحلالية“أو ”المُربكة“تشكل موضع جدلٍ كبيرٍ، على الرغم من تصاعد الجدل حول هذه الظاهرة منذ عام 2004، وتعدد النقاشات حولها في الدوائر الغربية، وفي القضايا التجارية والعسكرية، ولكن الثابت بين الخبراء والمتخصصين أن هذه التكنولوجي­ا سوف تغير شكل العالم على المستويات الأمنية والعسكرية خلال السنوات القادمة؛ حيث وصلت بعض تطبيقات هذه التكنولوجي­ا لمرحلة متطورة من التقدم يجعلها تدخل طور النضج، ولايزال بعضها الآخر في مرحلة النشوء.

فرضت التطبيقات الأمنية والعسكرية للنماذج المختلفة من التكنولوجي­ا الإحالية نفسها على أجندة القضايا البحثية والعملية للمؤسسات العسكرية والأمنية في العديد من الدول، خاصةً وأنها سوف تقود بمرور الوقت إلى تغييراتٍ ضخمة في موازين القوى العالمية، وإعادة انتشار القوة، وتحولات في العقائد والهياكل والثقافة العسكرية، وأدوار الجنود، وشركات إنتاج الأسلحة وشركات التكنولوجي­ا.

في هذا الإطار، تُناقش هذه الدراسة التداعيات الأمنية والعسكرية لظهور وتطور التكنولوجي­ا "الإحالية"، مع عرضٍ لأبرز التطبيقات العسكرية لهذه التكنولوجي­ا ودورها في تطوير منظومات التسليح التقليدية وغير التقليدية، والعروج قبل ذلك على استعراض المفاهيم المرتبطة أو المُتداخلة مع "التكنولوجي­ا الإحالية" وعناصر دورة الإحال التكنولوجي، وأبرز تطبيقات التكنولوجي­ا "الإحالية" في قطاعات مختلفة.

اأولً: التكنولوجي­ا الإحلالية، والمفاهيم المرتبطة بها

حظيت التكنولوجي­ا "الإحالية" باهتمامٍ مبكرٍ من المخططين الاستراتيج­يين، الذين وضعوا هذا النوع من التكنولوجي­ا في قائمة التهديدات الجديدة للأمن القومي الأمريكي، سواءً في الاستراتيج­ية الصادرة في عام 2004، والتي تحدثت بشكل عام عن بعض أنواع التكنولوجي­ا الجديدة كمصدر للتهديد) ،) أو تلك الصادرة في عام 2006 التي استخدمت مصطلح "إحال" Disruptive() بشكل مباشر لوصف تكنولوجيا معينة باعتبارها تهديداً) .)

وقد استُخدم مفهوم التكنولوجي­ا الإحالية أو "المُربكة" بدايةً في إدارة الأعمال، لوصف التكنولوجي­ا التي تدخل السوق، ثم انتقل إلى مجالات أخرى، خاصة الأمنية والعسكرية، إذ يستخدم الخبراء والمتخصصون في هذه المجالات المصطلح للإشارة إلى التكنولوجي­ا الحديثة التي تغير شكل الحروب والصراعات.

وعلى الرغم من بساطة التعبير عن ظاهرة التكنولوجي­ا الإحالية، فإن مفهومها مُربِك في حد ذاته، حيث لا يُوجد اتفاق حول مصطلح واحد يعبر عن الظاهرة، وهناك الكثير من المفاهيم أو المصطلحات ذات الصلة، والتي تتشابه في وصفها للظاهرة، من أبرزها: التكنولوجي­ا الإحالية، والتكنولوج­يا الناشئة ‪Emerging Technologi­es(‬ ،) والتكنولوج­يات الإدماجية أو "المتقاربة" ‪،)Converging Technologi­es(‬ و"التكنولوجي­ا المغيرة لقواعد اللعبة" Game-Changing( Technology،) فجميعها يشير إلى التكنولوجي­ا الحديثة المتسارعة التي أدخلت– وسوف تُدخل– تغييرات عديدة في عالمنا المعاصر. 1- التكنولوجي­ا الإحلالية: يُقصد بها "التقنيات والأجهزة والبرمجيات التي تتسبب في اندثار مثيلتها التي كانت شائعة الاستخدام قبل ظهورها، مما يترتب عليه اتجاهات بحتمية امتاك التكنولوجي­ا الجديدة والاستغناء عن نظيرتها، مع تحمل تكلفة الإحال التكنولوجي وتطوير مهارات الأفراد على استخدامها".

وقد استُخدم مفهوم "التكنولوجي­ا الإحالية" أو "المربكة" لأول مرة في مجال إدارة الأعمال، حينما صاغه "كايتون كريستنس" و"جوزيف بور" في عام 1995، في مقالهما المنشور في مجلة "هارفارد للأعمال"، للإشارة إلى التكنولوجي­ا الابتكارية الجديدة التي تخلق سوقاً جديدة وشبكات قيم جديدة تؤدي لإرباك السوق والقيم القائمة، وتقود بعد فترة ما إلى خروج الشركات والمنتجات والتحالفات الكبرى المسيطرة عليه) .)

ويميز "كايتون كريستنس" في كتابه "معضلة المبتكر" ‪The Innovator's Dilemma(‬ ) الصادر في عام 1997، بين نوعين من التكنولوجي­ا المؤثرة على الأعمال التجارية، الأول: هو "التكنولوجي­ا المُستدامة"، أي التطورات التكنولوجي­ة التي تساعد الشركات على إدخال تحسينات هامشية على ما تقوم به، وتتطلب هذه التكنولوجي­ا تغييراً تدريجياً، وتحتفظ كثيراً بالوضع القائم. أما النوع الثاني فهو التكنولوجي­ا "الإحالية"، وهي التطورات التكنولوجي­ة غير المُتوقعة، وتتطلب من الشركات إعادة التفكير بشكل جذري في وجودها، ففي بداية ظهورها تبدو هذه التكنولوجي­ا محدودة الفائدة، لكنها في نهاية المطاف تقلب السوق تماماً، مثل الهواتف النقالة التي أثرت كلياً في سوق الهواتف الثابتة، وكاميرات التصوير الرقمي التي أدت إلى انخفاض مبيعات الكاميرات التقليدية وأجبرت شركة "كوداك" على تغيير نموذج أعمالها بالكامل) .) 2- التكنولوجي­ا الناشئة: هي التكنولوجي­ا التي ما زالت في مرحلة مبكرة من تطورها، وطبيعتها الناشئة تجعلها في مرحلة عدم اليقين، وكثيراً ما تُثار أسئلة تتعلق بالنتائج المتوقعة منها، والوقت الذي تستغرقه حتى تصل لمرحلة النضوج وظهور تطبيقات معينة لها) ويُطلِق البعض هذا المصطلح على الابتكارات التكنولوجي­ة التي تصل إلى مرحلة جديدة في مجال معين، وعلى مدار العقود، تتطور هذه الابتكارات التكنولوجي­ة لتفتح سباً جديدة لأسلوب الحياة والتحول في السوق. ويتضمن تطبيق هذه التكنولوجي­ا مخاطر اقتصادية، لكن نجاحها يقدم مميزات تنافسية للشركة، ويتم تطوير بعض هذه التكنولوجي­ا من خال البحوث النظرية العلمية، لكن بعضها الآخر يتم تطويره من خال البحوث التجارية وفقاً لمتطلبات السوق) .) 3- التكنولوجي­ات الإدماجية: هي التكنولوجي­ا التي يتم تطويرها من خال التقارب أو الدمج بين ابتكارات تكنولوجية مختلفة، ويؤدي دمجها إلى كفاءة أكثر، ومن هذه التكنولوجي­ا مثاً الدمج بين الهواتف المحمولة وشبكة الإنترنت، وتصميم المركبات الهجينة، والجمع بين صناعة السينما والألعاب، والجمع بين علم النانو والمقياس الكلي في علم الأحياء.

وعلى خاف التكنولوجي­ات الناشئة، فإن التكنولوجي­ات المتقاربة لا تستند بالضرورة إلى اختراقات تقنية، بل تشمل تكنولوجيات متطورة ومتقدمة موجودة بالفعل لتحقيق مستوى جديد من الأداء والقدرة البشرية والنتائج المجتمعية، وزيادة الإنتاجية، وتحسين نوعية الحياة) .) 4- "التكنولوجي­ا المغيرة لقواعد اللعبة": تستخدم المؤسسات الأمريكية، خاصة وزارة الدفاع "البنتاجون"، في السنوات

الأخيرة مصطلح "مغيرو اللعبة" ‪Game Changers(‬ ،) للإشارة إلى التكنولوجي­ا الإحالية العسكرية Military( ‪Disruptive Technology‬ ،) والتي لها تداعيات إرباكية Disruption() تؤدي إلى تغيير القواعد المُتعارف عليها في الأوساط العسكرية بشأن التهديدات والخطط العسكرية) .)

وفي هذا السياق قام "مكتب الاستجابة التكنولوجي­ة السريعة" التابع للبنتاجون ‪Rapid Reaction(‬ ‪Technology Office‬ ) برعاية مشروع عن "التكنولوجي­ا القادمة" ‪NextTech Project(‬ ،) تم خاله استطاع رأي أكثر من 60 متخصصاً في المستقبليا­ت ومديري معامل أجهزة الحاسب والعلماء والمبتكرين؛ للتعرف على ما هي التكنولوجي­ا التي ستغير قواعد اللعبة في المستقبل، وتم خال المشروع إجراء سلسلة من "مباريات الحروب" بالتعاون مع عدد من المؤسسات، من بينها كلية الحرب الأمريكية، وكلية البحرية للدراسات العليا، والأكاديمي­ة البحرية، وذلك للتعرف على حدود التكنولوجي­ا الجديدة أو تلك التي ستغير قواعد اللعبة العسكرية، حيث تم اختبار عدة سيناريوهات تتعلق بهذه التكنولوجي­ا، بدايةً من كيفية استخدامها من قِبَل القوات الرئيسية في الحروب، إلى استخدامها في الإغاثة خال الكوارث الطبيعية، وحتى سيناريو استخدامها من قِبَل قوى مُعادية، بينها منظمات إرهابية) ووفقاً لهذا المشروع تم تعريف هذا النوع من التكنولوجي­ا بأنها "تكنولوجيا أو تشكيلة من مجموعة تكنولوجيات يتم تطبيقها أو استخدامها في التعامل مع مشكلة معينة بشكل يؤدي إلى التأثير على تناظر القوة العسكرية بين المتنافسين، واستخدام هذه التكنولوجي­ا يؤدي بشكل فوري إلى تقادم السياسات، والعقائد العسكرية، والهياكل التنظيمية لكل الفاعلين") .)

وفي سياق الاهتمام بالتكنولوج­يا "الإحالية" وفقاً لرؤية الدوائر العسكرية الأمريكية، قام "مركز الأمن الأمريكي الجديد" بمشروع بحثي يحمل الاسم نفسه "مغيرو اللعبة"، حيث درس العديد من القضايا والجوانب المرتبطة بهذه التكنولوجي­ا، وصدر من هذا المشروع عدة أوراق، أبرزها ورقة صدرت في سبتمبر 2013 بعنوان "التكنولوجي­ا الإحالية والاستراتي­جية الدفاعية الأمريكية") وورقة أخرى صدرت في يونيو 2014 بعنوان "الإرباك الخاق.. التكنولوجي­ا، الاستراتيج­ية، ومستقبل الصناعات الدفاعية العالمية") .)

ثانياً: دورة الإحلال التكنولوجي

نظراً لأن التكنولوجي­ا الإحالية يترتب عليها امتاك تكنولوجيا جديدة بديلة عن السابقة، فثمة دورة لهذا الإحال. واستناداً إلى النظرية التي طورها "كايتون كريستنس" عن التكنولوجي­ا "الإحالية"، فإن التكنولوجي­ا في حد ذاتها ليست المُسببة للإرباك في السوق، ولكن في تداعياتها على الاستراتيج­يات أو النماذج المُعتمدة في السوق، موضحاً مجموعة من السمات التي تحدد تطور التكنولوجي­ا الإحالية) وهي سمات تنطبق كذلك على التكنولوجي­ا المُستخدمة في المجالات العسكرية والأمنية، والتي لها دورة إرباك تكنولوجي Technologi­cal( ‪Disruption Cycle‬ ،) وتشمل) :) 1- المرحلة الجنينية: لا تتطابق التكنولوجي­ا الإحالية في أدائها مع التكنولوجي­ا السائدة المُتعارف عليها وفقاً للقيم التقليدية بين المستهلكين. وتتمثل هذه المرحلة في بداية تطوير تكنولوجيا جديدة لا يكون هناك معرفة واضحة بكيفية توظيفها بصورة مثالية والتكيف مع ظهورها، وتتعدد الاستخداما­ت غير الفاعلة في هذه المرحلة في إطار تجارب متعددة. ومثال ذلك أن استخدام الدبابات في الحرب العالمية الأولى في عام 1917 لم يكن مثالياً، وكانت هناك مشكات في التوجيه والتصويب والحركة والتأمين، وهو ما تغير بصورة جذرية في الحرب العالمية الثانية مع تطوير الدبابات.

2- مرحلة النمو: يتم تقييم مميزات التكنولوجي­ا الإحالية من قبل شريحة هامشية صغيرة من العماء، ويتزايد الطلب عليها باستمرار من قبل مُستهلكين جدد، وهي في العادة آقل تكلفة، وأصغر ومائمة في استخداماته­ا عن التكنولوجي­ا السائدة. ومع أن الاستثمار في هذه التكنولوجي­ا يُعتبر غير عقاني بالنسبة للشركات الكبرى أو الاعبين الكبار في السوق؛ لأنهم يحققون أرباحاً أكثر من خال منتجاتهم التقليدية، إلا أنهم يعتمدون في هذه المرحلة على تسويق التكنولوجي­ا الإحالية في أسواق هامشية وأسواق ناشئة. ويتم خال هذه المرحلة تحديد الاستخدام الأمثل للتكنولوجي­ا، بحيث تؤدي لتغيير المعايير القائمة. وعادة ما يحتكر استخدامها فاعل واحد أو مجموعة محدودة من الفاعلين، ويصبح معروفاً في هذه المرحلة مدى أهمية التكنولوجي­ا الجديدة وقدرتها على تغيير الوضع الراهن بصورة جذرية. ومثال ذلك توظيف تكنولوجيا توجيه "الضربات الجوية الدقيقة" ‪Precision Strikes(‬ ) في حرب الخليج 1990، واستعراض إمكانية تحقيق حسم عسكري لبعض المعارك باستخدام الساح الجوي. 3- مرحلة النضج: يقود تطور التكنولوجي­ا "الإحالية" إلى ظهور منتجاتٍ جديدةٍ تؤدي لتلبية معايير الأداء المُتوقَّع من قِبَل الجزء الأكبر من السوق، ويؤدي ذلك إلى إحالها محل التكنولوجي­ا السائدة، وتحل الشركات العاملة في مجال هذه التكنولوجي­ا محل الشركات التقليدية التي كانت في السوق سابقاً، وتنتشر بصورة واسعة النطاق خال هذه المرحلة، وتنتقل عبر الحدود إلى غالبية الجيوش، سواءً من خال التطوير الذاتي، أو شراء القدرات الجديدة، ويؤدي هذا الانتشار عالمياً إلى تراجع عامل الإرباك الذي جاء في مرحلة النمو، وتتحول بمرور الوقت لتكنولوجيا عسكرية تقليدية.

ثالثاً: نماذج وتطبيقات التكنولوجي­ا الإحلالية

تدخل التكنولوجي­ا "الإحالية" في العديد من المجالات، فوفقاً ل "مجلس الاستخبارا­ت الوطني الأمريكي"، هناك خمسة مجالات رئيسية تتطور فيها هذه التكنولوجي­ا بشكل متسارع جداً، سيدفع لإعادة تشكيل الاقتصاد العالمي، والحياة الاجتماعية للبشر، وإحداث تحولات عسكرية ضخمة.

وتشمل هذه المجالات: تكنولوجيا المعلومات ‪Informatio­n Technologi­es(‬ ،) والتكنولوج­يا ذاتية التوجيه "الآلية" ‪Automation Technologi­es(‬ ،) وتكنولوجيا تقنيات التصنيع المتقدمة ‪Advanced Manufactur­ing(‬ ،)Technologi­es والتكنولوج­يا المُستخدمة في تخليق المصادر الطبيعية ‪،)Resource Technologi­es(‬ والتكنولوج­يا المُستخدمة في المجالات الطبية. ويمكن رصد أبرز تطبيقات ونماذج هذه المجالات فيما يلي: 1- تكنولوجيا المعلومات: تطورت التكنولوجي­ا الإحالية في مجال تكنولوجيا المعلومات بشكل غير مسبوق، ومن نماذجها: الهواتف المتصلة بالإنترنت ‪Mobile Internet(‬ ،) والمجالات المعرفية المرتبطة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي Artificial( Intelligen­ce،) وإنترنت الأشياء ‪The Internet of(‬ Things،) والتكنولوج­يا السحابية ‪Cloud Technology(‬ ،) وأنظمة الأمن السيبراني ‪.)Cyber Security Systems(‬ أ- أجهزة الهواتف المتصلة بالإنترنت: تُستخدم أجهزة الهواتف المتصلة بالإنترنت على نطاق واسع الآن، فهناك أكثر من مليار ومائة مليون شخص حول العالم يستخدمون الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية. ولايزال التطور فيها لم يصل إلى الحد الأقصى، بحيث يمكن القول إنه سوف تُحدث خال العقد القادم تغييراً كاماً وإرباكاً، فالأجهزة الحديثة من هذه التكنولوجي­ا مزودة بشاشات اللمس وكاميرات عالية الجودة ومعالجات بيانات، ويقدم الجيل الرابع من الشبكات الاسلكية ‪4G wireless(‬ ( إمكانيات عالية لمعالجة البيانات. ووفقاً للتقديرات يمكن أن تخلق هذه التكنولوجي­ا عوائد اقتصادية تُقدر ما بين 3.7 تريليون دولار إلى 10.8 تريليون سنوياً على المستوى العالمي بحلول عام 2025 .) ب- الذكاء الاصطناعي: أدى التطور في السرعة الحاسوبية والتعلم الآلي إلى تحويل الحوسبة إلى مجال مهم جداً، فالحواسيب الإلكتروني­ة أصبحت قادرة على القيام بوظائف كان يُفترض أن يقوم بها البشر فقط. ومع تقدم برامج الذكاء الاصطناعي أضحت الحواسب الآلية تفهم وتفسر خطاب الإنسان، والإجراءات التي يقوم بها، وحتى النوايا الغامضة أحياناً. ويُمكن أن يؤدي دمج الحاسبات الآلية المخصصة للأغراض التجارية مع مستوى من برامج الذكاء الاصطناعي إلى تداعيات كبرى على العاملين في مجال المعرفة، وأتمتة العمل المعرفي ‪Automation of knowledge work(‬ ؛) إلى تحقيق فوائد اجتماعية كبيرة، مثل تحسين نوعية الرعاية واكتشاف الأدوية، ولكن قد يثير تحديات مجتمعية معقدة، لاسيما في مجال العمالة وإعادة تأهيل العاملين) .) وتشمل التكنولوجي­ات المرتبطة بالمعرفة أيضاً "تكنولوجيا الواقع المعزز" ‪Augmented Reality(‬ ،) والتي أصبحت مثار اهتمام في عام 2016 عندما انتشرت لعبة "البوكيمون"، وأصبحت ظاهرة عالمية، ومن المحتمل أن تحقق إيرادات من الاستثمارا­ت في هذه التكنولوجي­ا تصل إلى 90 مليار دولار في عام 2020 .) ج- إنترنت الأشياء: يُقصد بإنترنت الأشياء "أن كل شيء أصبح متصاً عبر شبكة وأجهزة استشعار وتحكم"، فالبنية التحتية والأجهزة متصلة بأجهزة استشعار ومشغات متصلة بشبكة تمكنها من مراقبة بيئتها والإباغ عن وضعها وتلقي التعليمات حتى اتخاذ إجراءات بناءً على المعلومات التي تتلقاها. كما يُمكن تجهيز البشر بأجهزة لمتابعة حالتهم الصحية، وهناك أكثر من 9 مليارات جهاز في جميع أنحاء العالم متصلة حالياً بالإنترنت، بما في ذلك أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية، ومن المتوقع أن يزداد هذا العدد بشكل كبير خال العقد المقبل ليصل إلى 50 مليار جهاز.

ويُمكن إدخال إنترنت الأشياء في إدارة العديد من الأعمال، خاصة التجارية والصناعية، من خال التحكم في الآلات وإدارتها بشكل ذاتي. ووفقاً للتقديرات سيستغرق التوسع في "إنترنت الأشياء" وقتاً طوياً، ولكن سيؤدي نمو هذا القطاع إلى خلق وفورات اقتصادية تقدر بنحو 2.7 تريليون دولار

إلى 6.2 تريليون دولار سنوياً بحلول عام 2025 .) د- التكنولوجي­ا السحابية: جعلت التكنولوجي­ا "السحابية" العالم الرقمي أبسط وأسرع وأكثر قوة وكفاءة، حيث تُستخدم في تقديم خدمات وتطبيقات على الإنترنت، وتوفر طريقة أكثر إنتاجية ومرونة للشركات العاملة في مجال تكنولوجيا المعلومات، إذ يمكن للتكنولوجي­ا السحابية أن تغير كلياً من نماذج الأعمال، حيث تتسلم الشركات جميع التطبيقات وخدمات الكمبيوتر المحتملة من خال الشبكات أو الإنترنت، وعبرها يمكن القيام بالكثير من الأعمال المحاسبية والإدارية وتسليم نتائجها عبر الإنترنت، مما يقلل الحاجة إلى تخزين الطاقة ومعالجتها على أجهزة الكمبيوتر والأجهزة المحلية.

وتتيح التكنولوجي­ا السحابية نماذج عديدة من الخدمات، فالخدمات التي تقدمها بعض مواقع التواصل الاجتماعي، وخدمات البحث عبر الإنترنت، وخدمات البث الإعامي كلها تُقدم عبر الخدمات السحابية الإلكتروني­ة ‪Cloud Services(‬ ،) ويمكنها مساعدة المستخدمين في إتاحة الدفع عبر الإنترنت للحصول على البرامج والتطبيقات الإلكتروني­ة المختلفة. وبحلول عام 2025 يمكن تسليم معظم تطبيقات وخدمات تكنولوجيا المعلومات والإنترنت عبر هذه التكنولوجي­ا.

والجدير بالذكر أن معظم التكنولوجي­ا الإحالية المستخدمة في مجال تكنولوجيا المعلومات مثل )الهواتف المتصلة بالإنترنت، وأتمته العمل المعرفي، خاصة برامج الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء( يمكن أن يتم توظيف التكنولوجي­ا السحابية فيها، لاسيما أن معظمها يعتمد على تطبيقاتٍ يمكن تخزينها سحابياً، ومن المتوقع أن تخلق هذه التكنولوجي­ا عوائد اقتصادية تقدر ما بين 1.7 تريليون إلى 6.2 تريليون دولار سنوياً في عام 2025 .) ه- أنظمة الأمن السيبراني: أدى تطور تكنولوجيا المعلومات إلى أن يصبح الأمن الإلكتروني هاجساً لدى المعنيين بالتكنولوج­يا والأمن، فأجهزة الحاسب حتى التي لديها أنظمة تأمين عالية، والأجهزة التي تعمل بتكنولوجيا "إنترنت الأشياء"، يمكن أن تتعرض لاختراقات الإلكتروني­ة من خال البرمجيات الخبيثة التي يتم توجيهها للسيطرة على هذه الأجهزة، واستخدامها كمنصة لإطاق الهجمات السيبرانية) ولأن الهجمات الإلكتروني­ة تمثل تهديداً حقيقياً للحكومات والمؤسسات المالية والتجارية في ظل تنامي الاعتماد على التكنولوجي­ا الرقمية واستحواذ الأفراد عليها؛ فإن ذلك قد فرض ضرورة العمل على حماية البيانات وتطوير أنظمة تأمين إلكترونية ذات قدرات عالية، تفوق قدرات مطوري البرمجيات الخبيثة ومخططي الهجمات السيبرانية، وتعالج نقاط الضعف التي يستطيعون من خالها اختراق المؤسسات والأنظمة) ولهذا أصبحت أنظمة الأمن السيبراني من نماذج التكنولوجي­ا الإحالية في مجال أمن المعلومات. 2- التكنولوجي­ا ذاتية التوجيه: تعتمد تلك التكنولوجي­ا على أنظمة تجمع بين الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات المتقدمة والقدرة على التوجيه والسيطرة. ومن نماذجها الإنسان الآلي "الروبوتات" المتقدمة ‪Advanced Robotics(‬ ،) والسيارات ذاتية التوجيه ‪Autonomous Vehicles(‬ ،) والطائرات من دون طيار Drones(.) أ- الروبوتات المتقدمة: خال العقود الماضية تم استخدام الروبوتات في مجموعة من المهام الخطيرة المرتبطة بالتصنيع، مثل القيام بأعمال اللحام، أو رفع المواد الثقيلة، لكن تشهد صناعة الروبوتات الآن تقدماً كبيراً جداً، يجعلها مرشحة لتحل محل الإنسان في العديد من المجالات، فمع تطور قدرات الذكاء الاصطناعي التي يتم تزويد الروبوتات بها، وما تتضمنه من أجهزة استشعار ومُحركات، أصبحت أكثر تعقيداً وقدرة على القيام بمهام تتطلب دقة عالية جداً، مثل انتقاء ومعالجة أجزاء صغيرة جداً، ومن نماذجها الروبوتات المستخدمة في العمليات الجراحية.

ووفقاً لبعض التقديرات، فسوف يخلق نمو صناعة الروبوتات المتقدمة المستخدمة في مجالات الرعاية الصحية والتصنيع والخدمات عوائدَ اقتصادية تقدر بنحو 1.7 تريليون إلى 4.5 تريليون دولار بحلول عام 2025، منها ما بين 800 مليار إلى 2.6 تريليون دولار عوائد من الروبوتات المستخدمة في خدمات الرعاية الصحية فقط) .) ب- السيارات ذاتية التوجيه: كانت الطائرات التجارية تعمل خال السنوات السابقة من خال الجمع بين العنصر البشري وبين أجهزة الحاسب الآلي الموجودة على متنها، بما يُمكنها من إدارة الإقاع والهبوط، وبالمثل تعمل الناقات وسفن الشحن التي تنقل معظم سلع الاقتصاد العالمي آلياً مع طواقم صغيرة. لكن اليوم أصبحت السيارات ذاتية القيادة، وتلك التي يتم توجيهها عن بُعد حقيقة واقعة، فهذه السيارات يتم قيادتها من دون تدخل الإنسان، وتتضمن أجهزة استشعار، ويتم التحكم فيها عن بُعد باستخدام ترددات الراديو ونظم الماحة الجغرافية التي تعتمد على الأقمار الصناعية) .)

ووفقاً للتقديرات سوف تحدث السيارات والمركبات ذاتية القيادة ثورة في مجال النقل والمواصات، ولها فوائد مُحتملة منها خفض عدد الوفيات من حوادث السيارات، وتقليل انبعاث ثاني أكسيد الكربون، والتحكم في السرعة والسيطرة على السيارات عبر أجهزة التوجيه والتحكم الذاتي.

ويُتوقع أن تحقق السيارات ذاتية القيادة عوائد اقتصادية تبلع ما بين 200 مليار إلى 1.9 تريليون دولار سنوياً بحلول عام 2025 .) ج- الطائرات من دون طيار: تُعتبر الطائرات من دون طيار ‪Unmanned Aircraft Systems(‬ ،) والمعروفة باسم الدرونز Drones() الموجهة عن بُعد، من أكثر النماذج المعبرة عن التكنولوجي­ا الإحالية، فقد ظهرت كتكنولوجيا جديدة منذ سنوات، لكنها تُستخدم الآن في العديد من المجالات، العسكرية والتجارية خاصة نقل السلع الخفيفة. ويظهر الإرباك الذي تمثله التكنولوجي­ا الإحالية بوضوح في هذه الطائرات، إذ تسعى شركة "أمازون" لتطوير خدمات نقل السلع من خالها، الأمر الذي سيؤثر حتماً على صناعة النقل. كما أن "الدرونز" أصبحت فعلياً مُربكة، فالعديد من الرحات في

بعض المطارات يتم تأجيلها بسبب طيران طائرة من دون طيار بالقرب من ممرات إقاع الطائرات.

وعلى سبيل المثال، تسببت إحدى الطائرات من دون طيار في إغاق مطار "جاتويك" في جنوب شرق إنجلترا في شهر يوليو 2017. ونظراً للإرباك الذي تسببه "الدرونز" تسعى العديد من سلطات الطيران في دول العالم لوضع قواعد تنظيم المسائل المرتبطة بها) وعلى الرغم من أن بعض التطبيقات من "الدرونز" الأكثر ابتكاراً قد تستغرق سنوات، فإن المسؤولين الحكوميين والمستثمري­ن والشركات الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية يدرسون التوسع في صناعة الدرونز، وإعادة صياغة الخطط الاستراتيج­ية لتجاوز الواقع الراهن لهذه الصناعة، حيث شهدت السوق الأمريكية نمواً واضحاً لصناعات "الدرونز"، ارتفع من 40 مليون دولار في عام 2012 إلى مليار في عام 2017. ووفقاً للتقديرات فسوف تحقق صناعة الدرونز إيرادات اقتصادية تبلغ ما بين 31 ملياراً إلى 46 مليار في عام 2026، سواءً تلك التي تستخدمها الشركات أو المُستهلكون العاديون) ووفقاً لتقديرات "اتحاد مستخدمي التكنولوجي­ا الأمريكي" فمن المتوقع أن يصل عدد الرحات اليومية للدرونز التي ستجوب سماء الولايات المتحدة إلى مليون رحلة يومياً خال العشرين سنة القادمة) .) 3- تكنولوجيا التصنيع المتقدمة: تُعد نموذجاً مثالياً للتكنولوجي­ا الإحالية التي ستغير وجه العالم، وستقلب النماذج القائمة للإنتاج، والطريقة التي سيتم بها توزيع السلع والخدمات في المستقبل. ومن نماذجها الطابعات ثاثية الأبعاد ‪3D Printers(‬ (، والمواد التصنيعية المتقدمة ‪Advanced Materials(‬ ،) ومُخزِّنات الطاقة ‪Energy Storage(‬ .) أ- الطابعات ثلاثية الأبعاد: كانت تستخدم هذه التكنولوجي­ا حتى وقتٍ قريبٍ من قبل مصممي المنتجات والهواة، وتدخل في بعض تطبيقات التصنيع الجديدة، لكنها بدأت تتطور مؤخراً بعد التطور الذي شهدته آلات التصنيع، والتوسع في المواد المُستخدمة فيها، وانخفاض الأسعار والمواد المستخدمة بها، حيث يشهد مجال إنتاج الطابعات ثاثية الأبعاد تطورات كبيرة تُمكنها من الدخول في تصنيع الكثير من المواد، وتوفير الوقت والتكلفة، إذ يُمكن طباعة منتج كامل من خالها، مع تقليل ساسل التوريد والتخزين وقطع الغيار، ويُمكن أن توفر المواد المُهدرة في عملية التصنيع العادية، ويمكن من خالها تصنيع موادٍ كان يصعب تصنيعها من التقنيات التقليدية.

وقد نجح العلماء باستخدام تقنية الطابعة ثاثية الأبعاد في طباعة طبقة للخايا الجذعية البشرية وطباعة الدعامات الطبية التي تستخدم في عمليات جراحية معينة) ويعتبرها كثيرون الثورة القادمة في مجال التصنيع. ووفقاً للتقديرات السائدة حالياً، فإن للطابعات ثاثية الأبعاد تداعيات مُربكة على طريقة تصميم وصناعة المنتجات وتوزيعها وطرق بيعها، لكنها قد تستغرق سنواتٍ حتى تصل إلى هذا المستوى لأنها تُستخدم الآن على نطاق محدود في صناعة بعض المواد. ومن المرجح أن يتم التوسع في استخدامها في السنوات المقبلة حتى ينتشر استخدامها على نطاق واسع، خاصة أن أسعارها أصبحت منخفضة. وقد ازداد معدل نمو بيع الطابعات ثاثية الأبعاد خال الفترة من )2007 – 2011( بنسبة تتراوح بين 200 و400%. وتشير التقديرات إلى أن نمو صناعتها سيُولد إيرادات تبلغ قيمتها ما بين 230 ملياراً إلى 550 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2025 .) ب- المواد التصنيعية المتقدمة: شهد العالم تطوراً كبيراً في مجال المواد التي يتم تصنيعها في مختبرات البحوث، والتي يتم استخدامها في مجالات متعددة، تتنوع ما بين البنية التحتية، والبناء والإنشاء، والطب. ويُطلق عليها "المواد الذكية"، التي تعيد ترميم نفسها أو تنظيف ذاتها. ومنها، على سبيل المثال، بعض المواد التي تعود لحالتها بعد الضغط، أو السراميك والبلورات التي تتحمل الضغط وتتحول إلى طاقة.

وعلى الرغم من أن هذه المواد قد تكون مثيرة لاهتمام، فإن تطبيقات العديد منها غير واضحة حتى الآن، ومن أهمها "مواد النانو تكنولوجي"، التي يُمكن أن تُستخدم لخلق العديد من المواد الذكية الأخرى. وهذه المواد يمكن الاستفادة من خصائصها المتعلقة بالوزن والسمات الكهربائية، لصنع مواد أخرى قد لا تراها العين المجردة. ومن نماذج هذه التكنولوجي­ا الأجيال الجديدة من أشباه الموصات، التي تعتمد على مواد نانوية، وتُستخدم في تطبيقات واسعة في مجالات الرعاية الصحية والإلكترون­يات، والخايا الشمسية، وتحلية المياه والترشيح) .) ج- مُخزِّنات الطاقة: جعلت التكنولوجي­ا المتقدمة اليوم مسألة تخزين الطاقة أمراً يسيراً، فمُخزِّنات الطاقة تتطور بسرعة، وتُستخدم في عدة أشكال، وهذا التطور ستكون له تداعيات وآثار مُربكة، فبطاريات الليثيوم المطورة تُستخدم حالياً في تخزين الطاقة وفي السيارات الهجينة ‪Hybrid Vehicles(‬ ،) وفي العديد من أجهزة المُستخدمين المحمولة. ويمكن أن تجعل هذه التكنولوجي­ا السيارات الهجينة أقل تكلفة مقارنة بالسيارات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي التقليدية، ويُمكن من خال مُخزِّنات الطاقة توفير الكهرباء للمناطق النائية في الدول النامية، ويمكنها زيادة جودة الشبكات الكهربائية، والمساعدة في تقليل انبعاث ثاني أكسيد الكربون. ووفقاً للتقديرات، يُمكن أن توفر مُخزِّنات الطاقة موارد اقتصادية ما يتراوح بين 90 مليوناً و635 مليون دولار سنوياً بحلول عام 2025، ونصف هذه المواد فقط يمكن أن يتولد من خال الاعتماد على السيارات الكهربائية والهجينة) .) 4- التكنولوجي­ا المُستخدمة في تخليق المصادر الطبيعية:

لاتزال القضايا المُرتبطة بالتطبيقات العديدة للتكنولوجي­ا "الإحلالية" أو "المُربكة" تشكل موضع جدلٍ كبيرٍ، ولكن المؤكد أنها سوف تؤدي بمرور الوقت إلى تغيير شكل العالم، نظراً لأنها ستُعيد تشكيل الاقتصاد العالمي، والحياة الاجتماعية للبشر، وستُحدث تحولات عسكرية ضخمة؛ يجب أن تستعد لها مؤسسات الدولة على كافة المستويات البحثية والمعرفية والعملياتي­ة.

تمثل تكنولوجيا تخليق الموارد الحيوية المتعلقة بتلبية احتياجات الغذاء والماء والطاقة، نموذجاً من نماذج التكنولوجي­ا الإحالية. ومن أبرز تطبيقاتها المحاصيل المُعدَّلة وراثياً، والزراعة التي يتم التحكم فيها، وتقنيات الري بالتنقيط، والطاقة الشمسية، والوقود الحيوي المتقدم، وتكنولوجيا تعزيز استخراج النفط والغاز الطبيعي عن طريق تكسير الصخور) .)

وتُعتبر الطاقة الشمسية من أبرز نماذج هذا النوع من التكنولوجي­ا، ما سيساهم مستقباً في إحداث ثورة في مجال الطاقة، لأن تقدم الأبحاث والدراسات وتوفير هذه التكنولوجي­ا بأسعار رخيصة جداً، سيقلان من الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية، من خال توليد الطاقة من مجموعة من التكنولوجي­ات المتطورة التي تعتمد على الألواح الشمسية والطاقة الحرارية وخايا التمثيل الضوئي الصناعي) .)

ووفقاً لبعض التقديرات، فسوف تشكل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح معاً ما بين 15% و16% من الطاقة الكهربائية المُولَّدة في العالم بحلول عام 2025، مقابل نسبة بلغت 2% فقط في عام 2011، وسيصل إجمالي ما تحققه صناعة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ما بين 165 ملياراً إلى 275 مليار دولار بحلول العام نفسه) .)

وتمثل طاقة الخايا الشمسية نموذجاً واضحاً فيما يتعلق بالإرباك الذي يمكن أن تحققه التكنولوجي­ا الإحالية، فعلى الرغم من أن التكنولوجي­ا المرتبطة بهذه الطاقة لاتزال في مرحلة التطور والنمو، وحجمها الآن صغير نسبياً، حيث تساهم فقط بنحو 0.5% من توليد الطاقة في الولايات المتحدة الأمريكية، فإنه يُتوقع مع نمو هذه التكنولوجي­ا وتطوير نماذج متقدمة جداً منها أن تؤثر على نماذج السوق المرتبطة بإمدادات الطاقة الكهربائية التقليدية في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث ستصل مساهمة هذه التكنولوجي­ا ما بين 20% إلى 40 .) 5- التكنولوجي­ا المُستخدمة في المجالات الطبية: سوف تساعد التكنولوجي­ا الإحالية المُستخدمة في المجالات الطبية على زيادة متوسط عمر الإنسان، وتحسين الظروف الصحية والعقلية والجسدية بشكل عام. ومن أبرز نماذجها إدارة والتحكم في الأمراض ‪Disease Management(‬ ،) التي تتعلق بالكشف المبكر وعاج الأمراض الوراثية، فالتكنولوج­يا المتعلقة بتشخيص الحمض النووي وصلت مراحل متقدمة جداً، وستؤدي إلى ثورة في المجال الطبي. كما تمثل التكنولوجي­ا الخاصة بتعزيز الإنسان ‪Human Augmentati­on(‬ ) نموذجاً للتكنولوجي­ا الإحالية، وترتبط بإضافة الأطراف الصناعية للإنسان. وقد وصل التقدم الآن في صناعة الأطراف الصناعية مرحلة متقدمة جداً، ويدخل في هذه التكنولوجي­ا أيضاً زراعة الرقائق أو الشرائح الإلكتروني­ة التي يمكن تزويد جسم الإنسان بها) .)

رابعاً: اأبرز التطبيقات الع�سكرية للتكنولوجي­ا «الإحلالية»

يفرق المتخصصون بين التكنولوجي­ا الإحالية للأغراض التجارية والتكنولوج­يا الإحالية العسكرية؛ فالأخيرة يتم إنتاجها وتطويرها بعيداً عن اعتبارات واحتياجات السوق، ووفقاً لاحتياجات العسكرية للجيوش المُختلفة، فمثاً أجهزة الرؤية الليلية بالأشعة الحمراء تم تطويرها لاحتياجات العسكرية وليس للتجارية. وهناك أمثلة واضحة للتكنولوجي­ا العسكرية الإحالية، منها تطوير الأنظمة التسليحية الحديثة التي تستخدم الليزر، وتطوير الروبوتات التي تحمل أسلحة أو التي يتم توجيهها) ومن أبرز تطبيقات ونماذج التكنولوجي­ا الإحالية في المجال العسكري ما يلي: 1- الأنظمة غير المأهولة: تُعتبر الأنظمة غير المأهولة ‪Unmanned Systems(‬ ،) أحد أبرز التطبيقات تكنولوجيا الإحال العسكرية، سواءً تلك التي يتم "التحكم فيها عن بُعد" أو التي "تعمل ذاتياً"، حيث تمثل أنظمة تسليح حديثة تحظى باهتمامٍ متزايدٍ من المؤسسات العسكرية، نظراً لحداثتها والمهام المتعددة التي تقوم بها مثل المراقبة، والرصد، والاستطاع، وتحديد الهدف بدقة، والكشف عن الألغام، والأسلحة الكيماوية والبيولوجي­ة والنووية.

ووفقاً لوزارة الدفاع الأمريكية، فإن الاستثمار في تكنولوجيا هذه الأنظمة حوّلها من كونها أنظمة تتم إدارتها عن بُعد للقيام بمهمة واحدة، إلى نظم مستقلة تستطيع القيام بمهام متعددة، فالتطور الذي حدث في تكنولوجيا الاستطاع والاستهداف واستشعار الأهداف سمح لهذه الأنظمة بالقيام بمهامها بدرجة دقة عالية جداً ومن دون تدخل بشري) وهناك ثاثة نماذج من هذه الأنظمة تستخدمها أفرع الجيوش المختلفة، وهي: أ- الأنظمة الجوية غير المأهولة: تقوم وزارة الدفاع الأمريكية بتشغيل عدة أنواع رئيسية من الأنظمة الجوية غير المأهولة "الطائرات من دون طيار"، ومنها طائرات "بريداتور" ،)Predator( و"جلوبال هوك" ‪Global Hawk(‬ ،) وتستخدمها القوات الجوية ومشاة البحرية والجيش الأمريكي، والطائرات "فاير سكوت" ‪Fire Scout VTUAV(‬ ) و"بامز" BAMS() التي تستخدمها القوات البحرية، وطائرات "دراجون آي" ‪Dragon Eye(‬ ) و"دراجون وارير" Dragon( Warrior،) وغيرها من الطرازات المُحدَّثة من هذه النماذج الرئيسية) .)

وقد أدى نجاح استخدام الدرونز في الصراعات إلى زيادة إنفاق "البنتاجون" على المخصصات الدفاعية الخاصة بشرائها وكذلك الأبحاث وتطوير التكنولوجي­ا الخاصة بهذا النوع من الأنظمة، ففي الميزانية الدفاعية لعام 2018، تم تخصيص نحو 6.97 مليار دولار، والجزء الأكبر من هذا الرقم بإجمالي 1.23 مليار دولار مخصص لشراء وتطوير طائرات "أم كيو - 9 ريبر" ‪MQ-9 Reaper(‬ ،) وهي من نماذج طائرات "بي بريداتور" ‪B Predator(‬ ( .) ب- الأنظمة الأرضية غير المأهولة: الأنظمة الأرضية غير المأهولة ‪Unmanned ground vehicles(‬ ) هي مدرعات يتم توجيهها عن بُعد أو تعمل بتوجيه ذاتي بعد برمجتها بمهام معينة، وهي عبارة عن مدرعات بها أجهزة استشعار وأجهزة كمبيوتر وبرمجيات للذكاء الاصطناعي خاصة بالتوجيه والماحة والتكيف والاتصالات) وتستخدم من قبل عدة أفرع من القوات المسلحة الأمريكية، خاصة

قوات الجيش الأمريكي. ومن النماذج الرئيسية لهذا النوع من الأنظمة مدرعات "جادياتور" Gladiator() و"تيراماكس" TerraMax(،) و"آرتز" ARTS(،) و"أم في - 4 بي سيستم" ‪MV-4B system(‬ ،) و"مركبات روبوتية مسلحة" ‪Armed Robotic Vehicle(‬ .) ج- الأنظمة البحرية غير المأهولة: تُعتبر السفن السطحية غير المأهولة، والمركبات غير المأهولة التي تعمل تحت الماء من نماذج الأنظمة البحرية غير المأهولة Unmanned( ‪Maritime Vehicles‬ ،) وتقوم بالعديد من المهام، منها البحث عن الألغام، واصطياد الغواصات، وفي مجالات الأمن البحري، ودعم قوات العمليات الخاصة، والحرب الإلكتروني­ة، والحظر البحري. وتقوم بعض النماذج من هذه الأنظمة بمهام محددة، وبعدها تقوم بمهام متعددة. وتعتمد تكنولوجيا الأنظمة غير المأهولة البحرية على أجهزة الاستشعار ونظم الاتصالات والذكاء الاصطناعي المتقدمة) ومن النماذج الرئيسية لهذه الأنظمة: السفن غير المأهولة Unmanned( ‪Surface Vehicle‬ ) المخصصة للكشف عن الألغام، والتي يعد من أبرزها "السفينة المضادة للألغام" Mine( ‪countermea­sures vessel‬ ،) و"سيفوكس" Seafox( drone،) وتعمان فوق سطح الماء، بينما تعد "المركبات تحت الماء غير المأهولة" ‪Unmanned Undersea(‬ Vehicles،) من الأنظمة التي تعمل تحت سطح الماء) .)

تجدر الإشارة إلى أن بعض الأدبيات التي تتناول التكنولوجي­ا الإحالية العسكرية، تستخدم مصطلح "روبوتات" للإشارة إلى النماذج المختلفة من تكنولوجيا الأنظمة ذاتية التوجيه، وتشير إلى أن تكنولوجيا الروبوتات المستخدمة عسكرياً تنقسم إلى ثاثة أنواع، وهي: المركبات غير المأهولة التي تُستخدم في الجو أو الأرض، والتي يتم توجيهها والتحكم فيها عن بعد؛ والمركبات غير المأهولة ذاتية التوجيه التي تعمل من تلقاء ذاتها اعتماداً على تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي الموجودة بها، وتعمل على تنفيذ مهام معينة من دون تدخل العنصر البشري في إدارتها؛ والنموذج الثالث الروبوتات القتالية ‪Combat Robotics(‬ ) وتنقسم إلى قسمين؛ روبوتات تعمل بتوجيه ذاتي وأخرى يتم التحكم فيها عن بُعد، وتحمل كل منهما أنظمة تسليح وتكنولوجيا عسكرية) وهناك العديد من نماذج الروبوتات القتالية، أبرزها "الروبوتات التي تساعد على إخاء الجرحى من ميدان المعركة" Battlefiel­d( ‪.) (Extraction-Assist Robot‬

2- الأسلحة التي تعمل بالليزر والطاقة العالية: الأنظمة التسليحية التي تعمل بالطاقة ‪Directed energy(‬ weapons)هي الأنظمة التسليحية التي تستخدم مجموعة من التكنولوجي­ات الحديثة التي تنتج موجات كهرومغناطي­سية مركزة، خاصة الجسيمات الذرية، وهي أنظمة تسليحية حديثة جداً تستخدم الطاقة كوسيلة لإعاقة أو تدمير أو تعطيل معدات ومنشآت العدو، وهذه الأسلحة تعبر عن الحروب التي تُستخدم فيها تكنولوجيا الطاقة في التسبب في تدمير العدو أو إلحاق الضرر به، وتعتمد على العديد من التقنيات الحديثة، مثل الليزر، وترددات الراديو، والأنظمة المضادة للأقمار الصناعية التي تعمل بالطاقة العالية) .)

وهناك العديد من البرامج والتطبيقات الخاصة بهذه الأسلحة، والتي تمتلكها وزارة الدفاع الأمريكية، وتعمل على تطويرها وتخصص العديد من الموارد لها، ومن أمثلتها نظام "الليزر التكتيكي ذي الطاقة العالية" ‪Tactical High(‬ ‪Energy Laser‬ ) الذي تم تطويره في عام 1996 كأحد برامج التعاون بين الولايات المتحدة وإسرائيل لتطوير نظام تسليحي بالليزر قادر على إسقاط صواريخ الكاتيوشا. وبين عامي 2000 و2001 نجح هذا النظام التسليحي في إسقاط 28 صاروخاً من صواريخ الكاتيوشا، لكن برنامج تطوير هذا الساح تم إنهاؤه في عام 2006 بعد عددٍ من الإخفاقات. وهناك نموذج آخر هو نظام "الليزر التكتيكي المتحرك ذي الطاقة العالية" ‪)Mobile Tactical High Energy Laser(‬ والذي يعد تطويراً للنظام للسابق، وبدأ تطويره في عام 2003 في إطار برنامج للتعاون بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية أيضاً) .)

وقد قامت قيادة القوات الخاصة الأمريكية بالتعاون مع شركة "رايثون" الأمريكية بتجربة في يوليو 2017 تضمنت قيام مقاتلة أباتشي من طراز ‪AH-) )64‬محملة بساح توجيه ليزري بإسقاط طائرة من دون طيار من على بُعد 1.4 كليومتر، وكانت هذه هي التجربة الأولي التي يتم من خالها استهداف هدف من خال ساح موجهٍ بالليزر من على متن مقاتلة تحلق في الجو) .)

ويسعى المسؤولون في الجيش الأمريكي لأن يتضمن الجيل القادم من عربات القتال المدرعة أنظمة تسليح توظف "الطاقة

الموجهة" ‪Directed Energy(‬ ) لحماية المدرعة، وكذلك أن يكون ضمن الأنظمة التسليحية للمدرعة أسلحة ليزر، لتحل محل الأسلحة والذخيرة العادية التي يتم تحميل المدرعات بها.

ووفقاً لبحوث التطوير الخاصة بهذه الأنظمة، فإن وضع أسلحة ليزر وطاقة على العربات المدرعة يمكن أن يقوم بحمايتها بنسبة كبيرة جداً من الاستهداف أو العربات المدرعة غير المأهولة، والتي تعمل بتوجيه عن بُعد أو ذاتية التوجيه. ويمكن أن تعمل أسلحة الليزر كذلك على تدمير المدرعة المعادية أو شل قدراتها.

ويعتبر المسؤولون في وزارة الدفاع الأمريكية أن تطبيق هذا التحول لمدرعات تعتمد على أنظمة الطاقة والليزر ودخولها الميدان في عام 2035، يجب أن يتم من أجله اتخاذ قرارات مهمة خال السنوات القادمة، بعد أن يصل الجيش الأمريكي إلى مستوى متقدم في تطوير أسلحة الليزر واعتبارها خياراً عملياً لأن تصبح ضمن الجيل القادم من العربات المدرعة) .) 3- نماذج أخرى للتطبيقات العسكرية للتكنولوجي­ا الإحلالية: لا تقتصر التطبيقات العسكرية للتكنولوجي­ا الإحالية على الأنظمة غير المأهولة أو الأسلحة التي تعمل بالليزر والطاقة العالية، ولكن تتعداها إلى نماذج أخرى تُستخدم فيها بعض التكنولوجي­ا الإحالية بنجاح تام، مثل التطبيقات الخاصة بالطابعات ثاثية الأبعاد، وبعض التطبيقات الخاصة بالتكنولوج­يا الإحالية في المجال الطبي، التي يتم تطوير تكنولوجيات منها في المجال العسكري. ويمكن رصد أبرز المؤشرات حول هذه التطبيقات على النحو التالي: أ- الاستخداما­ت العسكرية للطابعات ثلاثية الأبعاد: دخلت قوات البحرية الأمريكية في شهر أغسطس 2016 في شراكة مع أحد المختبرات العامة لتطوير غواصة صغيرة باستخدام الطابعة ثاثية الأبعاد، وقد تم فعاً طباعة هذه الغواصة في أقل من شهر) وفي مايو 2017 نجح الجيش الأمريكي في صنع قاذفة قنابل يدوية وقنبلة يدوية باستخدام الطابعة ثاثية الأبعاد. ومنذ عام 2014 تعتمد البحرية الأمريكية على تكنولوجيا الطابعات ثاثية الأبعاد على ظهر السفن الحربية الأمريكية، وذلك لصناعة قطع غيار هذه السفن أو بعض الأسلحة التي على متنها، هذا بالإضافة إلى أن كا من القوات الجوية ومشاة البحرية وضعتا سياساتٍ لاستكشاف كيفية استخدام الطابعات ثاثية الأبعاد في تسليحهم العسكري.

وقد كشفت تجربة القوات المسلحة الأمريكية للطابعات ثاثية الأبعاد عدداً من الجوانب حول الاستخداما­ت العسكرية، أبرزها أن هذه التكنولوجي­ا يمكن أن تسهل الخدمات اللوجستية؛ فالوحدات العسكرية يُمكنها أن تنقل فقط التكنولوجي­ا والمواد الخام، بدلاً من أن تنقل كل قطع الغيار التي تحتاجها أو الأسلحة، كما يُمكن للجنود الذين تدربوا للعمل كفنيين على الطابعات ثاثية الأبعاد إنتاج أجزاء مخصصة لحالات محددة حسب الاحتياج) .) ولا يقتصر استخدام الطابعات ثاثية الأبعاد على فكرة تصنيع قطع غيار معينة لمعدات عسكرية، ولكن يُمكن استخدامها كذلك في صناعة نماذج معينة من الدرونز، ففي منتصف شهر ديسمبر 2017 أعلن الجيش الأمريكي أن الباحثين بوحداته يعملون مع الباحثين بقوات مشاة البحرية على تطوير "درونز" باستخدام الطابعة ثاثية الأبعاد، اعتماداً على مواد التصنيع المتقدمة، وتكنولوجيا الطيران، والتطور في البرمجيات. ب- التطبيقات العسكرية للتكنولوجي­ا الإحلالية في المجال الطبي: تشير بعض الدراسات إلى أن التكنولوجي­ا الإحالية المُستخدمة في المجال الطبي يمكن أن تُستخدم كذلك في المجال العسكري، فقد ركزت دراسة نُشرِتَ في دورية ‪،)Popular Science(‬ في شهر مايو 2008، على التطورات العلمية الخاصة بكيفية تطوير البدلات التكنولوجي­ة التي يُمكن أن يرتديها العسكريون، والتي ظهرت في بعض أفام الخيال العلمي. ووفقاً للدراسة، فإن "وكالة المشاريع البحثية المتقدمة" ‪The Defense(‬ ‪Advanced Research Project Agency‬ ) التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية قامت بتمويل مشروعٍ خاصٍ لإنتاج هذا النوع من البدلات أو الهياكل المعدنية ذات التكنولوجي­ا الخاصة بداية من عام 2000، وأن مخرجات هذا المشروع كانت عبارة عن بدلة أنتجتها شركة "رايثون" عرفت باسم "راثيون ساركوز أكس أو أس" ‪Raytheon Sarcos’s(‬ XOS،) ويمكن للجنود ارتداؤها في المعارك، وتسمح لمن يرتديها بالقيام بتمارين وحركات معقدة تحت ضغط.

وأشارت الدراسة إلى أن هذا المشروع سيتم العمل على تطويره حتى عام 2020، وسيتم إدخال تعديات وتحديثات على هذا الهيكل مثل تضمين هذه البدلات بطاريات عالية الطاقة لشحن هذا الإطار، وأنظمة ذكاء صناعي للتوجيه والتعامل مع المواقف، وزيادة سرعة من يرتديها، وتكنولوجيا لاتصالات وغيرها من التعقيدات التي ستتم إضافتها) .)

وتكشف الخطط الحديثة للجيش الأمريكي أنه يعمل على امتاك جيلٍ جديدٍ من "الجنود السوبر"، الذين يمكن تعديلهم وراثياً وزرع رقائق أو شرائح إلكترونية فيهم، حيث تعمل أيضاً وكالة المشروعات البحثية المتقدمة بوزارة الدفاع الأمريكية على خطط لإنشاء وحدة نخبوية مقاتلة. ويتضمن أحد هذه المشروعات العمل على تصنيع برمجيات يمكن زرعها في عقول الجنود بحيث يكون لديهم قدرات أعلى، وأن تعالج هذه البرمجيات أمراضاً مثل العمى والشلل واضطرابات النطق. وتصل تكلفة هذا المشروع أكثر من 50 مليون دولار، ويُعرف باسم "تصميم نظام الهندسة العصبية" ‪The Neural(‬ ‪Engineerin­g System Design NESD)‬ ،) ويهدف إلى تطوير برمجيات متقدمة يُمكنها قراءة إشارات المخ ونقل البيانات بين الرأس البشري والحاسب) .)

خام�ساً: التداعيات الأمنية والع�سكرية للتكنولوجي­ا الإحلالية

تُعتبر وزارة الدفاع الأمريكية أولى المؤسسات العسكرية على مستوى العالم التي تنبهت مبكراً لأهمية دراسة الجوانب المرتبطة بالتكنولوج­يا الإحالية وتداعياتها على الأمن القومي، فقد شكلت "وكالة الاستخبارا­ت العسكرية" لجنتين لدراسة هذه التداعيات وبحث مستقبل التكنولوجي­ا الإحالية والأمن القومي

الأمريكي، الأولى تم تشكيلها في عام 2004 وتم إسناد المهمة للمجلس الوطني للبحوث لاستشراف مستقبل هذه التكنولوجي­ا وإجراء مراجعة بشأنها، وصدر أول تقرير للجنة في عام 2009. ومنذ ذلك الحين أصبحت قضية تداعيات التكنولوجي­ا الإحالية على الأمن القومي الأمريكي قضية رئيسية على أجندة مراكز الفكر الأمريكية المتخصصة في الشؤون الأمنية والعسكرية، كما عملت شركات الاستشارات الاقتصادية والأمنية على التركيز على هذه القضية وأبعادها، وما زالت هذه القضية تحظى باهتمام كبير في الأوساط الأمريكية الأمنية والعسكرية والتكنولوج­ية، وتُولِيها وزارة الدفاع الأمريكية اهتماماً خاصاً.

وفي ضوء النقاشات المُثارة على الساحة الأمريكية، وما صدر من تقارير ودراسات، حول التداعيات الأمنية والعسكرية للتكنولوجي­ا العسكرية، يمكن الحديث عن سبعة تهديدات رئيسية لهذه التكنولوجي­ا، تشمل التوازن التكنولوجي، وانتشار القوة، وصعود الصغار، وإعادة التكيف اللوجستي، والتغييرات الاستراتيج­ية طويلة الأمد، ويمكن رصد المامح العامة لهذه التهديدات فيما يلي: 1- تغير مقاييس القوة العسكرية: في السنوات السابقة كان يتم حساب ميزان القوة العسكرية بين الدول استناداً إلى المؤشرات التقليدية المتعلقة بعدد القوات البشرية والتسليحية للدول، لكن في ظل التغييرات الجارية فيما يتعلق مثاً بدخول أنظمة غير مأهولة )جوية، وبحرية، وأرضية( من درونز وسفن مُوجهة عن بُعد وروبوتات قتالية، فضاً عن المنافسة بين الدول في مجال البحوث والتطوير الخاص بالتكنولوج­يا، فإن المؤشرات التي تقيس التوازن العسكري التقليدي ربما تتغير، وربما يتم حساب مؤشر جديد للتوازن التكنولوجي بين الدول استناداً إلى من يملك تكنولوجيا جديدة أو إحالية أكثر، أو من يعمل على الاستثمار أكثر في هذه المجالات.

وعلى سبيل المثال تمتلك العديد من الدول الآن طائرات مقاتلة من دون طيار، وبعضها لديه تكنولوجيا متقدمة، لكن التوزيع النسبي للقوة بين الدول استناداً إلى مقومات امتاك تكنولوجيا إحالية متقدمة لايزال متفاوتاً، وتشير التقديرات المنشورة حديثاً - وفقاً لتقييم الخبراء والمتخصصين في مجالات التكنولوجي­ا عن عام 2017 - فيما يتعلق بترتيب أكثر الدول الواعدة في مجال التكنولوجي­ا الإحالية التي ستترك آثاراً على المستوى العالمي، أن الولايات المتحدة الأمريكية جاءت في الصدارة بنسبة 26%، تليها الصين بنسبة 25%، ثم الهند بنسبة 11%، ثم بريطانيا بنسبة 10 .) 2- انتشار القوة وتهديدات الفاعلين من دون الدول: من أخطر تأثيرات التكنولوجي­ا الإحالية العسكرية أنها قد تهدد انتشار القوة وتوزيعها القائم؛ فهذه التكنولوجي­ا تُمكِّن الفواعل من غير الدول أو الأفراد من القيام بأعمالٍ لم يكن لهم القدرة على القيام بها من قبل، كما أن استخدام الفواعل من غير الدول لهذه التكنولوجي­ا يمثل تهديداً خطيراً، فعلى سبيل المثال استخدم تنظيم حزب اله طائرات من دون طيار في الحرب ضد إسرائيل عام 2006، واستخدم الحوثيون في اليمن قوارب غير مأهولة يتم التحكم فيها عن بُعد مرتين في فبراير وأبريل 2017 لتهديد الماحة في البحر الأحمر)56(، واستخدم تنظيم "داعش" درونز مصدرها الصين وكانت تُستخدم للأغراض التجارية، وتمكنَّ من توظيفها في الاستخداما­ت العسكرية) .)

كما أن انتشار القوة الذي يُمكن أن تحدثه التكنولوجي­ا الإحالية لا يقتصر فقط على الفواعل من غير الدول من التنظيمات والجماعات الإرهابية، ولكن يمتد للأفراد العاديين الذين بإمكانهم أن يشكلوا مصدر تهديدٍ في حال امتاكهم تكنولوجيا إحالية؛ فالفرد العادي يمكنه الحصول على "درونز" منخفضة التكلفة تُباع ببضعة دولارات من تلك المخصصة للأغراض التجارية، ويمكن أن يُحولها لأغراض عسكرية لتهديد المنشآت.

وكذلك يمكن للتنظيمات الإرهابية أو الأفراد العاديين استخدام الطابعات ثاثية الأبعاد لأغراض عسكرية خاصة في المستقبل، حينما تتوافر نماذج من هذه الطابعات ذات إمكانيات عالية جداً وبتكلفة منخفضة.

إن متابعة تطبيقات التكنولوجي­ا "الإحلالية" في المجال العسكري والأمني، يشير إلى أنها سوف ترك بمرور الوقت تداعيات عديدة، من أبرزها دخول عامل التوازن التكنولوجي كمقياسٍ جديدٍ للقوة، وإعادة انتشار وتوزيع القوة بحيث يبرز الفاعلون الصغار، وتغيير في العقائد العسكرية والثقافة الاسراتيجي­ة، علاوة على تساعد الدور العسكري لشركات التكنولوجي­ا.

3- صعود الدور العسكري لشركات التكنولوجي­ا: خال الحرب الباردة، كانت الاختراعات والابتكارا­ت التكنولوجي­ة مدفوعة بشكل رئيسي بالاستثمار­ات التي تنفقها الجيوش وشركات الصناعات العسكرية المحلية الكبرى في الدول، وكانت تلك الشركات تصنع منتجات خاصة لاستخدام العسكري وفقاً لاحتياجات وطلبات الجيوش. لكن اختلف الوضع الآن تماماً؛ فالابتكارا­ت التكنولوجي­ة باتت مدفوعة بشكل رئيسي بالاستثمار­ات من القطاع التجاري، وتقوم بإنتاج منتجات يتم تطويرها فيما بعد لاستخدامات العسكرية. وقد نتج هذا التحول عن التوسع في إنتاج التكنولوجي­ا مزدوجة الاستخداما­ت، بالإضافة إلى قدرة شركات التكنولوجي­ا على التأقلم والتكيف مع الظروف الجديدة التي تخلقها التكنولوجي­ا الناشئة في السوق.

ووفقاً للتقديرات، فإن القيمة السوقية لأكبر شركات التصنيع العسكرية في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي "جنرال ديناميكس" و"رايثون" و"نورثروب جرومان" و"لوكهيد مارتين" و"بوينج"؛ تساوي بشكل تقريبي نصف قيمة شركة آبل Apple() التي يمكنها أن تشتري أكبر شركتين من هذه الشركات وهما "لوكهيد مارتين" و"بوينج") .) 4- تغيرات في العقائد العسكرية: يُعتبر تغيير العقائد العسكرية ‪Military doctrines(‬ ) أو التغييرات في طريقة التخطيط الاستراتيج­ي للأمن القومي ووضع الخطط الاستراتيج­ية القومية ‪National Security Strategies(‬ ،) وصولاً لشكل حروب المستقبل، أحد أخطر التداعيات الخاصة بالتكنولوج­يا الإحالية

العسكرية؛ ففي السابق كان يتم وضع العقيدة العسكرية واستراتيجي­ة الأمن القومي لدولة ما استناداً إلى تحديد مصادر تهديد تقليدية، لكن اليوم ومع ما تمثله هذه التكنولوجي­ا من تهديدٍ أو تغييرٍ لتوازن القوى التقليدي أو انتشار القوة للأفراد وللفواعل من غير الدول؛ فإن التخطيط الاستراتيج­ي والعقائد العسكرية ستتغير كلياً.

وعلى سبيل المثال، يمكن تخيل أن سفينة تجارية تحمل أسراباً من "الدرونز" التي يمكنها إطاق آلاف الهجمات على أهداف داخل الدولة في وقت واحد، أو تخيل شكل حاملة الطائرات في المستقبل، حينما تكون مجهزة بالكامل بطائرات درونز، وغيرها من الأفكار التي يُمكن أن تغير شكل التهديدات والحروب التي يمكن أن تواجهها الدولة في المستقبل. 5- تحولات في خطط وبرامج المُشتريات العسكرية: يؤدي تزايد الابتكارات التكنولوجي­ة وتطبيقاتها العسكرية إلى تغيير في برامج المشتريات العسكرية وبرامج التطوير والبحوث داخل المؤسسات العسكرية، فجزء كبير من المشتريات العسكرية كانت تُوجه في السابق للأسلحة التقليدية، ولكن مع تزايد الاعتماد على الأنظمة التسليحية غير المأهولة، سيكون على القائمين على برامج المشتريات العسكرية وعلى برامج التطوير والبحوث في المؤسسات العسكرية إحداث تغييرات في خططهم، وتركيز جزء من الموارد المخصصة للمشتريات والتطوير للتكنولوجي­ا الإحالية العسكرية. وعلى سبيل المثال، تعمل وزارة الدفاع الأمريكية على زيادة الاستثمار في التكنولوجي­ا الإحالية، سواءً الأنظمة غير المأهولة أو الطابعات ثاثية الأبعاد) .) 6- تحدي التغيير الثقافي والعملياتي داخل الجيوش: سوف تؤدي التكنولوجي­ا الإحالية العسكرية إلى تغييرات عميقة داخل المؤسسات العسكرية على مستويين، الأول يتعلق بالتغيير الثقافي المتعلق بقبول هذه التكنولوجي­ا والتكييف السريع معها، فعلى سبيل المثال، كانت استجابة القوات الجوية الأمريكية وقبولها للأنظمة الجوية غير المأهولة "الدرونز"، أقل من قبول القوات البحرية بالأنظمة البحرية غير المأهولة، وقام المسؤولون في وزارة الدفاع الأمريكية بجهدٍ كبيرٍ لإدخال ثقافة القبول بالتكنولوج­يا الجديدة. ويضاف إلى التغيير الثقافي، التحدي الذي تفرضه هذه التكنولوجي­ا على المؤسسات فيما يتعلق بالتدريب والتعامل معها، ودمجها سريعاً في أنظمة عملها) .) 7- ضعف القواعد الإجرائية المنظمة للرقابة على الأسلحة: تُثير التكنولوجي­ا الإحالية العسكرية، خاصة الأنظمة غير المأهولة تحدياتٍ وتعقيداتٍ عديدةٍ فيما يتعلق بالقواعد والقوانين الإجرائية الخاصة بالرقابة عليها، سواءً على المستوي المحلي أو الدولي، فمثاً القواعد الخاصة بالرقابة على تصدير التكنولوجي­ا الصاروخية في الولايات المتحدة الأمريكية ‪)Missile Technology Control Regime(‬ التي وُضٍعَت في عام 1987 تضع قيوداً على تصدير الدرونز المقاتلة، خاصة تلك التي يصل مداها إلى أكثر من 300 كيلومتر. وتعطي هذه القيود فرصة للدول الأخرى التي ليس لديها قيود على تصدير هذه التكنولوجي­ا، مثل الصين والهند على سبيل المثال، لتوسيع فرصها التصديرية، هذا عاوة على الجدل بشأن القواعد القانونية التي يجب أن تنظم عمل الأسلحة ذاتية التشغيل، بما يجعلها تخضع لقواعد قانونية واضحة على المستوى الدولي، والجهود التي تُبذل لوضع هذه القواعد والأطر.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates