Trending Events

تحالف "بيسكو":

هل تتحول أوروبا إلى فاعل عسكري مستقل؟

- د. ساسكيا فان جينوغتن

أعلنت 25 دولة أوروبية من إجمالي 28 دولة بصورة رسمية دعمها اتفاق ”التعاون الهيكلي الدائم“)بيسكو( في ديسمبر 2017، وهو ما يؤسس لإقامة ”اتحاد دفاعي أوروبي“، وتعزيز العلاقات الدفاعية، خاصة فيما يتعلق بتنمية القدرات العسكرية، أو تعبئة القوات المسلحة لدول الحلف، وهو ما يثير التساؤل حول أبعاد هذه الخطوة وتداعياتها الإقليمية.

على الرغم من الاهتمام الكبير الذي لاقته هذه الاتفاقية، فإنها ليست إلا أحدث مبادرة تعكس التحول في وجهات النظر الأوروبية حيال ترتيباتها الأمنية، فبعد عقود من الجمود النسبي في ملف التعاون بين الدول الأعضاء في قضايا الأمن والدفاع، بدأ القادة الأوروبيون إبداء رغبة حقيقية في تعزيز التعاون العسكري.

وقد سبق اتفاقية "التعاون الهيكلي الدائم" والمعروفة باسم "بيسكو" Permanent( ‪)“Structured cooperatio­n “PESCO‬ الأخيرة عدد كبير من الاتفاقات خال العامين الماضيين أبرزها اعتماد "استراتيجية الاتحاد الأوروبي العالمية" واستراتيجي­ته التنفيذية في عام 2016، وإطاق مبادرة "صندوق الدفاع الأوروبي المشترك" ‪European Defence(‬ Fund) في عام 2017، و"المراجعة السنوية المنسقة للشأن الدفاعي" Coordinate­d( ‪Annual Review on Defence‬ ،) وكذلك "التخطيط العسكري وقدرة الإدارة" Military( ‪.)Planning and Conduct Capability‬

وسوف تدفع هذه المبادرات الجديدة، في حال تنفيذها بصورة كاملة، دول الاتحاد الأوروبي إلى توحيد مواردها الدفاعية واستغالها بطريقة فعّالة. وعاوة على ذلك، قد يساعد هذا المخطط على حيازة أسلحة بأسعار أقل، بالإضافة إلى تطوير أسلحة جديدة، وذلك من أجل تعزيز قدرة أوروبا على أن تصبح فاعاً أمنياً مؤثراً في جوارها المباشر. وبمقدور هذه الآليات والحوافز الجديدة للتعاون أن تعزز القدرات الدفاعية لاتحاد الأوروبي في مجالات مهمة، مثل مكافحة الإرهاب وقدرات الاستجابة السريعة والأمن السيبراني.

ويسعى هذا التحليل إلى إلقاء الضوء على العوامل الدافعة لتجدد التفكير الأوروبي في تعزيز التعاون الدفاعي، بالإضافة إلى توضيح أبعاد المبادرات الجديدة وانعكاساته­ا المحتملة، خاصة على منطقة الشرق الأوسط.

اأولً: دوافع التعاون الدفاعي الأوروبي

يعكس اتجاه قادة دول الاتحاد الأوروبي لتوحيد مواردها الدفاعية اعترافاً بتغير الوضع الجيوسياسي، وهو ما اتضح مؤخراً من خال عدد من التطورات التي يمكن إجمالها فيما يلي:

1- الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي: إذ يتوقع أن تنسحب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بحلول نهاية مارس 2019 على أقصى تقدير، ويعد هذا العامل من أبرز العوامل التي حفزت الدول الأوروبية على رفع مستوى التعاون الدفاعي.

فقد كانت قرارات الاتحاد الأوروبي ومبادراته بشأن سياسات الأمن والدفاع تعكس بالضرورة الحد الأدنى من التوافق بين الدول الأعضاء. ولطالما وقفت بريطانيا حجر عثرة أمام الطموحات الأوروبية الدفاعية، وهو ما يرجع إلى رؤيتها لمصلحتها القومية، والتي كانت ترى ضرورة إبقاء منظمة "حلف شمال الأطلسي" )الناتو( المظلة الرئيسية للأمن والدفاع الأوروبي، فضاً عن كون "العاقة الخاصة" التي تجمعها بالولايات المتحدة هي الموجه الرئيسي لسياسات لندن الخارجية والأمنية منذ الحرب العالمية الثانية.

ومع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، سارعت الدول الرئيسية بالبدء في رفع سقف طموحاتها بشأن التعاون الأمني والدفاعي، خاصة مع تولي فرنسا وألمانيا موقع القيادة، والدعم الإيطالي – الإسباني لتعزيز التعاون الأمني. 2- سياسات "أمريكا أولاً": التي اعتمدها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي أثارت الشكوك حول التزام الرئيس دونالد ترامب بأمن أوروبا من خال مظلة الناتو. فلقد اعتمد الأوروبيون على المظلة الأمنية الأمريكية على مدار عقود من دون الحاجة إلى المشاركة بنصيبهم العادل في تحمل الأعباء والالتزاما­ت المالية المترتبة على هذا التحالف.

وقد بدأ الجدل الدائر بين أعضاء الناتو بشأن تقاسم الأعباء منذ لحظة مولد الحلف ذاته، حيث حثت الولايات المتحدة أوروبا على زيادة إنفاقها العسكري، غير أن الرئيس ترامب صعد ضغوطه على الدول الأوروبية)1(. ولقد تسبب هذا النهج الذي اتبعه ترامب في تغيير سياسة ألمانيا، التي كانت حليفاً قوياً للولايات المتحدة، حيث وصلت المستشارة ميركل إلى قناعة بأن "عصر الاعتماد التام على الآخرين قد ولّى )...( وأنه علينا نحن الأوروبيين أن نتحكم في مصيرنا بأيدينا")2.) 3- اتجاه روسيا لتعزيز نفوذها في شرق أوروبا: وهو ما يتجلى بوضوح في حرب عام 2008 في جورجيا، وضم موسكو لشبه جزيرة القرم من أوكرانيا في عام 2014، بالإضافة إلى تورطها في الصراع الدائر في شرق أوكرانيا. 4- اضطرابات الشرق الأوسط: فقد أدت أزمة الاجئين والهجمات الإرهابية التي تعرضت لها بعض الدول الأوروبية إلى انتباهها إلى الحاجة لتعزيز أمنها القومي، خاصة مع سريان شعور لدى القوى الأوروبية الرئيسية أنها تركت بمفردها للتعامل مع التداعيات الأمنية لأزمات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ومن جهة ثانية، فقد تماثلت نظرة الدول الأوروبية لمهددات أمنها القومي، لاسيما إزاء قضايا الهجرة والاجئين والعمليات الإرهابية المتزايدة. وهو ما يرجع إلى أن مشكلة تدفق الاجئين من دول الشرق الأوسط لم تقتصر تداعياتها على دول جنوب الاتحاد الأوروبي فحسب، بل امتدت كذلك إلى ألمانيا ودول أوروبا الشمالية الأخرى، ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة للعمليات الإرهابية التي ينفذها "داعش"، والتي امتدت لتطول العديد من الدول الأوروبية، مثل فرنسا وألمانيا.

وعلى الرغم من أن التهديدات الإرهابية نابعة جزئياً من داخل أوروبا، فإنها تفاقمت ارتباطاً بالاضطرابا­ت التي شهدها الشرق الأوسط. وقد دفع التغير في البيئة الأمنية الأوروبية بالإضافة إلى التماثل في إدراك التهديدات الدول الأوروبية إلى تعزيز تعاونها الدفاعي، بصورة مستقلة عن الولايات المتحدة.

ثانياً: مجالت التعاون الجديدة

طُرحت الاستراتيج­ية العالمية لاتحاد الأوروبي)(3 في يونيو 2016، وتقدمت بهذه الاستراتيج­ية "فيديريكا موغيريني"، رئيسة "المفوضة العليا للسياسة الخارجية والأمن" في الاتحاد الأوروبي، ورئيسة الدائرة الأوروبية للشؤون الخارجية ‪.)European External Action Service(‬

ويمكن استخاص ثاث أولويات أساسية من هذه الاستراتيج­ية فيما يتعلق بتعزيز استقالية الاتحاد الأوروبي في مجالي الأمن والدفاع وهي: القدرة على الاستجابة للصراعات والأزمات الخارجية، والمساهمة في جهود بناء القدرات العسكرية للدول المجاورة، فضاً عن حماية الاتحاد الأوروبي مواطنيه من خال التدخل العسكري الخارجي.

وتحتل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مكانة بارزة في هذه الاستراتيج­ية العالمية، وتشير في هذا الصدد إلى أهمية دعم القدرات الأمنية للدول المحيطة بأوروبا شرقاً وجنوباً كأولوية لها، حيث إن "المناطق الهشة خارج حدودنا تهدد كافة مصالحنا الحيوية" وفقاً لاستراتيجي­ة. وبصورة أكثر تحديداً، فإنها تدعو أوروبا لانخراط بصورة فاعلة في الأزمتين الليبية والسورية، فضاً عن توثيق التعاون في مكافحة الإرهاب مع دول الشرق الأوسط، ووضع سياسات أكثر فعالية للتعامل مع قضية الهجرة.

ويعد الأمر الجديد الذي تطرحه هذه الاستراتيج­ية هو تعهدها بمشاركة بروكسل بصورة أكثر انتظاماً في البعد الأمني للصراعات، كما تحث الاتحاد الأوروبي على تعزيز قدرته على الاستجابة السريعة والحاسمة، خاصة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب.

وقد مثلت الاستراتيج­ية العالمية لاتحاد الأوروبي أداة لتفعيل اتفاقية "بيسكو"، والتي دخلت حيز النفاذ في عام 2009. وبمقدور تنفيذ بيسكو أن يحدث فارقاً، لاسيما فيما يتعلق بتنمية القدرات العسكرية على المدى الأطول، نظراً لأن الاتفاقية تهدف إلى إلزام الدول بالاتفاقات، مع الاعتراف بالحاجة إلى "دمج الدول الأعضاء بصيغ مختلفة")4(. ويعني ما سبق أنه بمقدور الدول اختيار ما إذا كانت تود الاشتراك في مشروعات دفاعية متعددة الجنسيات أم لا، غير أنه في حالة اشتراكها فإنها ستكون ملزمة لها، وهو ما يميز هذه

المبادرة عن سابقاتها من المبادرات الدفاعية.

وبدأت دول الاتحاد الأوروبي كذلك في اختبار تطبيق "المراجعة السنوية المنسقة للشأن الدفاعي" في خريف 2017. وتهدف هذه المراجعة إلى تبادل المعلومات حول التعاون الدفاعي من خال زيادة الشفافية حول مستويات الإنفاق العسكري وتحديد أوجه القصور فيه.

ومن جهة أخرى، أعلن "جان كلود جونكر"، رئيس المفوضية الأوروبية، في خطابه السنوي "حالة الاتحاد" في سبتمبر 2017 عن إنشاء "صندوق الدفاع الأوروبي")5،) والذي يهدف إلى تعزيز التعاون في المجالات المتعلقة بإجراء الأبحاث المشتركة والاستثمار في الصناعات الدفاعية الصغيرة والمشروعات الناشئة وتنمية القدرات الدفاعية وزيادة الإنفاق على حيازة الأسلحة. ولتحقيق هذا الغرض، ستبدأ المفوضية بدءاً من عام 2020 تخصيص 1.5 مليار يورو سنوياً للصندوق، مما يجعلها رابع أكبر مستثمر في مجال أبحاث وتكنولوجيا الدفاع) 6 .)

ويدير الاتحاد الأوروبي حالياً، في إطار سياسته المتعلقة بالأمن والدفاع المشتركة ‪Common Security and(‬ ‪Defence Policy‬ )، 16 بعثة مستمرة، منها 10 بعثات تتسم بالطابع المدني، و6 منها تتسم بالطابع العسكري)7(. وعلى الرغم من وجود هيكل تنسيقي دائم للبعثات المدنية لاتحاد الأوروبي داخل "الدائرة الأوروبية للشؤون الخارجية"، فإنه لا يوجد هيكل مماثل للبعثات العسكرية.

فقد عرقلت بريطانيا كل الجهود الرامية إلى تنسيق الجهود العسكرية على المستوى الأوروبي على مدار أكثر من عقد من الزمان، إذ اعتبرته تكراراً للهياكل المؤسسية داخل حلف الناتو. وبعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في يونيو 2017، وافق المجلس الأوروبي أخيراً على إنشاء "الهيئة العسكرية للتخطيط والسلوك العسكري" Military( ‪Planning and Conduct Capability‬ ،) والتي ستكون مسؤولة عن تخطيط عمليات البعثة العسكرية غير التنفيذية لاتحاد الأوروبي وإدارتها.

وتشرف هذه الهيئة في الوقت الراهن على ثاث بعثات تدريب عسكرية لاتحاد الأوروبي في جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي والصومال، غير أنها لا تشرف على عملية "نافور ميد" ‪EU NAFVOR MED(‬ ،) والتي تقوم بنشر سفن حربية وطائرات مراقبة تابعة للجيوش الأوروبية قبالة سواحل ليبيا لوقف تدفق المهاجرين.

ثالثاً: النعكا�سات الإقليمية المحتملة

شهد الاتحاد الأوروبي فترات متفاوتة من النشاط والخمول فيما يتعلق بالتعاون في مجال الدفاع والأمن، وهو ما يرجع إلى نظرة الدول لهذه المجالات باعتبارها قضايا حساسة تمس الأمن القومي للدولة، أضف إلى هذا، اختاف هذه الدول، سواء من حيث المساحة، أو التاريخ، بالإضافة إلى اختاف ثقافاتها الاستراتيج­ية، وهي العوامل التي جعلت التوافق على المصالح الأمنية لتلك الدول أمراً صعب المنال.

وعلى الرغم من هذه التحديات، والتي أعاقت التجارب التكاملية السابقة في مجال الدفاع، فإن قادة الاتحاد الأوروبي لديهم عزم هذه المرة على مواصلة التعاون العسكري، خاصة في ضوء إدراكهم أن الاستعانة بشركائهم الأوروبيين لمضاعفة قوتهم هو أمر حيوي يصب في المصلحة الوطنية لدول الاتحاد فرادى. وفي حالة مواصلة هذه الدول العمل بالوتيرة الحالية نفسها، فمن المرجح أن تظهر نتائج هذه المساعي في المجالات التالية:

1- قدرات استراتيجية أفضل وأكثر تنسيقاً: فلكي تمتلك أوروبا القدرة على إدارة أمورها الدفاعية بصورة مستقلة، فعليها تطوير قدراتها الدفاعية والحصول على الأصول الاستراتيج­ية الازمة لذلك )مثل حامات الطائرات، الغواصات النووية، ...(. وتركز معظم المبادرات التي تم إطاقها مؤخراً على هذا الجانب بعينه من التعاون الدفاعي.

ومن أجل تحقيق هذا الهدف يتعين على الدول الأعضاء من خال "بيسكو" تقديم تعهدات بزيادة ميزانيات الدفاع بشكل عام، ورفع حصص الإنفاق الاستثماري في مجال الدفاع لتصل إلى 20% من إجمالي الإنفاق العسكري، فضاً عن الوصول بميزانية "أبحاث الدفاع والتكنولوج­يا" لتصل إلى 2% من هذا الإنفاق. كما تعهدت الدول الأعضاء المشاركة بتعزيز جهود التعاون في مجال الدفاع السيبراني وتحسين قدرة القوات العسكرية للدول الأوروبية على العمل معاً بصورة مشتركة.

ولن تساهم زيادة الإنفاق العسكري في تعزيز الاستثمار في البحث التطوير فحسب، بل ستمكنها من الاستفادة من وفورات الحجم الكبير والاستثمار في الأصول الاستراتيج­ية التي عادة ما تحجم الدول عن امتاكها، نظراً لارتفاع تكلفتها أو مخاطرها العالية. 2- توفير مظلة أشمل للتعاون العسكري: إذ تستطيع اتفاقية بيسكو أن توفر مظلة أشمل للتعاون العسكري القائم فعاً، مثل التعاون البحري البلجيكي – الهولندي، أو "قيادة النقل الجوي الأوروبي الموحد"، وهو اتفاق بين فرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورج للتعاون في مجال النقل العسكري.

وقد بدأت الدول الأعضاء في اقتراح مشروعات تعاونية جديدة، تضمنت إنشاء مركز للتدريب العسكري المشترك، ووحدة طبية عسكرية أوروبية. ومن المحتمل أن تتم مناقشة

كانت قرارات الاتحاد الأوروبي ومبادراته بشأن سياسات الأمن والدفاع تعكس بالضرورة الحد الأدنى من التوافق بين الدول الأعضاء. ولطالما وقفت بريطانيا حجر عرة أمام الطموحات الأوروبية الدفاعية، وهو ما يرجع إلى رؤيتها لمصلحتها القومية، والتي كانت ترى ضرورة إبقاء منظمة "حلف شمال الأطلسي" )الناتو( المظلة الرئيسية للأمن والدفاع الأوروبي.

بعض الأفكار التي سبق وأن طرحت خال المجلس الوزاري الفرنسي – الألماني المشترك في وقت سابق من عام 8( 2017،) والتي شملت نظاماً للمراقبة البحرية الأوروبية، وتصميم طائرة من دون طيار متوسطة الارتفاع طويلة المدى، بالإضافة إلى التفكير في بناء الجيل القادم من مروحيات "تايجر" ،)Tiger( وأخيراً تطوير طائرات مقاتلة مشتركة لتحل محل الطائرات الحالية. 3- تعزيز التعاون الدفاعي مع الدول المجاورة: فمن المجالات الأخرى التي يرجح أن يتحرك فيها الأوروبيون لإحراز تقدم سريع، هو امتاك القدرة على نشر "قوات الرد السريع" ‪Rapid Reaction Forces(‬ ،) سواء في عمليات الانتشار المدنية أو العسكرية.

ووفق ما هو منصوص عليه في معاهدات الاتحاد الأوروبي، يمكن للبعثات التي تعمل تحت مظلة "السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة" أن تركز على مجموعة من المهام، مثل المساعدات الإنسانية والإنقاذ، ومنع نشوب الصراعات، وحفظ السام وصنعه، وعمليات نزع الساح، وتقديم المشورة والمساعدة العسكرية، والمشاركة في الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار عقب انتهاء الصراعات)9.)

ويركز عدد كبير من عمليات "السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة"، والبالغ عددها الإجمالي ستة عشر عملية على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتشمل بعثات المساعدة على حماية الحدود في ليبيا )البعثة الاستشارية لاتحاد الأوروبي في ليبيا( وفي الأراضي الفلسطينية )البعثة الاستشارية لاتحاد الأوروبي في رفح(، وبعثات تدريبية في مالي، وبعثة لبناء القدرات في منطقة الساحل، عاوة على بعثات بحرية في البحر المتوسط )بعثة نافور ميد( وفي الصومال )بعثة نافور أتالانتا(. وكانت آخر البعثات التي أطلقت هذا العام البعثة الاستشارية لاتحاد الأوروبي في العراق لدعم إصاح القطاع الأمني.

وفيما يتعلق بعمليات الانتشار العسكرية، فإن الاتحاد الأوروبي لديه "مجموعات قتالية" مستعدة للتدخل في أي وقت. وقد تم إعان عمل قوات الاستجابة السريعة الصغيرة والجماعية تلك بكامل طاقتها في عام 2007، ولكن لم يتم نشرها في الواقع حتى الآن. ولقد أراد قادة الاتحاد الأوروبي نشر إحدى المجموعات القتالية في جمهورية أفريقيا الوسطى في عام 2013، ولكن موقف بريطانيا الرافض أجهض هذه المحاولة، وجعل الدول الأوروبية الأخرى تتراجع عن تقديم مقترحات مماثلة في حالات أخرى)10(. كما أن مسألة تمويل هذه القوات مثّل عاماً آخر أعاق نشر تلك القوات. ويراجع قادة الاتحاد الأوروبي حالياً خططاً جديدة لتوفير التمويل الازم لها. 4- دور عسكري نشط في منطقة الشرق: لن يتحقق العديد من الجهود الحالية الرامية إلى تعزيز فعالية أوروبا في مجال الدفاع سوى على المدى المتوسط أو الطويل، لاسيما عندما يتعلق الأمر بتطوير الأصول الاستراتيج­ية وشرائها. ومع ذلك، فإن مساعي الاتحاد الأوروبي لتعزيز تعاونه الدفاعي تنبع من إدراكه حجم التهديدات الخارجية التي تهدد الأمن الأوروبي، ولذا من المرجح أن ينشر الاتحاد الأوروبي قواته في المناطق الجغرافية التي تسبب تهديدات أمنية له.

ويدعم ذلك التقارب الأخير في المصالح الاستراتيج­ية بين ألمانيا وفرنسا داخل الاتحاد الأوروبي تجاه شمال أفريقيا ومنطقة الساحل والشرق الأوسط. وكما ذُكر في الاستراتيج­ية العالمية لاتحاد الأوروبي، فإن هناك قلقاً متزايداً إزاء انتشار الدول المنهارة، التي تضم مساحات واسعة خارجة عن سيطرة الدولة، وتشهد صراعات طائفية في الدول الواقعة على حدود أوروبا الجنوبية. ومن جهة ثانية، فإن رغبة الدول الأوروبية الجنوبية لتعزيز التعاون الدفاعي لاتحاد الأوروبي، خاصة من جانب إيطاليا وإسبانيا، يدفع باتجاه التركيز على دول الأزمات، لاسيما في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل.

وفي الختام، يمكن القول إن إقليم شمال أفريقيا ومنطقة الساحل سوف تمثل ساحةً محتملة للتدخل من جانب الاتحاد الأوروبي، وذلك نظراً لأن الولايات المتحدة وروسيا تعتبران مناطق مثل ليبيا ومالي ذات أهمية استراتيجية أقل من سوريا، لذا فهما ترحبان بتقدم الأوروبيين في هذه المساحة الجغرافية. ومن المرجح أن ينشر الاتحاد الأوروبي قوات إضافية هناك، تركز على محاربة الجماعات الإرهابية ومكافحة الهجرة غير الشرعية وتحقيق الاستقرار في منطقة شمال أفريقيا والساحل.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates