Trending Events

انحسار المركز:

صعود الفروع المحلية ل "داعش" في مناطق الاضطرابات

- محمد بشندي

أدى انحسار تنظيم ”داعش“في معاقله الرئيسية في سوريا والعراق إلى اضطراب علاقة مركز التنظيم بالجماعات المحلية الموالية له في ظل تصاعد الانقسام والتنافس فيما بينها وطموح بعض القيادات الداعشية المحلية للإحلال محل أبوبكر البغدادي، وهو ما دفعها لتصعيد عملياتها الإرهابية لإثبات جدارتها. اأولً: توزيع التنظيمات الداع�سية المحلية

على الرغم من تراجع سيطرة تنظيم "داعش" على مناطق تمركزه الرئيسية في الرقة ودير الزور في سوريا والموصل بالعراق، فإن التنظيم لم ينته وقام بتغيير استراتيجيت­ه وأماكن تموضعه ليكون أقل مركزية وأكثر انتشاراً في ظل صعود التنظيمات المحلية والجماعات والخايا محدودة العدد التي تقوم بعمليات إرهابية في عدد كبير من الدول لإثبات قدرة التنظيم على الصمود)1(، وتتمثل أهم مناطق انتشار فروع "داعش" فيما يلي:

1- خلايا "داعش" في سوريا والعراق: لاتزال جماعات تابعة لتنظيم "داعش" متمركزة في سوريا والعراق وتقوم باستغال المظالم المحلية للتعبئة والتجنيد وحشد الموارد، ويستغل التنظيم التوترات الطائفية والاستقطاب ليحاول إعادة طرح نفسه كممثل للتكوينات السنية في العراق وسوريا) .)

ولقد كشفت بيانات "مشروع كاريون لدراسات التطرف والإرهاب" في يناير 2018 عن وجود مجموعات وخايا تابعة لتنظيم "داعش" يقدر عددها بحوالي 4000 مقاتل على الحدود العراقية - السورية وفي ضواحي العاصمة بغداد، كما تتمركز خايا التنظيم في سوريا بالقرب من دمشق وفي بعض مناطق دير الزور بعد تمكنها من عقد اتفاقات هدنة مع نظام الأسد وفصائل الجيش السوري الحر)3.)

2- الفروع الآسيوية للتنظيم: يتبع تنظيم "داعش" عدة فروع في أرجاء القارة الآسيوية، ففي الفلبين، انضم للجماعات التابعة لداعش عدد من المقاتلين من سوريا والعراق وهو ما يفسر الاضطرابات الأمنية في مراوي، وتتمركز هذه المجموعات في جزيرة مينداناو ذات الطبيعة الجبلية والتي يعاني سكانها الفقر والصراعات الطائفية مما جعلها وجهة للمتطرفين الإندونيسي­ين والماليزيي­ن، وعلى الرغم من قلة أعدادهم، فإنهم يتمتعون بخبرة تنظيمية وعسكرية، فمعظمهم أعضاء سابقون في جماعتي ماوتي وأبو سياف، التي

بايع عدد كبير من أعضائهما "داعش")4.)

ويتبع "داعش" في باكستان عدة جماعات منشقة عن "لشكر طيبة" وتنظيم القاعدة بالإضافة إلى حركة "جند الله" و"حركة الخافة باكستان" وبعض الخايا الصغيرة التي ضبطتها الحكومة الباكستاني­ة)5(، ولاتزال "ولاية خراسان" التابعة ل"داعش" توجد في المناطق الحدودية بين أفغانستان وباكستان، وفي مقاطعة "ننجرهار" بإقليم "خراسان" شرق أفغانستان، ويتسم هذا الفرع بالتماسك التنظيمي والانتشار الجغرافي وتعدد مصادر التمويل وتتابع عملياته الإرهابية مما جعله قادراً على تقاسم النفوذ مع حركة طالبان)6.)

استهدف التنظيم بإعانه ولاية خراسان استغال الانقسامات في صفوف حركة طالبان، وتعد هذه الولاية أحد أخطر وأنشط فروع "داعش"، وقد يكون المقر الجديد لمركز داعش، لتماسكه التنظيمي، وإحكام قبضته على المناطق التي يسيطر عليها، واحترافية مقاتليه، وانتشارهم الجغرافي، وتعدد مصادر التمويل.

3- جماعات شمال أفريقيا: أدى انحسار تنظيم "داعش" في سوريا والعراق إلى تكثيف انتشار عناصره في ليبيا، وعقب طرد مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر 2016، أعادوا تنظيم صفوفهم في الوديان الصحراوية في جنوب ليبيا واستغلوا ضعف مراقبة الحدود مع دول الجوار الأفريقي واستقطبوا بعض العناصر من إقليم دارفور، وتشاد، والنيجر، وقام التنظيم بتشكيل عدة خايا في طرابلس وبنغازي)7(، كما توجد بعض خايا التنظيم محدودة العدد في شبه جزيرة سيناء تحت مُسمى "ولاية سيناء" وباتت تتعرض في الآونة الأخيرة لماحقة جماعات تابعة للقاعدة مثل جماعة "جند الإسام" في سيناء التي أعلنت في تسجيل صوتي في نوفمبر 2017 البدء في استهداف وماحقة عناصر "ولاية سيناء" التابعين ل"داعش")8.)

4- تنظيمات أفريقيا جنوب الصحراء: تعد جماعة بوكو حرام في نيجيريا من أكبر التنظيمات التابعة ل"داعش" في غرب أفريقيا، وتتكون من حوالي 6000 مقاتل من بينهم عناصر من النيجر وتشاد، وتمكنت الجماعة من استغال الطبيعة الجغرافية لنيجيريا لبناء معاقل حصينة، معتمدة على مجموعات صغيرة خفيفة الحركة، ومصادر متنوعة للساح، كما استفادت من تفكك وضعف الجيش النيجيري والهشاشة الحدودية والاحتقان الطائفي في نيجيريا)9.)

أما الجماعات التابعة ل"داعش" المنشقة عن حركة شباب المجاهدين الموالية للقاعدة في الصومال مثل فصيل "عبدالقادر مؤمن" فلم تتمكن من السيطرة على ميناء قندلة الذي كانت تعتبره الجماعة منفذاً إلى البحر لتمدد نشاط التنظيم بجنوب اليمن، ولذلك تراجعت قوة هذه الجماعات مقارنة بحركة شباب المجاهدين التي لاتزال تسيطر على مناطق في جنوب ووسط الصومال)10.)

ثانياً: التحولت في هيكل تنظيم «داع�ض»

يواجه تنظيم "داعش" عدة تحولات ضاغطة على مركز التنظيم وفروعه الرئيسية، وشملت هذه التحولات التغير في بنية التنظيم وعاقة المركز بالأطراف وتدفقات التمويل والمقاتلين وخريطة الحواضن الآمنة، وتمثلت أهم هذه التحولات فيما يلي:

1- تفكك مركز التنظيم: تعرضت بنية التنظيم المركزية في سوريا والعراق للتفكيك عقب تقهقره ميدانياً في الموصل وتلعفر في العراق وانسحاب عناصره من الرقة في سوريا، وهو ما أدى لتحول الجماعات والخايا التابعة للتنظيم إلى نموذج حرب العصابات وتنفيذ عمليات إرهابية خاطفة وتجنب خوض معارك ميدانية نظامية، ومن ثم تداعت صورة التنظيم وتأثرت بشدة قدرته على استقطاب عناصر جديدة لصفوفة)11.)

2- تزايد الانشقاقات الداخلية: يواجه تنظيم "داعش" حالة من الانقسام بين القيادات بسبب الاتهامات المتبادلة بالمسؤولية عن إخفاق التنظيم في الاحتفاظ بمناطق تمركزه في الموصل، وتزايدت حدة الانقسامات عقب تعرض التنظيم للهزيمة في تلعفر بالعراق، وامتدت الانقسامات إلى أعلى مؤسسات التنظيم كاللجنة المفوضة وديوان الجند والإعام)12.)

وأدى ذلك لصعود التيارات الفرعية المنشقة عن التنظيم ومن بينها "تيار الحازميون" الذي يتبني فكراً متشدداً يقوم على رؤية مفادها أن "الأصل في الناس الكفر، وأن كل من أتى كفراً فهو كافر، ولا عذر بجهل ولا تأويل")13(، حتى أن قادته يكفرون قيادات وعناصر تنظيمي "داعش" و"القاعدة" وهو ما دفع قيادات "داعش" لتصفية عناصر التيارات المنشقة في سوريا والعراق وماحقتهم بهدف استعادة تماسك التنظيم) )14

3- تراجع جاذبية النموذج: كان هدف تنظيم "داعش" دوماً صناعة صورة مختلفة تماماً عن التنظيمات الإرهابية الأخرى اعتماداً على "يتوبيا الخافة" وجاذبية شعارات إعادة إحياء

أدت هزيمة التنظيم وتقهقره لتقويض شرعية أبوبكر البغدادي التي قامت على قوة المركز وتمدد التنظيم وهيمنته على معاقله الرئيسية، وهو ما قد يؤدي لتفجر صراعات بين الفروع حول قيادة التنظيم، ويحتمل أن تعتبر بعض قيادات الفروع القوية ل"داعش" أنها أجدر بقيادة التنظيم، وسيؤدي ذلك للصراع فيما بين التنظيمات المحلية لتصبح المركز الجديد لداعش.

"الدولة"، إلا أن نموذج التنظيم قد تصدع بصورة كبيرة عقب الهزائم التي تلقاها في سوريا والعراق، وأثر تداول صور هروب عناصر "داعش" ومقاطع فيديو القبض على كوادرهم واستسامهم على معنويات المتعاطفين مع التنظيم كما قضت على أساطير "الانتصار" و"البقاء والتمدد" التي طالما اتخذها "داعش" شعارات له ضمن حمات الدعاية الإعامية)15.)

4- ضعف التدفقات المالية: اعتمد تنظيم "داعش" على عدة موارد مالية في صدارتها تحصيل الضرائب، واستغال الموارد الطبيعية، ونهب الممتلكات، وتهريب النفط والآثار والبضائع، وهو ما جعل التنظيم أقل اعتماداً على مصادر التمويل الخارجية في فترات قوته، ولذلك أدى تفكك بنية التنظيم المركزية إلى تراجع موارده المالية وهو ما دفع التنظيم للبحث عن بدائل متعددة من بينها تنفيذ مشروعات اقتصادية عبر أطراف ثالثة)(16 وفرض ضرائب على مهربي المخدرات في ليبيا والعراق وسوريا، كما كشفت بعض التقارير أن خايا التنظيم في أوروبا قد قامت بالإتجار في المخدرات لتأمين الموارد المالية الازمة لاستمرار العمليات الإرهابية)17.)

5- الصعود المُحتمل للقاعدة: ترتب على تقهقر "داعش" توقع بعض التحليات أن تنظيم القاعدة سوف يتمكن من انتزاع صدارة التنظيمات الإرهابية عالمياً، ويرجع هذا الاستنتاج إلى تمتع التنظيم بالمرونة والقدرة على التكيف والاستمرار­ية واستناده لأسس عقائدية أدت لاستقرار عاقته بالخايا والتنظيمات الموالية له) 18 .)

وشهدت الجماعات التابعة للتنظيم صعوداً ملحوظاً، ففي مارس 2017 شهدت منطقة غرب أفريقيا تشكيل اتحاد للتنظيمات التابعة للقاعدة يُسمي "جماعة نصرة الإسام والمسلمين"، وتضمن الاتحاد كاً من "جماعة أنصار الدين" بقيادة "أياد أغ غالي" و"المرابطون" بقيادة الجزائري "مختار بلمختار" و"إمارة منطقة الصحراء" التابعة لتنظيم القاعدة في باد المغرب الإسامي، و"كتائب ماسينا" التي يقودها "بول امادو كوفا" في وسط مالي)19.)

وتمكن تنظيم القاعدة من توسيع قاعدة التنظيمات الموالية له في ليبيا ومالي وموريتانيا واليمن، واستفاد التنظيم من الدواعش العائدين في المغرب وتونس، كما منح التنظيم مرونة للفروع في تحديد عاقاتها مع المركز فقامت جماعة أنصار الشريعة الليبية بإعان حل ذاتها في مايو 2017، وأعلنت جبهة النصرة فك الارتباط التنظيمي مع القاعدة وغيرت مسماها إلى "هيئة تحرير الشام")20.)

وفي المقابل يواجه تنظيم القاعدة تحديات متعددة من بينها فقدان القيادة الكاريزمية القادرة على اجتذاب ولاء الخايا والجماعات المحلية، وضعف العاقة بين مركز التنظيم وأطرافه التي انتزعت المبادرة بعد اقتصار دور قيادات التنظيم على التوجيه الفكري والعقائدي

ثالثاً: الم�سارات المُحتملة لفروع «داع�ض»

فرضت التحولات في بنية تنظيم "داعش" عقب سقوط مركز التنظيم وانحساره عدة مسارات على فروع التنظيم لاستيعاب تداعيات التغير في عاقة المركز بالأطراف والتكيف مع الواقع الجديد الذي فرضه تصدع المركز)(21 وتتمثل أهمها فيما يلي:

1- تفجر صراعات القيادة: أدت هزيمة التنظيم وتقهقره لتقويض شرعية أبوبكر البغدادي التي قامت على قوة المركز وتمدد التنظيم وهيمنته على معاقله الرئيسية، وهو ما سيؤدي لتفجر صراعات بين الفروع على قيادة التنظيم وقد تعتبر بعض قيادات الفروع القوية ل"داعش" أنها أجدر بقيادة التنظيم، وسيؤدي ذلك للصراع فيما بين التنظيمات المحلية لتصبح المركز الجديد للتنظيم وهو ما سيزيد من تفكك "داعش" وسيؤدي لإضعاف عاقة المركز بالأطراف وقد تتجه بعض الفروع لسحب بيعتها للبغدادي و"داعش" وتفضيل الاستقال عن التنظيم)22.)

2- التقارب مع القاعدة: قد تستغل بعض فروع "داعش" التقارب العقائدي والفكري مع تنظيم القاعدة وهو ما أدركته بعض قيادات القاعدة، حيث أعلن أبو محمد المقدسي وهو أحد المرجعيات الفكرية للقاعدة في مارس 2016 تحفظه على قتال "داعش" من جانب التحالف الدولي، وعدل موقفه من وصف الدواعش بالخوارج، وأصدر فتوى بتحريم الاستعانة بغير المسلمين في حربهم، وهي محاولة لاختراق الفكري الناعم لتنظيم "داعش" الفقير مرجعياً ونظرياً)23.)

يُحتمل أن يتجه مركز التنظيم للتكيف مع الواقع الجديد وتجاوز الخسائر التي تعرض لها والبقاء من دون السيطرة على أي أراض استعداداً لمرحلة لاحقة يستعيد فيها قوته وتمدده من جديد، وسيتجنب "داعش" الاشتباك المباشر مع القوات الأمنية والعسكرية للحفاظ على ما تبقى من قياداته وكوادره فيما يمكن وصفه بمرحلة انسحاب مؤقت لاستيعاب الضربات الموجهة للتنظيم.

ويرتبط الموالون ل"داعش" والقاعدة بعاقات شخصية وتنظيمية معقدة خاصةً خارج سوريا والعراق حيث تعتمد الجماعات من الجانبين على مصادر التمويل والتجنيد نفسها ولديهم محفزات للتقارب للحفاظ على بقائهم في مواجهة خصومهم، كما أن اختفاء بعض فروع "داعش" الأكثر ضعفاً والأقل تموياً مثل "داعش" في الصومال قد يدفع التابعين لها لانضمام للقاعدة))24

3- إعادة تموضع المركز: من المُحتمل أن يتجه مركز التنظيم للتكيف مع الواقع الجديد وتجاوز الخسائر التي تعرض لها والبقاء دون السيطرة على أي أراض استعداداً لمرحلة لاحقة يستعيد فيها قوته وتمدده من جديد، وترجح بعض التحليات أن يحافظ التنظيم على بقائه في المناطق الحدودية بالعراق بعيداً عن قبضة المؤسسات الأمنية، خاصة أن النخبة القيادية بالتنظيم عراقية، كما أن السياقات الحاضنة للتنظيم لم تتغير بصورة كبيرة، وسيتجنب "داعش" الاشتباك المباشر مع القوات الأمنية والعسكرية للحفاظ على ما تبقى من قياداته وكوادره فيما يمكن وصفه بمرحلة انسحاب مؤقت لاستيعاب الضربات الموجهة للتنظيم)25.) 4- تصعيد العمليات الإرهابية: ستسعى فروع التنظيم لإثبات وجودها وجدارتها من خال تكثيف عملياتها الإرهابية، خاصة الهجمات الفردية في الدول الغربية)26(، ويسعى التنظيم من خال هذه الهجمات لرفع معنويات اتباعه وتعزيز قدرته على التجنيد وترميم التصدعات في صفوفه)27.)

وسيتبع التنظيم في مناطق الصراعات وبؤر التوترات الإقليمية في سوريا والعراق وليبيا وأفغانستان تكتيكات حروب العصابات التي تقوم على الاستفادة من المقاتلين المحليين الذين لديهم معرفة جيدة بالأرض، وقدرتهم على التخفي داخل التركيبة السكانية التي ينشطون فيها، واستفادتهم من شبكة العاقات القبلية والعائلية)28.)

ختاماً، من المُستبعد أن يؤدي انحسار "داعش" في سوريا والعراق إلى انهياره بصورة كاملة، فالتنظيمات والجماعات المحلية للتنظيم سوف تتكفل بالحفاظ على بقائه عبر تكتيكات حروب العصابات والاستنزاف والتحالفات مع التنظيمات والجماعات الأخرى، إلا أن تصاعد قوة الفروع قد يؤدي لتفجر الصراعات على القيادة والانشقاقا­ت التنظيمية والتقارب مع تنظيم القاعدة مما يضعف فرص استعادة مركز التنظيم للزخم والهيمنة التي حظي بها خال مراحل صعوده في سوريا والعراق.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates