Trending Events

تحولات طهران:

التداعيات الداخلية والخارجية للاحتجاجات في إيران..

- أبوظبي، 18 يناير 2018

نظم "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة"، حلقة نقاشية تحت عنوان: "ما بعد احتجاجات إيران.. التداعيات الداخلية والخارجية المُحتملة"، والتي قدم ورقة العمل الرئيسية فيها، الأستاذ محمد عباس ناجي، رئيس تحرير مجلة "مختارات إيرانية" بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتي­جية.

وركزت حلقة النقاش على توضيح آليات تعامل النظام الإيراني مع الاحتجاجات التي شهدتها الباد في شهري ديسمبر 2017 ويناير 2018، وأبرز دلالات هذه الاحتجاجات، وتداعياتها المحتملة سواء على الداخل الإيراني أو سياسية طهران الخارجية، وتحديداً في الإقليم.

اأولً: تعامل النظام مع الحتجاجات

استطاع النظام الحاكم في إيران التعامل مع الاحتجاجات الأخيرة من خال آليات مرنة نسبياً مقارنةً بأحداث سابقة، خاصةً أنه استوعب دروس مظاهرات عام 2009؛ حيث انتهج العديد من الخطوات، ومن أبرزها الآتي: 1- فرض قيود على تدخل الحرس الثوري، والاعتماد في التعامل مع المتظاهرين، بدلاً من ذلك، على قوات الأمن و"الباسيج". 2- اتخاذ إجراءات اقتصادية عاجلة لاستيعاب بعض مطالب المحتجين. 3- التمكن من إغلاق أبرز شبكات التواصل الاجتماعي التي اعتمد عليها المحتجون، وتحديداً "تليجرام"، حيث اتفق النظام مع الشركة التي تدير هذا الموقع، وهي شركة روسية، أن يكون لها مكتب داخل إيران يُحوَّل بيانات المتعاملين مع الموقع إلى طهران، وهو ما مكَّن السلطات من الاطاع على بيانات الناشطين الذين يقومون بتنظيم الاحتجاجات.

وأوضح "ناجي" أن النظام الإيراني انتهج هذه الآليات المرنة نسبياً، نظراً للتخوف من تكرار أزمة 2009 التي أثرت على شرعيته بشكل قوي، ولأن الاحتجاجات لم يكن هدفها الأول سياسي هذه المرة، بل هي احتجاجات ذات طبيعة مطلبية اقتصادياً واجتماعياً ارتبطت باستنزاف الأموال في الخارج، ويُدرك النظام أن استخدام الأداة الأمنية فقط لفض الاحتجاجات قد يُشعلها بشكل ينقلها إلى مستوى أعلى.

من جانب آخر، اعتمد النظام الإيراني على هذه السياسات لتزايد اهتمام المجتمع الدولي، خاصةً الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والمنظمات الحقوقية، بانتهاكات حقوق الإنسان المتكررة في إيران، لاسيما مع فرض عقوبات أمريكية يوم 12 يناير 2018، شملت 14 كياناً وشخصاً، وُجهت ضد بعضهم اتهامات بارتكاب انتهاكات في هذا الشأن، ومن بينهم رئيس السلطة القضائية "صادق لاريجاني"، أحد صقور تيار المحافظين الأصوليين، وشقيق "علي لاريجاني" رئيس مجلس الشورى، وأحد المرشحين لخافة المرشد "علي خامنئي".

ثانياً: دللت الحتجاجات

أكد "ناجي" أن الاحتجاجات الأخيرة في إيران كشفت عن بعض الدلالات المهمة، أبرزها ما يلي: 1- سقوط التابوهات: كان لافتاً في هذه الاحتجاجات التشكيك في شرعية النظام وقدسية المرشد الأعلى، الدينية والسياسية، بعد الهتاف بسقوطه وحرق صوره في العاصمة والمحافظات المختلفة، بشكل لم تعتد عليه إيران في المراحل الماضية. كما أن الاحتجاجات انطلقت من المناطق الريفية البعيدة عن العاصمة طهران، وقادها محتجون من الطبقة الدنيا بسبب ارتفاع أسعار السلع الغذائية ورفع الدعم جزئياً عن الوقود وغيرها؛ وبالتالي لم تقتصر على التنديد بسياسات النظام في الداخل والخارج، ولكن طالبت أيضاً بإنهاء تركز الثروة في نخبة رجال الدين الذين ينتمون للطبقتين الوسطى والعليا في المجتمع؛ في انعكاس مباشرٍ لبروز ظاهرة ما يعرف ب Ayadollar"" بدلاً من Ayatollah"،" والتي تعبر على النفوذ الذي يمتلكه رجال الدين، والفساد المستشري داخل مؤسسات الدولة. 2- تباين موقف القوميات: شارك الأكراد والعرب في الاحتجاجات،

ولكن عزف عنها "الآذريون"، وكذلك لم تتدخل الجماعات البلوشية والكردية المُسلحة لاختاف مطالب المحتجين عن مطالبهم، وأيضاً بسبب ادعاءات النظام الإيراني بأنه قد جرى التخطيط لاحتجاجات في شمال العراق؛ ما يعني تعرضهم لضربات أمنية أخرى من النظام، رغم عدم ثبوت صحة ادعاءات النظام. 3- تراجع دور المعارضة المسلحة في الخارج: إذ لُوحظ ضعف تأثير حركة "مجاهدي خلق"، وفشل المعارضة في إقناع القوى الدولية بتغيير سياستها تجاه نظام الحكم في إيران، بل وكبر سن زعامات المعارضة بما يقلص من دورهم في أي عملية تغيير سياسي قد تحدث.

ثالثاً: تحولت داخلية مُتملة

أشار الحضور في حلقة النقاش إلى أن هذه الاحتجاجات تترك العديد من التداعيات الداخلية المُحتملة داخل إيران، ومنها ما يلي: -1 ضغوط قوية على الرئيس الإيراني "حسن روحاني"، وذلك من جبهات عديدة، أبرزها المرشد الأعلى للجمهورية الإسامية علي خامنئي، والحرس الثوري، وتيار المحافظين الأصوليين والمحافظين التقليديين، وكذلك من أنصاره كما برز في "حملة نادمون"، بل وأيضاً من تيار المعتدلين، خاصة من الإصاحيين المؤمنين بولاية الفقيه. 2- تنافس بين "روحاني" و"الحرس الثوري"، إذ يمكن القول إن دور "الحرس الثوري" أصبح أمام اختبارات صعبة؛ فالحكومة قد تستغل هذه الاحتجاجات للدعوة من أجل تقليص دور "الحرس" في الاقتصاد، بينما سوف يعمل "الحرس" على استغال الأحداث لصالحه وتعزيز دوره بشكل أكبر، لاسيما وأنه قد ثبتت فاعلية تدخله المتأخر للقضاء على الاحتجاجات. 3- حدوث فرزٍ جديدٍ داخل تيار المحافظين ذاته، إذ تعزز هذه الاحتجاجات من فرضية حدوث مثل هذا الفرز، ومن أبرز مظاهره: انزواء تيار الرئيس السابق "أحمدي نجاد"، وصعود معسكر "الصقور" في التيار استعداداً لانتخابات الرئاسية القادمة المقرة في عام 2021، وتزايد أدوار بعض رموز هذا التيار خصوصاً "صادق لاريجاني"، وتعرض دور الجيل الأكبر سناً من رموز المحافظين الأصوليين لانحسار تدريجياً، خاصةً أن "هاشمي شاهرودي" يعاني مشكات صحية متوالية، و"أحمد جنتي" متقدم جداً في السن، عاوة على نشوب صراع بين الجيل الأصغر داخل التيار، من أمثال "إبراهيم رئيسي" و"صادق لاريجاني" و"مجتبي خامنئي" و"حسن روحاني". -4 استقطاب جديد داخل تيار الإصلاحيين، فثمة تجاذبات قد تحدث داخل هذا التيار، حيث يبحث "الإصاحيون" عن قائد جديد للتيار، حتى وإن تمسكوا خال أزمة المظاهرات بالرئيس "حسن روحاني"، والذي قد يتجه لإحداث تغييرات في تشكيلته الحكومية بعد هدوء الاحتجاجات تماماً، في ظل توسع نشاط ودور "حملة نادمون" ضده.

من جانب آخر، فإن النظام الحاكم قد يُعيد التفكير في سياسته الراهنة إزاء الإصاحيين، وذلك بعد موقفهم الداعم للنظام خال الاحتجاجات، وهو ما برز في موقف الرئيس السابق "محمد خاتمي" الداعم للحكومة، وعزوف الإصاحيين عن المشاركة في الاحتجاجات، وانتقادهم التصريحات الصادرة عن واشنطن حول الاحتجاجات؛ وهذا قد يقود إلى إمكانية فتح ملف الإقامة الجبرية بحق كلٍ من القيادين الإصاحيين "حسين موسوي" و"مهدي كروبي".

رابعاً: ل تغييرات في ال�سيا�سة الخارجية

تطرق "ناجي" إلى مدى تأثير الاحتجاجات في إيران على سياسة طهران الخارجية، لافتاً إلى أنه على الرغم من بروز مطالب للمُحتجين بتوجيه الأموال التي تنفق على تمويل حلفاء إيران ووكائها في الخارج، كما برز في رفع شعارات مثل "لا غزة ولا لبنان روحي فداء إيران.. واتركوا سوريا وركزوا معنا"؛ إلا أنه ليس من الوارد إقدام النظام على تجميد جزءٍ كبيرٍ من هذا الدعم، في الوقت الراهن.

ولا يمكن استبعاد أن يُمعن النظام الإيراني في تدخاته الخارجية بشكل أكبر، كردٍ على الاتهامات التي وجهها بعض مسؤوليه وأنصاره إلى عدد من القوى الإقليمية والدولية، بالعمل على تأجيج الاحتجاجات ودعم فرص تطويرها إلى درجة الثورة في وجه النظام، خاصةً مع دعوة الولايات المتحدة مجلس الأمن الدولي إلى الانعقاد للنقاش حول ملف الاحتجاجات الداخلية الإيرانية.

على أية حال، فإن مطالبة المتظاهرين بوقف دعم النظام لحلفائه في الخارج، قد أثارت جدلاً داخلياً حول مصادر هذا الدعم، إذ روَّج بعض أنصار النظام بأن قسماً كبيراً من هذا الدعم لا يرتبط بالموازنة العامة مباشرة، أو لا يخص أموال الإيرانيين، وإنما تكمن مصادره في أموال الزكاة والخُمس التي يتم الحصول عليها من قِبل مراجع دينية وبعض المؤسسات الدينية التي تخدم أهداف النظام في الخارج على الرغم من أنها لا ترتبط به بشكل رسمي، ولكن بعض المعارضين أكدوا على أن هذه الادعاءات ليست صحيحة، لأن قسماً كبيراً من مصادر تمويل أنشطة تلك المنظمات يعود إلى الميزانية. فعلى سبيل المثال، تم تخصيص 220 مليون دولار في ميزانية عام 2018 للمنظمات الدينية، والتي تُمارس جميعها أدواراً خارجية.

في ختام حلقة النقاش، خلص المشاركون إلى أن الاحتجاجات التي شهدتها إيران مؤخراً أكدت أن هناك خلاً مزمناً يواجه الشرعية السياسية والدينية للنظام الحاكم منذ عام 1979، ففي كل عقدٍ يواجه هذا النظام أزمة كبيرة يتعامل معها عبر سياسة "القوة والتسكين"، كما حدث في عام 2009 فيما عُرِف باسم "الثورة الخضراء"، ولكن الاحتجاجات الأخيرة سوف تترك عدة دلالات وتداعيات مهمة بالنسبة للنظام الإيراني، يمكن القول إنها سوف تكون مختلفة نسبياً عن سابقيها.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates