Trending Events

"فاجنر" نموذجاً:

التوظيف الروسي للشركات العسكرية الخاصة في دعم الحلفاء

- جوليا ترويتسكايا

بعد الإعلان رسمياً في مطلع ديسمبر 2017، عن انتهاء العملية العسكرية الروسية ضد "داعش" في سوريا، تجدد الجدل في الأوساط الروسية حول الشركات العسكرية الخاصة، لاسيما مصير المقاتلين الروس، العاملين في شركة عسكرية روسية خاصة تُعرف باسم "فاجنر"، والذين شاركوا إلى جانب قوات النظام السوري في المعارك ضد فصائل المعارضة المسلحة، وضد التنظيمات الإرهابية، وبصورة خاصة في مناطق الحقول النفطية في تدمر ودير الزور.

ولم يقتصر الحديث عن دور الشركة المذكورة في سوريا وحدها، بل امتدت الإشارة إلى دورها في ساحات صراعية أخرى مثل أوكرانيا. وفي حين تؤكد هذه التقارير ارتباط هذه الشركة العسكرية الخاصة بمؤسسات عسكرية وأمنية رسمية، فإن وزارة الدفاع الروسية تنكر دوماً علمها بمقاتلي الشركة أو ارتباطها بهم، وذلك على الرغم من استمرار المحاولات الروسية لإجراء تعديات على قانون الخدمة العسكرية، وإصدار قانون لتنظيم عمل الشركات العسكرية الخاصة.

وسوف يتم إلقاء الضوء على أبعاد التوظيف الروسي للشركات العسكرية الخاصة، والأسباب التي دفعت روسيا لاعتماد عليهم، بالإضافة إلى الإشارة إلى الجهود التشريعية المبذولة لتقنين أوضاعهم، وأخيراً، توضيح موقف المؤسسة العسكرية والروسية الرسمية منها.

اأولً: دور ال�سركات الع�سكرية الخا�سة

يشير عدد كبير من التقارير الإعامية إلى مشاركة شركات عسكرية روسية خاصة، في الصراعين الأوكراني والسوري. ويدور الحديث بصورة خاصة عن شركة عسكرية تحمل اسم "فاجنر". وهذا الاسم هو اسم الشهرة لشخص اسمه "دميتري أوتكين"، وأشارت صحيفة "آر بي كا" الروسية إلى أنه خدم في "فرق البحث والإنقاذ" التابعة ل "جهاز الاستخبارا­ت الخارجية الروسي"، بينما أشارت صحف أخرى إلى أنه ضابط رفيع في القوات الخاصة التابعة لجهاز الاستخبارا­ت ذاته، وهو واحد من أكثر المؤسسات الأمنية الروسية سرية، ويتهم بالتجسس وتنفيذ "العمليات السرية" الحساسة والخطيرة.

ووفق تقارير صحفية، انضم دميتري أوتكين إلى صفوف شركة عسكرية روسية خاصة اسمها "الفرقة السافية"، وهي شركة مسجلة رسمياً في هونج كونج، وقد عملت في سوريا لأول مرة عام 2013. وحينها شارك المقاتلون المرتزقة من "الفرقة السافية" في معارك قرب السخنة في محافظة حمص، وأصيب عدد منهم بجراح، فقرروا العودة إلى روسيا. وقامت طائرتان بنقلهم إلى موسكو، حيث اعتقلتهم الاستخبارا­ت الروسية، وحكمت المحكمة عليهم بالسجن 3 سنوات، وبهذا انتهت مسيرة "الفرقة") .)

وبعد نحو عامين، وتحديداً في أكتوبر عام 2015 ظهر اسم "مجموعة فاجنر" التي يقال إن مؤسسها وقائدها هو "دميتري أوتكين" كذلك. ويمكن حصر الأدوار التي لعبتها هذه الشركة، وغيرها من الشركات العسكرية الخاصة في التالي: 1- المشاركة في العمليات القتالية: فقد أشارت تقارير إعامية إلى أن المجموعة التي تضم في صفوفها الجزء الأكبر من العناصر السابقة في "الفرقة السافية" شاركت في الصراع

الأوكراني منذ عام 2014، لمساندة الميليشيات المحلية في جنوب شرق أوكرانيا في مواجهة الحكومة الأوكرانية.

ومن جهة ثانية، شاركت "مجموعة فاجنر" كقوة عسكرية في القتال في سوريا إلى جانب القوات الحكومية منذ خريف 2015، وذلك قبل الإعان رسمياً عن التدخل العسكري الروسي. وذكرت صحيفة "آر بي كا" نقاً عن مصادر مطلعة وضباط من وزارة الدفاع الروسية ومن الاستخبارا­ت أن وحدات "فاجنر" أقامت معسكرين أحدهما في حلب، والآخر في الاذقية، ويوجد فيهما نحو 2500 عسكري روسي من الذين خدموا سابقاً في الوحدات الخاصة التابعة لأجهزة الاستخبارا­ت والداخلية والدفاع. وتصر وزارة الدفاع الروسية على إنكار عاقتها بأي شركات عسكرية خاصة تقاتل في سوريا) 2 .) 2- تقديم الدعم للحلفاء: فقد تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي مؤخراً مقطع فيديو، يظهر مجموعة جنود سودانيين يتدربون، ويتلقون تعليمات على يد مدربين من شركة فاجنر. كما أشار تقرير لرويترز إلى قيام شركة عسكرية خاصة تدعى "مجموعة آر إس بي" RSB-group() بالتعاقد مع الجنرال خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، والذي يسيطر على شرق ليبيا، وذلك لإزالة الألغام الأرضية من منشأة صناعية في بنغازي)3.)

ثانياً: دوافع العتماد على «فاجنر»

وجدت روسيا نفسها خال السنوات الأخيرة متورطة في عدة صراعات مسلحة، لاسيما في أوكرانيا منذ عام 2014، وفي سوريا منذ سبتمبر 2015. وفي كا الحالتين كان تحقيق أهداف السياسة الخارجية الروسية يتطلب بالضرورة تدخل قوات برية، وعلى الرغم من تردد القيادات الروسية، فإنها يبدو أنها اضطرت في النهاية إلى الاعتماد على الشركات العسكرية الخاصة، وهو ما يمكن إرجاعه إلى العوامل التالية: 1- تجنب العقوبات الدولية: فقد حرصت موسكو على تجنب أي تدخل عسكري مباشر لها في النزاع الدائر في جنوب شرق أوكرانيا بين القوات الحكومية، والميليشيا­ت المحلية في لوغانسك ودونيتسك المدعومة من روسيا، إذ إن مثل هذا التدخل العسكري كان سيزيد من حجم الإدانات والعقوبات الدولية المفروضة على موسكو. 2- الحد من الخسائر البشرية: إذ يخشى الكرملين من تكرار سيناريو "أفغانستان"، حين تدخل الاتحاد السوفييتي عسكرياً في أفغانستان لدعم الحكومة الموالية لاتحاد السوفييتي، على مدار عقد كامل من عام 1979، وحتى عام 1989، من دون أن ينجح في تحقيق أهدافه، وبعد أن تكبد خسائر فادحة. ونظراً لهذه الذاكرة السلبية، فإن التدخل الروسي في سوريا أثار هواجس من إمكانية تكرار السيناريو الأفغاني، خاصة أن الرأي العام الروسي مازال يتذكر جيداً الخسائر البشرية المؤلمة التي تكبدتها القوات السوفييتية حين دخلت أفغانستان.

وقد مثلت الشركات العسكرية الخاصة مخرجاً مناسباً من هذا الوضع، إذ يمكن الاعتماد عليها في تشكيل قوة برية، تقاتل بالتنسيق مع الجهات الرسمية، لكن في الوقت ذاته تعفي الدولة من الضغط الذي قد يشكله الرأي العام المحلي في حال ارتفعت الخسائر البشرية في صفوف تلك القوات، ذلك أن الخسائر البشرية لن تتكبدها القوات النظامية، بل من المتعاقدين طوعاً مع شركات خاصة للقتال ينتمون لدول أخرى، وليس روسيا بالضرورة، كما أن قتلى هذه الشركات لا تظهر أسماؤهم ضمن أعداد الضحايا التي تعلن عنها وزارة الدفاع الروسية بصورة رسمية)4(. وتشير بعض المصادر غير الرسمية إلى أن حوالي 500 – 600 من المتعاقدين مع شركة واجنر قد قتلوا في سوريا خال الفترة الممتدة من عام 2015، وحتى أغسطس 5( 2016.) 3- محاكاة الدول الغربية: والتي اعتمدت على نشر قوات تتبع شركات عسكرية خاصة في مناطق صراعية، كما في إرسال قوات خاصة غربية إلى ليبيا، إبان الحرب الأهلية هناك في عام 2011، لدعم قوات المعارضة المسلحة في مواجهة قوات القذافي)(6 على الرغم من عدم تفويض مجلس الأمن بذلك.

ثالثاً: الجهود الت�سريعية المبذولة

بخاف الدول الغربية، تحظر القوانين الروسية رسمياً التعاون مع الشركات العسكرية الخاصة، إذ تنص على أن "الجنود" يعملون لصالح الدولة فقط. ويعاقب القانون الجنائي الروسي من يعمل في "شركات تجنيد مرتزقة"، إذ تنص المادة 359 من القانون الجنائي الروسي على معاقبة من يقوم ب "المشاركة في نزاع مسلح على أراضي دولة أجنبية" بالسجن لمدة سبع سنوات. أما تجنيد المرتزقة وتمويلهم وتدريبهم بغرض "استخدامهم في نزاع مسلح أو عمل عسكري ما"، فهي جرائم يعاقب القانون الروسي مرتكبيها بالسجن حتى 15 عاماً)7(. ولا توجد حتى اليوم قوانين أخرى في روسيا تنظم عمل الشركات العسكرية الخاصة.

وقد جرت محاولات لتقنين وضعها بدءاً من أبريل 2012، حينما أيد فاديمير بوتين، رئيس الوزراء آنذاك، في خطاب أمام الدوما، فكرة تنظيم مثل هذه القوات. وقد دفع الموقف الإيجابي لبوتين منها بعض أعضاء مجلس الدوما إلى اقتراح قيام لجنة برلمانية بدراسة الأبعاد القانونية المرتبطة بتنظيم عملها، وقد تم تقديم مشروع قانون بالفعل إلى المجلس بنهاية عام 2012، غير أن الدوما لم يصدر أي قانون في هذا الشأن)8 .)

وجرت محاولة أخرى لتقنين هذه الشركات في أواخر 2014، وذلك حين تقدم النائب "جينادي نوسوفكو" المنتمي لحزب "روسيا العادلة" بمشروع قانون يؤسس لتقنين الشركات العسكرية الخاصة، لكن "مجلس الأمن الروسي"

يرجع الردد الروسي في تقنين أوضاع هذه الشركات إلى انقسام الأوساط الأمنية والعسكرية بين مؤيد ومعارض لعملها في روسيا، ففي حين أن الفريق "إيغر كوروبوف" مدير دائرة الاستطلاع الرئيسية في الأركان الروسية يؤيد استخدام مثل هذه الشركات الخاصة، فإن الجنرال "نيكولاي بانكوف"، نائب وزير الدفاع الروسي، يعارض منح الصفة القانونية لعمل تلك الشركات.

رفض القانون، كما جاء الرفض من داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية، والتي خشيت من فقدان احتكارها للقوة المسلحة)9.) وتجدد النقاش مرة ثالثة بالتزامن مع نشر القوات الروسية في سوريا في سبتمبر عام 2015، غير أن أياً من هذه الجهود لم يكتب لها النجاح.

وفي المقابل شرعت موسكو في تعديل قانون "الخدمة الإلزامية والخدمة العسكرية" بدءاً منذ أغسطس من العام ذاته، حيث جرى بحث تعديات تسمح بتوقيع عقود "قصيرة الأجل" مع متطوعين من خارج القوات المسلحة الروسية. وتسمح تلك التعديات بالعمل في صفوف القوات الروسية على أساس "التعاقد"، لكن لفترة زمنية قصيرة تتراوح بين ستة أشهر وعام، بعدما كان القانون في السابق ينص على التعاقد لفترات زمنية طويلة.

وفي حين أن بعض المراقبين رأوا أن هذا التعديل يرمي إلى تشجيع المتطوعين على المشاركة في العمليات القتالية خارج الأراضي الروسية، من دون أن يكونوا ملزمين بالبقاء في الجيش لفترات طويلة، فإن آخرين نظروا إلى التعديل باعتباره تمهيداً للتعاقد بين الجيش وشركات عسكرية خاصة، وإصباغ الصفة القانونية على عملها، غير أن التفسير الثاني يصطدم بحقيقة أنه منذ إدخال مجلس الدوما التعديات المذكورة على قانون "الخدمة العسكرية" في 14 ديسمبر عام 2016، فإنه لم يتم منذ ذلك الحين توقيع أي عقد بين الجيش ومقاتلين من "فاجنر" أو أي شركة عسكرية خاصة.

رابعاً: موقف الموؤ�س�سات الع�سكرية والأمنية

تمثل موقف المؤسسات العسكرية والأمنية الرسمية الروسية في حرصها على النأي بالنفس عن نشاط شركة فاجنر، وتجاهلت التعقيب على التقارير الإعامية التي تشير إلى هذه الشركة وعاقاتها بالقوات المسلحة الروسية، كما أنها لم تسع إلى فتح تحقيق حول أنشطتها.

ويرجع التردد الروسي في تقنين أوضاع هذه الشركات إلى انقسام الأوساط الأمنية والعسكرية بين مؤيد ومعارض لعملها في روسيا، ففي حين أن الفريق "إيغر كوروبوف" مدير دائرة الاستطاع الرئيسية في الأركان الروسية يؤيد استخدام مثل هذه الشركات الخاصة، فإن الجنرال "نيكولاي بانكوف"، نائب وزير الدفاع الروسي، بالإضافة إلى بعض المؤسسات العسكرية مثل "هيئة الأمن الفيدرالي"، و"جهاز الاستخبارا­ت الخارجية" يعارضون منح الصفة القانونية لعمل تلك الشركات)10 .)

ويبرر أنصار الاتجاه الثاني موقفهم هذا بعدة أسباب منها: عدم وجود فقرة في ميزانية وزار الدفاع تنص على مخصصات مالية للمتعاقدين والشركات الخاصة. أما السبب الثاني، فيرتبط بأن وزارة الدفاع الروسية سوف تكون ملزمة بإدراج القتلى من عناصر تلك الشركات على قائمة الخسائر البشرية للقوات الروسية، وذلك في حالة إضفاء الشرعية على عمل تلك القوات.

وبغض النظر عن هذا الانقسام الداخلي، فإن الشركات العسكرية الخاصة تواصل عملها في أكثر من دولة من العالم، على نحو ما سبقت الإشارة إليه. ويتوقع أن تدفع عدداً من العوامل القيادة الروسية للتفكير بجدية في توسيع الاعتماد على القوات العسكرية الخاصة. وتتمثل أهم هذه العوامل في استمرار حالة التوتر في أكثر من منطقة حول العالم، وزيادة التحديات الأمنية التي تواجهها روسيا، فضاً عن احتمال نشوب نزاعات مسلحة جديدة في محيطها الجغرافي. ويرى مراقبون أن موسكو قد تلجأ إن اضطرت لتشكيل قوات قوامها جنود أجانب يتقنون الروسية، من الجمهوريات السوفييتية السابقة، ودول أخرى.

ولن تكون هذه الخطوة مخالفة للقوانين، ذلك أن الرئيس الروسي فاديمير بوتين وقع منذ مطلع عام 2015 تعديات على قانون الخدمة العسكرية، يحق بموجبها لوزارة الدفاع الروسية التعاقد مع أي مواطن أجنبي يتقن الروسية، ولم يرتكب أي جرائم جنائية، للعمل في صفوف القوات المسلحة، لكن بصفة جندي، ولا يحق للمتعاقد الأجنبي الحصول على صفة ضابط أو ضابط صف.

وفي الختام، يمكن القول إن روسيا سوف تواصل اعتمادها على هذه القوات، سواء قامت بتقنين عملها، أم لا، نظراً للمنافع العديدة التي ستحصل عليها، والتي يتمثل أبرزها في تجنب التكلفة البشرية، والتداعيات القانونية المترتبة على التدخل العسكري المباشر، بالإضافة إلى استمرار تحقيق أهداف سياستها الخارجية المتمثلة في دعم نفوذها الدولي من خال مساندة حلفائها عسكرياً.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates