Trending Events

الخريف الأفريقي:

إعادة إنتاج النظام الحاكم في كينيا وزيمبابوي

- أبوبكر العم

شهدت كينيا وزيمبابوي اضطرابات محدودة رافقت عملية تداول السلطة بهما، وعلى الرغم من اعتماد كينيا آلية الانتخابات في تداول السلطة، فإن الاحتجاجات والاضطرابا­ت التي صاحبتها اضرت بتجربتها الديمقراطي­ة، وعززت من الانقسامات القبلية القائمة، في حين أن زيمبابوي شهدت انتقالاً للسلطة من الرئيس موجابي إلى نائبه، بعد تدخل واضح للمؤسسة العسكرية لأول مرة في تاريخ البلاد لإتمام هذه العملية الانتقالية. وسوف يتم إلقاء الضوء على الانتخابات الكينية وما أثارته من احتجاجات داخلية، بالإضافة إلى تنازل موجابي عن الحكم لصالح نائبه، فضاً عن إلقاء الضوء على الأدوار الإقليمية والدولية التي لعبت دوراً فاعاً في الأزمتين، وأخيراً محاولة بيان تداعيات ذلك على مستقبل النظام الحاكم في البلدين.

اأولً: ازمة النتخابات الكينية

تعد كينيا من الدول الأفريقية القليلة التي نجحت، على الرغم من تنوعها القبلي والعرقي، في إيجاد آلية لتداول السلطة من خال الانتخابات، إلا أن الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 8 أغسطس 2017، بين الرئيس الحالي "أوهورو كينياتا"، ورئيس الوزراء السابق "رايا أودينجا" أنتجت استقطاباً مجتمعياً حاداً وأثرت على شرعية النظام القائم.

وقد عرفت كينيا الممارسات الانتخابية مبكراً، إذ نظمت أول انتخابات في ظل الاستعمار البريطاني عام 1961، وبعد استقالها في ديسمبر 1963 تطورت الممارسة السياسية إلى أن أصبحت الانتخابات الآلية الوحيدة للوصول إلى الحكم، غير أن نمط الديمقراطي­ة في كينيا يمكن تصنيفه ضمن "الديمقراطي­ة غير الليبرالية"، أو "الديمقراطي­ة الإجرائية"، أي أنه يتم إجراء انتخابات تعددية بصورة دورية، وإن كان يشوبها بعض الانتهاكات المحدودة) وعلى الرغم من قصور التجربة الديمقراطي­ة الكينية، فإنها استطاعت من خالها إدارة الصراعات المرتبطة بتبادل السلطة، في مجتمع قبلي يفتقد تقاليد ديمقراطية راسخة، وإن بتكلفة مجتمعية مرتفعة.

وكان العنف من السمات الأساسية المصاحبة لكل عملية انتخابية، والذي وصل ذروته عقب انتخابات 2007، وأدى لمقتل ما يزيد على 1200 شخص وتشريد مئات الآلاف) ،) غير أن الأزمة الراهنة تميزت بمعطيات جديدة أهمها: اللجوء للقضاء، والذي أصدر حكماً بإعادة الانتخابات في 8 أغسطس 2017، لتتم إعادة الانتخابات من جديد في 26 أكتوبر، وهي الانتخابات التي شهدت مقاطعة المعارضة لها، اعتراضاً على عدم قيام اللجنة الانتخابية بإصاحات كافية لضمان نزاهة الانتخابات، خاصة بعدما أعلن "وافولا شيبوكاتي"، رئيس اللجنة الانتخابية، في أكتوبر 2017 أنه لا يستطيع ضمان مصداقية الانتخابات وحريتها ونزاهتها، مشيراً إلى وجود انقسامات داخل اللجنة الانتخابية وتدخات سياسية) .)

وفي ظل هذه الأجواء المتوترة، تم تنظيم جولة جديدة من الانتخابات، والتي شهدت تراجعاً حاداً لمستوى المشاركة الشعبية، مقارنة بالانتخابا­ت الملغاة، فلم تتجاوز نسبة المشاركة حوالي 38% مقابل 80% في الجولة الأولى، وحصل الرئيس "أوهورو كينياتا" على 98.3% من الأصوات مقابل 55.27%

في الجولة الأولى ليتم تنصيبه رئيساً في 26 نوفمبر 2017.

وفي المقابل أعلن زعيم المعارضة أودينجا أنه سينصب نفسه رئيساً في 12 ديسمبر، قبل أن يعلن قبلها بيومين تأجيل القرار من دون أن يتراجع عنه نهائياً، في خطوة تهدف إلى إفساح المجال أمام حل لما تضح معالمه بعد) غير أن مجمل هذه التطورات تكشف عن انتكاسة الممارسات الديمقراطي­ة، وذلك للأسباب التالية: 1- التدخلات الإقليمية والدولية: إذ تعرض "رايا أودينجا" زعيم "التحالف الوطني العظيم" المعروف اختصاراً ب"ناسا" إلى ضغوط إقليمية ودولية، وحذرته من تعرضه للعزلة إذا ما تسبب أنصاره في عنف بالباد على غرار ما حصل عام 2007 ويبدو أن تلك الضغوط كانت حاسمة في لجوء المعارضة للقضاء. وعلى الرغم من إصدار المحكمة قرارها بإلغاء نتائج الجولة الأولى من الانتخابات، فإن مقاطعة المعارضة للجولة الثانية بعد قرار المحكمة، تدل على عدم الثقة بالمؤسسات الديمقراطي­ة في الباد. 2- تعزيز الانقسامات القبلية: إذ إن ضعف المشاركة الشعبية في جولة الإعادة، ومنع انصار زعيم المعارضة فتح مكاتب الاقتراع في محافظتين من الباد) كلها أمور تعكس البعد القبلي للصراع السياسي في الباد. فمناطق قبيلة "كيكويو" التي ينتمي إليها الرئيس كينياتا، وتعد أكبر قبائل الباد، شهدت إقبالاً على صناديق الاقتراع، في حين أن مناطق قبيلة "لوو" التي ينتمي لها زعيم المعارضة، وتعد ثاني أكبر قبائل كينيا، فقد شهدت مقاطعة كبيرة.

ويعكس ما سبق عجز النظام الانتخابي عن تجاوز الانقسام القبلي، وذلك على الرغم من محاولة الدستور عاج تلك النقطة من خال نص الدستور على ضرورة أن يحصل المرشح الفائز على الأغلبية المطلقة من الأصوات المعبر عنها، متضمنة نسبة 25% من الأصوات في 24 مقاطعة من مقاطعات الباد البالغ عددها 47 مقاطعة) ويبدو أن وضعي الدستور حاولوا بهذا الإجراء، تفادي إقصاء قبائل أو مقاطعات بعينها، وهو ما وضح قصوره في الانتخابات الأخيرة.

وتتراوح السيناريوه­ات المطروحة للتعامل مع الأزمة فيما يلي : 1- اشتعال موجة جديدة من العنف: خاصة إذا ما سعى أودينجا في المضي قدماً في تنفيذ تهديداته، وقام بإعان نفسه رئيساً للباد، وهو الأمر الذي قد يتسبب في موجة جديدة من العنف. وكما سبقت الإشارة، فإن كينيا شهدت أعمال عنف دامية أعقبت انتخابات 2007 وأدت إلى مقتل أكثر من 1100 شخص ونزوح مئات آلاف آخرين. 2- التوصل إلى تسوية سياسية: إذ إن أفضل سيناريو لمستقبل كينيا هو الدخول في حوار بين النخب السياسية، للمحافظة على ما يمكن الحفاظ عليه من "الديمقراطي­ة"، ففي أعقاب أزمة الانتخابات التي اندلعت في عام 2007، تم التوصل إلى اتفاق سياسي، يقضي بتقاسم السلطة بين الأطراف المتنازعة) ويعزز احتمال السير بهذا الاتجاه أن كاً واحد من الطرفين يعرف قدرة الآخر على الحشد، وربما يدرك أن أي مواجهة لن يخرج منها أحد منتصراً، بل سترهق جميع الأطراف وتهدد كيان الدولة.

وما يعزز من هذا السيناريو هو موقف القوى الدولية والإقليمية، مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، والولايات المتحدة، والتي تعتبر كينيا شريكاً رئيسياً في حربها على الإرهاب بالمنطقة، وتدفع إلى تهدئة الأوضاع لتفادي بؤرة توتر جديدة، في منطقة لا تنقصها القاقل الأمنية والتوترات ذات الأبعاد العرقية والدينية.

ثانياً: النقلاب الع�سكري في زيمبابوي

مثلت حالة زيمبابوي وضعاً فريداً في الحالة الأفريقية، إذ إنها لم تشهد أي تداول للسلطة، سواء عبر الانتخابات، أو حتى عبر الانقابات العسكرية، فقد تولى روبرت موجابي رئاسة الباد، منذ حصولها على الاستقال في عام 1980، غير أن هناك عدداً من العوامل التي دفعت الجيش إلى تدخل لإنهاء حكمه، والتي يمكن إيجازها فيما يلي: 1- انهيار الأوضاع الاقتصادية: فقد شهد اقتصاد زيمبابوي بفعل سياسات الحمائية التي اتبعها موجابي، تراجعاً خطيراً، وموجة تضخم دفعت المواطنين إلى التخلي عن العملة الوطنية، والتداول باستخدام عمات أجنبية، وفي ظل هذا الوضع وصلت البطالة إلى حدود 80%، وتم التضييق على حرية تملك الأراضي، بإجراءات استهدفت علناً المزارعين البيض، إلا أنها انسحبت على طيف واسع من البسطاء، فأصبح الحصول على سندات ملكية رسمية أمراً في غاية الصعوبة) ومع هذه السياسيات أصبحت الباد طاردة لاستثمارات، من خال الضرائب المرتفعة، والإجراءات الإدارية المعقدة، الأمر الذي خنق الحياة الاقتصادية، وأدى إلى تذمر الشركاء الاقتصاديي­ن. 2- ملف خلافة موجابي: فقد انتاب النخبة المدنية والعسكرية الحاكمة القلق من سعي "جريس" زوجة موجابي لخافته في الحكم، خاصة بعدما أقدم على إقالة نائبه القوي "إيمرسون مناغاغوا" الذي طالما نظر إليه على أنه زعيم الباد القادم، في 6 نوفمبر 2017، وذلك لتمهيد طريق الرئاسة أمام جريس، وهي الخطوة التي أجبرت الجيش على التحرك السريع لوضع حد لذلك الطموح، وتنصيب نائب الرئيس المقال رئيساً للباد، بعد إجبار زعيمها التاريخي على الاستقالة) ولا يبدو البعد العرقي حاضراً كمحرك للأحداث في زيمبابوي، إلا أنه قد يكون حاضراً في التفاصيل، إذ إن الرئيس السابق والجديد ينتميان إلى إثنية "شونا"، ولعل هذا ما يفسر عدم التنكيل بموجابي أو شن حملة انتقام ضد المقربين منه.

على الرغم من قصور التجربة الديمقراطي­ة الكينية، فإنها استطاعت من خلالها إدارة الصراعات المرتبطة بتبادل السلطة، في مجتمع قبلي يفتقد تقاليد ديمقراطية راسخة، وإن بتكلفة مجتمعية مرتفعة.

3- التأييد الصيني للجيش: تعد الصين لاعباً محورياً هناك، ويرجع التحالف بين نظام موجابي والصين، لحقبة الكفاح المسلح، في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، حيث كانت تقوم بتدريب وتسليح قواته، وغداة الاستقال في عام 1980 أصبحت بكين شريكاً رئيسياً للدولة الوليدة. وفي ظل الأزمة مع الدول الغربية، إثر مصادرة مزارع البيض، والتضييق على الحريات، تعززت العاقات بين الصين وزمبابوي، وأصبحت بكين أكبر مستثمر في الباد بحلول 2015 .)

وعلى الرغم من العاقة القوية بين الطرفين، فإن سياسات موجابي الاقتصادية ألحقت خسائر اقتصادية بالمشروعات الصينية في زمبابوي، مما دفعها إلى الإغاق أو الانتقال لدول أخرى) ولذلك، فإن الصين أعطت موافقتها على الإطاحة به، وهو ما يتضح في زيارة قائد جيش زمبابوي "كونستانتين­و تشوينجا" لبيكين قبل الإطاحة به بأيام، حيث التقى هناك بمسؤولين عسكريين وسياسيين بارزين، ويبدو أنه أطلعهم على خططه، ويبدو أنه وجد تفهماً، إن لم يكن تأييداً صرحاً، منهم لانقاب) .) 4- الموقف الأفريقي المتخاذل: فقد أعرب الاتحاد الأفريقي عن رفضه أي تغيير غير دستوري لنظام الحكم، وطالب بحل الأزمة في الباد بطريقة تدعم الديمقراطي­ة وحقوق الإنسان) .) كما عملت قوى إقليمية مثل جنوب أفريقيا، ومجموعة التنمية لدول الجنوب الأفريقي )سادك(، على الدفع باتجاه حلحلة الوضع بطريقة تضمن تنحي موجابي عن الحكم طواعية. وتجدر الإشارة إلى أن رئيس زمبابوي الجديد "إمرسون منانغاغوا" كان يشغل منصب وزير الداخلية في ثمانينيات القرن الماضي، واتهم بالمشاركة في عمليات التطهير الدموي ضد معارضي موجابي، وتحديداً تصفية نحو 20 ألف شخص من حركة "زابو" السابقة، الذين ينتمون كلهم إلى أقلية "إنديبيلي". كما يتحدث خصومه عن دور له في العنف الدموي خال وبعد الانتخابات الرئاسية لعام 2008، وعن قيامه بشن حملة تخويف ضد المعارضة أودت بحياة 200 شخص، بينهم المنافس الرئيسي لموجابي) وفي ضوء هذا الوضع، فإنه لا يتوقع أن تشهد السياسة العامة للدولة تغيرات تذكر.

ولعل أول المؤشرات على ذلك خطاب التنصيب لمنانغاغوا، حيث أكال المديح لسلفه، وابن إثنيته "شونا"، واعتبر أنه آخر من تبقى من آباء الدولة المؤسسين، وتوعد بعدم التراجع عن عمليات الإصاح الخاص بالأراضي التي لاقت انتقادات كبيرة) أما ثاني هذه المؤشرات، فيتمثل في أن حكومة مناغاغوا وتضمنت وجوهاً عسكرية بارزة، متهمة بالضلوع في مجازر ضد المعارضة) .)

وفي الختام، يمكن القول إن القاسم المشترك في حالتي كينيا وزمبابوي هو إعادة نفس النظام القديم، سواء بالوجوه نفسها، كما في حالة كينيا، أو بوجوه جديدة تنتمي للنظام نفسه، كما في حالة زمبابوي. وعلى الرغم من ذلك، فإن تحقيق الاستقرار في الحالتين يتطلب من القائمين على حكم البلدين تبني سياسات مختلفة.

ففي كينيا، تقضي الظروف السياسية والاقتصادي­ة والأمنية أن تنظم النخبة الكينية حواراً يحافظ على مكتسباتها الديمقراطي­ة، ويحاول تعزيزها، بينما ينبغي على الرئيس الزمبابوي الجديد البحث عن شرعية إنجاز جديدة، بدل الشرعية التاريخية المستمدة من الإرث النضالي التي كان سلفهم ومعلمهم الأول يعتمد عليها، والشروع في النهوض بأوضاع الاقتصاد المنهار، وإجراء مصالحة سياسية واجتماعية، تضمن استعادة الثقة في مؤسسات الدولة.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates