Trending Events

"الحوار الرباعي":

آلية تحجيم النفوذ الصيني في جنوب شرق آسيا

- محمد سنان

عقدت أربع دول هي اليابان والهند وأسراليا والولايات المتحدة مؤتمراً مصغراً وموازياً في العاصمة الفلبينية مانيلا في نوفمبر 2017، على هامش انعقاد قمة "رابطة دول جنوب شرق آسيا"، المعروفة اختصاراً باسم "آسيان"، الحادية والثلاثين وقمة "شرق آسيا" الثانية عشرة، وأعلنت الدول الأربع عن إحياء "الحوار الأمني الرباعي" ‪Quadrilate­ral Security Dialogue(‬ ،) والذي تنظر إليه بكين باعتباره تحالفاً يسعى إلى تحجيم نفوذها الإقليمي في جنوب شرق آسيا.

وسيتم إلقاء الضوء على الظروف التي صاحبت إنشاء هذا التحالف، ودوافع الدول الأعضاء لتأسيسه، فضاً عن إلقاء الضوء على تحديات هذا التحالف والفرص التي يطرحها، وأخيراً تقدير تداعياتها الجيوسياسي­ة على منطقة جنوب شرق آسيا.

اأولً: مقومات قيام التحالف الرباعي

تعود جذور "الحوار الأمني الرباعي" إلى عام 2007، عندما اجتمعت أربع دول هي: اليابان والهند وأستراليا والولايات المتحدة بغرض بحث كيفية تحجيم النفوذ الصيني المتزايد، لاسيما في المجال الجيوسياسي في آسيا) غير أن بكين أجهضت هذه المحاولات، إذ بعثت رسائل عبر القنوات الدبلوماسي­ة إلى حكومتي الهند وأستراليا توضح فيها رفضها لهذه المبادرة، ووظفت في ذلك ارتباطهما بعاقات اقتصادية قوية معها، وهي المحاولة التي نجحت في وقف هذه المبادرة فوراً) .)

وبعد مرور عقد من الزمان على هذه المبادرة، طرحت الولايات المتحدة إعادة إحياء "الحوار الأمني" من جديد، وذلك في ظل مشهد جيوسياسي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ

يتسم بالسمات التالية: • نجاح الصين في تعزيز نفوذها الإقليمي: وتبنيها سياسات عدوانية إزاء جيرانها، وعدم قدرة العديد من الدول الآسيوية على معارضتها علناً على الرغم من رفضهم لها) .) • تراجع مصداقية الولايات المتحدة: خاصة في منطقة جنوب آسيا، وهو ما يعود إلى عدم اتساق سياسة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي ترامب، خاصة بعدما قرر الانسحاب من اتفاقية "الشراكة عبر المحيط الهادئ"، وهو اتفاق تجارة حرة متعدد الأطراف يهدف إلى زيادة التبادل التجاري بين اقتصادات منطقة آسيا والمحيط الهادئ) .) • اتجاه الهند شرقاً: إذ تسعى الهند إلى نسج تحالفات وإقامة شراكات استراتيجية مع دول جنوب شرق آسيا في مواجهة النفوذ الصيني المتصاعد.

وقد مثلت بعض هذه التطورات عاماً دافعاً للجهود الرامية إلى إعادة إحياء "الحوار الرباعي"، ويستند هذا التحالف إلى الركائز التالية: 1- احتواء التهديدات الصينية: يعد القاسم المشترك بين الدول الأربع أن جميعها لديها خافات مع الصين حول قضايا

مختلفة، وترى في التحالف وسيلة لاحتواء النفوذ الصيني. فالهند تعتبر الحوار الرباعي وسيلة لمعادلة "مبادرة الحزام والطريق" الصينية، وهي مبادرة لإقامة طرق برية وممرات بحرية تهدف إلى الربط بين عدد من الاقتصادات الآسيوية والأوروبية والأفريقية بالاقتصاد الصيني. وأعربت الهند عن معارضتها هذه المبادرة بسبب أحد مشروعاتها الفرعية، وهو الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني الذي يمر عبر أراضي جامو وكشمير المتنازع عليها بين الهند وباكستان. كما شهد عام 2017 توترات بين الهند والصين بسبب بناء بكين طريقاً في وادي "دوكام" المتنازع عليه مع بوتان، والتي تستضيف قوات هندية في هذه المنطقة الحدودية، والتي حاولت منع الصين من بناء الطريق بحجة مروره بأراض تتبع بوتان) .)

أضف إلى ذلك أن أستراليا بدأت تظهر مخاوف من تنامي النفوذ السياسي للصين، خاصة على الجامعات الأسترالية) .) أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإن لديها هواجسها حيال النفوذ الصيني المتصاعد، فضاً عن خافاتها الحادة معها بسبب التجسس الاقتصادي الصيني عليها) .) وتنازع اليابان الصين على السيطرة على جزر "سينكاكو" )التي يُطلق عليها ديايو في الصين( الغنية بمواردها الطبيعية) .) ولاتزال طوكيو حانقة على تخاذل بكين عن وقف الاحتجاجات الشعبية الصينية، والتي أضرت بالشركات اليابانية العاملة هناك بسبب الصراع حول هذه الجزر في عام 2012 وبالتالي فقد مثلت هذه القضايا المختلفة سبباً أكبر يدفع الدول الأربع لإحياء المبادرة.

2- تقديم البديل الاقتصادي: إذ تسعى الدول الأربع لتقديم المساعدات التنموية الاقتصادية إلى دول العالم النامي، وطرح نفسها باعتبارها بدياً للسياسات الصينية "الجشعة"، والتي تقوم بتمويل مشروعات مكلفة في البنية التحتية ذات عائد اقتصادي مشكوك فيه في الدول النامية) وعند عجز هذه الدول عن السداد، فإنها تفرض عليها السيطرة على هذه المشروعات لفترات طويلة، كما حدث مع ميناء "هامبانتوتا" السريانكي، وسيطرة الصين على 70% من أسهمه، فضاً عن قيام شركة صينية بإدارته لمدة 99 عاماً.

3- تحالف ديمقراطي: يمكن النظر إلى "الحوار الرباعي" باعتباره تحالفاً ديمقراطياً، من المنظور الأيديولوج­ي مناهضاً للحكومة الصينية الشيوعية) فقيم الصين غير الليبرالية ووضعها كأكبر شريك تجاري للعديد من الدول حول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة وأستراليا، أديا إلى شعور هذه الدول بوجود تناقض بين عاقاتها الدولية بدولة مثل الصين وقيمها الليبرالية) .)

ثانياً: تحديات وفر�ض التعاون

على الرغم من إعادة إحياء التحالف الرباعي من جديد، فإنه لا ينبغي تجاهل وجود تحديات تهدد مثل هذا التعاون، وهو ما يمكن إيجازه في التالي: 1- الخلافات البينية: تمثل الخافات بين الدول الأعضاء في "الحوار الرباعي" أحد العوائق أمام تطويره، وهو ما يتضح في العديد من المواقف، والتي كان أبرزها رفض الهند انضمام أستراليا إلى تدريبات "مالابار" العسكرية) ما بين القوات البحرية لكل من الهند واليابان والولايات المتحدة. ويرجع الموقف الهندي إلى رفض الحكومة الأسترالية في مايو 2017 إصدار تأشيرات عمل مؤقتة للهنود للعمل لديها، وهو ما أعاق المفاوضات بين البلدين بشأن اتفاقية التجارة الحرة) وتمثل هذه الخافات عائقاً أمام تحول المبادرة إلى تحالف حقيقي. ومن ثم فإن الحوار الرباعي يجب أن يركز على عاج الخافات الهندية – الأسترالية. 2- وجود أطر بديلة: إذ يشكك المراقبون في جدوى هذه المبادرة في ضوء أن الدول الأربع لديها اتفاقيات أو أطر ثنائية وثاثية للتعاون يمكنهم اللجوء إليها عند الحاجة. فعلى سبيل المثال، هناك الحوار الثاثي بين الولايات المتحدة والهند واليابان على المستوى الوزاري، والذي عُقد في سبتمبر 2017 وتناول حرية الماحة والتهديدات القادمة من كوريا الشمالية وغيرهما من القضايا) وبالمثل، عُقد حوار ثاثي بين الولايات المتحدة واليابان وأستراليا، واستمر منذ عام 2015، وتناول قضايا مثل صعود الصين وتهديدات كوريا الشمالية) .)

وفي ضوء التحديين السابقين، فإن أحد عوامل نجاح قيام "الحوار الرباعي" مرهون بقدرته على تقديم قيمة إضافية تتجاوز الأطر والتحالفات القائمة بالفعل، وتعمل على مواجهة التهديدات الصينية. وتتمثل المجالات التي ينبغي على الدول الأعضاء في الحوار الرباعي التعاون حولها في التالي: 1- توفير الإغاثة المشتركة في حالات الكوارث: خاصة في ضوء تزايد الاضطرابات المناخية في جميع أنحاء القارة الآسيوية، مما سيضيف قيمة كبيرة إلى الحوار الرباعي )بعيداً عن مختلف الجهود الثاثية( لأن الاستجابة المنسقة للكوارث في المحيط الهادئ لم تنجح حتى الآن. وسيسهم أي جهود في هذا المقام على دعم استقرار المنطقة. 2- مواجهة التمدد الصيني في بحر الصين الجنوبي: خاصة في ضوء قيام الصين ببناء جزر صناعية فيه في محاولة لمد سيطرتها الإقليمية على أجزاء من أعالي البحار وعسكرتها. ويتطلب مواجهة هذا التهديد إنماء العاقات البحرية المشتركة بين هذه الدول، بما يعنيه ذلك من ضم أستراليا لتدريبات مالابار التي تقوم بها حالياً الولايات المتحدة والهند واليابان.

ولقد بدأت تدريبات "مالابار البحرية" في عام 1992، وكانت في البداية تعاوناً ثنائياً بين الولايات المتحدة والهند بغرض مكافحة القرصنة، وتبادل التكنولوجي­ا والخبرات) .) وبمرور السنوات، انضمت اليابان إلى هذه التدريبات، وأتبعتها

تمثل الخلافات بين الدول الأعضاء في "الحوار الرباعي" أحد العوائق أمام تطويره، وهو ما يتضح في العديد من المواقف، والتي كان أبرزها رفض الهند انضمام أسراليا إلى تدريبات "مالابار" العسكرية

أستراليا لفترة وجيزة قبل أن تنسحب بسبب الضغط الصيني) ،) ثم الرفض الهندي لإعادة انضمامها. ويُعتبر ضم أستراليا أمراً ضرورياً لزيادة فاعلية "الحوار الرباعي" في المنطقة، ومن المرجح أن يثمر ذلك عن إجراء دورات تدريبية ونقاشات منظمة حول كيفية التعامل مع القضايا المناخية والأمنية المختلفة.

ثالثاً: النعكا�سات الإقليمية

على الرغم من صعوبة التنبؤ بالخطوات الصينية المضادة رداً على هذه المبادرة، فإنه من المتوقع أن تتبنى إجراءات مماثلة لما تبنته في السابق حيال المبادرة نفسها في عام 2007، والتي يتمثل أبرزها في الإدانة الدبلوماسي­ة، للجهود الرامية إلى تطويق نفوذها) خاصة أن أياً من الدول المشاركة في "الحوار الرباعي" لا ترغب في التأثير على عاقاته ببكين سلباً. ويتضح ذلك من خال عدم وجود ضجة في إعان الدول الأربع، فضاً عن الخطوات التي قامت بها الهند لتهدئة مخاوف الصين من خال استضافتها قمة ثاثية جمعتها مع الصين وروسيا) وفي ضوء ما سبق، فإنه يتعين على الدول الأربع أن تعطي الأولوية لتعزيز القدرات العسكرية المشتركة بدلاً من العمل كحلف عسكري مناهض لبكين.

أما فيما يتعلق بموقف دول جنوب شرق آسيا، فمن المرجح أن تدعم معظم الدول هذه المبادرة سراً من دون أن تشارك فيها بصورة فعلية، أماً في أن تقوم الدول المعنية بالجزء الصعب المتعلق بتحجيم النفوذ الصيني، خاصة في ضوء تنامي التوجهات الرامية إلى عسكرة بحر الصين الجنوبي من خال نشر الدول المشاطئة له منظومات صواريخ مختلفة ورفع بعض دول الآسيان إنفاقها العسكري) .)

والواقع أن دول الآسيان لم تدعم أو تعارض الحوار الرباعي، حتى الآن) وهو الأمر الذي يساعدهم على تجنب أي تداعيات محتملة في حالة تصاعد التوتر بين الصين ودول جنوب شرق آسيا. ويُعد هذا موقفاً برجماتياً إذا أخذنا في الاعتبار وجود مصالح مشتركة بين الصين وجميع الدول الأعضاء في الآسيان، والخوف من أن تصبح بكين أكثر عدوانية تجاههم إذا ما دعمت هذه الدول الحوار الرباعي دعماً صريحاً.

وفي الختام، فإنه ينبغي التأكيد على حقيقة أن الحوار الأمني الرباعي لن يصبح منظمة كاملة، إلا عندما تتمكن الدول المشاركة فيه من تعزيز العاقات البينية بينها، وعاج أي صراعات قائمة، وإدراك أن فوائد هذا التحالف تفوق الاتفاقيات أو الأطر الثاثية والثنائية الحالية، بالإضافة إلى تجنب إغضاب الصين، إذ إن أي تصعيد للتوتر مع بكين قد يجهض مبكراً قيام الحوار الرباعي، وفي الوقت ذاته، فإن دول الآسيان سوف تتابع الوضع عن كثب من دون أن تأخذ صف أي طرف، مما يضمن حفاظها على مصالحها الاستراتيج­ية مع كا الطرفين، وإن كانت ضمنياً تدعم الحوار الرباعي.

 ??  ??
 ??  ?? محمد سنان باحث سياسي بالمركز الدولي لأبحاث العنفالسيا­سيوالارهاب ) بسنغافورة ICPVTR(
محمد سنان باحث سياسي بالمركز الدولي لأبحاث العنفالسيا­سيوالارهاب ) بسنغافورة ICPVTR(

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates