Trending Events

ما أسباب استمرار الجدل حول “الإخوان” في الغرب؟

- محمد خلفان الصوافي كاتب إماراتي

لا يمكن النظر إلى موقف الغرب، الرافض في تصنيف جماعة “الإخوان المسلمين”منظمةإرهاب­ية،بمنأى عنالبعدالت­اريخيللعلا­قةالتي استفاد منها الطرفان بدءاً من عام 1928 ، تاريخ نشأة الجماعة في مصر، بدعموتمويل­مباشرمنبري­طانيا.

كذلك لا يمكن لأي متابع للعاقة بين الجماعة والغرب أن يتجاهل حقيقة تغلغلها في المجتمع الأوروبي وفي مراكز صنع القرار هناك على مدى سنوات طويلة. ولعل هذا ما يفسر، إلى حد كبير، التعقيدات التي تحيط بأي محاولة غربية لتصنيف الجماعة بأنها إرهابية، على الرغم من موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي وعد خال حملته الانتخابية بإدراج الجماعة في قائمة المنظمات الإرهابية.

وفي هذا المقال، سنحاول فهم الموقف الغربي عموماً، والموقف البريطاني والأمريكي بشكل خاص، المتردد إزاء قضية تصنيف "الإخوان" جماعة إرهابية، وما إذا كان هذا التردد يعود إلى أن الغرب مقتنع بأن الجماعة

لا تمارس الإرهاب وأنها تمثل، كما تدعي وتزعم، "الإسام المعتدل"، أو أنه يعود إلى تكتيكات تلجأ إليها الجماعة لمنع الغرب من تصنيفها ضمن الجماعات الإرهابية؟ وهل للأمر عاقة باعتبارات استراتيجية - مصلحية تتصل برؤية الغرب لموقع "الإخوان" في سياسته تجاه العالم العربي في الحاضر والمستقبل؟ وهل هناك حدٌّ لهذا التردد الغربي أم أنه سيستمر؟!

التقية ال�سيا�سية

إن التردد الغربي في التعامل مع "الإخوان المسلمين"، على مستوى الفكر والسلوك، يكشف عن الكثير من الجوانب المثيرة للتساؤل، فجماعة الإخوان ليست حزباً سياسياً، مثل الأحزاب المتعارف عليها في الغرب، وإنما جماعة دينية متطرفة، وهذا واضح في دستورها وفي مضمون الشعار الذي تتخذ منه عنواناً لها.

كما أثبتت مواقف الجماعة الرافضة لإدانة العمليات الإرهابية حقيقة نشاطها وأهدافها، وهي لا تلجأ إلى إدانة العمليات الإرهابية إلا من باب التكتيك

و"التقية السياسية"، أو حينما تشعر بالخطر، كما في حادثة مجلس العموم البريطاني العام الماضي )2017( عندما أصدرت الجماعة وثيقة "تعايش سلمي" استباقاً منها لأي قرار يمكن أن يتخذه البرلمان البريطاني ضدها، في حين أن الدراسات الغربية المتخصصة تؤكد أن "الإخوان" منبع كل جماعات التطرف والإرهاب، بما فيها "القاعدة"، التي كان مؤسسها أسامة بن لادن مؤمناً بأفكار الإخوان، وكذلك تنظيم "داعش".

فضاً عن ذلك، فإن خطر جماعة الإخوان على المجتمعات الغربية ربما لا يقل خطورة عن خطر الشيوعية أيام الحرب الباردة، بل ربما يفوقه؛ لأن الجماعة تجيد سياسة "التلون" والمناورة واللعب على المتناقضات والعمل السري، بعكس الشيوعيين الذين كانوا يمارسون سياستهم بوضوح ومن خال أحزاب لها أفكارها المعلنة.

تكتيكات اإخوانية

تتبع جماعة "الإخوان" العديد من الأساليب أو التكتيكات في التعامل مع الغرب، لعل أهمها فكرة المظلومية،

إذ تصوِّر نفسها للرأي العام الغربي ومراكز صنع القرار فيه على أنها جماعة مظلومة ومضطهدة في الدول العربية.

كما أن الجماعة تستغل المسلمين في الغرب وتتغلغل في أوساطهم ومؤسساتهم تحت شعارات مختلفة، وتصور أي توجه متشدد ضدها من قبل أي حكومة غربية على أنه توجه ضد الإسام كدين وضد المسلمين في عمومهم، وللأسف فإنها تنجح، وهذا ما ظهر في تعاملها مع توجهات دونالد ترامب عند مجيئه الى السلطة.

لقد استطاعت الجماعة خال العقود الماضية أن تشكل رأياً عاماً داخل المجتمع المسلم الغربي تحركه لمصالحها، وللضغط على السياسيين الغربيين، خاصة في فترات الانتخابات، عبر التلويح بالتأثير على المسلمين في البلدان الغربية لدفعهم إلى التصويت لصالح مرشح معين أو الوقوف ضده، خاصة مع انضمام عناصر إخوانية إلى الأحزاب السياسية في بعض الدول الغربية.

م�ستقبل التردد الغربي

تدرك المؤسسات الغربية الرسمية مخاطر جماعة "الإخوان"، ولكن لا يمكن استبعاد عنصر المصلحة والحاجة إلى الجماعة، خاصة في الدول التي لها عاقة بمنطقة الشرق الأوسط، فالغرب صديق للجماعة في الأصل، ويشهد بذلك التاريخ، ولكنها عدو محتمل عندما تختلف المصلحة، لأنه لا يمكن تصور أن تكون الحكومتان البريطانية والأمريكية مقتنعتين بما تطرحه الجماعة من أفكار، وهما تعرفان جيداً ما تفعله الجماعة، وتدركان ما ينطوي عليه شعارها من دلالات، لكن احتمال توظيفها يبقى قائماً خال تعامل الدولتين مع الحكومات العربية التي قد تختلف مع السياسة الأمريكية أو البريطانية.

والتردد الغربي، خاصة البريطاني، كان موجوداً حتى قبل "الربيع العربي"، لكنه لم يكن بالفجاجة التي نراها اليوم، على اعتبار أن الجماعة باتت تمثل

خطراً على المجتمعات الغربية بشكل مباشر من خال العمليات الإرهابية، وكذلك من خال الإضرار بالعاقات العربية –الغربية، لاسيما عندما تسعى دول مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر إلى تقديم الإسام الحقيقي المعتدل، وتتصدى لمحاربة الإرهاب والتطرف سياسياً وعسكرياً وإعامياً.

إن الدول العربية المعتدلة ترى ضرورة تصنيف "الإخوان" جماعة إرهابية، وتسعى إلى أن تجنب مجتمعاتها حماقات الجماعة ومؤامراتها التي خلقت الفرقة والانقسام وغذت الإرهاب على مدى 80 عاماً.

وتخشى هذه الدول العربية أن يأتي انتباه الغرب إلى خطورة الجماعة في وقت متأخر، بما يُعقِّد مهمة الخاص من التنظيم الأخطبوطي الذي يجيد فن التشبيك والتوريط. كما أن هناك دوافع قوية لتفسير مهادنة الغرب للجماعة بأنها دعم غربي لمحاولات زعزعة الاستقرار في المجتمعات العربية والتمكين للفوضى فيها.

فر�سة كبرى للعرب

تمتلك الدول العربية فرصة تاريخية لحسم تردد الغرب إزاء الجماعة بشكل جذري، إذ يوجد الآن موقف دولي قوي من الإرهاب مصحوب بقلق غير مسبوق من خطر التطرف الإسامي في المجتمعات الغربية، وهذا يضع الجماعة في موقف صعب ربما لم تتعرض له حتى في فترة ما بعد أحداث سبتمبر 2001، ومن المهم استثمار ذلك الوضع بقوة وبشكل مدروس.

هناك أيضاً موقف قوي من الإدارة الامريكية تجاه الإسام السياسي وتجاه الدول الداعمة له، خاصة بعد خروج

العناصر التي كانت متعاطفة مع الجماعة أو رافضة لتصنيفها جماعة إرهابية داخل الإدارة، مثل وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون ومستشار الأمن القومي السابق مكماستر.

ويمكن استغال موقف الكتلة العربية التي تتكلم بصوت واحد ضد "الإخوان" في الامارات العربية المتحدة والسعودية ومصر والبحرين باعتبارها قوة ضغط مؤثرة على الساحة الغربية ضد الإخوان، خاصة أن هذه الدول اليوم هي دول رئيسية وأساسية في المنطقة ولها أهميتها الاستراتيج­ية الكبرى لدى الغرب.

الخاتمة

إن المبررات التي تستند إليها بعض الدول الغربية في عدم إدراج جماعة الإخوان المسلمين ضمن الجماعات الإرهابية هي مبررات واهية، ولا تتفق مع طبيعة التفكير الاستراتيج­ي الغربي المعهود في التعامل مع كل فكر يمثل خطراً على المجتمع، مثلما حدث مع الفكر الشيوعي أو الجيش الجمهوري الأيرلندي. ويبدو أن هناك رغبة غربية في الاستفادة سياسياً من الجماعة ذات التاريخ الطويل في التعاون مع الاستخبارا­ت البريطانية تحديداً.

ومع ذلك، فإن الدول العربية المعنية تمتلك فرصة تاريخية لتغيير هذا الوضع، ويتطلب ذلك أموراً عدة، أولها التحرك الشامل، بحيث لا يتركز في دوائر صنع القرار الغربية الرسمية فقط، وإنما يمتد الى الدوائر غير الرسمية أيضاً.

أما ثانيها فيتمثل في اتباع سياسة مدروسة في التعامل مع الرأي العام الغربي وإقناعه بخطر الجماعة على المجتمعات الغربية وعلى قيم الحرية والانفتاح والتسامح فيها، ثالثها تقديم الأدلة الدامغة على ممارسة الجماعة للإرهاب، ومخاطبة الغرب باللغة التي يفهمها، أي لغة الأدلة والحقائق، وأخيراً، دراسة أساليب وتكتيكات الجماعة في التأثير على الغرب لصياغة استراتيجيا­ت ناجحة في التصدي لها.

أثبتت مواقف الإخوان المسلمين الرافضة لإدانة العمليات الإرهابية حقيقة نشاطها وأهدافها، وهي لا تلجأ إلى إدانة العمليات الإرهابية إلا من باب التكتيك و"التقية السياسية"، أو حينما تشعر بالخطر،

 ?? ??
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates