Trending Events

تحولات استراتيجية:

تداعيات التدافع الإقليمي والدولي على البحر الأحمر

- تمثل المواجهة المباشرة، في بعض الأحيان، محاولة من جانب بعض الأطراف المنخرطة فيها لتوجيه رسائل مسبقة للأطراف الأخرى تؤكد فيه جديتها في توظيف القوة العسكرية للدفاع عن مصالحها، أو تحسباً لاستحقاقات استراتيجية ترى أنها يمكن أن تغير من توازنات القوى أو على الأ

من الجزيرة القبرصية أو ما يسمى "جمهورية شمال قبرص التركية" غير المعترف بها.

وفي الإطار ذاته، أعلنت أنقرة، في 6 فبراير 2018، اعتراضها على اتفاق ترسيم الحدود البحرية الذي أبرمته مصر مع قبرص في عام 2013، وهو ما دفع القاهرة إلى توجيه تحذيرات مباشرة للأولى من المساس بحقوقها الاقتصادية في منطقة شرق البحر المتوسط، مؤكدة أن اتفاق عام 2013 لا يمكن لأي طرف أن ينازع في قانونيته، حيث إنه مودع في الأمم المتحدة كاتفاق دولي)1.)

وقد دفعت تلك التحركات التركية إيطاليا إلى تبنيها قراراً بإرسال فرقاطة عسكرية للمياه القبرصية، كانت قد شاركت قبل ذلك في العمليات البحرية التي قام بها حلف الناتو في شرق البحر المتوسط)2(. ولم تستطع تركيا أن تعيق شركة النفط والغاز الفرنسية "توتال" أو شركة "إكسون" الأمريكية عن القيام بأعمال البحث والتنقيب)3.) 3- استهداف واشنطن قوات روسية عن طريق الخطأ: إذ وجه التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ضربات عسكرية ضد القوات السورية المدعومة بعناصر من المرتزقة الروس، والتابعين لشركة فاجنر الروسية، في 7 فبراير 2018، بشكل أدى إلى مقتل خمسة أشخاص من رعايا الاتحاد الروسي، حسب تصريحات المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا)4.) 4- تصاعد حدة التوتر بين إسرائيل ولبنان: خاصة بعد التهديدات المتبادلة التي أطلقها كل من وزير الدفاع الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان، والأمين العام لحزب اله حسن نصر اله، وهو ما يعود إلى قيام لبنان، في 9 فبراير 2018، بتوقيع اتفاق للتنقيب عن النفط والغاز في بلوك 4 و9 في مياهه الإقليمية، ويقع الأخير بالقرب من جزء صغير متنازع عليه مع إسرائيل، وهو ما دفع ليبرمان إلى تأكيد ملكية إسرائيل للبلوك 9 بأكمله، بشكل قوبل برفض من جانب المسؤولين اللبنانيين)5(. وقد تصاعد التوتر عندما وجه نصر اله تحذيرات لإسرائيل، في 15 من الشهر ذاته، من أن منصاتها النفطية يمكن أن تستهدف)6.)

ثانياً: اأ�سباب الت�سعيد المن�سبط

يمكن تفسير تصاعد ظاهرة المواجهات المباشرة في المنطقة في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في: 1- تأكيد جدية التهديدات: تمثل المواجهة المباشرة، في بعض الأحيان، محاولة من جانب بعض الأطراف المنخرطة فيها لتوجيه رسائل مسبقة للأطراف الأخرى تؤكد فيه جديتها في توظيف القوة العسكرية للدفاع عن مصالحها، أو تحسباً لاستحقاقات استراتيجية ترى أنها يمكن أن تغير من توازنات القوى أو على الأقل أنماط التفاعات التي تجري فيما بينها.

وفي هذا السياق، لا يمكن فصل ما حدث من تصعيد بين إسرائيل وكل من إيران والنظام السوري وحزب اله، في

10 فبراير 2018 عن أزمة البرنامج النووي الإيراني. فقد هدفت إسرائيل إلى التأكيد على أنها لن تتسامح مع تعزيز طهران نفوذها في سوريا وعلى مقربة من حدودها، وهو ما سعت سوريا وإيران للرد عليه من خال التأكيد أن استمرار إسرائيل في اتباع هذه السياسة سوف يدفعهما إلى تهديد أمنها، وأن طهران ماضية في تعزيز نفوذها هناك، خاصة أن موازين القوى بين النظام السوري والمعارضة المسلحة قد اختلت لصالح الأول، على نحو جعل النظام السوري، أكثر قدرة على الرد على التهديدات الإسرائيلي­ة.

ومن جهة ثانية، فإن إيران، هدفت من تهديدها أمن إسرائيل إرسال رسالة لواشنطن توضح جديتها في تهديداتها المتعلقة باستئناف برنامجها النووي مجدداً، في حال قررت إدارة ترامب المضي قدماً في تنفيذ تهديدها بوقف تعليق العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران في 12 مايو 2018، ما لم يتم إدخال تعديات جوهرية على الاتفاق، خاصة فيما يتعلق بإلغاء بند "الغروب" الذي سيتيح رفع بعض القيود المفروضة على الأنشطة النووية الإيرانية في غضون ثمانية أعوام من الوصول لاتفاق، فضاً عن ضرورة سماح إيران بتفتيش بعض منشآتها العسكرية، إلى جانب التوقف عن تطوير برنامج الصواريخ الباليستية.

وفي المقابل حرصت إسرائيل على التأكيد أنها لن تتواني عن تهديد البرنامج النووي الإيراني، وهو ما وضح في إعان الأولى، في 21 مارس 2018، عن مسؤوليتها عن تدمير المنشأة التي زعمت أنها كانت مفاعاً نووياً يقوم النظام السوري ببنائه بشكل سري في مدينة الكُبر بمحافظة دير الزور في 6 سبتمبر 2007، في رسالة تحذير إلى إيران تحديداً بأنها سوف تستمر في توجيه ضربة عسكرية، سواء لمنشآتها النووية أو لقواعدها العسكرية في سوريا. 2- البحث عن أدوار جديدة: تسعى الميليشيات الحليفة لإيران إلى توظيف الأزمات والمواجهات العسكرية المحدودة لإيجاد مبررات جديدة من أجل تعزيز الأدوار التي يمكن أن تقوم بها خال المرحلة القادمة، حيث تحاول الإيحاء بأن الهدف من تأسيسها لم يكن مساعدة النظام السوري على مواجهة التنظيمات المسلحة وقوى المعارضة، أو المشاركة في الحرب ضد تنظيم "داعش" فحسب، وإنما القيام بتنفيذ مهام عابرة للحدود، طالما أن ذلك توافق مع مصالح إيران ورؤيتها للتطورات التي تشهدها المنطقة.

ومن هنا، فإن تلك الميليشيات ترى أن اندلاع مواجهات محدودة ومؤقتة يمكن أن يخدم مساعيها في هذا السياق، خاصة أنها تبحث في هذه الفترة عن إجابة للسؤال الأهم الذي يتمثل في مساراتها المحتملة في مرحلة ما بعد انتهاء الأزمة السورية والقضاء على تنظيم "داعش".

وفي هذا السياق، لم تستبعد بعض تلك الميليشيات أن تشارك في أية حرب محتملة في المستقبل قد تنشب بين إيران أو حزب اله من جهة، وبين إسرائيل من جهة أخرى، على

نحو ما أكد قيس الخزعلي أمين عام "كتائب عصائب أهل الحق"، الذي قال، في 9 ديسمبر 2017، إنه "مستعد لتلبية نداء الإمام الغائب والمجيء لمواجهة العدو الصهيوني")7.)

كما قام قائد ميليشيا "النجباء" أكرم الكعبي بزيارة إلى بيروت في 14 فبراير 2018، حيث قال: "لن نتوقف حتى تحرير القدس الشريف وسنصطف أمام إسرائيل في كل منطقة من محور المقاومة")8(. وكان لافتاً أن تلميحات الخزعلي تلت التهديدات التي أطلقها الأمين العام لحزب اله حسن نصر اله، في 23 يونيو 2017، من أن أي حرب مقبلة يمكن أن تفتح الحدود لمقاتلين من العراق واليمن وأفغانستان للمشاركة في القتال ضد إسرائيل)9.)

كما استغل حزب الله التصعيد مع إسرائيل حول منصات الغاز في البحر المتوسط من أجل ادعاء أن ساح الحزب هو الوحيد القادر على مواجهة الأخيرة. فقد بات "ساح الحزب" محوراً مهماً في التفاعات الداخلية اللبنانية، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية التي سوف تجرى في مايو 2018، وهو ما دفع الحزب إلى محاولة الاستناد إلى التصعيد الجديد مع إسرائيل حول الموارد النفطية من أجل تبرير إصراره على الاحتفاظ بساحه وعدم فتح هذا الملف على الرغم من كل الدعوات التي توجهها القوى الداخلية اللبنانية في هذا الصدد.

ومن دون شك، فإن ذلك لا ينفصل عن محاولة الحزب احتواء الضغوط التي يتعرض لها على الساحات المختلفة، الداخلية والإقليمية والدولية، بسبب مشاركته في الصراع السوري وانتهاكه الموقف الرسمي للدولة اللبنانية التي اعتمدت سياسة النأي بالنفس في التعامل مع تطورات هذا الصراع.

والافت هنا أن هذا الدور العابر للحدود الذي ترى الميليشيات الموالية لإيران أنها بصدد القيام به خال المرحلة القادمة لا يقتصر على ما تسميه تلك الميليشيات ب"المواجهة المحتملة مع إسرائيل"، وإنما يمتد إلى ساحات أخرى، حيث لم تعد هذه الأطراف تستبعد إمكانية تنفيذ مهام عابرة للحدود اللبنانية والسورية، سواء في العراق أو في اليمن أو في أى منطقة أخرى.

وقد انعكس ذلك في التصريحات التي أدلى بها نصر اله، في 21 نوفمبر 2017، وأشار فيها إلى سحب قوات الحزب من العراق، ملمحاً إلى إمكانية إرسالها إلى أي منطقة أخرى في حالة ما إذا تطلب الأمر ذلك)10(، وهو ما يعني أن تلك الميليشيات تحولت إلى "فواعل جوالة" توجد في أي منطقة تحاول فيها إيران تعزيز نفوذها أو تهديد مصالح القوى الإقليمية والدولية المناوئة لها. 3- التغطية على الإخفاق: تعتبر التصرفات التركية في المياه الإقليمية القبرصية مثالاً واضحاً في هذا الإطار، فقد أخفقت

معظم الأهداف التي سعت أنقرة إلى تحقيقها على الساحة الخارجية، إن لم يكن مجملها، إذ تراجع دور قوى الإسام السياسي، خاصة جماعة الإخوان المسلمين بشكل كبير، على الساحتين الإقليمية والدولية، بعد اتهامها بدعم الإرهاب وتراجع شعبيتها في عدد من الدول العربية. كما انهمكت قطر، حليفة تركيا، في التعامل مع الضغوط التي تفرضها قرارات المقاطعة التي اتخذتها الدول العربية الداعية لمكافحة الإرهاب والداعمة لاستقرار، منذ 5 يونيو 2017، بسبب دعم الدوحة للإرهاب وتدخلها في الشؤون الداخلية لدول المنطقة.

ويضاف إلى ما سبق اختال توازنات القوى في سوريا لصالح النظام السوري، الذي تمكن، بمساعدة روسيا وإيران والميليشيا­ت الموالية لها، من انتزاع زمام المبادرة من قوى المعارضة والتنظيمات المسلحة، التي مازالت الانقسامات المتصاعدة فيما بينها تمثل أحد أهم أسباب تراجع دورها.

كما يتسع نطاق الخافات مع الولايات المتحدة الأمريكية، سواء بسبب الإشكاليات المرتبطة بقضية فتح اله جولن زعيم حركة "خدمة" الذي تطالب أنقرة بتسليمه على خلفية اتهامه بالتورط في الانقاب العسكري الفاشل في يوليو 2016، أو بسبب الدعم الأمريكي المستمر للميليشيات الكردية التي شاركت في الحرب ضد تنظيم "داعش"، والتي تعتبرها أنقرة منظمات إرهابية وامتداداً لحزب العمال الكردستاني.

وقد وصلت الخافات بين الطرفين في هذا الصدد إلى مرحلة غير مسبوقة، عقب التدخل العسكري التركي في عفرين لإخراج مقاتلي "وحدات حماية الشعب الكردية" منها، وتهديدها باجتياح منبج في حالة ما إذا لم يتم التوصل إلى تفاهمات حولها مع الإدارة الأمريكية.

وتتصاعد حدة التوتر في العاقات بين تركيا والدول الأوروبية، سواء بسبب الإجراءات القمعية التي اتخذتها أنقرة في مرحلة ما بعد محاولة الانقاب الفاشلة التي وقعت في منتصف يوليو 2016، أو نتيجة لموقف أنقرة من الميليشيات الكردية، خاصة بعد شن عملية "غصن الزيتون" في 20 يناير 2018.

وبدا ذلك جلياً في الانتقادات التي وجهتها فرنسا وألمانيا لتلك العملية، حيث قالت المستشارة الألمانية أنجيا ميركل، في 20 مارس 2018، إنه "على الرغم من المصالح الأمنية التركية كافة، فإن ما يحدث في عفرين غير مقبول حيث يضطهد الآلاف أو يقتلون أو يجبرون على الفرار")11(. فيما أشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى ضرورة عدم تحويل العملية إلى ذريعة ل"غزو سوريا")12.)

ومن هنا، لم تستبعد اتجاهات عديدة أن يكون حرص تركيا على فتح ملف الحقوق الاقتصادية في شرق البحر المتوسط محاولة من جانبها للتعتيم على أزماتها الداخلية والخارجية المتعددة، والتي باتت تفرض ضغوطاً قوية على الرئيس أردوغان وحكومته، خاصة في ظل استمرار حالة الاحتقان على الساحة الداخلية بسبب الإجراءات القمعية التي تتبناها الحكومة في مرحلة ما بعد وقوع المحاولة الانقابية الفاشلة. 4- إعاقة الدول الإقليمية المناوئة: يمكن القول إن نجاح مصر في اكتشاف الاحتياطات الضخمة لحقل "ظهر" قد دفع كل الدول المطلة على البحر المتوسط إلى منح أولوية خاصة للتنقيب عن النفط والغاز في مياهها الإقليمية، مثل لبنان واليونان وقبرص وإسرائيل، فيما ترى تركيا أن هذا التطور لا يتوافق مع رؤيتها لمستقبل عاقاتها مع مصر، في ظل السياسة التي تتبناها تجاه الأخيرة منذ اندلاع ثورة 30 يونيو 2013 التي أطاحت بحكم الإخوان المسلمين، الذين حاولت تركيا الاستعانة بهم لتعزيز نفوذها ودورها في المنطقة بشكل عام.

ومن هنا، يمكن تفسير مسارعة القاهرة إلى تأكيد أحقيتها في الدفاع عن مصالحها وحقوقها الاقتصادية في البحر المتوسط وتحذير أي طرف من محاولة المساس بها أو التأثير عليها بشكل غير شرعي. 5- تداعيات غير مقصودة: ينطبق هذا الأمر على قيام الولايات المتحدة الأمريكية باستهداف عناصر روسية تقاتل إلى جانب النظام السوري. فعلى الرغم من استياء واشنطن من الدور الروسي في سوريا، وتغاضي الأخيرة عن الجهود التي تبذلها إيران من أجل تكريس نفوذها هناك، فإنها لم تستهدف القوات الروسية بصورة متعمدة، خاصة مع انتشار قوات أمريكية وروسية في الأراضي السورية، ودعم كا الطرفين لقوات مناوئة لبعضها البعض، وهو ما يفتح المجال أمام إمكانية الاستهداف الخاطئ لقوات الطرف الآخر، كما في المواجهات التي تمت بين قوات النظام السوري المدعومة بقوات مرتزقة روسية والقوات الكردية المدعومة أمريكياً، حول حقول النفط في دير الزور)13.)

ثالثاً: نتائج محدودة

وفي الختام، يمكن القول إن هذا النمط من المواجهات يبقى محدوداً ويعجز في الغالب الأعم من الحالات عن تطبيق أهدافه، كما في المواجهات الإسرائيلي­ة – الإيرانية في سوريا، أو في المحاولات التركية لتهديد التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، حيث يظل الهدف الأساسي من المواجهات المحدودة هو تحقيق أهداف غير عسكرية، أي دفع الخصم إلى تقديم تنازلات وتجنب الانزلاق إلى المواجهات العسكرية. فغايتها الأساسية توجيه رسائل مباشرة للأطراف الأخرى، من دون تصعيد الصراع القائم فعاً، بدليل أنها في بعض الأحيان تتوازى مع خطوات مقابلة للتهدئة.

وتتوقع بعض المراكز البحثية الغربية أن هذا النمط من التفاعات، قد تزداد وتيرته، أو تتصاعد حدته في منطقة الشرق الأوسط، بعد انضمام بعض الشخصيات اليمينية في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على غرار مايك بومبيو، مدير وكالة الاستخبارا­ت المركزية الأمريكية، الذي تم تعيينه وزيراً للخارجية محل وزير الخارجية المقال ريكس تيلرسون، وجون بولتون، المندوب الأمريكي الأسبق في الأمم المتحدة في عهد إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش) 14 .)

وعلى الرغم مما يحمله الرأي السابق من وجاهة، فإنه يظل احتمالاً ضعيفاً، وهو ما يرجع إلى إدراك الأطراف المنخرطة في الصراع التكلفة المرتفعة لانخراط في مواجهات عسكرية شاملة، ومحدودية النتائج التي قد تجنيها من هذه المواجهة، في ضوء انخراط القوى الكبرى في صراعات وأزمات المنطقة، وعدم رغبتها في الانجرار لحرب إقليمية مكلفة وغير واضحة الأهداف.

شهدت الدول المشاطئةلل­بحر الأحمر تنامي الأدوار العسكريةلل­اعبين الإقليميين،لاسيما الإيراني والتركي، بالإضافة إلى تعزيز الوجود الدولي القائم فعلاً، ودخول لاعبين جدد مثل الصين، وهو ما ترك تداعيات جيواستراتي­جيةعلى العلاقات بين دول البحر الأحمر، تمثلت في إشعال الصراعات القائمة، والإخلال بالتوازنات­الإقليمية.

عرف البحر الأحمر باسم “البحيرة العربية”، نظراً لاقتصار التفاعات على الدول المشاطئة له، وغياب الأدوار الإقليمية والدولية المؤثرة، غير أن هذا الوضع شهد تغيراً واضحاً في أعقاب تنامي عملية القرصنة في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، أمام السواحل الصومالية بدءاً من عام 2008، والذي استدعى حضوراً دولياً، ثم ما لبثت أن سعت القوى الإقليمية الرئيسية للدخول في التفاعات الأمنية بين دوله، سواء لامتاك أوراق الضغط أو لتعزيز نفوذها الإقليمي.

وسوف يسعى هذا التحليل إلى بيان العوامل التي أدت إلى تصاعد الأهمية الاستراتيج­ية للبحر الأحمر، وأبعاد الأدوار الإقليمية، خاصة الدورين الإيراني والتركي، بالإضافة إلى توضيح أبعاد دور القوى الكبرى، لاسيما الولايات المتحدة والصين، وأخيراً الإشارة إلى التداعيات الجيواسترا­تيجية لهذه التدخات.

اأولً: الأهمية الجيوا�ستراتيجية للبحر الأحمر

يشكل البحر الأحمر حلقة وصل بين ثاث مناطق إقليمية هي: الشرق الأوسط والقرن الأفريقي، والمحيط الهندي، ومنطقة الخليج، وقد تزايدت أهميته بعد حفر قناة السويس في القرن التاسع عشر، وتحوّله إلى أهم ممر تجاري عالمي)1(. ومن جهة ثانية، يستمد البحر الأحمر أهميته الاستراتيج­ية من موقعه الجغرافي الذي وفّر للقوى الإقليمية والدولية إمكانية الوصول إلى المحيطين الهندي والأطلسي عبره.

وقد زادت هذه الأهمية بعد اكتشاف النفط في دول الخليج العربية، حيث أصبح الطريق الرئيسي الذي يمر من خاله نفط الخليج العربي وإيران إلى الأسواق العالمية في أوروبا وأمريكا إذ تمر حوالي 60% من احتياجات أوروبا من الطاقة عبر البحر الأحمر، بينما يتم نقل نحو 25% من احتياجات النفط للولايات المتحدة عبره.

وبالنسبة للقوى الدولية، فقد تزايدت أهمية البحر الأحمر، إذ إن الصين ترسل حوالي تريليون دولار سنوياً من البضائع عبره)2،) وهو ما أدى إلى تصاعد الأهمية الاستراتيج­ية للموانئ المطلة على البحر، نظراً لوقوعها على طريق مشروع “مبادرة الحزام والطريق” الصينية، التي أعلنها الرئيس الصيني في

 ?? ??
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates