Trending Events

الصراع القادم:

احتمالات تفجر حرب كبرى في الشرق الأوسط

- د. إيمان أحمد عبدالحليم باحثة متخصصة في العلاقات الإقليمية - مصر

على الرغم من احتدام وتيرة التصعيد بين الأطراف الدولية والإقليمية في منطقة الشرق الأوسط عقب الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني، فإن تفجر حرب إقليمية كبرى قد يكون مستبعداً، وهو ما يدفع هذه الأطراف للاكتفاء بمسارات بديلة للتصعيد، مثل الحروب بالوكالة، وسباقات التسلح، والهجمات الصاروخية انطلاقاً من بؤر الصراعات في سوريا واليمن.

اأولً: م�سارات الت�سعيد المتبادل

تعددت مسارات التصعيد بين القوى الإقليمية والدولية في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن عدداً كبيراً من التحليات والتقديرات المنشورة في مراكز التفكير الغربية قد أكدت أن الساحة السورية ستكون بؤرة الحروب بالوكالة Proxy( Wars) الأكثر احتداماً في منطقة الشرق الأوسط، وفي هذا الصدد تتمثل أهم المواجهات التي يُحتمل أن يشهدها الإقليم فيما يلي: 1- عودة الحرب الباردة: رأي "ديمتري ترينين" Dmitri( Trenin) مدير مركز "كارنيجي موسكو" في مقاله "حرب باردة جديدة تشتعل في سوريا" المنشور في 14 أبريل 2018، أن هناك تصاعداً للخاف الروسي - الأمريكي بعد الهجوم الثاثي على مواقع عسكرية في سوريا يشتبه في ارتباطها بصناعة الأسلحة الكيميائية في أبريل 2018 وهو الهجوم الذي عارضته موسكو، يضاف إلى هذا أن روسيا تطلق تهديدات مستمرة بأنه في حال التعرض لجنودها وقواعدها في سوريا فسترد باعتراض الصواريخ، واستهداف المنصات التي تم إطاقها منها.

ويشير "ترينين" إلى أن الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن قد عادت أجواؤها منذ عام 2014 بعد الأزمة الأوكرانية، وتعددت مظاهرها منذ ذلك الحين، وبلغت ذروتها مع الهجوم الثاثي على سوريا، والذي اعتبرته موسكو عماً من أعمال العدوان من شأنه أن يكون له تأثير مدمر على النظام الدولي بأكمله، وقد تترتب عليه مواجهة مباشرة بين القوى الدولية الكبرى) .) 2- الصدام الإسرائيلي - الإيراني: أشار "فيليب جوردون" في مقال بعنوان "هدوء إسرائيلي ما قبل العاصفة"، والمنشور في مجلة "فورين بوليسي" ‪Foreign Policy(‬ ) في أبريل 2018 إلى صعود احتمالات المواجهة المباشرة بين كل من إسرائيل وإيران على الساحة السورية؛ ففي الوقت الذي عززت فيه إيران وجودها في سوريا لدعم نظام بشار الأسد، أعلن القادة السياسيون والعسكريون الإسرائيلي­ون أنهم لن يتقبلوا وجوداً عسكرياً إيرانياً بالقرب من حدودهم.

وفي هذا الصدد، تعددت مؤشرات التصعيد الإسرائيلي - الإيراني، مثل قيام تل أبيب بضرب عدد من المواقع الإيرانية في سوريا، وإسقاط الدفاعات الجوية الإسرائيلي­ة لطائرة من دون طيار إيرانية الصنع كانت قد انتهكت المجال الجوي الإسرائيلي في فبراير 2018.

وأعقب ذلك إسقاط الدفاعات الجوية السورية مقاتلة إسرائيلية من طراز "إف - 16"، كما أصابت مقاتلة أخرى من طراز "إف - 15"، وتواصل التصعيد بقيام تل أبيب

بقصف قاعدة )تي - 4( العسكرية السورية في 9 أبريل 2018، مما أسفر عن مقتل عدد من العناصر الإيرانية) ،) كما قامت تل أبيب بقصف المواقع الإيرانية في سوريا عقب إعان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة الاتفاق النووي الإيراني في 8 مايو 2018.

وفي السياق ذاته، ناقش "كريم سجادبور" في تحليل "العدو الحقيقي لإسرائيل في سوريا"، والمنشور على موقع "مركز كارنيجي" في أبريل 2018؛ قيام إيران بتدريب وتأهيل المقاتلين الشيعة من العراق وباكستان وأفغانستان لدعم نظام الأسد في سوريا، موضحاً أن مصالح طهران في سوريا لا تقتصر على الحفاظ على بقاء نظام الأسد فحسب، وإنما تمتد إلى تهديد إسرائيل بسبب العداء الاستراتيج­ي بين الدولتين.

ويستدل على ذلك بتصريح "علي أكبر ولايتي" مستشار المرشد الإيراني حول أن "سلسلة المقاومة ضد إسرائيل التي تقوم بها إيران وحزب الله والحكومة العراقية الجديدة وحماس تمر عبر الطريق السوري، وسوريا هي العقدة الذهبية للمقاومة ضد إسرائيل"؛ فالعداء الإيراني لإسرائيل يكسبها قدراً ما من الشرعية الداخلية، وهو ما يفسر استمرار وجودها العسكري في سوريا على الرغم من خسائرها البشرية هناك، ويتوقع التحليل استمرار التصعيد العسكري بين الجانبين خال الفترة المقبلة) .) 3- التوترات التركية – الأمريكية: تناول تحليل "جون ألترمان" و"هيذر كونلي"، المنشور بعنوان "سوريا وتركيا وشرق البحر المتوسط" على موقع "مركز الدراسات الاستراتيج­ية والدولية" CSIS() في أبريل 2018 الخافات بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا والناتجة عن تعارض مصالح الطرفين في الصراع السوري. فلقد قامت واشنطن بدعم وحدات حماية الشعب الكردية عسكرياً وسعت لتشكيل قوات لحرس الحدود من بين عناصرها، وهو ما دفع تركيا لإرسال قواتها إلى سوريا للسيطرة على "عفرين"، وتتزايد احتمالات المواجهة بين الطرفين بسبب التقارب التركي مع كل من روسيا وإيران) .)

ويتطابق هذا الاستنتاج مع رؤية آرون شتاين" في مقاله، "التنافر الاستراتيج­ي في سوريا: لماذا لا تستطيع إيران وروسيا وتركيا الحصول على كل ما يريدونه؟"، والمنشور في مجلة )الفورين أفيرز( في مارس 2018، حيث أكد أن الولايات المتحدة ركزت على إنهاء وجود "داعش" في سوريا بشكل أساسي وهو ما دفع واشنطن للتحالف مع "وحدات حماية الشعب" الكردية مما أدي إلى تصاعد التوتر بين واشنطن وأنقرة.)

4- التصعيد العسكري الإيراني: تناولت بعض التحليات احتمالات التصعيد العسكري من جانب إيران بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، إذ أشار "أفشون أوستوفار" في مقاله بموقع مجلة "الفورين بوليسي" في 7 مايو 2018 إلى احتمال قيام طهران باستهداف المصالح الأمريكية في المنطقة، بالإضافة إلى توظيف الميليشيات التابعة لها في سوريا لإطاق الصواريخ على مناطق تمركز القوات الإسرائيلي­ة في الجولان.

وتوقع المقال أيضاً أن تستمر طهران في التصعيد في مواجهة دول التحالف العربي في اليمن عبر توظيف ميليشيات الحوثيين، إلا أن الكاتب يرى أن توازن القوى التقليدي في المواجهات العسكرية المباشرة يميل لصالح دول التحالف العربي، إذ تعاني إيران من تدهور شديد في قدراتها العسكرية بسبب العقوبات الاقتصادية والضغوط السياسية من جانب الولايات المتحدة والتي تمنعها من شراء منظومات التسلح المتقدمة، مما يجعل قدراتها العسكرية عتيقة الطراز وضعيفة نسبياً) .)

ثانياً: اأنماط المواجهات الع�سكرية

تستبعد معظم التحليات الغربية وقوع مواجهة مباشرة بين القوى الدولية والإقليمية في منطقة الشرق الأوسط في ظل اعتمادهم على الوكاء الإقليميين لتقليل خسائر المواجهات المباشرة، وتتمثل أهم آليات التصعيد فيما يلي: 1- توظيف الوكلاء الإقليميين: توقع "محمد أيوب" في مقال "نحو هرمجدون: إسرائيل وإيران والولايات المتحدة يمكن أن ينتهي بهم الحال إلى حرب"، والمنشور في مجلة "الناشونال إنترست" ‪The National Interest(‬ ) في مايو 2018، التوسع في الحرب بالوكالة بين الأطراف الدولية والإقليمية المنخرطة في مناطق الصراعات في الإقليم، نتيجة للتداعيات الكارثية المترتبة على المواجهات المباشرة، إلا أن الكاتب لم يستبعد مهاجمة إيران لبعض الأهداف الإسرائيلي­ة في حالة تكرار هجمات تل أبيب على قواعدها في سوريا.

ويحذر المقال من أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي قد يدفع إيران لتوظيف وكائها الإقليميين في الشرق الأوسط مثل حزب اله وميليشيا الحوثيين والميليشيا­ت الشيعية بالعراق لمهاجمة الأهداف الإسرائيلي­ة والأمريكية دون تمييز خاصة في سوريا والعراق، فضاً عن التصعيد العسكري في مواجهة قوات التحالف العربي في اليمن) .) 2- تزايد الهجمات الصاروخية: تؤكد التحليات الغربية تطور القدرات الصاروخية للميليشيات والفصائل المُسلحة في الصراع الأهلي في سوريا وهو ما يزيد من أهمية منظومات الدفاع الجوي، ففي مطلع مايو 2010 أطلقت الميليشيات الشيعية التابعة لإيران عشرات الصواريخ باتجاه هضبة الجولان المُحتلة.

ولقد ردت القوات الإسرائيلي­ة بشن غارات جوية وهجمات صاروخية على المنشآت التابعة للحرس الثوري الإيراني والقواعد العسكرية السورية ومستودعات الأسلحة التابعة لفيلق القدس وبعض مواقع الدفاع الجوي.

وسارع الجيش الإسرائيلي إلى شن غارات جوية وهجمات صاروخية على عدد من المنشآت التابعة لإيران، وبعض الأهداف اللوجستية، ومجمّعات عسكرية في سوريا، من بينها مستودع أسلحة خاص ب"فيلق القدس" التابع ل"الحرس الثوري" الإيراني في مطار دمشق، وقد أشار "فرزين نديمي" إلى تحول سوريا لمركز لإطاق الصواريخ الإيرانية على دول الجوار ضمن التحليل المعنون "التصعيد الإيراني غير المدروس في الجولان"، والمنشور على موقع "معهد واشنطن" في 10 مايو 2018، وأكد المقال أن قواعد جديدة لاشتباك تتم صياغتها حالياً بين القوى الإقليمية انطاقاً من الصدامات العسكرية في سوريا.

ولا ينفصل ذلك عن موافقة روسيا على تسليم أنظمة "إس - 300" الصاروخية إلى نظام الأسد في سوريا بعد تردد طويل بسبب تحفظات القوى الغربية على إتمام تلك الصفقة، وهو ما يرجع إلى سعي موسكو للرد على الضربات العسكرية الغربية الموجهة إلى سوريا، والتي لم تأخذ في اعتبارها الاعتراضات الروسية) .)

3- تطوير القدرات النووية: لم تستبعد بعض التحليات احتمالية توجيه ضربة عسكرية لبعض المنشآت النووية الإيرانية في حال استئنافها لبرنامجها النووي، فلقد نشرت مؤسسة "ستراتفور" تقديراً بعنوان "كيف سيؤثر انسحاب الولايات المتحدة على الصفقة النووية الإيرانية؟" تضمن ترجيحاً لقيام طهران بمواصلة تعزيز قدراتها النووية والسعي لتطوير صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية للرد على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018 .)

ويتفق مع هذا الاتجاه "فيليب جوردون" في مقاله "هدوء إسرائيل ما قبل العاصفة"، والمنشور في مجلة "الفورين بوليسي" ‪Foreign Policy(‬ ،) حيث أوضح أنه بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي فإن طهران قد تقوم بطرد المفتشين الدوليين، واستئناف برامج التخصيب النووي وتطوير قدراتها الصاروخية.

ويستدل على ذلك بتهديد عدد من القيادات السياسية الإيرانية بالانسحاب من الاتفاق النووي واستئناف إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 20% في حالة تقويض ترامب الصفقة النووية، وهو ما اعتبره الكاتب أحد الخطوات التي ستقود إيران في النهاية لصنع القنبلة النووية، مما سيدفع إلى سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، وربما توجيه ضربة عسكرية مشتركة من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل ضد المنشآت النووية الإيرانية) .)

ثالثاً: اآليات احتواء الت�سعيد

اختلفت التحليات الغربية حول قدرة القوى الدولية والإقليمية وقف التصعيد وتجنب تفجر حرب إقليمية كبرى؛ إذ يرى "ديمتري ترينين" في مقاله "حرب باردة جديدة تشتعل في سوريا"، والمنشور على موقع "كارنيجي موسكو"، أن التوترات الأمريكية - الروسية أخطر من التصعيد خال الحرب الباردة في ظل الافتقاد لآليات تجنب التصعيد المتبادل وإدارة الأزمات.

ووفقاً لترينين، تنذر الأوضاع الحالية باحتمال تفجر مواجهة مباشرة بين الجانبين في مجالات متعددة مثل: الحرب المعلوماتي­ة، والاقتصادي­ة، كما تظل احتمالات المواجهة العسكرية قائمة وغير مستبعدة نتيجة احتمالات تطور الحرب بالوكالة بينهما في سوريا إلى مواجهة مباشرة لحسم المصالح المتعارضة ورد موسكو على التصعيد العسكري المتواصل من جانب الدول الغربية.

ولم يستبعد "ترينين" إمكانية احتواء التصعيد عبر قيام القادة العسكريين بتنفيذ المهام المطلوبة مع تجنب الاقتراب من مصالح الدول الأخرى، بالإضافة إلى إمكانية التنسيق بينهما مثلما حدث خال الهجمات الغربية على سوريا في أبريل 2018 لضمان عدم حدوث صدام بين الطائرات خال تنفيذ الهجمات، وذلك على الرغم من التصريحات الروسية السابقة بإمكانية مهاجمة قواعد إطاق الصواريخ على سوريا) .)

وفي السياق ذاته، استبعد "مكسيم ترودوليوبو­ف" تفجر مواجهة مباشرة بين الأطراف المنخرطة في الصراع السوري، ففي مقاله المنشور بعنوان "في سوريا، موسكو تدافع عن رواية، وليس عن دولة" على موقع مركز "ودرو وويلسون"، أكد أنه على الرغم من التصريحات التصعيدية من جانب موسكو وواشنطن، وترجيح روسيا احتمالية وقوع ما يشبه "الأزمة الكوبية" والتلويح الروسي المستمر باحتمالية نشوب حرب عالمية ثالثة، فإن واقع الأمر يشير إلى أن الطرفين قد أظهرا حالة من ضبط النفس والهدوء خال تنفيذ الهجوم الثاثي على المواقع العسكرية السورية.

ورصد المقال انتظام الاتصالات العسكرية والدبلوماس­ية بين الطرفين لتفادي أي احتكاك، كما يرى الكاتب أن الولايات المتحدة حرصت على أن تكون هجمات محدودة واقتصارها على استهداف المواقع التي تعتقد تورطها في برنامج الأسلحة الكيمياوية لتفادي استفزاز موسكو) .)

فيما رأي "جون ألترمان" و"هيذر كونلي" في مقالهما "سوريا وتركيا وشرق البحر المتوسط" والمنشور في "مركز

يمكن أن تستغل موسكو علاقاتها الجيدة مع كافة الأطراف الإقليمية المنخرطة في الصراع السوري خاصة إيران و"حزب الله" والنظام السوري فضلًا عن حرص إسرائيل على تجنب استفزاز روسيا واطلاعها على الهجمات الجوية التي تنفذها في سوريا، وهو ما يتصل بسعي الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" الحفاظ على وجود روسي ممتد في الشرق الأوسط والقيام بدور الوسيط في الأزمات الإقليمية.

الدراسات الاستراتيج­ية والدولية" أن الولايات المتحدة يجب أن تمنع قيام حرب كبري وذلك بتبني استراتيجية جديدة تهدف لتحقيق المزيد من الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وحل الصراعات المحتدمة في الإقليم، خاصة الصراع في سوريا بهدف تحقيق المصالح الأمريكية.

ويبرر المقال هذا الطرح بأنه على الرغم من الانتهاكات المتعددة التي ارتكبها نظام الأسد، فإن المصلحة الأمريكية تتمثل في الحفاظ على الدولة السورية موحدة ومستقرة وهو ما يعني ضرورة التعامل مع الأسد، وأشار الكاتبان أيضاً إلى أن الحفاظ على تماسك حلف الناتو يتطلب إعادة تقييم عاقة الولايات المتحدة مع تركيا لإيجاد رؤية مشتركة لأزمات المنطقة لاسيما سبل التعامل مع الصراع السوري، والموقف من الأكراد) .)

وركزت بعض التحليات على الدور الروسي في خفض حدة التوترات الإقليمية، حيث أشار "جوست هيلترمان" في مقاله المنشور على موقع "مجموعة الأزمات الدولية" بعنوان "بإمكان روسيا الحفاظ على السام بين إسرائيل وإيران" إلى أن موسكو يمكنها منع التصعيد بين طهران وتل أبيب في سوريا.

ويمكن أن تستغل موسكو عاقاتها الجيدة مع كافة الأطراف الإقليمية المنخرطة في الصراع السوري، خاصة إيران و"حزب اله" والنظام السوري فضاً عن حرص إسرائيل على تجنب استفزاز روسيا واطاعها على الهجمات الجوية التي تنفذها في سوريا، وهو ما يتصل بسعي الرئيس الروسي "فاديمير بوتين" للحفاظ على وجود روسي ممتد في الشرق الأوسط والقيام بدور الوسيط في الأزمات الإقليمية)

ختاماً، يُرجَّح أن تدفع الحسابات المعقدة لمصالح الأطراف الدولية والإقليمية المنخرطة في التوترات في منطقة الشرق الأوسط إلى محاولة احتواء حدوث تصعيد غير محسوب أو مواجهة عسكرية مباشرة، وفي المقابل ستتصاعد حدة الصراعات بالوكالة التي تنفذها الميليشيات والفصائل المُسلحة التابعة لإيران وتركيا والولايات المتحدة، بينما ستستغل إسرائيل أجواء التصعيد لاستهداف وتحجيم الوجود العسكري الإيراني في سوريا.

"كلما أصبح العالم أصغر بسبب التطور التكنولوجي، أصبح أكثر تداخاً وتعقيداً، لاسيما في ظل تفجر الأزمات الجامحة المتتابعة التي لا حصر لها" من هذه العبارة ينطلق "روبرت كابان" في كتابه المعنون "عودة عالم ماركو بولو: الحرب والاستراتي­جية والمصالح الأمريكية في القرن الحادي والعشرين" لمناقشة أبرز التغيرات الجيوسياسي­ة الصاعدة والتي يتوقع أن تكون المحرك الأساسي للعديد من التفاعات السياسية خال الفترة المقبلة، وانعكاساته­ا على المصالح الأمريكية في العالم.

تفجر ال�سراع الورا�سي

على الرغم من أن القارة الأوروبية تمكنت من تحقيق التماسك والاستقرار لفترة طويلة، فإن الكتاب يتوقع أن تشهد أوروبا مزيداً من الضعف والانقسام خال السنوات المقبلة في ظل تنامي الشعبوية وضغوط التيارات اليمينية المتطرفة وتيارات العداء للعلم والمعرفة في هذه الدول، بالإضافة إلى عدم قدرة الدول الأوروبية على استيعاب تدفقات الاجئين من دول الشرق الأوسط.

وفي المقابل، يتوقع كابان صعود منطقة أوراسيا والتي تتكون من دول أوروبا وآسيا، وتضم ما يقدر بحوالي 92 دولة، ومن المتوقع أن يتصاعد الصراع بين دول أوراسيا الكبرى خال الفترة المقبلة لاسيما روسيا، والصين، وتركيا، وإيران، حيث إن الساسة بدأوا يدركون أن من يتحكم في أوراسيا سيتمكن من السيطرة على العالم.

ويرى الكاتب أن الصراع الذي ستشهده أوراسيا هو أمر حتمي في ظل ضعف النظام الدولي الذي تأسس بعد معاهدة صلح وستفاليا في عام 1648، وتجدد صراعات الجغرافيا السياسية، بالإضافة إلى حدوث ما أطلق عليه "انتقام التاريخ"، حيث تسعى العديد من دول هذه المنطقة لاستعادة مكانتها التاريخية وامتدادها الإمبراطور­ي.

وسيتراجع تأثير الولايات المتحدة على هذا الصراع بشكل كبير في ظل بعدها الجغرافي عن هذه المنطقة، حيث إنه على الرغم من التطور التكنولوجي في وسائل النقل والمواصات، فإن عوامل التقارب والتباعد الجغرافي لاتزال مؤثرة إلى حد كبير.

بناء القوة البحرية

يستعرض الكتاب مجموعة الخيارات المتاحة أمام صانع القرار الأمريكي لاستعادة التوازن الأوروبي - الآسيوي، إلا أن كابان يشكك في قدرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على القيام بمثل هذا الدور، حيث اعتبره "رئيساً انقطعت الصلة بين رؤيته للعالم والواقع" ولا يمكنه صياغة سياسات فعالة تعزز من القيادة الأمريكية للعالم.

وفي المقابل، يرى الكاتب أن الرئيس الروسي فاديمير بوتين لديه قدرة أكبر على استيعاب التحولات العالمية وتوجيه السياسات الروسية بصورة أكثر اتزاناً من نظيره الأمريكي، وهو ما دفعه لدعوة الرئيس ترامب لتطوير عاقات وثيقة مع روسيا والاسترشاد بنهج بوتين في التعامل مع التطورات العالمية

ويؤكد كابان ضرورة اهتمام الولايات المتحدة بتطوير القوة البحرية، نظراً لأنها ستكون عاماً مهماً في الحفاظ على الاستقرار الدولي، واستعراض قوة واشنطن والحفاظ على صورتها، مؤكداً ضرورة زيادة الميزانية المخصصة للقوات البحرية بشكل خاص، بالإضافة إلى زيادة الإنفاق العسكري الأمريكي بصفة عامة.

احتواء كوريا ال�سمالية

طرح الكتاب عدداً من السياسات المقترحة للتعامل مع كوريا الشمالية، وأشار إلى وجود مبالغة في القلق من كوريا الشمالية، خاصةً أن تجاربها الصاروخية محاولة لاستعراض نقاط القوة الوحيدة لديها لإجبار الدول على التفاوض معها.

ولم يفضل كابان خيار التفاوض، حيث رأى ضرورة تبني استراتيجية جديدة تقوم على تغيير النظام في كوريا الشمالية عن طريق زيادة الضغوط الاقتصادية عليها مما يترتب عليه استنزاف الموارد وضعف الحكومة المركزية، وتصاعد حركة المقاومة للنظام حتى إضعافه بشكل نهائي ثم تشكيل حكومة وطنية جديدة بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية.

ختاماً، يؤكد كابان ضمن مشروعه لتغيير نظام الحكم في كوريا الشمالية ضرورة قيام الولايات المتحدة بدعم النظام الجديد والاستقرار الداخلي في بيونج يانج ومنع تحولها إلى ساحة لتدخات القوى الكبرى مثل الصين وروسيا. وتسببت هذه المقترحات في توجيه انتقادات متعددة لكابان بسبب اخفاق سياسات تغيير نظم الحكم التي اتبعتها الولايات المتحدة في فترات سابقة والاستهانة بقدرة النظام الكوري وحلفائه الصينيين على التصدي لموجات عدم الاستقرار الموجهة من الخارج.

"إن القرن الحادي والعشرين لن يكون أمريكياً أو آسيوياً، وإنما "أوراسياً" يخضع لتفاعل القوى الكبرى في هذا الإقليم"، هذا هو ما يناقشه "برونو ماسايس"، الوزير البرتغالي السابق وكبير المستشارين في شركة فلينت البريطانية لاستشارات، وذلك في كتابه المعنون: "فجر أوراسيا: الطريق نحو نظام عالمي جديد"، الصادر في يناير .2018

ويرى الكاتب أن أوراسيا تتمتع بأهمية استراتيجية وجيوسياسية واقتصادية كبيرة، لذلك تصاعدت محاولات السيطرة على هذه المنطقة من قبل القوى الكبرى مثل روسيا والصين، وهو ما يُعد مؤشراً على تشكل نظام عالمي جديد في القرن الحادي والعشرين يمثل تحدياً للهيمنة الأمريكية.

الأهمية ال�ستراتيجية لأورا�سيا

يشير الكتاب إلى أن الأفراد لم يكن باستطاعتهم التنقل بسهولة خال فترة الحرب الباردة، حيث كان حائط برلين يقسّم أوروبا إلى شطرين، وكانت بعض الدول، مثل الصين في عهد "ماو تسي تونج" منكفئة على ذاتها.

ولقد تغير هذا الوضع مع سقوط حائط برلين وانفتاح الصين على العالم، مما جعل الكتلة الأوراسية تصعد إلى الواجهة مرة أخرى ككيان مميز ذي أهمية اقتصادية واستراتيجي­ة كبرى، ولهذا ركزت الصين من خال مبادرة "الحزام والطريق" على هذه المنطقة.

وفي هذا السياق، وصف "هالفورد ماكيندر" أوراسيا بأنها جزيرة عالمية، وأن من يُسيطر عليها يحكم العالم، كما تشكل ممراً حيوياً لحركة نقل الغاز والنفط إلى أوروبا.

وتضم هذه المنطقة الجغرافية ست دول ضخمة من الناحيتين الاقتصادية والعسكرية منهما الصين والهند اللتان تعتبران من أكثر الدول سكاناً في العالم، بالإضافة إلى روسيا الدولة الأكبر من حيث المساحة.

وتُعد منطقة أوراسيا التي تتشكل من قارتي أوروبا وآسيا من أهم المناطق بالنسبة للقوى الكبرى في ظل ما تمتلكه من موارد طاقة، إذ إنها تضم ما يقدر بثاثة أرباع مصادر الطاقة في العالم.

يضاف إلى ذلك أن هذه المنطقة تقع بالقرب من عددٍ من مناطق الصراعات الرئيسية في العالم، مثل أفغانستان، ودول آسيا الوسطى، وأوكرانيا، ومن ثمّ فإن من يسيطر عليها يصبح بمقدوره حماية مصالحه ضمن هذه الصراعات.

احتدام تناف�ش القوى الكبرى

تتنافس العديد من الدول للسيطرة على أوراسيا، فعلى سبيل المثال قامت الصين بتدشين مبادرة "الحزام والطريق" لتعزيز نفوذها هناك، كما أنشأت روسيا "الاتحاد الاقتصادي الأوراسي".

في المقابل، تشهد هذه المنطقة اهتماماً محدوداً من الاتحاد الأوروبي، وذلك على الرغم من أن الأزمات الرئيسية التي تواجه الاتحاد الأوروبي تنبع في جزءٍ منها من أوراسيا، مثل أزمة الاجئين التي ترتبط بانهيار الحدود بين أوروبا وأوراسيا.

وفي هذا الإطار، سعى الرئيس الروسي "فاديمير بوتين" إلى إحكام السيطرة على أوراسيا في ظل محاولته الحدّ من النفوذ الأمريكي بها، لا سيما في آسيا الوسطى، وقد اعتمدت موسكو في استراتيجيت­ها على المشروعات التكاملية الاقتصادية، والأداة العسكرية في بعض الأحيان.

ويوجد اتجاه مشترك بين الإدارات الأمريكية المتعاقبة كافة، ومنها إدارتا "أوباما" و"ترامب"، حيث تسعى المؤسسات السياسية الأمريكية للحفاظ على هيمنة واشنطن على هذه المنطقة، وهو ما يشكل تحدياً كبيراً لطموحات الصين بشكل خاص، والتي تسعى لأن تكون القوة المُهيمنة في إقليم أوراسيا الذي تعتبره مجالها الحيوي بالمعايير الجيواسترا­تيجية.

ختاماً، يتوقع الكاتب أن تقوم الصين بتعزيز عاقتها مع روسيا، والتعاون معها للحد من النفوذ الأمريكي في أوراسيا، بالإضافة إلى الاستعداد الصيني لمواجهة القوى الدولية التي تسعى إلى إيجاد موطئ قدم في هذه المنطقة الاستراتيج­ية مثل اليابان والهند.

"ما يجعل الولايات المتحدة متماسكة هو الحلم الأمريكي، لكن يجب أن نعترف أن انتشار العشائرية بها قد يؤدي إلى انهيارها" من هذه المقولة ينطلق الكتاب المعنون "القبائل السياسية: غريزة الجماعة ومصير الأمم" لمؤلفته "إيمي تشوا"، الأستاذة في كلية الحقوق بجامعة ييل.

ويُوضح الكتاب أن كل فرد لديه نوع من الانتماء العشائري يؤثر على سلوكه السياسي بشكل ما أو بآخر، وتركز المؤلفة في هذا الإطار على حالة الولايات المتحدة، حيث ترى أن صناعة السياسة الخارجية والداخلية الأمريكية تتأثر بالانتماءا­ت الأولية إلى حد كبير.

التاأثير ال�سيا�سي للع�سائرية

ترى الكاتبة أن القيادة الأمريكية تجهل أن النزعة العشائرية لها تأثير كبير على سياستها الخارجية والداخلية أيضاً نظراً لأن الولايات المتحدة تعتقد أنها قد تمكنت من استيعاب عدد كبير من السكان المتنوعين داخل دولة موحدة، بيد أن الانتماءات العرقية والطبقية مازالت مستمرة.

وتشير "تشوا" إلى أن كثيراً من الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة لم تكن لتحدث إذا تمكن صانع القرار الأمريكي من إدراك العامل العشائري في هذا الصراع.

فعلي سبيل المثال، نظرت الولايات المتحدة إلى الوضع في فيتنام على أنه صعود للمتعصبين الشيوعيين، في حين أن الفيتناميي­ن الشماليين كانت تحركهم دوافع النزعة القومية والظلم العرقي نتيجة سيطرة الأقلية الصينية على حوالي 80% من اقتصاد فيتنام.

وتصور الأمريكيون في العراق أنه يمكنهم تصدير الفكر الديمقراطي إلى دول أخرى، بيد أن سقوط نظام صدام حسين أدى إلى إثارة نوع من التنافس بين الطوائف والعشائر المختلفة وصعود الصراع الطائفي والقومي والعشائري بين السنة والشيعة والأكراد، وهو ما وظفته بعض القوى الإقليمية والتوسعية مثل إيران وتركيا

ولم تستطع الولايات المتحدة استيعاب أن الإرهاب في بعض الأحيان يحدث بدوافع عشائرية، حيث إن بعض الإرهابيين قد يقومون بتنفيذ هذه الأفعال المتطرفة نظراً لأنهم يرون أن المسلمين كجماعة يتعرضون لاضطهاد من الدول الغربية.

ومن ثم فإن الخطابات التي يتبناها المسؤولون الأمريكيون التي تتضمن عداءً ضمنياً واضطهاداً للأقليات، تساعد على خلق نوع من التضامن بين الجماعات الإرهابية واستقطابهم لمزيد من الأتباع.

ال�سراع الع�سائري الأمريكي

على الرغم من تمكن الولايات المتحدة الأمريكية من دمج عدد كبير من المواطنين من عرقيات مختلفة، فإن البيض ما زالوا هم الأغلبية المسيطرة على المستوى السياسي والاقتصادي والثقافي أيضاً.

ولقد أنتج ذلك اختالاً في الموازين المجتمعية واضطهاداً ضمنياً وتهميشاً من جانب مؤسسات الدولة والمجتمع للأقليات المختلفة.

ويواجه النظام الأمريكي أزمة في الوقت الحالي بسبب شعور كل جماعة أمريكية بالتهديد من الأخرى، ورغبة كل منها في السيطرة لتحديد هوية الأمة وصياغة السياسة الداخلية والخارجية، وهو ما أدى لتحول الديمقراطي­ة الأمريكية إلى نمط من المنافسة الجماعية الصفرية التي لا تضمن تحقيق أي مكاسب للتكوينات المجتمعية كافة.

وتتضح هذه المنافسة من خال مراجعة استطاعات الرأي التي توضح أن عدداً كبيراً الأمريكيين من ذوي الأصول الأفريقية يرون أنهم لا يحصلون على الحقوق نفسها التي يحصل عليها البيض، في حين يعتقد بعض الأمريكيين البيض أن هناك تمييزاً ضدهم لإرضاء الأقليات وإضفاء مظهر ديمقراطي على الولايات المتحدة.

ختاماً، يشير الكتاب إلى وجود جهود فردية لتجاوز الانقسامات العشائرية والاعتماد على بعض الآليات غير الرسمية مثل البطولات الرياضية والفعاليات الثقافية التي تقوم بدور مهم في توحيد المواطنين.

وتستشهد الكاتبة بتجربتها في تنظيم الندوات الصغيرة في جامعة ييل والتي يحضرها عدد كبير من الطاب من خلفيات مختلفة وتساهم في تعزيز التفاهم بين الأفراد، إلا أن الجهود السياسية والمؤسسية لا تزال غائبة وغير فعالة مما يؤدي لتفاقم الانقسامات في المجتمع الأمريكي.

تصاعدت الكتابات التي تتناول تهديد التيارات الشعبوية للديمقراطي­ة بعد صعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة، وفي هذا الإطار جاء كتاب "ياشا مونك" المحاضر في جامعة هارفارد بعنوان "الشعوب في مواجهة الديمقراطي­ة: لماذا حريتنا في خطر وكيف ننقذها؟"، ليناقش عدداً من القضايا يتمثل أهمها في مستقبل النظام الليبرالي، وأزمات الديمقراطي­ة، كما أفرد جزءاً من كتابه لمناقشة أطروحة فوكوياما حول "نهاية التاريخ" وافتراضه بالانتصار الحتمي لليبرالية في ظل عدم وجود بديل بعد تراجع الشيوعية.

�سعود «نموذج الدوت�سي»

يرى الكتاب أن هناك تراجعاً واضحاً للديمقراطي­ة الليبرالية في مقابل صعود "الديمقراطي­ة غير الليبرالية" ويرتبط ذلك بوجود حكومات منتخبة بشكل ديمقراطي من دون أن يقوم هؤلاء المنتخبون بتوفير المعايير الليبرالية الأساسية مثل: الصحافة الحرة، واستقال القضاء، والشفافية، والحريات المدنية، وذلك على غرار أردوغان في تركيا، ومودي في الهند.

وعلى مستوى آخر تنتشر في بعض الدول "الليبرالية غير الديمقراطي­ة" بمعنى تبني نموذج اقتصاد السوق من دون إعطاء المواطنين حق الانتخاب الحر، ويرجع ذلك إلى تزايد تأثير وقوة الشعبويين المتطرفين في الدول الديمقراطي­ة مثل: ترامب في الولايات المتحدة الأمريكية، ونايجل فاراج رئيس حزب الاستقال البريطاني والذي يعد من أكبر مؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وفراوكه بيتري الرئيسة السابقة لحزب البديل من أجل ألمانيا والتي تتبنى توجهات معادية لاجئين والمسلمين.

ويعتمد الشعبويون على ما أطلق عليه نموذج "الدوتشي" وهو كلمة إيطالية تشير إلى مفهوم "الزعيم"، ويقوم هذا النموذج على قيام القائد بتبسيط المشكات التي تواجه دولته وإقناع شعبه أن هناك كياناً معيناً يعد السبب الرئيسي لكافة أزماتهم الاقتصادية والسياسية، مثل قيام ترامب باتهام الصين بأنها السبب الرئيسي للمشكات الاقتصادية الأمريكية، والادعاء بأن المكسيك هي السبب الرئيسي لانتشار الجريمة في الولايات المتحدة، وفي هذا السياق يرسخ الشعبويون لفكرة "الزعيم" الذي يناضل من أجلهم، وبمجرد أن يتولى السلطة سيحتاج إلى إلغاء القيود المؤسسية التي قد تمنعه من تحقيق إنقاذ الشعب.

دوافع تراجع «الديمقراطي­ة»

يشير الكتاب إلى أن هناك عدداً من الأسباب التي أدت إلى تراجع الديمقراطي­ة الليبرالية، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي: 1- تراجع دخل الفرد: توجد عاقة طردية بين الديمقراطي­ة وارتفاع مستوى المعيشة، فعلى سبيل المثال، ارتبطت فترة الاستقرار الديمقراطي في الولايات المتحدة بتضاعف دخل الأسرة مرتين من عام 1935 إلى عام 1985، فيما تراجع مستوى الدخل بعد هذه الفترة، مما جعل المواطنين يرون أن السياسة غير مجدية ولا تحقق مصالحهم. 2- مواقع التواصل الاجتماعي: تراجع احتكار النخب لوسائل الإعام بعد صعود مواقع التواصل الاجتماعي، وارتفاع تكاليف وسائل الإعام التقليدية، مما أدي إلى سهولة انتشار الأخبار بغض النظر عن مصداقيتها، وقد استغل اليمين المتطرف والشعبويين هذه المواقع لصالحهم حتى في الديمقراطي­ات الراسخة مثل: السويد، وألمانيا، وهولندا. 3- ارتفاع معدلات الهجرة: أدى تصاعد أزمات الشرق الأوسط إلى تزايد أعداد الاجئين بشكل غير مسبوق، بالإضافة إلى الأفراد العاديين الذين يبحثون عن فرصة لحياة أفضل في الدول الأوروبية، وهو ما أدى إلى تزايد مخاوف من تغيير هوية الدول الغربية.

مواجهة «اأزمة الديمقراطي­ة»

قدم الكتاب مجموعة من المقترحات لمواجهة أزمة الديمقراطي­ة الليبرالية يأتي في صدارتها قيام الدولة بتحقيق مستوى اقتصادي متوازن لجميع المواطنين، مع ضرورة أن تقوم سياسة الإصاح الاقتصادي على رفع مستويات المعيشة وليس تخفيض النفقات، ودعم المجتمع المدني.

وفي السياق ذاته، اقترح الكاتب تقوية مؤسسات الدولة لاسيما السلطة القضائية، وعلى الرغم من تمسك الكتاب بفكرة الديمقراطي­ة الليبرالية، فإنه يطالب بضرورة الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي إلى درجة تصل إلى منع الرسائل المتدوالة التي تحتوي على معلومات خاطئة.

وختاماً، يطرح الكاتب مجموعة من السيناريوه­ات التي اعتبرها تمثل تحدياً للدول الديمقراطي­ة يتمثل أهمها في تحول النظم الديمقراطي­ة الحالية إلى ديكتاتورية، واستمرار الشعبويين في الصعود في مقابل تراجع الليبراليي­ن، بيد أنه يبدي في الوقت نفسه تفاؤلاً بأن هذه الأزمة أفرزت قدراً كبيراً من التضامن بين المدافعين عن الديمقراطي­ة الليبرالية.

"نحن عالقون بين نظام القرن العشرين الذي لم يعد قادراً على العمل، والنظام الشبكيّ الذي حلّ محله في القرن الحادي والعشرين، لكنه لا يعمل بشكل صحيح"، من هذه العبارة ينطلق "أندرو كين" في كتابه المعنون: "كيفية إصاح المستقبل: الحفاظ على إنسانيتك في العصر الرقمي"، حيث يتناول عدم قدرة بعض الدول والأفراد على اللحاق بالعصر الشبكيّ، وهو ما نتجت عنه زيادة معدلات البطالة، وتعميق عدم المساواة بين الأغنياء والفقراء، وانهيار التحالفات الدولية، وتراجع الثقة في المؤسسات التقليدية، وتصاعد العداء للعلم. كما يقدم "كين" من خال كتابه مجموعة من التوصيات لحل هذه الأزمة.

النعزالية الرقمية

على النقيض من الهدف الذي أُنشئت من أجله مواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، انتشر الشعور بالعزلة لدى البشر، وتأسس ما يمكن أن يُطلَق عليه "مساحات افتراضية مغلقة"، حيث يفضل الفرد آراءه، ويتحيز لها، ويشعر بالتميز والتفرد متجاهاً التواصل الإنساني.

وعلى الرغم من أن الإنترنت ووسائل التواصل الحديثة أدت إلى إحداث ثورة في قطاعات الاقتصاد، وترتب عليها ظهور مجموعة من الصناعات الحديثة؛ فإنها - في الوقت نفسه - أدت إلى زيادة البطالة، وتعميق عدم المساواة، وصعود اتجاهات التشكيك في كل ما هو علمي وغير مفهوم بالنسبة للعامة، وهو ما ترتب عليه تدهورٌ في مجالات الحياة السياسية، والاقتصادي­ة، والاجتماعي­ة.

وفي هذا الإطار، يرى الكتاب أن الثورة الصناعية التي حدثت في القرن العشرين قد قدمت للمواطنين حزمةً من الحقوق والحريات أكسبتهم مزيداً من الإنسانية على حد تعبير الكاتب، بيد أن العصر الجديد قد سلب منهم هذه الحقوق.

حماية ال�سباب

أفرد الكتاب جزءاً خاصاً لمناقشة المشكات التي تواجه الشباب في العالم الرقميّ، وسبل مواجهتها، خاصةً في ظل غياب المؤسسات التي تهتم باحتياجاته­م وتقوم بحمايتهم من المخاطر على شبكة الإنترنت، باعتبارهم في صدارة الجماعات المُعرّضة للتهديدات، والفئة الأكثر احتياجاً للتوعية نظراً لانخراطهم شبه الدائم في العالم الافتراضي.

ورأى الكاتب أن أهم المشكات التي تواجه الشباب تتمثل في: الاستقطاب الرقميّ، والتحيز لرأي معيّن من دون دراية أو اطاع إلا على ما تقدمه مواقع التواصل الاجتماعي.

وتتطلب مواجهة هذه المشكات تفعيل دور الأسرة والمجتمع في تغيير نمط الحياة الراهن للشباب، والذي يقوم على إدمان الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وتنشئة أجيال جديدة تتعامل بحذر مع العالم الرقمي لتحقيق احتياجاتهم مثلما تمردت أجيال الستينيات على المجتمع الاستهاكي الرأسمالي.

ت�سحيح الم�سار

يُشير الكتاب إلى أنه لاتزال هناك فرصة لإصاح مساوئ العصر الرقمي الجديد، ويقدم مجموعة من المقترحات من بينها: إيجاد تشريعات قانونية تهدف إلى إلزام الشركات الكبرى العاملة في مجال الإنترنت بالتأكد من مصداقية المعلومات المُتدوالة على الإنترنت، ومنع انتشار الأخبار الكاذبة، وتقديم الدعم لرواد الأعمال لإيجاد ابتكارات جديدة تهدف إلى تحسين حياة ا لمو ا طنين .

يُضاف إلى ذلك ضرورة إلزام الشركات بالحفاظ على مسؤوليتها الاجتماعية من خال تبنيها مبادرات تهدف إلى تجسير الفجوة بين الفقراء والأغنياء، وحل مشكلة البطالة، مع تحسين مستوى التعليم بما يضمن تخريج جيل جديد قادر على التعامل مع الثورة الرقمية وتطويعها لصالحه، على ألا يقع هؤلاء الأفراد في فخ "شيطنة التكنولوجي­ا" أو الاعتقاد بمثاليتها.

ختاماً، يؤكد الكاتب أهمية تعزيز فرص الإبداع والابتكار والشفافية، وكسر الحواجز بين المجموعات المُغلقة وإدارة حوار بين الاتجاهات المتعارضة في العالم الافتراضي بما يؤدي لانتشار ثقافة التسامح والتعددية وقبول الآخر.

"العالم اليوم أغنى ب 100 مرة مما كان عليه قبل 200 عام. وعلى عكس الاعتقاد الشائع، فإن ثروته موزعة بشكل أكثر تساوياً، وعدد القتلى المسجّل سنوياً في الحروب أقل من ربع ما كان عليه في الثمانينيا­ت، وأقل من نصف عدد القتلى في الحرب العالمية الثانية، فلماذا التشاؤم؟" من هذه المقولة ينطلق الكتاب المعنون "التنوير الآن: دفاعاً عن المنطق، والعلم، والإنسانية، والتقدم" لمؤلفه "ستيفن بينكر" أستاذ علم النفس في جامعة هارفارد.

وعلى النقيض من الاتجاهات المتشائمة كافة، التي تصدرت العديد من الكتب الصادرة في الفترة الأخيرة، يتبني هذا الكتاب نظرة تفاؤلية، مؤكداً أن العالم يتجه نحو مزيد من التقدم والازدهار مستدلاً على ذلك بمجموعة من البيانات الإحصائية.

وقد رأى أن وسائل الإعام هي السبب الرئيسي في انتشار هذه النزعة التشاؤمية بسبب تركيزها على عرض الأخبار السلبية فقط لجذب القراء. وساهمت هذه النظرة المتفائلة في إثارة اهتمام الكثيرين وعلى رأسهم بيل جيتس - مؤسس مايكروسوفت - الذي أثنى على الأفكار التي تم طرحها واعتبره أفضل كتاب قرأه في حياته.

عوائد « ثقافة التنوير »

يعد الهدف الرئيسي من هذا الكتاب كما أشار "ستيفن بينكر" في أكثر من موضع هو إحياء مبادئ التنوير كالمنطق والعلم والإنسانية بما يتناسب مع القرن الواحد والعشرين، ويرتبط فهم بينكر لمفهوم "التنوير" بأفكار مونتسكيو، وفولتير وآدم سميث وكانط، وغيرهم من فاسفة التنوير الذين أكدوا قدرة العقل على إدراك الحجج والبراهين.

وتساهم مبادئ التنوير بهذا المعني في مساعدة الإنسان على إدراك التقدم الذي يحدث في العالم من حوله، في المقابل فإن عدم القدرة على استخدام الحجج والبراهين وتوظيفها بشكل صحيح لفهم العالم يؤدي إلى صعود النزعة التشاؤمية، وينتقد بينكر في كتابه الفكر الديني المتطرف الذي يقوم على العنف وإقصاء الآخر ويعتبره أكبر عدو لمبادئ التنوير والعقل والعلم والإنسانية.

فالاعتماد على مبادئ التفكير المنطقي يتيح للإنسان رؤية مجموعة من الحقائق، مثل أن انتشار التكنولوجي­ا بشكل سريع، وانخفاض تكلفة إنتاجها أدى إلى أن تكون الكماليات متاحة لعدد كبير من منخفضي الدخل مثل: الأجهزة الكهربائية، والتلفزيون­ات الملوّنة، كما أن الهواتف الجوالة أصبحت متاحة في يد غالبية المواطنين في الدول الفقيرة، يضاف إلى هذا انتشار الأدوات التكنولوجي­ة التي تقلل من عدد ساعات العمل وهو ما يتيح للبشر مزيداً من أوقات الفراغ بما ينعكس على صحتهم بشكل إيجابي.

وفي السياق ذات، ارتفعت معدلات الذكاء مع تزايد نسب التعليم، بالإضافة إلى انتشار الإعانات في الشوارع والتي يوجد بها العديد من الرموز البصرية، مما يساعد على تنمية مهارات الإنسان التحليلية، وياحظ أن بعض المفاهيم الأكاديمية أصبحت شائعة وسط أبناء هذا الجيل في حين أنها كانت غير مفهومة سوى للمتخصصين في الأجيال التي سبقتهم مثل: مفاهيم العرض والطلب، وحقوق الإنسان.

اأ�سباب انت�سار « الت�ساوؤم »

يرى بينكر أن المثقفين Intellectu­als() والخبراء من أهم أسباب انتشار التشاؤم والتقديرات السلبية؛ حيث تتسبب رؤيتهم للأحداث في تفشي قيم الامبالاة والتشكيك والخوف، ويقومون بنشر الأخبار والتقديرات السلبية بدلاً من التعامل مع الأزمات كمشكات قابلة للحل، وهو ما يعطي انطباعاً للعامة أن العالم يعاني الفوضى والكراهية وتردي الأوضاع الاقتصادية.

وعلى سبيل المثال، تعد قضية التسلح النووي من التهديدات التي استمرت لعقود طويلة، وعلى الرغم من ذلك عادة ما تتجنب الدول استخدامها، فإن المثقفين والخبراء العسكريين لم يتوقفوا عن المبالغة في التشاؤم عند إثارة هذه القضية.

ولا ينكر الكتاب أن بعض التخوفات قد تكون منطقية مثل صعود الرئيس "دونالد ترامب" إلى سدة الرئاسة، وانتشار الأحزاب المتطرفة في أوروبا، بيد أنه يرى أن التقدم الذي حققه العالم في أكثر من قرنين لن يستطيع أحد القضاء عليه خال سنوات قليلة.

ختاماً، يرى بينكر أن التشاؤم غريزة بشرية تساعد الإنسان على توخي الحذر، بيد أن الإفراط فيه يؤدي إلى نتائج عكسية، مطالباً بضرورة مراجعة الأرقام والإحصائيا­ت والتي تثبت أن العالم يتجه إلى مزيد من التقدم والتركيز على طرح حلول للمشكات المعقدة بدلاً من المبالغة في تقدير تأثيراتها السلبية.

 ?? ??
 ?? ??
 ?? ??
 ?? ??
 ?? ??
 ?? ??
 ?? ??
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates